المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادسهل يكره تسميتها عقيقة - تحفة المودود بأحكام المولود - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي استحبابِ طَلبِ الوَلدِ

- ‌الباب الثانيفي كَراهةِ تَسخُّطِ البناتِ

- ‌الباب الثالثفي استحبابِ بشارةِ من وُلد له ولدٌ وتهنئتهِ

- ‌الباب الخامسفي استحبابِ تَحنيكه

- ‌الباب السَّادسفي العَقيقةِ وأحكامِها

- ‌تحقيق رأي أبي حنيفة

- ‌الفصل السَّادسهل يُكْرهُ تَسميتُها عَقيقة

- ‌ الذبحُ في موضعهِ أفضلَ من الصَّدقة بثمنه

- ‌ يُستحبُّ أن يُقالَ عليها ما يُقالُ على الأضحيةِ

- ‌يُستحبُّ فيها ما يستحبُّ في الأضحيةِ

- ‌الفصل الثالث عشرفي كَراهةِ كَسْرِ عِظامِها

- ‌الفصل السَّادس عشرهل تُشرعُ العقيقةُ بغير الغَنم

- ‌القزع أربعة أنواع:

- ‌ استحباب(4)الأسماء المضافة إلى الله

- ‌ اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة

- ‌ حكمةِ خَفْضِ النِّساء:

- ‌«مَنْ تطبَّبَ ولم يُعْلَمْ منه طِبٌّ فهو ضَامِنٌ»

- ‌فصلٌ في وقت الفطام

- ‌فصلفي وَطءِ المُرْضعِ، وهو الغَيلُ

- ‌ما جاءت به الرسل مع العقل ثلاثة أقسام

- ‌فصلفي مقدارِ زمانِ الحَمْلِ واختلافِ الأَجِنَّة

- ‌فصلفي ذِكرِ أَحوالِ الجنِينِ بعد تَحرِيكِه وانقِلابهِ عندَ تَمامِ نِصفِ السَّنَةِ

- ‌ وعلوَّ أَحدِهما سببٌ لمجانسة الولد للعالي ماؤه

- ‌ فهرس مراجع ومصادر التَّحقيق

الفصل: ‌الفصل السادسهل يكره تسميتها عقيقة

‌الفصل السَّادس

هل يُكْرهُ تَسميتُها عَقيقة

؟

اختُلِفَ فيه؛ فكرهتْ ذلك طائفةٌ. واحتجُّوا بأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَرِهَ الاسْمَ، فلا ينبغي أن يُطْلَقَ على هذه الذبيحةِ الاسمُ الذي كَرهَهُ.

قالوا

(1)

: فالواجب ـ بظاهر هذا الحديث ـ أن يُقال لها: "نَسِيكَةٌ" ولا يقال لها: "عَقِيقَةٌ".

وقالت طائفةٌ أخرى: لا يكره ذلك، ورأوا إباحتَه.

واحتجُّوا بحديث سَمُرَةَ: "الغُلام مُرْتَهَنٌ بعَقِيْقَتِهِ"، وبحديث سلمانَ ابنِ عامرٍ "مع الغُلامِ عقيقتُه".

ففي هذين الحديثين لفظ العَقِيقَةِ، فدلَّ على الإباحةِ، لا على الكراهةِ.

قال أبو عُمَر: فدلَّ ذلك على الكراهةِ في الاسمِ، وعلى هذا كُتُبُ الفقهاءِ في كلِّ الأمصار، ليس فيها إلا العَقِيقَةُ، لا النَّسِيكَة

(2)

.

(1)

ساقطة من "أ".

(2)

التمهيد لابن عبدالبر: 4/ 308. ونص عبارته: فهذا لفظ العقيقة قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة، أثبت من حديث زيد بن سلمة، وعليها العلماء، وهو الموجود في كتب الفقهاء وأهل الأثر في الذبيحة: العقيقة دون النسيكة. وانظر: الاستذكار له أيضا: 5/ 547 ـ 548.

ص: 72

قال: على أنَّ حديثَ مالكٍ هذا ليس فيه التصريحُ بالكراهةِ، وكذلك حديثُ عَمْرو بنِ شُعَيْب عن أبيه عن جدِّه. إنَّما فيهما: كأنَّه كره الاسمَ. وقال: "من أحبَّ أن يَنْسُكَ عن ولدهِ فَلْيفعلْ"

(1)

.

قلت: ونظير هذا اختلافُهم في تسميةِ العِشَاء بالعَتَمَةِ

(2)

، وفيه روايتان عن الإمام أَحمد

(3)

.

