المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي ذكر أحوال الجنين بعد تحريكه وانقلابه عند تمام نصف السنة - تحفة المودود بأحكام المولود - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي استحبابِ طَلبِ الوَلدِ

- ‌الباب الثانيفي كَراهةِ تَسخُّطِ البناتِ

- ‌الباب الثالثفي استحبابِ بشارةِ من وُلد له ولدٌ وتهنئتهِ

- ‌الباب الخامسفي استحبابِ تَحنيكه

- ‌الباب السَّادسفي العَقيقةِ وأحكامِها

- ‌تحقيق رأي أبي حنيفة

- ‌الفصل السَّادسهل يُكْرهُ تَسميتُها عَقيقة

- ‌ الذبحُ في موضعهِ أفضلَ من الصَّدقة بثمنه

- ‌ يُستحبُّ أن يُقالَ عليها ما يُقالُ على الأضحيةِ

- ‌يُستحبُّ فيها ما يستحبُّ في الأضحيةِ

- ‌الفصل الثالث عشرفي كَراهةِ كَسْرِ عِظامِها

- ‌الفصل السَّادس عشرهل تُشرعُ العقيقةُ بغير الغَنم

- ‌القزع أربعة أنواع:

- ‌ استحباب(4)الأسماء المضافة إلى الله

- ‌ اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة

- ‌ حكمةِ خَفْضِ النِّساء:

- ‌«مَنْ تطبَّبَ ولم يُعْلَمْ منه طِبٌّ فهو ضَامِنٌ»

- ‌فصلٌ في وقت الفطام

- ‌فصلفي وَطءِ المُرْضعِ، وهو الغَيلُ

- ‌ما جاءت به الرسل مع العقل ثلاثة أقسام

- ‌فصلفي مقدارِ زمانِ الحَمْلِ واختلافِ الأَجِنَّة

- ‌فصلفي ذِكرِ أَحوالِ الجنِينِ بعد تَحرِيكِه وانقِلابهِ عندَ تَمامِ نِصفِ السَّنَةِ

- ‌ وعلوَّ أَحدِهما سببٌ لمجانسة الولد للعالي ماؤه

- ‌ فهرس مراجع ومصادر التَّحقيق

الفصل: ‌فصلفي ذكر أحوال الجنين بعد تحريكه وانقلابه عند تمام نصف السنة

‌فصل

في ذِكرِ أَحوالِ الجنِينِ بعد تَحرِيكِه وانقِلابهِ عندَ تَمامِ نِصفِ السَّنَةِ

يعرض للجنين في هذا الوقت أن يُهْتَك غشاؤه، والحجُبُ التي عليه، وأن ينتقل عن مكانه نحو فَمِ الرَّحم، فإن كان الجنين قويًّا وكانت أغشيته التي تغشيه

(1)

وسُرَّتُه أضعف= تمَّ الولاد. وإن كان الجنين ضعيفًا وأغشيته وسُرَّته أقوى= فإما أن يهتكها بعض الهتك ولا يولد، فيبقى مريضًا أربعين يومًا إلى تمام آخر الشهر الثامن، فإن ولد في هذه الأربعين يومًا مات، ولم يمكن تربيته ولا بقاؤه.

وإن هو هتك أغشيته كلَّ الهتك حتى لا يمكن تلافي ذلك ولم يولد= مات، فإن لم يسقط= قتل الحامل به، وإن هَتَك أغشيتَه هتكًا يمكن تلافيه بقي ولم يمت، ومكث في موضعه الذي تحرك نحوه، وانقلب إليه عند فم الفرج. وإنما يعرض لهم المرض في هذه الأربعين يومًا، إذا لم يولدوا بعد تحرُّكهم لأنهم ينقلبون عن مكانهم الذي نشأوا فيه، وتتغير مواضعهم وانخلاع السُّرَّة بانتقالهم، ولأن أمهاتهم يعرض لهنَّ أن يَمْرَضْنَ عند ذلك، لتمدُّد الأغشية، وانخلاع السرَّة المتصلة بالرَّحم منهنَّ، ولأنَّ الجنين إذا انحلَّ رباطه ثقل على أمِّه.

