الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث قوله تعالى:
[ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين]
وما تشير إليه، ومَن المخاطب من تلك الإشارة؟
وما المناسبة في ذلك مع سورة الفاتحة
؟
الهدف من هذا المبحث:
هو تدبر قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} وإظهار المناسبة في الآية الكريمة مع المخاطب، بمعنى: ما هي الرسالة الموجهة للقارئ من تلكم الآية المباركة؟
حيث نبين الفائدة من اسم الاشارة (ذلك) وما له من معاني تختلف بَحسْبِ السياق للمخاطب (القارئ، أيًّا ما كان)، وللمشار إليه (وهو القرآن الكريم)، وعلاقة ذلك بسورة الفاتحة، وسورة البقرة أيضًا.
تفصيل ما سبق:
(ذلك) اسم إشارة للبعيد
(1)
، وله عدة معاني وإشارات، منها ما هو خاص بالقرآن الكريم (فوائد خاصة بالقرآن)، ومنها ما هو خاص للمخاطب (رسائل موجهة للقارئ)(والمقصود بالفئات التي ذكرت في سورة الفاتحة وسورة البقرة).
نبدأ بما هو خاص بالقرآن الكريم:
(1)
ويجوز أن ينوب اسم الإشارة الدالّ على القرب عن الدالّ على البعد وبالعكس؛ فتنوب هذا عن ذلك وذلك عن هذا، وذلك لما ذكرناه من قصد التعظيم أو التحقير. انظر معاني النحو للدكتور فاضل السامرائي (1/ 90)، و (1/ 91).
أولًا: المشار إليه وهو (الكتاب) باسم الإشارة (ذلك).
نستنتج عدة أمور:
1 ـ {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} إشارة للجميع، فالخطاب هنا عام لا يقصد منه فئة معينة بحد ذاتها، والقرآن نزل رحمةً للعالمين جميعًا، على سبيل المثال فلم يذكر يا أيها الذين آمنوا ذلك الكتاب، بل هو توجيه عام للجميع.
2 ـ بما أن [ذلك] تدل على البعيدٌ فهذا فيه دلالة أن كلمة الكتاب في الآية السابقة يقصد بها اللوح المحفوظ في السماء فهو بعيد عنّا وليس معنا
(1)
. وهذا ما تطمئن له النفس؛ لأن الآية فيها دلالة على أن هذا الكتاب هدى، وهذه الآية نزلت في بداية نزول القرآن، بمعنى أن القرآن لم يكن مكتملًا حينها، فيكف سيكون هدى؟ لأن القرآن يؤخذ كله. فليس جزء منه هداية بل كله هداية.
3 ـ وهناك دلالة أخرى لمعنى البعيد، أي أنه بعيد عن أهل الباطل المغضوب عليهم والضالين ومن على شاكلتهم، بعيد
(1)
انظر تفسير القرطبي (1/ 157). وقال الكسائي: "ذلك" إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد، ولعله يقصد وقت نزول هذه الآيات.
عنهم كل البعد، فلا يستطيعون الوصول له للعبث به وتحريفه ــ عياذًا بالله ــ فهو محفوظ عند الله لا يستطيعون الإضرار به بتاتًا ــ حاشا لله. تعجيزًا للكفار.
4 ـ بعيد بمعنى أنه أعلى منّا وبعيد عنّا بعظمته وتقديسه، فهو كلام الله تعالى وتقدس. تعجيزًا للكفار وتثبيتًا للمؤمنين أيضًا.
الفوائد الخاصة بالمخاطب
…
وذكرنا بعضها فيما مضى ونثني بأخرى
…
أولًا: طمأنةٌ للمؤمنين:
على سبيل المثال ما تشير إليه باعتبار المخاطب مسلمًا مؤمنًا مصدقًا بالله ورسوله: تعريفًا لهم بمكانة القرآن، وأن يحافظوا عليه فهو:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ، وأَلَاّ يكونوا بعيدين عنه، وبأن يطمئنوا أن هذا الكتاب محفوظ عند رب العباد لا يستطيع أحد الوصول له، وبما أن هذا القرآن الكريم وهو دستورنا محفوظ فهذا معناه أن الدين كله محفوظ.
ـ توجيههم لمعرفة قدر هذا القرآن الكريم فهو عظيم فيجب تعظيمه، وأن الاستهانة به بُعدٌ عن الحق وكفر به عياذًا بالله
(1)
لا قدر الله.
ـ توجيه لهم للاهتمام به أشد الاهتمام، وأعلى درجات الحب والتقديس لهذا الكتاب الكريم، حفظًا وتلاوةً وتدبرًا ودراسةً، بمعنى أن هناك من هو قريب ومن هو بعيد، فالبعيد المقصود منه بُعده عن القرآن، والقريب من هو قريب من القرآن، وكلٌ بحسب حاله، فهناك من هو بعيد كل البعد، وهناك من هو قريب كل القرب، وهناك من هو بعيد ليس بالكثير، وهناك من هو قريب ليس بالكثير ..
ثانيًا: على سبيل المثال ما تشير إليه باعتبار المخاطب ممن ليس على ملة الإسلام أو من المقصرين:
1 ـ أسلوب للتقريع والذم، فاسم الاشارة [ذلك] بمعنى أنك بعيد كل البعد عن هذا الكتاب العظيم وعن تعاليمه وعن الإيمان به، كل بحسب حاله وقربه وبعده عن الله جل جلاله.
(1)
والمرجع على ذلك والدليل من القرآن الكريم وأن هذا كله يجب أن يوضح لهم أولًا ومن ثم يطلق الحكم عليهم بالكفر والردة.
لذلك جاءت الإشارة بذلك
(1)
إن حقيقة قوله تعالى [ذلك الكتاب] أن فيها إنقاصًا من قدرهم، وفيها رفعةً لكتاب الله في ذات الوقت، فالمخاطب هو من الآيات السابقة، والإشارة إلى ما هو لاحق.
(1)
ويجوز أن ينوب اسم الإشارة الدالّ على القُرب عن الدالّ على البُعد وبالعكس فتنوب هذا عن ذلك وذلك عن هذا، وذلك لما ذكرناه من قصد التعظيم أو التحقير. انظر: معاني النحو للدكتور فاضل السامرائي (1/ 90)، و (1/ 91).