والتحقيقُ في الموضعين: كراهةُ هَجْرِ الاسْمِ المشروعِ من العِشاءِ والنَّسِيكةِ، والاستبدالِ به اسمَ العَقيقةِ والعتَمَةِ.

فأمَّا إذا كان المستعمَلُ هو الاسْمُ الشَّرْعِيُّ، ولم يُهْجَرْ، وأُطْلِقَ الاسمُ الآخرُ أحيانًا، فلا بأس بذلك. وعلى هذا تتَّفِقُ الأَحَادِيثُ

(4)

. وبالله التَّوفيقُ.

(1)

الموضع السابق نفسه.

(2)

أخرج البخاري في المواقيت باب من كره أن يقال للمغرب العشاء 2/ 43: "لا يغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب". وفي حديث آخر عند مسلم في المساجد 1/ 445: "على اسم صلاة العشاء". وانظر: شرح السنة للبغوي 2/ 222.

(3)

انظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبدالله: 1/ 179 ـ 180.

(4)

انظر: زاد المعاد: 2/ 350، وحاشية سنن أبي داود للمصنف: 7/ 276 ـ 277.

ص: 73

الفصل السَّابع

في ذِكر الخلافِ في وجوبِها واستحبابِها،

وحُجَجِ الطَّائفتين

قال ابنُ المنذرِ

(1)

: "واختَلفُوا في وُجُوبِ العقيقة؛ فقالت طائفةٌ: العقيقةُ واجبةٌ، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بذلك، وأَمْرُهُ على الفَرْضِ

(2)

.

رُوِّينا عن الحسَنِ البَصْريِّ أنه قال في رجلٍ لم يُعَقَّ عنه، قال: يَعُقُّ عن نَفْسهِ، وكان لا يَرى على الجَارِيَة عقيقةً

(3)

.

(1)

في الإشراف على مذاهب العلماء: 3/ 416 ـ 417.

(2)

وهو قول الليث بن سعد والحسن البصري وابن حزم وأصحابه. انظر: المحلّى: 7/ 523 و 526، وزاد المعاد للمصنف: 4/ 332. وأبان ابن رشد الحفيد أن سبب اختلافهم هو: تعارض مفهوم الآثار في هذا الباب، وذلك أن ظاهر حديث سمرة وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويماط عنه الأذى" يقتضي الوجوب. وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن العقيقة؟ فقال: "لا أحب العقوق ومن ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل"، يقتضي الندب أو الإباحة، فمَنْ فهم منه الندب قال: العقيقة سنة، ومن فهم الإباحة قال: ليست بسنة ولا فرض، ومن أخذ بحديث سمرة أوجبها. انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد: 1/ 465 ـ 466.

(3)

وانظر: مصنف عبدالرزاق: 4/ 332، وابن أبي شيبة: 8/ 245، وفي طبعة دار القبلة: 12/ 330.

ص: 74

قال: ورُوِي عن بُرَيْدَةَ: "أن النَّاس يُعْرَضُونَ يومَ القيامة على العَقِيقَة، كما يُعرَضون على الصَّلواتِ الخمسِ".

قال إسحَاقُ بنُ راهُويَه: حدّثنا يعلى بنُ عُبيد، قال: حدّثنا صالحُ بنُ حِبَّان، عن ابن بُرَيدَةَ، عن أبيه: أنَّ الناس يُعْرَضُونَ يومَ القيامةِ على العَقِيقَةِ، كمَا يُعْرَضُونَ على الصَّلواتِ الخمسِ.

فقلتُ لابن بُرَيدَةَ: وما العَقِيقَة؟ قال: المولودُ يولَدُ في الإسلامِ يَنبغِي أن يُعَقَّ عنه

(1)

.

وقال أبو الزِّنَادِ: العَقِيقَةُ مِنْ أَمْرِ المُسْلمينَ الذي

(2)

كانوا يَكْرهونَ تَرْكَهُ.

قال: ورُوِّينا عن الحَسَنِ البصريِّ أنه قال: العَقِيقَةُ عن الغُلامِ واجبةٌ يومَ سَابعِهِ".

وقال أبو عُمَر: "وأما اختلافُ العلماءِ في وجوبها؛ فذهب أهل

(1)

انظر: التمهيد لابن عبدالبر: 4/ 311، والاستذكار: 5/ 550 ـ 551. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 9/ 515: "وأخرج ابن حزم عن بريدة الأسلمي قال: إنَّ الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس. وهذا لو ثبت لكان قولاً آخر يتمسك به من قال بوجوب العقيقة. قال ابن حزم: ومثله عن فاطمة بنت الحسين". وانظر: المحلى لابن حزم: 7/ 525.

(2)

في "أ، ج": الذين.

