الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به وأعظم التمسك به، وأكثر الاتباع له، فلا كمال الا بالاقتداء بهم، ولا نجاة الا باتباعهم، ولا وصول إلى الله تعالى الا باقتفاء آثارهم. وللمرسل إليهم عجز المخلوق وضعفه، أمام خالقه، وحاجته وافتقاره اليه، وعليه حق عبادته، وطاعته، والرجاء لفضله، والخوف من عقابه، والفكر في آياته، ومخلوقاته، والنهوض للعمل في مرضاته، واستثمار أنواع نعمائه، والشكر له على جميع آلائه. فبمعرفة هذه الأربعة حق معرفتها، ومعرفة مقام كل واحد منها، وما له فيه- كمال الإنسان العلمي الذي هو أصل كماله العملي، والشروط اللازم فيه.
وقد اشتملت هذه الآيات على هذه الأربعة في حق الأمة المحمدية فالمرسل هو {الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} والرسالة هي: {الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} والرسول هو "محمد"صلى الله عليه وآله وسلم المخاطب بـ {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} والمرسل اليهم هم العرب الذين {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} .
تمهيد:
لما ضل الخلق عن طريق الحق، والكمال، الذي يوصلهم اليه، إلى مرضاته والفوز بما لديه أرسل اليهم الرسل ليعرفوهم بأن ذلك الطريق هو الإسلام، ويكونوا أدلتهم في السير وقادتهم إلى الغاية، وأنزل عليهم الكتب لينيروا لهم بها الطريق، ويقودهم على بصيرة، ويتركوهم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يهلك عليها إلَاّ من ظلم نفسه، فحاد عن السواء، أو تخلف عن القافلة فكان من الهالكين. فالقافلة هم الخلق، والطريق هو الإسلام، والادلة هم الرسل، والمصابيح هي الكتب، والغاية هو الله جل جلاله.
السلوك:
فعلى مريد النجاة من المهالك والفوز بأسنى المطالب، وأعلى المراتب
- أن ينضم إلى القافلة الربانية يتعاون مع أفرادها ويقوم بحق الرفقة فيها، ويعد نفسه جزءا منها لا سلامة له الا بسلامتها، فهو يحب لكل واحد منها ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، ويهديه إلى ما يهديها اليه من خير ويقيه مما يقيها منه من سوء. وان يطيع أولئك الأدلة ويقتفي آثارهم، وينزل بنزولهم، ويرتحل بارتحالهم، وأن يرجع في معرفة وجوه السير، وأصنافه، وأوقاته، ومراحله، ومنازله، اليهم دون أدنى اعتراض، ولا مخالفة، ويقابل ما يتحملونه من مشاق الدلالة، ومتاعب القيادة، بغاية ما يستطيع من الأدب معهم، والتعظيم، والانقياد لهم، والمحبة فيهم، وحسن الثناء عليهم، وطلب عظيم الجزاء، من الله لهم تعالى على عظيم إحسانهم. وان يلتزم ذلك الطريق ويسير في سوائه غير مائل إلى جنباته، ولا ذاهب في بنيَّاته (1) لا مفرطا في السير يسبق الرفقة فينفر بلا دليل، ولا مفرطا فيه، فيتخلف عنها بلا معين نمطا وسطا مع الجماعة لا من الغلاة ولا من المقصرين. وأن يستنير بما رفعه أولئك الأدلة من مصابيح الهداية، وأن يسير تحت أنوارها الساطعة، مفتح البصر، للاستضاءة بها غير مغلق الأجفان عنها، متعرفا بها أديم الأرض ومواقع قدمه منها. وأن يعرف عظم الغاية التي هو سائر إليها، فيقصر همه كله في الوصول اليها، ويحضرها قلبه في كل لحظات سيره، ليسرع مع الرفقة إليها، وتخف عليه مشاق الطريق وأتعابها، ويعذب لديه كل ألم في الانتهاء إليها.
فبسلوك هذا الطريق القويم، بدلالة الرسول الكريم، وأنوار الكتاب المبين، إلى ربِّ العالمين الرحمن الرحيم، كمال الإنسان العملي المبني على الكمال العلمي.
(1) بنيات الطرق جميع بنية تصغر بنت هي ما يخرج من نواحيه من طرق صغيرة تضل السائر عن الغاية وتبعده عن الرفقة فى السير.