الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إبراهيم عليه السلام الذي يملأ قلبه النور، قال له {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} أتى بحجة وسؤال لا يستطيع النمرود الإجابة عليه
النتيجة {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} .
وهناك موطن رابع في الآية التي تليها
(1)
في قوله تعالى {أَوْ كَالَّذِي
…
مَرَّ
…
عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
…
}، وفيها من الفوائد الكثير أيضًا.
وبعد سرد آيات الرؤية القلبية، وتتبع سياقها، نجد أنه ما زال موضوع الآيات، يتحدث عنها، فجاءت قبل موقف إبراهيم عليه السلام مع النمرود، وفي منتصف سياق آيات الرؤية القلبية في سورة البقرة، يقول الله تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} الآية الكريمة،
(1)
ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ، كأنه قيل: أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر على قرية، الكشاف (1/ 306)، بمعنى أن، ألم تر في بداية الآية 258 تشمل القصتين بمعنى، ألم تر الذي مر على قرية أيضًا، فيكون هذا الموضع الرابع في سورة البقرة والذي كان بأسلوب ألم تر.
تتحدث عن النور الذي يهبه الله للمؤمنين، ولا شك أن هذا النور ليس النور الذي تضاء به أماكن الجمادات، ولكنه النور الذي ينبع من قلب المؤمن ليرى ما حوله بوضوح.
أما عن الذين كفروا {يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} عمى قلبي واضح بيِّن، فكيف يرون في الظلمات التي تقف حاجزًا أمام الإبصار.
الظلمات: الضلالة، والنور: الهدى، قاله مجاهد، وقتادة. وقول آخر أن الظلمات: الشك، والنور: اليقين،
(1)
.
إذًا هناك علاقة بين النور والرؤية القلبية، لعلنا نقول إن الرؤية القلبية، هي الاهتداء للهدى؛ لذلك جاء في بداية وفواتح البقرة هدى للمتقين، أولئك على هدى من ربهم، يعني يهتدون بهدي ربهم الذي دلهم عليه سبحانه.
وجاء أيضًا في بداية السورة الكريمة، ولا يفصلها عن مقدمة السورة إلا آيات معدودة، قوله تعالى:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)} .
(1)
تفسير زاد المسير (1/ 232).
لاحظ مدار الحديث، يدول حول النور الذي هو سبب الرؤية القلبية، المسألة هنا: أضاءت ما حولهم (نور يرون به) ذهب الله بنورهم (لا يرون).
وقبل هذه الآية قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)} تكملة لسياق أن القلب إذا ختم عليه، فهو لا يرى النور (غشاوة).
ومن الفوائد المناسب ذكرها، أنه حتى في هذا الموضوع، هناك رابط ومناسبة بين سورة الفاتحة وسورة البقرة.
يقول الإمام ابن القيم في سورة الفاتحة: ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} منزلة الفراسة، قال الله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)}
(1)
، قال مجاهد _رحمه الله_: المتفرسين، إلى أن قال: وقال تعالى في حق المنافقين: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}
(2)
، وهذا له رابط عجيب بين الفاتحة والبقرة، حيث إن سورة البقرة تتحدث عن الرؤية القلبية، امتدادًا لسورة
(1)
سورة الحجر.
(2)
سورة محمد.
الفاتحة، فقد تحدث ابن القيم عن الفراسة، والتي هي شيء يسير من الرؤية القلبية.
ومضة:
ولا يزال موضوع الرؤية القلبية يحتاج لمزيد من البحث والتبصرة، في كثير من أموره، فما هيَ ميزات الرؤية القلبية؟ وكيف نستحضرها؟ وما هي أدواتها؟ وأمور كثيرة عنها، ولكن هذا كله فوق طاقة هذا الكتاب، والأمر يحتاج إلى رسائل، وحسبي أني وضعت بعض النقاط على الحروف، وبإذن الله يكون هناك مؤلف خاص لهذا الموضوع، يسر الله إخراجه، فنسأل الله البركة والتوفيق.