ص: 75

الظَّاهر إلى أن العَقِيقَةَ واجبةٌ فرضًا، منهم داود وغيره. قالوا: لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بها وعَمِلَ بها وقال: "الغُلامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِه" و"مع الغُلام عَقِيقَتُه"، وقال:"عن الجَارِيَة شَاةٌ وعن الغُلامِ شَاتانِ"، ونحو هذا من الأحاديث، وكان بُرَيْدَةُ الأسْلَمِىُّ يُوجِبُها ويشبِّهها بالصلاة، وكان الحَسَنُ البصريُّ يذهب إلى أنها واجبةٌ عن الغُلامِ يومَ سابعِه، فإن لم يُعَقَّ عنه، عقَّ عن نفسهِ

(1)

.

وقال اللَّيثُ بنُ سَعْدٍ: يُعَقُّ عن المولود أيَّام سَابِعِهِ في أيِّها شاؤوا، فإنْ لم يتهيَّأ لهمُ العقيقةُ في سابعهِ، فلا بأسَ أن يُعَقَّ عنه بعد ذلك، وليس بواجبٍ أن يُعَقَّ عنه بعد سبعةِ أيّامٍ. فكان اللَّيثُ بنُ سعدٍ يذهب إلى أنها واجبةٌ في السَّبْعَةِ الأيَّامِ.

وكان مالكٌ يقول: هي سنَّةٌ واجبةٌ يجبُ العملُ بها. وهو قَولُ الشّافِعِيّ، وأَحْمَدَ بنِ حَنْبَل، وإسْحَاق، وأبي ثَوْر، والطَّبريِّ". هذا كلام أبي عمر

(2)

.

قلت: والسنَّةُ الواجبةُ ـ عند أصحاب مالك ـ ما تأكَّد استحبابُه وكُرِهَ تَرْكُهُ، فيسمُّونه واجبًا وجوبَ السُّنَنِ؛ ولهذا قالوا: غُسل الجمعة سنةٌ

(1)

انظر: المحلّى لابن حزم: 7/ 524 ـ 527، التمام لما صح في الروايتين والثلاث والأربع عن الإمام لأبي يعلى: 2/ 235.

(2)

في التمهيد: 4/ 311 وما بعدها، والاستذكار: 5/ 550 - 552.

ص: 76

واجبة، والأضحيةُ سنةٌ واجبة، والعقيقةُ سنةٌ واجبةٌ.

وقد حكى أصحاب أَحمدَ عنه في وجوبها روايتين، وليس عنه نصٌّ صريحٌ في الوجوب

(1)

. ونحن نذكرُ نصوصَه:

قال الخَلّالُ في "الجامع": "ذكر استحباب العَقِيقَة وأنها غير واجبة".

أخبرنا سليمان بن الأشعث، قال: سمعت أبا عبد الله سُئِلَ عن العقيقةِ، ما هيَ؟ قال: الذبيحةُ. وأنكر قولَ الذي يقول: هي حَلْقُ الرَّأسِ

(2)

.

أخبرني

(3)

محمَّد بن الحُسَين، أن الفَضلَ حدَّثهم، قال: سألت أبا عبد الله عن العقيقة: واجبةٌ هي؟ قال: لا، ولكنْ من أحبَّ أن يَنْسُكَ فليَنْسُكْ.

قال: وسألت أبا عبد الله عن العَقِيقَة: أتُوجِبُهَا؟ قال: لا.

ثم ذكر عن أَحمد بن القاسم أن أبا عبد الله قيل له في العقيقة: واجبة هي؟ قال: أمَّا واجبةٌ، فلا أدري، ولا أقولُ: واجبةٌ. ثم قال: أشدُّ شيءٍ فيه

(1)

انظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق: 8/ 3943 ـ 3944، ورواية أبي داود، ص 526، والتمام لأبي يعلى: 2/ 235، والمغني لابن قدامة: 13/ 394، والمبدع لابن مفلح: 3/ 300 ـ 301، والإنصاف للمرداوي: 4/ 110.

(2)

مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود، ص 256. وانظر: رواية ابن هانئ: 2/ 130.

(3)

في "أ": إلى أن.

ص: 77

أنَّ الرَّجُلَ مُرْتهَنٌ بعقيقتهِ.

وقال الأثْرمُ: قلت لأبي عبد الله: العقيقَة واجبة؟

قال: لا. وأشدُّ شيءٍ روي

(1)

فيها حديث: "الغُلام مُرْتَهنٌ بعقيقتهِ" ـ هو أشدُّها

(2)

.

وقال حَنْبَل

(3)

: قال أبو عبد الله: لا أحبُّ لمن أمكنَهُ وقدر: أن لا يَعقَّ عن ولده، ولا يدعه، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"الغُلامُ مرتهنٌ بعقيقتهِ" فهو أشدُّ ما روي في العقيقةِ.

