الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِيمَةُ الرَّجُلِ بِقِيمَةِ قَوْمِهِ
.
لما قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وآله وسلم «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِرُهُ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» (1) نبه على معنى عظيم في ارتباط كل فرد بأمته ارتباط الجزء بكله وهذا الارتباط يقتضي أمورا كثيرة منها ما جاء نصا في الحديث الشريف ومنها ما يؤخذ مما يقتضيه التشبيه ومن هذا أن الفرد منظور إليه في النظر الاجتماعي العام بما ينظر به إلى أمته، سواء أساواها في المستوى الذي هو فيه من رقي وانحطاط، أم كان أسمى منها أو أدنى فقيمته في النظر الاجتماعي العام هي قيمتها.
ــ
جمعتني ليلة بثلاثة من شبابنا المتعلم التعليم الأوروبي والمتأدب الأدب الإفرنجي ممن لا ينقصه شيء عن الطبقات الراقية منهم، وانساق بنا الكلام إلى ما تكتسب به الأمم والأفراد الاحترام في عين غيرها، واتفقنا على أن الأمة التي لا تحترم مقوماتها من جنسها ولغتها ودينها وتاريخها لا تعد أمة بين الأمم، ولا ينظر إليها إلا بعين الاحتقار مع القضاء عليها في ميادين الحياة بالتقهقر والاندحار. وان الفرد الذي لا يحافظ على ذلك من أمته لتأخرها في سير الزمان بما أحاط بها من ظروف الحياة وأن تحلى بأعظم وأحسن ما يتحلى به الراقون من أمة أخرى لا ينظر إليه إلا بالعين التي ينظر بها إلى أمته.
أخذ أولئك الشبان- وقد زالت عن أبصارهم غشاوة الغرور
(1) رواه مسلم ولفطه: تداعى له سائر الجسد (المعلق).
والغفلة لما أقنعتهم بأن قيمة الرجل بقيمة أمته- يقصون علي من الوقائع التي وقعت لهم هم أنفسهم ما يثبت تلك الحقيقة ويؤيدنها. قلت لأولئك الأخوان- وقد اندهشت مما لم أكن أحسبه يقع-: لا تلوموا من عاملكم بما تقتضيه نظرة اجتماعية عامة، ولكن لوموا أنفسكم إن جهلتم هذه الحقيقة، وأنتم أبناء دين قررها من أول أيامه في مثل الحديث الشريف الذي افتنحنا به هذا المقال. واليوم- وقد تجلت لكم الحقيقة علميا وعمليا- عليكم أن تلتفتوا إلى أمتكم فتنشلوها مما هي فيه بما عندكم من علم وما اكتسبتم من خبرة محافظين لها على مقوماتها سائرين بها في موكب المدنية الحقة بين الأمم، وبهذا تخدمون أنفسكم وتخدمون الإنسانية بإنهاض أمة عظيمة تاريخية من أممها، ثم لا يمنع هذا من أخذ العلم عن كل أمة وبأي لسان واقتباس كل ما هو حسن مما عند غيرنا ومد اليد إلى كل من يريد التعاون على الخير والسعادة والسلام (1).
(1) ش: ج 8، م 11، ص 443 - 444 شعبان1354 هـ- نوفمبر 1935م.