الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان الصحابة يعلمون هذا علما عاماً ولذلك سألت أم حرام أولا وثانيا سؤال المتيقن بوقوع الغزو على الوجه الذي ذكر- صلى الله عليه وآله وسلم ثم قد تكون رؤياهم بالمثال كما رأى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم بقرة تنحر فأولها بمن قتل من أصحابه في غزوة أحد، وقد تكون بالصريح الذي لا يحتاج إلى التأويل كما هنا، ومنها تحقيق استجابة دعائه إذا دعا، ولهذا قال لها في الثانية- جازما-: أنت من الأولين. وهذا فيما لم يعلم بالمنع منه كما في حديث وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، يعني أمته فمنعنيها. ومنها أن من معجزاته- صلى الله عليه وآله وسلم إخباره بأمور غيبية لم يكن شيء مما يدل عليها أو يقتضي وقوعها يوم أخبر فوقعت كما أخبر فركب أصحابه البحر وغزوا الروم ومدينة قيصر من بعده بينما كانوا يوم أخبر بهذا من أبعد الأمم عن ركوب البحر والبراعة فيه وكانت أم حرام مع الطائفة الأولى كما أخبرها، وكانت منهم على أبلغ وجه حيث فازت بالثمرة المقصودة من الغزو وهي الشهادة وإن كان موتها في غير مباشرة القتال لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ومن قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد. رواه مسلم ولقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} .
الموعظة:
علم الله أن السيادة في البر لمن ساد في البحر، وأن أقسام الأرض المتقاطعة وأصناف الأمم المتباينة، لا يقرب بينها. ويفتح الطريق لتواصلها وتعارفها، وينقل مدنياتها من بعض إلى بعض منها إِلَاّ ركوب البحر وملك ناصيتها، فجاءت الآيات القرآنية العديدة في ذكر البحر
وصفاته ومنافعه وسفنه وبديع الصنعة فيه وعظيم النعمة به. وجاء هذا الحديث يبشر الأمة الإسلامية بما هيء لها من أسباب السيادة ويعرفها أنها أمة ملك وسلطان وقوة وأنها ستملك البحار، وتغزو الأمصار الكبار، يعرفها بهذا ويدعوها إليه لتعد له عدته وتأخذ له طريقه وتتوصل إليه بأسبابه. إذ لا يكون ملك إلا بأسباب الملك، ولا تكون قوة إلا بأسباب القوة ولا تكون السيادة إلا بأسباب السيادة، وقد علمت من دينها أن السيادة لا تكون إلا بالملك وأن الملك لا يكون إلا بالقوة: قوة الأبدان وقوة العقول وقوة الأخلاق وقوة المال- وبهذه يكون العدل الذي هو أساس الملك- وأن لا قوة إلا بالعلم والعمل والتهذب، فإذا دعاهم هذا الحديث إلى السيادة فقد دعاهم إلى هذا كله ونبههم على هذا التقدير المحكم الذي ارتبط بعضه ببعضه وعلى أنه لا سبيل إلى غايته إلَاّ بإتيانه من بدايته، وقد فهم المسلمون هذا دهرا فسلكوه فأنجز لهم الله وعده، وجهلوه أدهارا فتركوه فأذاقهم الله بأسه، وما ربك بظلام للعبيد. ولئن عادوا إليه ليعودن إليهم، ولن يخلف الله الميعاد (1).
(1) ش: ج1، م 10، ص 9 - 14
غرة رمضان 1352هـ - فيفري 1934م.