وقال أبو الحارث

(4)

: سألتُ أبا عبدِ الله عن العقيقة، واجبةٌ هي على الغنيِّ والفقير إذا وُلِدَ له أن يَعقَّ عنه؟

قال أبو عبد الله: قال الحَسَنُ: عن سَمُرَة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"كلُّ غلامٍ رهينةٌ بعقيقتهِ حتى يُذْبَحَ عنه يومَ سابعهِ ويُحْلَقَ رأسُه". هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأُحِبُّ أن تُحيَا هذه السنَّةُ، أرجو أن يُخلِفَ الله عليه.

(1)

ساقطة من "أ".

(2)

مسائل الإمام أحمد، رواية صالح: 2/ 208.

(3)

في "ج": وقال أحمد بن حنبل.

(4)

في "أ، ج": الحارث. وأبو الحارث هو أحمد بن محمد الصائغ، لم تؤرخ وفاته، روى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة. انظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: 1/ 74 - 75.

ص: 78

وقال إسْحَاقُ بنُ إبراهيمَ: سألتُ أبا عبد الله عن حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم ما معناه: "الغُلام مرتهنٌ بعقيقتهِ؟ " قال: نعم، سنَّةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُعَقَّ عن الغُلام شاتين، وعن الجَارِيَة شاةً، فإذا لم يُعَقَّ عنه، فهو مُحْتَبسٌ بعقيقتهِ حتى يُعَقَّ عنه

(1)

.

وقال جَعْفرُ بنُ محمَّدٍ: قيل لأبي عبد الله في العقيقة: فإن لم تكن عنده؟ قال: ليس عليه شيءٌ.

وقال أبو الحارث

(2)

: قيل لأبي عبد الله في العَقِيقَة: فإنْ لم يكنْ عنده ـ يعني

(3)

ما يَعُقُّ ـ؟ قال: إن استقرضَ رجوتُ أنْ يُخلِفَ اللهُ عليه، أحْيَا سُنَّةً

(4)

.

وقال صالح: قلت لأبي: يُولَد للرَّجل وليس عنده ما يَعُقُّ، أَحَبُّ إليك أن يستقرضَ ويَعُقَّ عنه، أم يؤخِّر ذلك حتى يُوسِرَ؟

فقال: أشدُّ ما سمعتُ في العَقِيقَة حديثُ الحَسَن عن سَمُرَةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "كلُّ غلامٍ رهينةٌ بعقيقته"، وإني لأرجو إنِ استقرضَ أن يُعَجِّلَ اللهُ له الخَلَفَ، لأنَّه أَحْيَا سُنَّةً مِن سُنَنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم واتَّبعَ ما جاءَ به

(5)

.

(1)

انظر: مسائل الإمام أحمد، رواية إسحاق: 2/ 130.

(2)

في "أ، ب، ج": الحارث.

(3)

ساقطة من "أ".

(4)

انظر: المغني لابن قدامة: 13/ 395.

(5)

انظر: مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه صالح: 2/ 208.

ص: 79

فهذه نُصوصُه كما تَرى. ولكنَّ أصحابَه فرَّعُوا على القولِ بالوجوبِ ثلاثةَ فُروعٍ:

(أحدها): هل هي واجبةٌ على الصبيِّ في مالِه، أو مالِ أبيهِ؟

(الثاني): هل تجبُ الشَّاةُ على الذَّكَرِ أو الشَّاتانِ؟

(الثالث): إذا لم يَعُقَّ عنه أبوهُ هل تَسْقُطُ أو يجبُ أن يَعُقَّ عن نفسهِ إذا بلَغَ؟

(1)

فأمَّا الفرع الأول، فحَكَوا فيه وجهينِ:

(أحدهما): يجبُ على الأبِ. وهو المنصوصُ عن الإمام أَحمد. قال إسماعيل بن سعيد الشَّالَنْجِي: سألت أَحمد عن الرجل يخبرُه والدُه أنه لم يَعُقَّ عنه، هل يَعُقُّ عن نفسهِ؟ قال: ذلك على الأبِ

(2)

.

و (الثاني): في مال الصبيِّ.

وحجةُ من أوجبها على الأبِ: أنه هو المأمورُ بها كما تقدَّم.

واحتجَّ مَن أوجبها على الصبيِّ بقوله: "الغُلامُ مرتهنٌ بعقيقتهِ".

وهذا الحديثُ يحتجُّ به الطائفتان، فإنَّ أوَّلَهُ الإخبارُ عن ارتهانِ الغُلامِ بالعقيقة، وآخره الأمرُ بأن يُراقَ عنه الدَّمُ

(3)

.

