الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكل امرىء خبر ما نوى، أي نواه. قدم عليه ليحصر فيه بإنما فأفاد التركيب ان حظ كل عامل من عمله هو ما قصده أي عين ما قصده في كميته ومقداره دون ما لم يقصد فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله أي قصدا فهجرته إلى الله ورسوله أي وقوعا واعتبارا ففعل الشرط وجوابه لم يردا على معنى واحد. ومثل هذا يقال في الشرط الثاني وجوابه وذكر تزوج امرأة بعد دنيا يصيبها تخصيص بعد تعميم لأن ذلك الخاص هو سبب الحديث، واللام في الدنيا لام الأجل والعلة فتفيد أن طلب الدنيا أو طلب التزوج هو العلة الباعثة له دون قصد طاعة الله فلا يدخل فيه ما إذا كان الباعث هو الطاعة. وطلب هذه الأشياء، جاء على سبيل التبع.
سبب الورود:
قال القسطلاني: قد اشتهر أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس، المروية في المعجم الكبير للطبراني بإسناد رجال ثقات من رواية الأعمش. ولفظه:" عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها. قال: فكنا نسميه مهاجر أم قيس".
المعنى:
إن أعمال الناس قد تشترك في صورها ومظاهرها، حتى لا يكون في ذلك فرق بينها ولكنها بذلك التساوي الصوري الظاهري لا تكون متساوية في الاعتبار والحقيقة وما يتبعها من القبول والرد في نظر الشرع فقد هاجر مهاجر أم قيس كما هاجر سائر المهاجرين. الجميع قد كان منهم مفارقة الديار وترك دار الكفر إلى دار الإسلام واللحوق بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم فالعمل عمل واحد قطعا، ولكن القصد مختلف فقد كان قصدهم بهجرتهم طاعة الله ورسوله، وكان
قصده بهجرته التزوج بأم قيس فكانت هجرتهم واقعة عند الله- تعالى- موقعها محصلة لهم رضاء ومثوبته، وكانت هجرته لا موقع لها عند الله ولا حظ لها من ثوابه، وكانت معتبرة من عمله الدنيوي لا من عمله الديني ومثله كل من قصد بهجرته غرضا من أغراض الدنيا ما حمله على الهجرة إلا هو. هذا معنى الجملة الأولى من الحديث الشريف.
ومعنى الثانية: أن الأعمال المعتبرة عند الله التي قصد بها طاعته تتساوى أيضا في صورها ومظاهرها ولكنها لا تتساوى منازلها في الاعتبار والقبول والمثوبة، بل تتفاوت حظوظ أصحابها في ذلك بحسب تفاوتهم في مقاصدهم منها فيهاجر المهاجران- مثلا- كلاهما يقصد بهجرته طاعة الله ورسوله هذا لا يقصد إلا ذلك، وذاك يقصد معه على سبيل التبع غرضا دنيويا من تجارة أو تزوج. فحظ الأول من هجرته هو طاعة الله ورسوله وحدها غير متبعة بشيء وحظ الثاني هو الطاعة المتبعة بشيء. وثواب الأولى- قطعا- أعظم من ثواب الثانية. أو يكون أحدهما قصد الهجرة وما يكون معها من جهاد بالنفس والمال ومصاحبة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم وخدمته وصحبته والتفقه عليه وتكثير سواد أصحابه وعمارة مدينته. والآخر لم يخطر بباله شيء من هذا. فحظ الأول من عمله عظيم وثوابه كثير على حسب كثرة مقاصده وتنوعها وحظ الثاني واحد وهو الهجرة، وثوابه عليها بالخصوص. وذلك على حسب قصده ونيته. ومثل هذين القاصدان للمسجد لأجل صلاة واحدهما يقصده مع ذلك عمارة المسجد وحبس الجوارح على الطاعة وإرشاد الضال وتنبيه الغافل وتعليم الجاهل، وتكثير الجماعة والتعاون على الخير بحضور مشاهده وبعث غيره على الاقتداء به فيه. والآخر لم يخطر بباله شيء من هذا. فحظ الأول من عمله وثوابه عليه أكثر بكثير من حظ الثاني وثوابه وإن كانا كلاهما في طاعة الله.