الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا قولٌ ضعيفٌ لا يُلْتفَتُ إليه، والسنَّة تخالفُه من وجوهٍ ـ كما سيأتي
(1)
في الفصل الذي بعد هذا ـ.
فكان
الذبحُ في موضعهِ أفضلَ من الصَّدقة بثمنه
ولو زادَ، كالهدايا والأضَاحِي، فإنَّ نَفْسَ الذَّبحِ وإراقةِ الدم مقصودٌ، فإنه عبادةٌ مقرونةٌ بالصلاة، كما قال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر/2].
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام/ 162].
ففي كلّ مِلَّةٍ صلاةٌ ونَسِيكَةٌ لا يقوم غيرُهما مقامَهما، ولهذا لو تصدَّق عن دمِ المُتْعَةِ والقِرَان بأضعافِ أضعاف القيمةِ لم يقُمْ مقامَهُ، وكذلك الأضحيةُ، والله أعلم.
(1)
ساقط من "ب"، وجاءت في "ج" في آخر الفقرة.
الفصل العاشر
في تَفاضُل الذَّكَر والأنثى فيها واختلافِ النَّاسِ في ذلك
وفيه مسألتان:
(المسألة الأولى): العَقيقَةُ سنَّةٌ عن الجَارِيَة، كما هي
(1)
سنَّةٌ عن الغُلامِ. هذا قولُ جمهورِ أهلِ العِلْمِ من الصَّحابة والتَّابعِين ومَن بعدهم.
وقد تقدَّم ما حكاه ابن المُنْذِر عن الحَسَنِ وقَتادَةَ، أنهما كانا لا يريان عن الجَارِيَة عقيقةً
(2)
.
ولعلَّهما تمسَّكا بقوله: "معَ الغُلامِ عقيقتُه". وهذا الحديث رواه الحَسَنُ وقَتَادَةُ من حديث سَمُرَة، والغُلامُ اسمٌ للذَّكر
(3)
دونَ الأُنثى.
ويردُّ هذا القولَ حديثُ أم كُرْزٍ أنها سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة؟ فقال: "عن الغُلامِ شاتانِ، وعن الجَارِيَة شاةٌ، لا يَضُرُّكُمْ ذُكْرانًا كُنَّ أم إناثًا" وهو حديث صحيح، صحَّحه التّرمذيُّ وغيرُه
(4)
.
وحديث عائشة: أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نَعُقَّ عن الغُلام شاتين، وعن الجَارِيَة
(1)
ساقطة من "أ".
(2)
انظر ما سبق قبل قليل، ص (91).
(3)
في "أ، ب": الذكر.
(4)
تقدم تخريجه فيما سبق، ص (50).
شاة. رواه ابن أبي شيبة، وقد تقدَّم إسناده
(1)
.
وقال أبو عاصم: حدّثنا سالم بن تميم، عن أبيه
(2)
، عن الأَعْرَجِ، عن أبي هُرَيْرَةَ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ اليَهودَ تَعُقُّ عن الغُلامِ، ولا تَعُقُّ عن الجاريةِ، فَعُقُّوا عن الغُلام شاتينِ، وعن الجارية شاةً" رواه البَيهَقِيُّ من هذه الطريق
(3)
.
وقال مالك: يُذبح عن الغُلام شاةٌ واحدة، وعن الجارِية شاةٌ، والذَّكَرُ والأنثى في ذلك سواءٌ
(4)
.
واحْتُجَّ لهذا القول، بما رواه أبو داود في "سننه": حدّثنا أبو مَعْمَر، حدّثنا عبدُ الوَارثِ، حدّثنا أيُّوب، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: أن رسول صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحَسَنِ والحُسَين كبشًا كبشًا
(5)
.
قال أبُو عُمَر: "وروى جعفر بن
(6)
محمَّدٍ، عن أبيه أنَّ فاطمةَ ذبحتْ عن الحَسَنِ والحُسَينِ كبشًا كبشًا.
(1)
فيما سبق، ص (82).
(2)
ساقطة من "ب، ج".
(3)
في السنن: 9/ 301 ـ 302، وفي شعب الإيمان: 15/ 106.
(4)
انظر: الموطأ، باب العمل في العقيقة: 1/ 419، والتمهيد: 4/ 314، والاستذكار: 5/ 555 ـ 556.
(5)
ساقطة من "ج". وتقدم تخريجه فيما سبق ص (51).
(6)
في "أ، ج": عن.
قال: وكان عبد الله بن عمر يَعُقُّ عن الغلمان والجواري من ولدهِ شاةً شاةً. وبه قال أبو جعفر محمَّد بنُ عليّ بن حسين بن عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين ـ كقول مالك سواء"
(1)
.
قال أبو عُمَر
(2)
: "وقال ابن عبَّاس، وعائشة، وجماعة من أهل الحديث: عن الغُلام شاتان، وعن الجارية شاة. ثم ذكَرَ طرقَ
(3)
حديثِ أمِّ كُرْزٍ، وحديث عَمْروِ بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جدِّه يَرْفَعُهُ:"مَنْ أحبَّ أنْ يَنْسُكَ عن وَلَدِهِ فَلْيفعلْ: عنِ الغُلامِ شاتانِ، وعنِ الجَارِيَة شاةٌ".
ولا تَعَارُضَ بين أحاديثِ التفضيلِ بين الذَّكَرِ والأُنثَى، وبين حديثِ ابنِ عبَّاسٍ في قصة الحَسَنِ والحُسَين؛ فإنَّ حديثَه قد رُوِي بلفظين: أحدُهما: "أنَّه عقَّ عنهما كبشًا كبشًا". والثاني: "أنه عقَّ عنهما كبشينِ". ولعلَّ الراوي أراد: كبشين عن كلِّ واحدٍ منهما، فاقتصر على قوله: كبشين، ثم روى بالمعنى: كبشًا كبشًا.