(1)

انظر فيما سيأتي ص (128).

(2)

انظر: التمام لما صحّ في الروايتين والثلاث والأربع لأبي يعلى: 2/ 237.

(3)

انظر: المغني لابن قدامة: 13/ 397.

ص: 80

قال الموجبون: ويدلُّ على الوجوب قولُه: "عن الغُلام شاتانِ وعن الجَارِيَةِ شاة". وهذا يدلُّ على الوجوب، لأنَّ المعنى: يجزئ عن الجَارِيَة شاةٌ، وعن الغُلام شاتانِ

(1)

.

واحتجوا بحديثِ البُخَاريِّ عن سلمانَ بنِ عامرٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "معَ الغُلامِ عقيقتُه فأهْرِيقُوا عنه دمًا وأمِيْطُوا عنه الأذَى".

قالوا: وهذا يدلُّ على الوجوب من وجهين: أحدهما: قوله: "مع الغُلام عقيقته". وهذا ليس إخبارًا عن الواقع، بل عن الواجب، ثم

(2)

أمَرَهُمْ أن يُخرِجُوا عنه هذا الذي معه، فقال:"أهْرِيقُوا عنه دمًا".

قالوا: ويدلُّ عليه أيضًا حديث عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَر بتسميةِ المولودِ يومَ سابعهِ، ووَضْعِ الأذَى عنه، والعَقِّ.

قالوا: وروى التّرمذيّ: حدّثنا يحيى بن خلَف، حدّثنا بِشر بن المفضّل، حدّثنا عبد الله بن عثمان بن خُثيم، عن يوسف بن ماهك، أنهم دخلُوا على حفصةَ بنتِ عبدِ الرَّحمن فسألُوها عن العَقِيقَة؟ فأخبرتْهم أن عَائِشَةَ رضي الله عنها أخبرتها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُم عن الغُلام شاتانِ، وعن الجَارِيَة شاةٌ.

(1)

"وهذا يدل على الوجوب

شاتان" ساقط من "أ".

(2)

وهذا هو الوجه الثاني.

ص: 81

قال التّرْمِذِيّ: "هذا حديث حسن صحيح"

(1)

.

وقال أَبو بكرِ بنُ أَبي شَيبةَ: حدّثنا عفَّانُ

(2)

، حدّثنا حمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، حدّثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، عن يوسف بن مَاهك، عن حفصةَ بنتِ عبدِ الرَّحمنِ، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت:"أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نعُقَّ عن الغُلامِ شاتينِ، وعن الجَارِيَة شاةً"

(3)

.

قال أبو بكر: حدّثنا يَعقوب بن حُمَيد بن كاسب، حدّثنا عبد الله بن وهب، قال حدّثني: عَمْرو بن الحارث، عن أيوب بن موسى أنه حدثه، أنَّ يزيد بن عبدٍ المُزَنِيَّ حدَّثه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"يُعَقُّ عن الغُلام، ولا يُمَسُّ رأسه بدمٍ"

(4)

.

قالوا: وهذا خبرٌ بمعنى الأمرِ.

قال أبو بكر: وحدّثنا ابن فُضَيلٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن محمَّدِ ابنِ إبراهيمَ، قال: كان يُؤمَر بالعَقيقة ولو بعُصْفُورٍ

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه فيما سبق، ص (50).

(2)

في "أ": عثمان.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة: 8/ 239، وفي طبعة دار القبلة: 12/ 322.

(4)

المصنف لابن أبي شيبة: 8/ 239، وفي طبعة دار القبلة:12/ 324 ـ 325، وأخرجه ابن ماجه في الذبائح، باب العقيقة: 2/ 1057 برقم (3163).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 8/ 236، وفي طبعة دار القبلة: 12/ 320، وبنحوه رواه مالك في الموطأ، باب العمل في العقيقة: 1/ 419، والإمام أحمد: 2/ 47 وفي طبعة الرسالة: 12/ 320، والبيهقي في معرفة السنن والآثار: 14/ 71، وهو في الأم للإمام الشافعي: 7/ 217.

ص: 82

فصل

قال القائلون بالاستحباب: لو كانت واجبةً لكان وجوبُهَا معلومًا من الدِّين

(1)

؛ لأنَّ ذلك ممَّا تَدعو الحاجةُ إليه وتَعُمُّ به البَلْوَى

(2)

، فكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يبيِّن

(3)

وجوبَها للأمَّة بيانًا عامًّا كافيًا تقومُ به الحجَّةُ وينقطعُ معه العُذْرُ.