(1)

التي تغشيه. ساقط من «ج» .

ص: 389

فصل

في سببِ الشَّبَه للأبوَينِ أو أحدِهما، وسببِ الإذْكارِ والإيناثِ، وهلْ لهما علامَةٌ وقتَ الحَمْلِ

(1)

أم لا؟

تقدَّم

(2)

ذِكْرُ قولِه تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران/ 6].

وثبت في «الصحيحين» عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ أم سُلَيْمٍ سَأَلَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن المرأة تَرى في مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجلُ؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأتِ المرأةُ ذلك فَلْتَغْتَسِلْ» فقالت أم سُلَيم ــ واسْتَحْيَتْ مِنْ ذَلِكَ ــ وهل يكونُ ذلكَ؟ فقالَ الرسولُ: «نعم، فمِنْ أينَ يكونُ الشَّبَهُ؟ ماءُ الرَّجُلِ غليظٌ أبيضُ، وماءُ المرأةِ رقيقٌ أصفرُ، فَمِنْ أيّهما عَلَا أو سَبَقَ يكونُ منه الشَّبَهُ»

(3)

.

وفي «صحيح مُسْلِم» عن عَائِشَةَ أنَّ امرأةً قالتْ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم هل تغتسلُ المرأةُ إذا احْتَلَمَتْ فأبْصَرَتِ الماءَ؟ فقال: «نعم» ، فقالت لها

(1)

في «د» : الحبَل.

(2)

انظر فيما سبق ص (385).

(3)

أخرجه البخاري في العلم، باب الحياء في العلم: 1/ 228 عن أم سلمة، وفي مواضع أخرى، ومسلم في الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنيِّ منها: 1/ 250 برقم (311) عن أنس.

ص: 390

عَائِشَةُ: تَرِبَتْ يَدَاكِ! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «دَعِيهِا، وهَلْ يكونُ الشَّبَهُ إلَّا من قِبَلِ ذلك، إذا عَلا ماؤها ماءَ الرجلِ أشبهَ الولدُ أخوالَه، وإذا عَلا ماءُ الرجلِ ماءَهَا أشبهَ أَعْمامَهُ»

(1)

.

وفي «صحيح مُسْلِم» : عن ثَوبَانَ، قال: كنتُ قائمًا عندَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فجاءَ حَبْرٌ من أحْبَارِ اليهودِ، فقال: السَّلامُ عليكَ يا محمَّدُ، فدفعتُه دفعةً كاد يُصْرَعُ منها، فقال: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ فقلتُ: ألَا تَقُولُ: يا رسولَ الله؟ فقالَ اليهوديُّ

(2)

: إنَّما نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الذي سمَّاه به أهلُه. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اسْمِي مُحَمَّدٌ. الذي سمَّاني به أَهْلِي» فقالَ اليهوديُّ: جئتُ أسألُكَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«أينفعُكَ شيءٌ إن حدَّثْتُكَ؟» فقال: أسمعُ بأُذني. فنكتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِعُودٍ مَعَه، فقالَ:«سَلْ» فقالَ اليهوديُّ: أينَ يكونُ النّاسُ حين تُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرضِ والسماوات

(3)

؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هم في الظُّلمَةِ دونَ الجِسْرِ» . فقال: فمَنْ أوَّلُ الناس إجازةً يوم القيامة؟ قال: «فقراءُ المهاجرينَ» . قال اليهودي: فما تُحْفَتُهُمْ حين يدخُلون الجنة؟ قال: «زيادةُ كبدِ النونِ» . قال: فما غذاؤهم على إثره؟ قال: «يُنحر لهم ثَوْر الجنة الذي كان يأكل من أطرافها» . قال: فما شرابهم عليه؟ قال: «عينًا فيها تسمى سلسبيلًا» . قال: صدقت.

(1)

أخرجه مسلم في الموضع السابق برقم (314).

