الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكونية ومعاني الآيات الكلامية في دلالتها وبيانها. والحكمة هنا في هذه الاحكام هي الحكمة المتقدمة فيهما.
ونظير الآيات الكونية والآيات الكلامية والأحكام الشرعية في هذا الخفاء الجزءي تصرفات الله في خلقه بمجاري اقداره فقد تظهر حكم الله فيها وقد تخفى، وقد تخفى دهراً وتظهر بعد مدة. وقد نبهنا الله على هذه الحقيقة بما قص علينا في قصة يوسف عليه السلام، وما كان مجهولا من حكم قدر الله في مبدأ أمره وما ظهر من تلك الحكم الباهرة للقدر في آخر أمره، وبما قصه علينا في قصة أم موسى لما أوحي اليها بقذفه في اليم وعدم الخوف عليه وما كان من عواقب امره، وكما لا ينفي الحكمة عن تدبير الله عدم ظهورها كذلك لا ينفي الحكمة عن شرعه عدم فهمها ولا يقدح في دلالة الآيات وبيانها عدم إدراك كنهها أو عدم فهم معناها.
ففي خلق الله وفي شرع الله وفي قدر الله وفي كلام الله ما يخفي على العقول إدراك حقيقته أو حكمته، أو معناه لطفاً من الله بالإنسان وتنبيها له، وقد قامت الحجة عليه فيما جهل بما عرف. وتجلت له بدائع الخلقة وجلائل النعمة فيما ظهر، فآمن بوجود مثلها فيما خفي. إذ الرب الحكيم الرحيم لا يكون منه إلا ما هو حكمة وفيه نعمة، فكان الإنسان في القسم الأول مدركا مستدلا معتبرا، قد استعمل عقله فأدَّاه إلى الإيمان واليقين فيما ظهر. وكان في القسم الثاني مصدِّقا مذعنا لربه صاغرا، قد أدرك الحجة فآمن بالغيب فيما استتر.
فجمع بين النظر والاستدلال، والتسليم والاذعان.
فهذا توجيه وجود لفظ لا نفهم معناه من كتاب الله- عند من يقول به- ببيان حكمته، مع تنظيره بمثله في خلق الله وشرعه وقدره.
بناء العمل على هذا العلم:
قد رأيت كيف يقف العقل عاجزاً أمام بعض أسرار الخلق والقدر
والشرع والقرآن، مع يقينه بما علم منها، ان ما عجز عن إدراكه ما هو إلاّ مثل ما عرف في الحق والحكمة والنعمة، إذ الجميع- ما عرف وما عجز عنه- من إله واحد حكيم خبير رحمن رحيم. فليذكر الناظر في خلق الله وقدره وشرعه وكلامه دائما هذه الحقيقة، وهي ثبوت الحق والحكمة والنعمة في جميعها، وإمكان عجز عقله في بعض المواضع والأحوال عن إدراكها فيكون عمله في خلق الله هو النظر والبحث والتعليل والاكتشاف واستجلاء الحقائق الكونية واستخراج الفوائد العلمية والعملية إلى أقصى حد توصله اليه معلوماته وآلاته حتى إذا انتهى إلى مشكل استغلق عليه اعترف بعجزه ولم يرتكب من الأوهام والفروض البعيدة ما يكسوا الحقيقة ظلمة، ويوقع الباحث من بعده في ضلالة أو حيرة، فكثيراً ما كانت الفروض الوهمية الموضوعة موضع اليقينيات سببا في صد العقول عن النظر وطول أمد الخطأ والجهل، ويكون عمله في قدر الله هو الاعتبار في تصاريف القدر، والاتعاظ بأحوال البشر، واستحصال قواعد الحياة من سير الحياة، فإذا رأى من تصاريف القدر ما لم يعرف وجهه ولم يتبين له ما فيه من عدل وحكمة واحسان ورحمة، فليذكر عجزه وليذكر ظهور ما خفي عنه من مثل ذلك في وقت ثم ظهر له فيوقن ان هذا مثله، وانه إذا طالت به الأيام قد يظهر له من وجهه ما خفي منه، فيتلقاه الآن بالتسليم والتنزيه، راداً علمه إلى الله تعالى مفوضا أمره إليه، ويكون عمله في شرع الله هو الفهم لنصوص الآيات والأحاديث ومقاصد الشرع وكلام أئمة السلف، وتحصيل الاحكام وحكمها، والعقائد وأدلتها، والآداب وفوائهدها، والمفاسد وأضرارها، حتى إذا بلغ إلى حكم لم يعرف حكمته وقضاء لم يدر علته ذكر عجزه فوقف عنده، فلم يكن من المرتابين ولا من المتكلفين، ولم يمنعه عجزه عن تعليل وتبين وجهه ذلك القليل عن المضي في التفهم والتدبر لما بقي له من