الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة: دل حديث أبي بن كعب على مشروعية أن يقول المسلم إذا فرغ من الوتر: "سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات يطيل في آخرهن.
(6-3)
القنوت في الوتر
ويشتمل هذا الفصل على المسائل التالية:
المسألة الأولى: حكم القنوت في الوتر.
المسألة الثانية: موضعه.
المسألة الثالثة: صفته.
وإليك بيان ذلك:
- (1-6-3) حكم القنوت في الوتر:
القنوت في الوتر مستحب، وليس بواجب.
والدليل على استحبابه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوتر ولا يقنت أحياناً، فدل ذلك على عدم وجوب القنوت في الوتر، إذ لو كان واجباً؛ ما تركه صلى الله عليه وسلم أحياناً. والله أعلم.
والدليل على ذلك؛ أنه ثبت عن بعض الصحابة والتابعين ترك القنوت في الوتر، وثبت عن بعضهم ترك القنوت في الوتر طوال السنة؛ إلا في النصف من رمضان، وثبت عن آخرين القنوت في الوتر طوال السنة (1) . وهذا الاختلاف منهم مشعر بأنه لم يثبت لديهم جميعهم قنوت الرسول صلى الله عليه وسلم في كل صلاة وتر، وفي هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يترك الوتر أحياناً. والله أعلم.
وممن حكى هذا الاختلاف الترمذي، فقال: " اختلف أهل العلم في القنوت في الوتر، فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها، واختار القنوت قبل الركوع. وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق وأهل الكوفة.
وقد روي عن علي بن أبي طالب: أنه كان لا يقنت إلا في النصف الآخر من رمضان، وكان يقنت بعد الركوع. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وبه يقول الشافعي وأحمد " (2) . اهـ.
- (2-6-3) موضع القنوت في الوتر:
القنوت يكون في الركعة الأخيرة بعد القراءة وقبل الركوع، هذا الثابت من فعله صلوات الله وسلامه عليه غالباً، وكان أحياناً يقنت للوتر بعد الركوع، والله أعلم.
والدليل على ذلك ما يلي:
أ) عن أبي بن كعب؛ قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع". أخرجه ابن ماجه. (3)
(1) انظر: " المصنف" لابن أبي شيبة (2/305، 306) ، و "مختصر قيام الليل" للمروزي (ص135- 136) ، و "مجموع الفتاوى"(22/271) .
(2)
" سنن الترمذي"(2/329) .
(3)
حديث صحيح.
أخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القنوت قبل الركوع وبعده، حديث رقم 1182) ، وأبو داود في (تفريع أبواب الوتر، باب القنوت في الوتر) معلقاً طرف سنده وأورد المتن بنحوه، وأخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر 43/ 235) بسياق فيه زيادة على ما هنا، ذكر ما يقرأ في الوتر وما يقوله عند فراغه من الوتر.
والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل"(2/167، حديث رقم 426) ، وصححه محقق " جامع الأصول"(6/54) .
ب) عن علقمة؛ " أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع". أخرجه ابن أبي شيبة. (1)
قلت: ففي حديث أبي بن كعب وأثر علقمة دليل على أن قنوت الوتر يكون بعد القراءة قبل الركوع.
أما الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت أحياناً بعد الركوع في الوتر؛ فهو التالي:
عن عبد الرحمن بن عبد القاري؛ أنه قال: " خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد؛ لكان أمثل. ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه (2) ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون
(1) أثر صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/302) ؛ قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم عن علقمة ابن أبي مسعود
…
" وساقه.
والأثر قال عنه الألباني في " إرواء الغليل"(2/166) : " هذا سند جيد، وهو على شرط مسلم". اهـ.