(2)

«فقال: السلام

فقال اليهودي» ساقط من «د» .

(3)

ساقطة من «أ» .

ص: 391

قال: أردتُ أن أسألكَ عن شيءٍ لا يعلمُه أحدٌ من أهلِ الأرضِ إلا نبيٌّ أو رجلٌ أو رجلانِ. قال: «ينفعُك إن حدَّثتُك؟» قال: أسمعُ بأذني، قال: جئتُ أسألك عن الولَدِ؟ قال: «ماءُ الرَّجلِ أبيضُ، وماءُ المرأة أصفرُ، فإذا اجتمعا فَعَلَا مَنِيُّ الرجل مَنِيَّ المرأة أذْكَرَا بإذن الله، وإذا عَلَا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنَثَا بإذن الله تعالى» . فقال اليهوديُّ: لقد صدقتَ وإنَّك لنبيٌّ، ثم انصرفَ فذهبَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«لقد سَألنِي عنِ الذي سَألنِي عنه، ومَا لي عِلمٌ بشيء منه حتى أَتاني اللهُ عز وجل به»

(1)

.

وفي «مسند الإمام أَحْمَد» : من حديث القاسم بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن عبد الله ـ هو ابن مسعود ـ قال: مرَّ يهوديٌّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدِّث أصحابه، فقال رجل من قريش: يا يهودي؟ إن هذا يزعم أنَّه نبي! فقال: لأسألنَّه عن شيء لا يعلمه إلا نبيٌّ، فجاء حتى جلس، ثم قال: يا محمَّد! ممَّ يُخلَق الإنسان؟ قال: «يا يهوديّ! من كلٍّ يُخلق، من نطفةِ الرَّجل ومن نطفةِ المرأةِ، فأمَّا نطفةُ الرجل فنطفةٌ غليظةٌ منها العظم والعَصَبُ، وأمَّا نطفةُ المرأة فنطفةٌ رقيقةٌ منها اللحم والدَّمُ» ، فقام اليهودي فقال: هكذا كان يقول مَنْ قبلك

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب صفة منيّ الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما: 1/ 252 برقم (315).

(2)

أخرجه الإمام أحمد في المسند: 1/ 465، وفي طبعة الرسالة: 7/ 437، والبزّار برقم (2377) من كشف الأستار، والطبراني في الكبير برقم (10360). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 241:«رواه أحمد والطبراني والبزار بإسنادين، وفي أحد إسناديه عامر ابن مدرك وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات، وفي إسناد الجماعة عطاء ابن السائب وقد اختلط» .

ص: 392

فتضمنت هذه الأحاديث أمورًا:

(أحدها): أنَّ الجنينَ يُخلَق من ماء الرجل وماء المرأة، خلافًا لمن يزعم من الطَّبَائِعِيّينَ أنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده، وقد قال تعالى:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق/ 75].

قال الزجَّاج: قال أهل اللغة: التَّرِيبَة مَوْضِعُ القِلَادة مِن الصَّدْرِ، والجمع: تَرَائِب

(1)

.

وقال أبو عُبَيْدة: التَّرَائِب: مُعَلَّق الحَلْي على الصَّدْرِ

(2)

.

وهو قول جميع أهل اللغة.

وقال عطاءٌ عن ابنِ عبَّاسٍ: يريد صُلْبَ الرَّجُل، وتَرَائِبَ المرأةِ، وهو مَوْضِعُ قِلادَتِهَا. وهذا قولُ الكَلْبيِّ، ومُقَاتِل، وسُفْيَان وجُمْهُورِ أهلِ التفسيرِ

(3)

. وهو المطابقُ لهذه الأحاديثِ.

(1)

معاني القرآن للزجّاج: 5/ 312. وفيه: قال أهل اللغة أجمعون: الترائب: موضع

(2)

قاله في مجاز القرآن: 2/ 292.

(3)

انظر: معاني القرآن للفرِّاء: 3/ 255، تفسير الطبري: 24/ 354، وتفسير البغوي: 8/ 324.

ص: 393