الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادسة: وفيه: أن الخيرة تظهر بتيسير الأمر والبركة فيه، وإلا؛ صرف المستخير عنه، ويسر له الخير حيث كان.
السابعة: وفيه: أن المسلم إذا صلى صلاة الاستخارة؛ مضى لما عزم عليه، سواء انشرح صدره أم لا. (1)
قال ابن الزملكاني: " إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر؛ فليفعل بعدها ما بدا له، سواء انشرحت نفسه له أم لا، فإن فيه الخير، وإن لم تنشرح له نفسه". قال: "وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس "(2) . اهـ.
الثامنة: محل الدعاء (دعاء الاستخارة) يكون بعد السلام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا هم أحدكم بالأمر؛ فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل
…
"؛ إذ ظاهره أنه بعد الركعتين؛ يعني: بعد السلام. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن دعاء الاستخارة يكون قبل السلام. (3)
(13-4)
صلاة الكسوف والخسوف
(4)
يشتمل هذا الفصل على المباحث التالية:
(1) خلافاً للنووي حينما قال: "وإذا استخار؛ مضى بعدها لما ينشرح له صدره". اهـ.
"الأذكار"(3/355-356- مع شرح ابن علان) ، وهو قد اعتمد على حديث ضعيف جداً في ذلك. "فتح الباري"(11/187) .
وقد أفتى بخلاف كلام النووي وأن المستخير يمضي إلى ما أراد سواء انشرحت نفسه أم لا: العز بن عبد السلام، ورجحه العراقي ورد كلام النووي، ووافقه ابن حجر. "شرح الأذكار لابن علان"(3/357) .
(2)
"طبقات الشافعية" للتاج ابن السبكي (9/206)
(3)
"الاختيارات الفقهية "(ص58)
(4)
كسفت الشمس - بالفتح - وكسف القمر، والأولى أن يقال: خسف القمر، وقد جاء في الحديث:"كسفت الشمس وخسفت" و "كسف القمر وخسف". "جامع الأصول"(6/164) .
الأول: حكم صلاة الكسوف والخسوف.
الثاني: صفتها وعدد ركعاتها.
الثالث: صلاة كسوف القمر كصلاة خسوف الشمس، وإليك البيان فيما يلي:
- (1-13-4) حكم صلاة الكسوف والخسوف:
صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة، يستحب للمسلم فعلها استحباباً مؤكداً.
ويدل على هذا ما جاء:
عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام – وهو دون القيام الأول -، ثم ركع فأطال الركوع – وهو دون الركوع الأول -، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك؛ فادعوا الله وكبروا، وصلوا، وتصدقوا". ثم قال: "يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم؛ لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً". أخرجه الشيخان. (1)
قلت: ووجه دلالة الحديث أن الأمر بالصلاة جاء مقروناً بالأمر بالتكبير
(1) حديث صحيح.
أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، حديث رقم 1044) والسياق له، ومسلم في (كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، حديث رقم 901) .
والدعاء والصدقة، ولا قائل بوجوب الصدقة والتكبير والدعاء عند الكسوف؛ فالأمر فيها للاستحباب إجماعاً، فكذا الأمر بالصلاة المقترن بها (1) . والله الموفق.
- (2-13-4) صفة صلاة الكسوف وعدد ركعاتها:
يشتمل هذا المبحث على المسائل التالية:
المسألة الأولى: لا أذان ولا إقامة لصلاة الكسوف.
المسألة الثانية: عدد ركعات صلاة الكسوف.
المسألة الثالثة: يجهر في القراءة في صلاة الكسوف.
المسألة الرابعة: تصلى جماعة في المسجد.
المسألة الخامسة: إذا فاته ركوع من الركوعين في الركعة.
وإليك البيان:
المسألة الأولى: لا أذان ولا إقامة لصلاة الكسوف:
اتفق العلماء على أنه لا يؤذن لصلاة الكسوف ولا يقام (2) ، والمستحب (3) أن ينادى لها بـ (الصلاة جامعة) .
دليل ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: "لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ نودي: إن الصلاة جامعة". أخرجه الشيخان. (4)
(1) انظر حول دلالة الاقتران متى قوتها ومتى يظهر ضعفها ومتى يتساوى الأمران: "بدائع الفوائد"(4/183- 184) .
(2)
"فتح الباري"(2/533) ، "موسوعة الإجماع"(1/696) .
(3)
"شرح العمدة" لابن دقيق العيد (2/135-136) ، "فتح الباري"(2/533) .
(4)
حديث صحيح.
أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الكسوف، باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف، حديث رقم 1045) واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، حديث رقم 910) . وانظر: "جامع الأصول"(6/178) .
المسألة الثانية: عدد ركعات صلاة الكسوف:
تصلى صلاة الكسوف ركعتين بركوعين، والدليل على ذلك ما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها، وكذلك ما جاء عن عبد الله بن عباس؛ قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً – وهو دون القيام الأول -، ثم ركع ركوعاً طويلاً- وهو دون الركوع الأول -، ثم سجد، ثم قام قيام طويلاً – وهو دون القيام الأول -، ثم ركع ركوعاً طويلاً – وهو دون الركوع الأول -، ثم رفع فقام قياماً طويلاً – وهو دون القيام الأول -، ثم ركع ركوعاً طويلاً - وهو دون الركوع الأول-، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم:" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك؛ فاذكروا الله ". قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك كعكعت؟ قال صلى الله عليه وسلم:" إني رأيت الجنة، فتناولت عنقوداً، لو أصبته؛ لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. ورأيت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء". قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: " بكفرهن". قيل: يكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً؛ قالت: ما رأيت منك خيراً قط". أخرجه الشيخان. (1)
(1) حديث صحيح.
=أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف جماعة، حديث رقم 1052) واللفظ له، ومسلم في (كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، حديث رقم 907) وانظر: " جامع الأصول"(6/173)
فائدة:
في حديث عائشة وابن عباس دلالة على استحباب الخطبة في الكسوف بعد الصلاة. (1)
المسألة الثالثة: يجهر في القراءة في صلاة الكسوف:
والقراءة في صلاة الكسوف جهرية؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عائشة رضي الله عنها: " جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته؛ كبر فركع، وإذا رفع من الركعة؛ قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات". أخرجه الشيخان. (2)
قال الترمذي رحمه الله: " واختلف أهل العلم في القراءة في صلاة الكسوف: فرأى بعض أهل العلم أن يسر بالقراءة فيها بالنهار، ورأى بعضهم أن يجهر بالقراءة فيها؛ كنحو صلاة العيدين والجمعة، وبه يقول مالك وأحمد وإسحاق؛ يرون الجهر فيها، وقال الشافعي: لا يجهر فيها"(3) . اهـ.
(1) ومن تراجم البخاري في (كتاب الكسوف: باب خطبة الإمام في الكسوف. وقالت عائشة وأسماء: خطب لنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث عائشة السابق. "فتح الباري" (2/533- 534)
(2)
حديث صحيح.
أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الكسوف، باب الجهر بالقراءة في الكسوف، حديث رقم 1065) واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، حديث رقم 901) . وانظر: "جامع الأصول"(6/156) .
والحديث تقدم تخريجه، دون الإشارة إلى هذه الرواية.
(3)
" سنن الترمذي"(2/448-تحقيق أحمد شاكر)
قلت: ما وافق الحديث هو المعتمد (1) ، وبالله التوفيق.
المسألة الرابعة: تصلى جماعة في المسجد:
السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد، ويدل على ذلك الأمور التالية:
ما سبق من مشروعية النداء لصلاة الكسوف بـ (الصلاة جامعة)
ما ورد من أن بعض الصحابة صلاها جماعة في المسجد (2) .
ما أشعرت به الروايتان السابقتان من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها جماعة في المسجد، بل في رواية لحديث عائشة المتقدم؛ قالت: " خسفت الشمس في حياة رسول الله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبر وصف الناس وراءه
…
" (3)
(1) انظر كلام الشافعي ودليله في "الأم"(1/243) ، ومناقشة أدلته وردها في "فتح الباري"(2/550) .
(2)
من تراجم البخاري في "صحيحه": "باب صلاة الكسوف جماعة، وصلى ابن عباس لهم في صفة زمزم، وجمع علي بن عبد الله بن عباس، وصلى ابن عمر
…
" ثم ساق بسنده حديث ابن عباس السابق.
والقول بمشروعية صلاة الكسوف جماعة هو قول الجمهور، وإن لم يحضر الإمام الراتب فيؤم لهم بعضهم. انظر:"فتح الباري"(2/539- 540)
(3)
من تراجم البخاري في "صحيحه": " باب صلاة الكسوف في المسجد"، أورد فيه حديث عائشة السابق برواية فيها قولها: " ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركباً، فكسفت الشمس، فرجع ضحى، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الحجر
…
" (الحديث رقم 1056)
قال ابن حجر في "فتح الباري"(2/544) تعليقاً على هذا الحديث: " لم يقع فيه التصريح بكونها – يعني: صلاة الكسوف – في المسجد، لكنه يؤخذ من قولها فيه: " فمر بين ظهراني الحجر"؛ لأن الحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت لاصقة بالمسجد، وقد وقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عند مسلم [قلت: حديث رقم 903] ، ولفظه: "فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مركبه، حتى أتى إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه
…
" الحديث ". اهـ.
قلت: وأوضح منه ما جاء في رواية لحديث عائشة المتقدم عند مسلم تحت (رقم 901) ؛ قالت: " خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبر وصف الناس وراءه ".
المسألة الخامسة: إذا فاته ركوع من الركوعين في الركعة:
صلاة الكسوف ركعتان، كل ركعة بركوعين وسجدتين؛ فمجمل الصلاة أربع ركوعات وأربع سجدات في ركعتين.
ومن أدرك الركوع الثاني في الركعة الأولى؛ فاته فيها قيام وقراءة وركوع، وبناء عليه لا يكون قد جاء بركعة من ركعتي صلاة الكسوف؛ فلا يعتد بهذه الركعة، وعليه بعد سلام الإمام أن يأتي بركعة بركوعين على ما ثبت في الأحاديث الصحيحة. والله أعلم.
والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد". متفق عليه. (1)
وليس من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة ركعة من صلاة الكسوف بركوع واحد. والله أعلم.
- (3-13-4) صلاة كسوف القمر كصلاة خسوف الشمس:
يصلى لكسوف القمر كما يصلى لخسوف الشمس، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم:
(1) حديث صحيح.
أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به بهذا اللفظ في (كتاب البيوع، باب النجش، فتح الباري 4/355) ، وأخرجه موصولاً في (كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود) ؛ بلفظ: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد"، وأخرجه مسلم في (كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، حديث رقم 1718) . وانظر: " جامع الأصول"(1/289) .