الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحمِّيَّات، وسوء الأخلاق، ولا سيما إذا كان نباتها في وقت الشتاء والبرد، أو في وقت الصيف وشدة الحر. وأَحْمَدُ أوقات نباتها في الرَّبِيع، والخريف. ووقت نباتها لسبعة أشهر، وقد تنبت في الخامس، وقد تتأخر إلى العاشر، فينبغي التلطُّف في تدبيره وقت نباتها، وأن يكرر عليه دخول الحمَّام، وأن يُغذَّى غذاء يسيرًا، فلا يملأ بطنه من الطعام، وقد يعرض له انطلاق البطن، فيُعْصَب بما يكفيه مثل عصابة صوف عليها كَمُّون ناعم، وكَرَفْس، وأنيسون، وتُدلك لِثَتُهُ بما تقدّم ذكره. ومع هذا فانطلاق بطنه في ذلك الوقت خيرٌ له من اعتقاله، فإن كان بطنه معتقلًا عند نبات أسنانه، فينبغي أن يبادر إلى تليين طبيعته، فلا شيء أضرُّ على الطفل عند نبات أسنانه من اعتقال طبيعته، ولا شيء أنفع له من سهولتها باعتدال.
وأَحْمَدُ ما تليَّن به عسلٌ مطبوخ يُتَّخَذ منه فتائل ويحمل بها، أو حَبَق مسحوق معجون بعسل يتخذ منه فتائل كذلك، وينبغي للمرضع في ذلك الوقت تلطيف طعامها وشرابها، وتجتنب الأغذية المضرة.
فصلٌ في وقت الفطام
قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة/ 233].
فدلَّت الآيةُ على عدَّة أحكامٍ:
(أحدها): أن تمام الرَّضاع حولان، وذلك حقٌّ للولد إذا احتاج إليه، ولم يستغن عنه، وأكَّدهما بـ {كَامِلَيْنِ}
(1)
لئلا يُحْمَل اللفظُ على حولٍ وأكثرَ.
و (ثانيها): أنَّ الأبوين إذا أرادا فطامه قبل ذلك بتراضيهما وتشاورهما مع عدم مضرَّة الطفل
(2)
، فلهما ذلك.
و (ثالثها): أنَّ الأب إذا أراد أن يسترضع لولده مُرْضِعَةً أخرى غير أمِّه فله ذلك وإن كرهت الأم، إلا أن يكون مضارًّا بها أو بولدها، فلا يجاب إلى ذلك، ويجوز أن تستمر الأم على رضاعه بعد الحولين إلى نصف الثالث، أو أكثر.
وأَحْمَدُ أوقاتِ الفطام إذا كان الوقت معتدلًا في الحرِّ والبَرْدِ، وقد تكامل نباتُ أسنانِه وأضراسه، وقَوِيَتْ على تقطيع الغذاء وطَحْنِه، ففطامُه عند ذلك الوقت أجْودُ له، ووقتُ الاعتدال الخريفي أنفعُ في الطعام من وقت الاعتدال الرَّبِيعيّ، لأنه في الخريف يستقبل الشتاء، والهواء يبرد فيه، والحرارة الغريزيَّة تنشأ فيه وتنمو، والهضم يزداد قوة، وكذلك الشهوة.
(1)
وأكَّدهما بكاملين. ساقط من «أ» . وجاء بدلهما: ولدهما.
(2)
في «ج» : الطعام.
فصل
وينبغي للمُرْضِعِ إذا أرادت فطامه أن تفطمه على التدريج، ولا تفاجئه بالفطام وهلة واحدة، بل تعوِّده إياه، وتمرِّنه عليه لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة مرة واحدة، كما قال «بُقْراط»
(1)
في «فُصُوله» : استعمال الكثير
(2)
بغتة مما يملأ البدن، أو يستفرغه، أو يسخنه أو يبرده، أو يحركه بنوع آخر من الحركة أي نوع كان، فهو خطر، وكلما كان كثيرًا فهو معادٍ للطبيعة، وكلَّما كان قليلًا فهو مأمون
(3)
.
فصل
ومن سوء التدبير للأطفال: أن يُمَكَّنُوا من الامتلاء من الطعام وكثرة الأكل والشرب. ومن أنفع التدبير لهم
(4)
أن يُعْطَوا دون شبعهم ليجودَ هضمُهم وتعتدلَ أخلاطُهم، وتقلَّ الفضول في أبدانهم، وتصحَّ أجسادهم، وتقلَّ أمراضهم لقلة الفضلات في المواد الغذائية
(5)
.
(1)
بقراط بن إيراقليس، فيلسوف طبيب، عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، وهو أول من علم الغرباء الطب، ترجمت كتبه إلى العربية. انظر: الفهرست لابن النديم، ص 400 ـ 402.
(2)
في «د» : الكبير.
(3)
انظر: الفصول لبقراط، الفصل رقم 4، طبعة المقتطف.
(4)
في «أ» : ومن أنفع التدبير للأطفال ألاّ يمكّنوا من الامتلاء للطعام.
(5)
في المواد الغذائية. ساقط من «ج» . وفي «د» : لقلة الفضلات في الغذائية.
قال بعض الأطباء: وأنا أمدح قومًا ذكرهم
(1)
، حيث لا يطعمون الصبيان إلا دون شبعهم، ولذلك ترتفع قاماتهم، وتعتدل أجسامهم، ويقل فيهم ما يعرض لغيرهم من الكُزَاز
(2)
ووجع القلب والصدر
(3)
، وغير ذلك ـ قال: فإن أحببتَ أن يكون الصبيُّ حسنَ الجسد، مستقيمَ القامة، غيرَ منحدبٍ؛ فَقِهِ كَثْرَةَ الشِّبَع، فإنَّ الصبي إذا امتلأ وشبع، فإنه يُكثِر النوم من ساعته ويسترخي، ويعرض له نفخة في بطنه، ورياح غليظة.
فصل
وقال «جالينوس»
(4)
: ولست أمنع هؤلاء الصبيان من شرب الماء البارد أصلًا، لكني أطلق لهم شربة تعقب
(5)
الطعام في أكثر الأمر، وفي الأوقات الحارة في زمن الصيف إذا تاقت أنفسهم إليه
(6)
.
قلت: وهذا لقوة وجود الحار الغريزي فيهم، ولا يضرهم شرب الماء البارد في هذه الأوقات، ولا سيما عقيب الطعام، فإنه يتعين
(1)
في «ج» : وإذا امدح. وفي «ب» : أنا أمدح. ولعل العبارة فيها تحريف.
(2)
في «د» : الكزار ـ بالمهملة ـ وهو تحريف. والكُزاز: التشنج الذي يقع في العضل والعصب. انظر: قاموس الأطباء للقوصوني: 1/ 208.
(3)
ساقط من «ج» .
(4)
فيلسوف طبيب يوناني، انتهت إليه الرياسة في الطب بعد بقراط، وهو شارح كتبه، وله كتب ترجمت إلى العربية. انظر: الفهرست لابن النديم، ص 402 ـ 403.
(5)
في «أ» : بعقب.
(6)
انظر: كتاب جالينوس إلى غلوقن في التأتّي لشفاء الأمراض، ص 217.