الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنسبة لمال صاحبه كثيرا، فإن درهم ذى درهين هو شطر ماله، وتكون المائة ألف بالنسبة لمال صاحبها قليلة، فإنها لم تكن إلا من جانبه، وسلم أصله ومعظمه.
توجيه:
الأجرُ على قدر المشقة، والثواب على قدر النصب، وما يجده ذو الدرهمين من إنفاق أحدهما، وهما كل ما يملك من المشقة والنصب، أعظم مما يجده ذو المائة ألف، وهي بعض ماله الكثير، وذو الدرهمين كان عنده من الإيمان واليقين ما أنفق به شطر ماله فهو أعظم إيمانا ممن أنفق جزءا من مائة منه. وما عند ذى الدرهمين من خلق الإيثار والتضحية والبذل في سبيل الله أعظم بكثير مما عند ذى المائة ألف. فهو أعظم منه أجرا وفضلا، فقد كان أعظم منه مشقة.
فقد كان أعظم منه مشقة وأقوى منه إيمانا، وأبلغ منه تضحية وبذل جهد في سبيل الله وإيثارا. لا جرم كان أعظم منه فضلا واجرا.
تبصرة:
يقعد الشيطان للقليل المال في طريق الإنفاق فيزهده فيه. ومن مداخله عليه أنه يحقر له ما ينفقه من قليل بأنه لا غناء فيه فيقبض يده عن الصدقة بذلك القليل الذي يستطيعه فيفوته أجر كبير. فبصرنا نبينا- صلى الله عليه وآله وسلم بالحقيقة، وبين لنا أن ذلك القليل بالنسبة لمال صاحبه هو كثير حتى أنه يسبق كثير غيره من أهل المال العظيم ليشارك فقيرنا غنينا بقليله فيكون من السابقين إلى الأجر الكثير.
تربية:
الأخلاق الفاضلة التي هي موجودة في فطرة الإنسان بأصولها،
وتنمو بحسن التربية وتنطمس بالإهمال- قد حفظهما الله تعالى علينا بما وفقنا إليه من الإسلام، وما علمنا من آداب وما شرعه لنا من أعمال. ومما ينمي تلك الأخلاق ويقويها المداومة على الأعمال التي تنشأ عنها. ومن أعظم تلك الأخلاق وأدخلها في باب النهوض بجلائل الأعمال وحفظ سعادة الاجتماع خلق البذل، فجاء هذا الحديث الشريف وغيره يبين لنا عظيم أجر صدقة المقل ليحثه على مشاركة الغني في العطاء بما استطاع فيكون البذل من الجميع عاما، والسخاء بينهم مشتركا، وآثاره عليهم ظاهرة فينمو خلقه بذللك في الأمة كلها وترسخ أصوله في نفوسها فتصبح وهي أمة سخية بما عندها في سبيل ما ينفعها متعاونة بالبذل في مهماتها مشتركة بجميع طبقاتها في كل مشروع خيري من مشاريعها، وإذا تربت الأمة على هذه الصفة وتدرجت إلى الكمال فيها فذلك عنوان نجحها وفوزها وبلوغها غاية آمالها، وسعادتها في الدارين وفقنا الله لبذل كل عزيز وغال في سبيله والمسلمين اجمعين (1).
(1) ش: ج4، م 7، ص 230 - 231
غرة ذي الحجة 1349هـ- أفريل 1931م.