قالوا: وقد علَّقها بمحبَّة فاعلِهَا، فقال:"مَن وُلِدَ له ولدٌ فأحبَّ أن يَنْسُكَ عنه فَلْيَفْعل".

قالوا: وفِعْلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لها لا يدلُّ على الوجوبِ، وإنَّما يدلُّ على الاستحبابِ.

قالوا: وقد روى أبو داود من حديث عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن العَقِيقَة؟ فقال:"لَا يُحِبُّ اللهُ العُقُوقَ"، كأنه كَرِهَ الاسمَ، وقال:

(1)

المعلوم من الدين بالضرورة، وهو ما ظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة في حكمه بالنصوص الواردة فيه، كوجوب الصلاة وتحريم الخمر والزنا. وسمي بذلك لأن كلَّ واحدٍ من المسلمين يعلم أن هذا الأمر من الدين.

(2)

عموم البلوى: شيوع الأمر وانتشاره علمًا أو عملًا مع الاضطرار إليه، ومنه قولهم: عموم البلوى موجب للرخصة.

(3)

في "أ": بين.

ص: 83

"مَنْ وُلِدَ له ولدٌ فأحبَّ أن يَنْسُكَ عنه فَلْيَفعَلْ؛ عن الغُلامِ شاتانِ مكافئتانِ، وعن الجَارِيَة شاةٌ"

(1)

.

وهذا مُرْسَلٌ، وقد رواه مرة عن عَمْرو عن أبيه، وقال: أُرَاهُ عن جدِّهِ

(2)

.

وروى مالك عن زيدِ بنِ أَسْلَم عن رجلٍ من بني ضَمْرَةَ عن أبيهِ

(3)

، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن العَقِيقَةِ؟ فقال:"لا أُحبُّ العُقُوق" وكأنه إنَّما كَرِهَ الاسْمَ، وقال:"مَنْ أحبَّ أن يَنْسُكَ عن وَلَدِهِ فَلْيَفعَلْ"

(4)

.

قال البَيهَقِيّ: وإذا انضمَّ إلى الأوَّل قَوِيَا

(5)

.

(1)

أخرجه أبو داود في الضحايا، باب في العقيقة: 9/ 614 ـ 615 برقم (2842).

(2)

في الموضع السابق: 9/ 614.

(3)

عن أبيه. ساقطة من "ج".

(4)

أخرجه الإمام مالك في كتاب العقيقة، باب ما جاء في العقيقة: 1/ 418، وفي رواية محمد بن الحسن: 2/ 652 مع التعليق الممجَّد، وأبو داود في الضحايا، باب في العقيقة: 9/ 614 - 615 برقم (2842)، والنسائي في العقيقة: 7/ 162، والإمام أحمد: 2/ 194، وأخرجه ابن أبي شيبة: 8/ 237، وفي طبعة دار القبلة: 12/ 324، وعبد الرزاق: 4/ 329، والبيهقي في السنن: 9/ 301 ـ 302، وفي شعب الإيمان: 15/ 106، وصححه الحاكم: 4/ 23

(5)

انظر: سنن البيهقي: 9/ 300.

ص: 84

قلت: وحديث

(1)

عَمْرِو بنِ شُعَيب قد جوَّدهُ عبدُ الرزَّاق، فقال: أخبرنا داود بنُ قَيس، قال: سمعتُ عَمْرَو بنَ شُعَيب يحدِّث عن أبيه عن جدِّه قال: سُئِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن العقيقةِ

فذكر الحديث

(2)

.

(1)

ساقطة من "ج".

(2)

مصنف عبدالرزاق: 4/ 329، وانظر: التمهيد: 10/ 391.

ص: 85

الفصل الثامن

في الوقت الَّذي تُستحبُّ

(1)

فيه العقيقةُ

قال أبو داود في "كتاب المسائل": سمعت أبا عبد الله يقول: العقيقةُ تُذبَح يوم السَّابعِ

(2)

.

وقال صالحُ بنُ أحمدَ: قال أَبي فِي العَقِيقَة: تُذبحُ يوم السَّابعِ، فإنْ لم يفعلْ ففي أربعَ عَشْرَة، فإنْ لم يفعلْ، ففي إحدى وعشرينَ

(3)

.

وقال الميموني: قلت لأبي عبد الله: متى يُعَقُّ عنه؟ فقال: أما عائشةُ فتقول: سبعةَ أيامٍ، وأربعةَ عشر، ولأحد وعشرينَ

(4)

.

وقال أبو طالب: قال أَحمد: تُذبح العَقِيقَة لأحد وعشرين يومًا. انتهى.

والحجة على ذلك: حديثُ سَمُرَةَ المتقدِّمُ: "الغُلام مُرتهَنٌ

(1)

في "أ، ج": يستحب.

