الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقالوا: يارسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: قال يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء. وأنا فرطهم على الحوض. فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال. أناديهم ألا هلم ألا هلم ألا هلم: فيقال إنهم قد بدلوا بعدك؟ فأقول: فسحقا فسحقا فسحقا».
تعليق:
قد أتينا هذه المرة بحديث فيه طول. ولكن ما فيه من الفوائد نعتقد أنه يكون حافزا للقارىء إلى حفظه. وليس حفظ الحديث الجليل بكثير على همة المستفيدين.
وفوائد هذا الحديث أولاها: جواز زيارة القبور، غير أن الجواز مقيد بكونها على الصفة التي وقعت من رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم ومن أصحابه- رضوان الله عليهم-. وصفة الزيارة في هذا الحديث مركبة من ثلاثة أشياء: أحدها حق الدعاء للموتى، ثانيها الاعتبار بحالهم، ثالثها دعاء الزائر لنفسه بحسن الخاتمة. الأول مستفاد من جملة السلام عليكم. والثاني مستفاد من جملة وإنا بكم لاحقون. والثالث مستفاد من جملة إن شاء الله. فقد قال أبو القاسم الجوهري معناه:" لا نبدل ولا نغير، نموت على ما متم عليه إن شاء الله تعالى" نقله الباجي في شرح الموطأ.
الفائدة الثانية: تسميته- صلى الله عليه وآله وسلم لمن لم يره من أمته بإخوانه. فنحن من أخوانه- صلى الله عليه وآله وسلم وكفى بهذه النسبة شرفا. فما على المسلم إلا أن يعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حتى تتحقق فيه هذه النسبة. وليس من الأدب ومن الإيمان أن يستضعف المسلم هذه النسبة ويحاول
تقويتها بنسبة أخرى إلى شخص آخر ككونه خوني فلان أو حبيبه أو درويشه (1).
وعدم تسميته- صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه بالإخوان يدل على فضل الصحبة وإن لها مزية زائدة على مطلق الأخوة. وهذا لا خلاف فيه.
الفائدة الثالثة: عنايته- صلى الله عليه وآله وسلم بأمته في الآخرة كما كان حريصا على هدايتهم في الدنيا يدل لهذه العناية قوله: وأنا فرطهم على الحوض. قال الباجي في شرحه: يريد أنه يتقدمهم إليه ويجدونه عنده. رواه ابن حبيب عن مالك. يقال فرطت القوم: إذا تقدمتهم لترتاد لهم الماء وتهيء لهم الماء والرشاء.
الفائدة الرابعة: إن عنايته- صلى الله عليه وآله وسلم بأمته في الآخرة خاصة بالثابتين على سنته منهم، فأما المبتدعون الذين بدلوا سنته وأحلوا محلها بدعتهم فإنه- صلى الله عليه وآله وسلم يبعدهم عنه بقوله: فسحقا فسحقا فسحقا.
ثم هذا الإبعاد معناه الحرمان من ماء الحوض في وقت شدة الحاجة إليه. فإن كان الابتداع والتبديل بالمروق من الدين فالإبعاد حرمان من الشفاعة أيضا، ويبقى ذلك المبتدع مخلدا في النار وإن كان الابتداع لا يخرج من الدين، فالإبعاد عن الحوض لا يمنع المبتدع أن تناله الشفاعة، غير أن في الإبعاد عن الحوض عذابا بالظمأ وخزيا بالطرد.
نسأل الله أن يحيينا على سنة رسوله الكريم وأن لا يحرمنا من ماء حوضه العذب ولا من شفاعته المرجوَّة (2).
(1) خوني وحبيب ودرويش مترادفة معناها: مريد.
(2)
الصراط: السنة الأولى العدد 13 يوم الإثنين 23 شعبان 1352 هـ الموافق 11 ديسمبر 1933م، ص1 ع1 و2 و3 بقية ص2 أسفلها. ص2 أسفلها.