الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ناحية وجهها. وهذا محتمل لأن يكون بتغطية جميع الوجه وبتغطية بعضه. واختلاف المفسرين من السلف في معنى الآية دليل على وجود هذا الاحتمال. وما نقله الاستاذ بالمعنى من تفسير الزمخشري هو أحد الوجهين المحتملين وأجود ما نقل عن أئمة العربية في تفسير الآية قول الكسائي: "يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن" قال الزمخشري: "أراد بالانضماه معنى ادناء" والتقنع لا يقتضي ستر الوجه كله.
المبحث الثاني: في اختلاف المفسرين من السلف:
في الآية قولان لهم نقلهما ابن جرير في تفسيره الشهير.
الأول - هو أن يغطين وجوههن ورؤسهن فلا يبدين منهن إلَاّ عيناً واحدة. وهذا قول عبيدة وقول ابن عباس من طريق أبي صالح.
الثاني- أُمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن، وهو قول قتادة وقول ابن عباس من طريق محمد بن سعد.
المبحث الثالث: في الترجيح:
قد مضت آية الابداء مفيدة جواز إبداء الوجه والكفين على مقتضى ما تقدم من البيان، وجاءت بعدها هذه آية الادناء محتملة لطلب ستر الوجه كله كما في القول الأول. وتكون عليه معارضته لآية الابداء المتقدة. تلك تبيح كشف الوجه وهذه تُحْظره، ومحتملة لطلب الارخاء والضم لبعض الجلباب على بعض الوجه وهو الجبين كما في القول الثاني ولا تكون حينئذ معارضة لآية الابداء.
وحملها على ما لا تكون به معارضة بين الآيتين- وهو الوجه الثاني- أرجح وأولى إن لم يكن متعينا.
ثم ان قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} يفيد أن علة طلب الادناء هي تمييزهن عن الاماء اللاتي كن يمشين حاسرات أو بقناع مفرد فيتعرضن لهن أهل الشطارة والسفهاء. وفي الادناء على الوجه الثاني في الآية تحصيل لهذا المقصود من التمييز، فحملها عليه مناسب للعلة وسالم من المعارضة فهو المختار.
وبهذا التقرير تكون كل آية مفيدة معنى غير الذي أفادته الأخرى، فآية الابداء أفادت طلب ستر الأعضاء إلا الوجه والكفين، وآية الادناء أفادت طلب الستر الأعلى الذي يحيط بالثياب ويعم الرأس وما والاه من الوجه وهو الجبين وينضم على البدن، ليحصل به تمييز الحرائر بالمبالغة في التستر والاحتشام. وهذا هو المناسب لجوامع كلم القرآن والله أعلم (1).
(1) ج 3، م 5، ص 19 - 21
غرة ذي القعدة 1347هـ - أفريل 1929.