(2)

مسائل الإمام أحمد لأبي داود، ص 256، وانظر: التمام لما صح في الروايتين والثلاث والأربع عن الإمام لابن أبي يعلى: 2/ 236 ـ 237.

(3)

مسائل الإمام أحمد، رواية صالح: 2/ 210.

(4)

في "أ": ولإحدى وعشرين. وفي "ج": وإحدى وعشرين. وسقطت المسألة كلها من "د".

ص: 86

بعقيقتِهِ، تُذبح عنه يومَ السَّابعِ ويُسَمَّى"

(1)

قال التّرْمِذِيّ: "حديث صحيح"

(2)

.

وقال عبد الله بن وهب: أخبرني محمَّد بنُ عَمْرو، عن ابن جُرَيْج، عن يحيى بنِ سعيد، عن عَمْرَةَ بنتِ عبدِ الرَّحمنِ، عن عائشةَ قالت:"عقَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن حسنٍ وحُسينٍ يوم السَّابعِ وسمَّاهُمَا، وأمَرَ أن يُمَاطَ عن رؤوسِهِما الأذَى"

(3)

.

وقال أبو بكرِ ابنُ المنذِر: "حدّثنا محمَّد بنُ إسماعيل الصَّائغُ، قال: حدّثني أبو جعفر الرَّازيُّ، حدّثنا أبو زهير عبد الرَّحمن بن معن

(4)

، حدّثنا محمَّد بنُ إسْحَاق عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه، قال: أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ سابعِ المولودِ، بتسميته، وعقيقتهِ، ووَضْعِ الأذى عنهُ

(5)

.

وهذا قول عامَّةِ أهلِ العِلمِ. ونحن نَحْكِي ما بلَغَنا من أقوالهم.

(1)

وانظر: فتح الباري: 9/ 519.

(2)

انظر: سنن الترمذي، كتاب الأضاحي، باب في العقيقة: 4/ 101.

(3)

أخرجه ابن حبان في صحيحه: 12/ 27 برقم (5311)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي: 4/ 237، ورواه البيهقي في السنن: 9/ 299.

(4)

في "ب، ج": معمر. قال الحافظ ابن حجر في التهذيب: 6/ 246: صوابه ابن مغراء.

(5)

انظر: المصنف لابن أبي شيبة: 8/ 240، وفي طبعة دار القبلة: 12/ 326.

ص: 87

وأرفعُ من رُويَ عنه ذلك: عائشةُ أمُّ المؤمنينَ، كما حكاه أَحمد عنها في رواية الميمونيِّ.

وكذلك قال الحَسَنُ البصريُّ وقَتَادَةُ: يُعَقُّ عنه يومَ سابعهِ"

(1)

.

وقال أبو عُمرَ

(2)

: "وكان الحَسَنُ البصريُّ يذهب إلى أنّها واجبةٌ عن الغُلام يومَ سابعهِ، فإن لم يُعَقَّ عنه، عقَّ عَن نَفْسهِ.

وقال اللَّيث بنُ سعدٍ: يُعَقُّ عن المولود في أيام سابعِه، فإن لم يتهيَّأ لهم العَقِيقَةُ في سابعِه، فلا بأسَ أن يُعَقَّ عنه بعد ذلك، وليس بواجبٍ أن يُعَقَّ عنه بعد سبعةِ أيام".

قال أبُو عُمَر: "وكان اللَّيثُ يذهب إلى أنها واجبةٌ في السبعةِ الأيامِ.

وقال عطاء: إنْ أخطأهم أمْرُ العَقيقَة يومَ السَّابع، أحببت أن يؤخِّره

(3)

إلى اليوم السَّابع الآخرِ.

وكذلك قال أَحْمَد، وإسْحَاق، والشّافعيّ، ولم يَزِدْ مالك على السَّابع الثاني.

وقال ابنُ وهب: لا بأس أن يُعَقَّ عنه في السَّابع الثالث. وهو قولُ

(1)

الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر: 3/ 418.

(2)

التمهيد لابن عبدالبر: 4/ 311 ـ 312، والاستذكار له أيضًا: 5/ 550 ـ 551.

(3)

في "أ": يؤخر.

ص: 88

عائشةَ وعطاءٍ وأَحمدَ وإسْحَاق.

قال مالك: ولا يُعَدُّ اليوم الذي وُلِدَ فيه، إلا أنْ يُولَدَ قبلَ الفَجْرِ مِنْ ليلةِ ذلكَ اليومِ"

(1)

.

والظاهر: أنَّ التقييدَ بذلك استحبابٌ، وإلا فلَو ذَبحَ عنه في السَّابع

(2)

، أوالثامن، أو العاشر، أو ما بَعْدَه أجزأتْ. والاعتبارُ بالذَّبْحِ، لا بيوم الطَّبخِ والأكلِ.