(2)
يعني: البدعة اللغوية؛ لأن اجتماع الناس على إمام واحد في صلاة الليل في رمضان
ص70
في المسجد لم يكن في زمن أبي بكر، ولا في أول زمن عمر، فسماه عمر بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعة شرعية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت أنه صلى بالناس جماعة صلاة التراويح، وقال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة:" إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم"[البخاري: 2012] ؛ فاجتماع الناس لصلاة التراويح عمل صالح، لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم، فانتفى المعارض. انظر:" اقتضاء الصراط المستقيم"(ص275- 277)
(يريد: آخر الليل) . وكان الناس يقومون أوله (وزاد في رواية: وكان يلعنون الكفرة في النصف (1) : اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجداً) " (2) .
قلت: ومحل الدلالة في قوله: " ثم يكبر ويهوي ساجداً "؛ إذ فيه أن دعاء القنوت في الوتر كان بعد الركوع، إذ لو كان الدعاء بعد القراءة؛ لكبر للركوع لا للسجود. وبالله التوفيق.
(1) يعني في النصف من رمضان.
(2)
أثر صحيح.
أخرجه البخاري في (كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان، حديث رقم 2010) إلى قوله: "وكان الناس يقومون أوله"، والزيادة في الرواية الأخرى أخرجها ابن خزيمة في "صحيحه"(2/155-156) ، وصحح إسنادها الألباني في رسالته القيمة المفيدة " صلاة التراويح"(ص41-42) ، وتكلم حفظه الله على شيء من فقه هذا الأثر؛ فانظره.
- (3-6-3) صفة القنوت في الوتر:
الذي يظهر من تأمل النصوص الواردة؛ أنه ليس في قنوت الوتر شيء موقت، إنما هو دعاء واستغفار. (1)
ومن خير الدعاء في قنوت الوتر ما يلي:
عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن [إذا فرغت من قراءتي] في قنوت الوتر: " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، (ولا منجأ منك إلا إليك] " (2)
كما يشرع في دعاء القنوت في الوتر في النصف من رمضان بما ثبت في الرواية السابقة في أثر عبد الرحمن بن عبد القاري: " وكان يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ
(1) وهذا مروي عن إبراهيم النخعي. انظر: "مصنف ابن أبي شيبة"(2/301) .
(2)
حديث صحيح.
=أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، حديث رقم 1425) والسياق له، وأخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الدعاء في الوتر، 3/248) بنحوه، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، حديث رقم 464) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القنوت في الوتر، حديث رقم 1178) ، وأخرجه ابن مندة في " كتاب التوحيد"(2/191، حديث رقم 343) والزيادتان له والحديث صححه العلامة أحمد شاكر في " تحقيقه للترمذي"(2/329) ، والعلامة الألباني في "إرواء الغليل"(2/172) ، ومحقق "جامع الأصول"(5/392) .
من لعنه الكفرة، وصلاته على النبي، واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات، ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " (1) .
تنبيه:
ثبت عن على بن أبي طالب رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"(2) .
قلت: أورد هذا الحديث بهذا السياق الترمذي في (باب في دعاء الوتر) ، والنسائي في (باب الدعاء في الوتر) ، وأبو داود في (باب القنوت في الوتر) ، وابن ماجه في (باب ما جاء في القنوت في الوتر) .
ووجه ذلك ما أشار إليه السندي في "حاشيته على النسائي" حيث قال: "قوله: " كان يقول في آخر وتره": يحتمل أنه كان يقول في آخر القيام، فصار هو من القنوت؛ كما هو مقتضى كلام المصنف، ويحتمل أنه كان يقول في قعود التشهد، وهو ظاهر اللفظ"(3) اهـ.
لكن أخرج هذا الحديث النسائي من كتاب " عمل اليوم والليلة" وكذا ابن
(1) سبق تخريجه وسياقه تاماً؛ انظر: (2/6-3) .
(2)
حديث صحيح.
أخرجه الترمذي في (كتاب الدعوات، حديث رقم 3566) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 3/248-249) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، حديث رقم 1427) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، حديث رقم 1179) .
والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل "(2/175، حديث رقم 430) ومحقق "جامع الأصول"(6/64، 5/392) .
(3)
" حاشية السندي على النسائي"(3/249) .