الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه؛ فإن فعله صلى الله عليه وسلم دل على أن قوله: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"؛ إنما هو إرشاد إلى الأفضل، فيباح للمسلم أن يصلي بعد الوتر، ولا حرج عليه في ذلك.
ويؤكد هذا ما جاء عن ثوبان؛ قال: كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال:" إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم؛ فليركع ركعتين، فإن استيقظ، وإلا؛ كانتا له". أخرجه الدارمي وابن خزيمة وابن حبان. (1)
فدل ذلك على أن المقصود من الأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً أن لا يهمل الإيتار بركعة؛ فلا ينافيه صلاة ركعتين بعده؛ كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام وأمره (2) . والله أعلم.
وقد بوب ابن خزيمة رحمه الله على حديث ثوبان هذا بقوله: " باب ذكر الدليل على أن الصلاة بعد الوتر مباحة لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة لا أمر إيجاب وفريضة"(3) اهـ.
(5-3)
ما يقرأ في الوتر
يشرع للمسلم أن يقرأ في الأولى من الوتر: {سبح اسم ربك الأعلى} ،
(1) إسناده جيد.
أخرجه الدارمي (1/374) ، وابن خزيمة في " صحيحه"(حديث رقم 1106) ، وابن حبان كما في (6/315، حديث رقم 2577- الإحسان) .
والحديث أورده الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(تحت رقم 1993)، وقال محقق "الإحسان":"إسناده قوي".
(2)
انظر: " سلسلة الأحاديث الصحيحة "(4/646، حديث رقم 1993) .
(3)
" صحيح ابن خزيمة"(2/159) .
وفي الثانية: {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة:{قل هو الله أحد} .
وأحياناً يقرأ في الثالثة مع {قل هو الله أحد} : المعوذتين.
والدليل على ذلك ما يلي:
عن أبي بن كعب: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات، كان يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ، ويقنت قبل الركوع، فإذا فرغ؛ قال عند فراغه: " سبحان الملك القدوس"؛ ثلاث مرات، يطيل في آخرهن". أخرجه النسائي. (1)
عن ابن عباس؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث؛ يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ". أخرجه النسائي. (2)
عن عبد العزيز بن جريج؛ قال: سألت عائشة: بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: " كان يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي
(1) حديث صحيح.
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر، 3/235) ، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(6/202، حديث رقم 2450- الإحسان) دون قوله: "ويقنت قبل الركوع"، وقال: " فإذا سلم؟؛ قال: سبحان الملك القدوس
…
".
والحديث صحيح أسنده الألباني في " صحيح سنن النسائي"(1/371-372) ، ومحقق "الإحسان"(6/203) .
(2)
حديث صحيح.
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر الاختلاف على أبي إسحاق في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس في الوتر، 3/236) .
والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي"(1/372) .
الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} والمعوذتين ". أخرجه الترمذي. (1)
واعلم أن هذه الأحاديث تشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر، وهذا جاء صريحاً:
عن ابن عمر؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يسمعناه". أخرجه ابن حبان. (2)
وليس معنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يوتر بثلاث موصولات؛ فقد جاء في رواية لحديث أبي بن كعب السابق بلفظ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الركعة الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ، ولا يسلم إلا في آخرهن، ويقول (يعني: بعد التسليم) : " سبحان الملك القدوس:؛ ثلاثاً ". أخرجه النسائي. (3)
(1) حديث صحيح.
أخرجه الترمذي في (أبواب الوتر، باب ما جاء فيما يقرأ به في الوتر، حديث رقم 462) ، وصححه ابن حبان (6/188 و 201، حديث رقم 2432، 2448 – الإحسان) ، والحديث حسنه الترمذي، ووافقه الشيخ أحمد شاكر، وصححه محقق " الإحسان" والألباني في "صحيح سنن الترمذي"(1/144) .
(2)
إسناده حسن.
أخرجه أحمد في " المسند"(2/76، 7/230، حديث رقم 5461- شاكر) ، وصححه ابن حبان " الإحسان"(6/191، حديث رقم 2435) .
والحديث صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر كما أشار الشيخ أحمد شاكر، وكذا قواه محقق " الإحسان "
(3)
حديث صحيح.
أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر، 3/335-336) .
والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي"(1/372) .
ص67
فائدة: أخرج: النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب القراءة في الوتر) عن أبي موسى؛ أنه كان بين مكة والمدينة، فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمئة آية من النساء، ثم قال: ما آلوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قلت: فالحديث غير صريح عندي في الدلالة على مشروعية قراءة مئة آية من سورة النساء في الوتر على الإطلاق، نعم؛ وهو يدل على مشروعية ذلك عند الإيتار بركعة واحدة، وهل هذا في الحضر كذلك؟ الأول أظهر عندي. والله أعلم.