الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إني لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم. فدل هذا على أن العربي الواضع للعلم الوصفي يلاحظ معناه لما كان صفة، وبهذا يكون الاسم وغيره- مع العلمية- منطويا ومشتملا على الثناء عليه. ولهذا يعبر القاضي عياض بقوله:"فمن خصائصه تعالى له- صلى الله عليه وآله وسلم أن ضمن أسماءه ثناءه، فطوى أثناء ذكره، عظيم شكره" وما كانت الأسماء منطوية على الثناء إلا مع ملاحظة ما كانت عليه قبل العلمية.
والثناء الذي يشتمل عليه هذا الاسم الشريف هو ما دل عليه من كثرة خصاله التي يحمد عليها ويكون حمده عليها متجددا. وهذا قد تحقق وهو واقع مشاهد فإنه- صلى الله عليه وآله وسلم قد حمده الخلق ويمحدونه دنيا وأخرى ويزداد ذلك في المواطن التي يزداد علم الناس بما أعطاه الله من كمالات وما أظهر على يده من إنعامات ويزداد علمهم بذلك بقدر ما يزداد تقدمهم في العلم والمعرفة، حتى أننا نرى في عصرنا هذا من غير المسلمين ممن ينصفونه فيذكرون من كمالاته والخير الذي أصاب البشرية على يده، فيشكرونه ويكررون الثناء عليه. فأما من أهل الإيمان به فهو كثير شهير، ثم إن الخلق كلهم يوم القيامة يحمدونه بما يشاهدون من النعم التي أعظمها وأجلها موقفه في الشفاعة العامة، فيحمدونه الحمد المتجدد المتكرر عندما يشاهدون ما لم يكونوا من قبل يعرفون.
«وَأَنَا أَحْمَدُ» :
وهو مشتق أيضا من الحمد، غير أن فعله حمد السالم المسند إلى الفاعل، وهو علم منقول من اسم التفضيل، والأحمد هو الأكثر حمدا من غيره. وقد علمنا أن النقل تصحبه تلك الملاحظة، فقد سمي أحمد على اعتبار أنه أكثر الخلق حمدا لله، فالخلق كلهم يحمدون الله بلسان الحال أو بلسان المقال. وهو أكثرهم حمدا لله على كل حال.
هذا وقد ذهب قوم إلى أن أحمد من فعل حمد المبني للغائب على معنى أنه أكثر محمودية من غيره. وتنتفي مرادفته للأول بجعل الأول راجعا للملكية أي لكثرة الصفات التي يحمد عليها، وجعل هذا راجعا للكيفية أي أفضلية ما يحمد به. والذي يقرر هذا هو الإمام ابن قيم الجوزية ويقول في تقريره؛ لو كان أحمد من المبني للفاعل لكان الأولى أن يسمى حمَّادا لأنه هو الذي يفيد كثرة الحمد. وهذا من هذا الإمام على جلالته سهو وغفلة فإن أحمد عندما يكون منقولا من اسم التفضيل المسند للفاعل يفيد تفضيله على جميع الحامدين المقلين والمكثرين فهو الأكثر حمدا لله من كل من أقل أو كثر. وأما حماد فإنما يفيد كثرة حمده ومن كثر حمده قد يساويه أو يفوقه فيه غيره فأما أحمد فيفيد- خصوصا مع حذف المتعلق- أنه بلغ من كثرة الحمد إلى مقام كان فيه أكثر حمدا لله من كل حامد.
على أن- هنالك شيئا آخر لا بد من ملاحظته وهو أن الإسمين يراد بهما الدلالة على تكميل الله له من ناحيتين، الناحية التي يكون فيها في مقام التعظيم والتكريم بالثناء عليه وهو ما يقتضيه اسم محمد. والناحية التي يكون فيها في مقام الخضوع والخشوع بحمده لله تبارك وتعالى وثنائه عليه، وهو ما يقتضيه اسم أحمد المنقول من المسند للفاعل، فمحمد دلنا على مقامه الأول الذي يكثر فيه له الحمد، وأحمد دلنا على مقامه الثاني الذي يكثر فيه منه الحمد، ودلنا على أنه في هذا المقام قد فاق سواه وكان فيه لا تظير له. وهذا المعنى لا يمكن أبدا أن يستفاد من حماد. على أن أحمد المأخوذ من السند إلى الفاعل هو الذي يجري القياس، والمتبادر إلى الأذهان عند سماع اسم التفضيل هو الإسناد إلى الفاعل ولا يفهم الاسناد إلى المفعول إلا بقرينة.
وحمده الله الذي فاق فيه كل حامد لا يكون إلا عن إيمانه ومعرفته
لكلمات الله وإنعاماته فيقتضي أنه فاق فيهما جميع الخلق. والايمان والمعرفة يقتضيان الطاعات الظاهرة والباطنة فيكون قد فاق في الطاعة جميع الخلق وبهذا كان الاسم متضمنا لأكمل الثناء عليه بأنه أكمل عبد لله علما وعملا.
وهذان الاسمان الشريفان مرتبان في التسمية بهما للخلق والأسبق منهما عند قوم وهم الأكثرون هو أحمد وهو الذي سماه الله به في الإنجيل كما في سورة الصف: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} . ثم محمد ااذي سماه به جده توفيقا من الله وهو اسمه في القرآن العظيم كما في سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} . فالسابق إذا هو أحمد. والذين يذهبون إلى هذا يقولون أن الترتيب بينهما في التسمية على حسب الترتيب الذي بين المقامين المدلولين لهما فإن المقام الأول هو مقام عبوديته وحمده لله، والمقام الثاني هو مقام كماله بأخلاقه وصفاته وأعماله. فهو قد حمد الله أكثر الحمد في مقام عبوديته فجازاه على ذلك بأن كان محمودا مكررا حمده في مقام كمالاته والجزاء من جنس العمل فهو ما كان محمدا حتى كان أحمد وهذا ترتيب ظاهر وجيه. ويكون وجه تقديم اسم محمد في هذا الحديث على هذا القول أنه أشهر أسمائه وأنه اسمه في القرآن العظيم.
وذهب قوم إلى أسبقية اسمه محمد، وأنه سمي به في التوراة، واستدلوا على هذا بأدلة ونقلوا من التوراة نقولا. ووجه التقديم لاسم محمد على هذا القول أنه نظر إلى أنه يوجد على فطرة الكمال ويشب على الكمالات والأخلاق الفاضلة التي يتكرر حمده عليها وقد حمده أهله صبيا رضيا، وحمده قومه شابا سريا وسموه بالأمين ثم لما أنعم الله عليه بالنبوة كان أحمد الخلق لله بما كان له حينئذ من العلم بكمالات الله وإنعاماته. وهو وإن كان مفطورا على الإيمان والعلم والكمال