(1)

هذه كلها في التمهيد لابن عبدالبر: 4/ 312 ـ 316، وفي الاستذكار: 5/ 551 ـ 552. وانظر: مصنف ابن أبي شيبة: 12/ 326 ـ 327، وعمدة القاري للعيني: 21/ 88، والمغني لابن قدامة: 13/ 396 ـ 397، والمبدع: 3/ 301، والإنصاف للمرداوي: 4/ 111، والمحلى لابن حزم: 7/ 528 ـ 529.

(2)

في "ب": الرابع.

ص: 89

الفصل التاسع

في أنَّ العَقيقةَ أفضلُ من التَّصدُّقِ بثَمنها و لَو زادَ

قال الخَلّال: "باب ما يستحبُّ من العَقِيقَة وفضلها على الصَّدَقِةِ": أخبرنا سليمانُ بن الأشعثِ، قال: سُئل أبو عبد الله ـ وأنا أسمع ـ عن العَقِيقَةِ: أحبُّ إليك، أو تدفعُ ثمنها في المساكين؟ قال: العَقِيقَةُ

(1)

.

وقال في رواية أبي الحارث ـ وقد سئل عن العَقِيقَة ـ: إن استقرضَ رجوتُ أن يُخلِفَ اللهُ عليه، أحيا سُنَّةً

(2)

.

وقال له صالحٌ ابنُه: الرَّجلُ يُوْلَد له، وليس عنده ما يَعُقُّ، أَحَبُّ إليك أنْ يَسْتقرضَ ويَعُقَّ عنه، أم يؤخِّر ذلك حتى يُوْسِرَ؟

قال: أشدُّ ما سمعنا في العَقِيقَة حديثُ الحَسَنِ عن سَمُرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"كلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بعَقيقتهِ"

(3)

وإنِّي لأرجو إن استقرضَ أن يعجِّل اللهُ له الخَلَف، لأنَّه أحيا سُنّةً من سُنَنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، واتَّبعَ ما جاءَ عنه". انتهى

(4)

.

(1)

انظر: مسائل الإمام أحمد، برواية أبي داود، ص 256.

(2)

انظر: مسائل الإمام أحمد، رواية صالح: 2/ 208، والمغني لابن قدامة: 13/ 395.

(3)

تقدم تخريجه فيما سبق، ص (49).

(4)

أي انتهى ما نقله عن الخلال. وانظر: مسائل الإمام أحمد، رواية صالح: 2/ 210 ـ 212.

ص: 90

وهذا لأنها سُنَّةٌ ونسيكةٌ مشروعةٌ بسبب تجدُّدِ نعمةِ الله على الوالدَيْنِ، وفيها سرٌّ بديعٌ موروثٌ عن فداء إسماعيل بالكبشِ الذي ذُبِحَ عنهُ وفدَاه اللهُ به، فصار سنةً في أولاده بعده: أن يفدي أحدُهم عند ولادته بذِبْحٍ يُذْبَحُ عنه

(1)

.

ولا يُستنكَر أن يكونَ هذا حِرْزًا له من ضَررِ

(2)

الشيطانِ بعد ولادتِه، كما كان ذكرُ اسمِ الله عند وَضْعِه في الرَّحمِ حرزًا له من ضررِ الشيطانِ؛ ولهذا قلَّ من يتركُ أبواه العقيقةَ عنه إلا وهو في تخبيطٍ من الشيطانِ.

وأسرارُ الشَّرع أعظمُ من هذا، ولهذا كان الصوابُ أنَّ الذكر والأنثى يشتركانِ في مشروعية العقيقة وإن تَفاضَلا في قَدْرِهَا.

وأما أهلُ الكتابِ، فليست العقيقةُ عندهم للأنثى، وإنَّما هي للذَّكَرِ خاصَّة. وقد ذهبَ إلى ذلك بعضُ السَّلَفِ.

قال أبو بكر ابنُ المُنْذِر: "وفي هذا الباب قولٌ ثالثٌ قاله الحَسَنُ وقَتَادَةُ: كانا لا يريان عن الجَارِيَة عَقِيقةً"

(3)

.

(1)

يذبح عنه. ساقط من "أ".

(2)

ساقط من "أ، د".

(3)

الإشراف على مذاهب العلماء، لابن المنذر: 3/ 415. وانظر: التمهيد: 4/ 317، والاستذكار: 5/ 550 ـ 554، ومصنف عبدالرزاق: 4/ 331، ومصنف ابن أبي شيبة: 12/ 331، والمحلى: 7/ 523.

ص: 91