وعندي فيه جوابٌ أحسن من هذا: وهو أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذبحَ عن كلِّ
(1)
انظر: التمهيد: 4/ 314، والاستذكار: 5/ 555 - 556، والعيال لابن أبي الدنيا: 1/ 205.
(2)
انظر: التمهيد: 4/ 317. وهذه هي المسألة الثانية في هذا الفصل، فقد نص على الأولى في أوله، ثم بين هنا تفاضل الذكر والأنثى. وذكر في زاد المعاد 2/ 329 ـ 332 ثمانية وجوه لترجيح أحاديث التفضيل وأنه الأولى بالأخذ.
(3)
في "ب": طرف
واحدٍ كبشًا
(1)
، وذبحتْ أمُّهما عنهما كبشين. والحديثان كذلك رُوِيَا، فكان أحدُ الكبشينِ من النبيّ صلى الله عليه وسلم، والثاني من فاطمةَ. واتفقتْ جميعُ الأحاديثِ.
وهذه قاعدةُ الشريعةِ، فإنَّ الله ـ سبحانه ـ فاضلَ بين الذَّكَرِ والأنثى، وجعل الأنثى على النِّصف من الذَّكَر في المواريث، والدِّيَات، والشَّهاداتِ، والعِتْقِ، والعَقِيقَةِ، كما رواه التّرمذيّ
(2)
، وصححه من حديث أبي أُمامةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أيُّما امرئ مُسلمٍ أَعْتَقَ مُسلمًا، كان فِكَاكَهُ من النَّار، يجزئ كلُّ عضوٍ منه عضوًا منه، وأيُّما امرئ مُسلم أعتق امرأتين مسلمتَينِ كانتا فِكَاكَهُ من النَّار، يجزئُ كلُّ عضوٍ منهما عضوًا منه".
وفي "مسند الإمام أحمدَ"
(3)
من حديث مُرَّةَ بنِ كعبٍ السُّلَمِيّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أيُّما رجلٍ أعتقَ رجلًا مُسْلِمًا كان فِكَاكَهُ من النَّار، يُجْزَى بكلِّ عضوٍ من أَعْضَائِهِ عُضْوًا مِنْ أَعْضِائهِ، وأيُّما امرأةٍ مُسْلِمةٍ أعتقتِ امرأةً مُسْلِمةً كانتْ فِكَاكَهِا مِنَ النَّار، تُجْزَى بكلَّ عضوٍ من أعْضَائِهَا
(1)
من قوله: وعندي فيه
…
إلى هنا. ساقط من "ب".
(2)
في النذور والأيمان، باب ما جاء في فضل من أعتق: 5/ 151 وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه".
(3)
مسند الإمام أحمد: 4/ 235 و 236، وفي طبعة الرسالة: 29/ 599 ـ 600.
عضوًا مِنْ أَعْضَائِهَا" رواه أبو داود في "السنن"
(1)
.
فجرت المفاضلة في العَقِيقَة هذا المجرى لو لم يكن فيها سُنَّة، كيف والسننُ الثابتةُ صريحةٌ في التفضيلِ!
(1)
كتاب العتق، باب في أي الرقاب أفضل: 11/ 702، وابن ماجه في العتق، باب العتق، برقم (2522)، ورواه البيهقي: 10/ 2، والطيالسي برقم (1198)، والطبراني في الكبير برقم (755 و 756). وصححه ابن حجر في فتح الباري: 5/ 147. وانظر التعليق على المسند في الموضع السابق.
الفصل الحادي عشر
في ذِكْر الغَرضِ من العقيقة، وحِكَمها، وفوائدِها
قال الخَلّال في "جامعه": "باب ذكر الغَرَض في العَقِيقَة، وما يُؤَمَّلُ لإحياءِ السنَّة من الخَلَفِ".
ثم ذكَرَ روايةَ أبي الحارث أنَّه قال لأبي عبد الله في العَقِيقَةِ: فإنْ لم يكنْ عنده ما يَعُقُّ؟ قال: إن استقرضَ رجوتُ أن يُخْلِفَ اللهُ عليه، أَحْيَا سُنَّةً.
ومن رواية صالح عن أبيه: إني لَأَرْجو إن استقرضَ أن يعجّلَ
(1)
اللهُ له الخَلَفَ، أحيا سنَّةً من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتَّبَعَ ما جاء عنه
(2)
.
ومن فوائدها: أنها قربانٌ يُتقرَّب به عن المولودِ في أوَّل أوقاتِ خُروجِه إلى الدنيا. والمولودُ ينتفع بذلك غايةَ الانتفاعِ، كما ينتفع بالدعاءِ له وإحضارِه مَوَاضِعَ المناسكِ، والإحرامِ عنهُ، وغير ذلك.
ومن فوائدها: أنَّها تفكُّ رِهَانَ المولودِ، فإنه مُرتَهنٌ بعقيقتهِ. قال الإمام أَحْمَد: مُرْتَهنٌ عن الشفاعة لوالدَيْه. وقال عطاء بن أبي ربَاح
(3)
:
(1)
في "أ، ج، د": يجعل
(2)
تقدمت هذه الروايات فيما سبق، ص (79).
(3)
هكذا في النسخ الخطية، وقد تقدمت الرواية في ص (53)، وفيها: عطاء الخراساني، كما في سنن البيهقي، وهو الصواب.