الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَبْحَثُ الثَّانِي: الصَّغَانِيُّ فِي (التَّكْمِلِةِ والذَّيْلِ والصِّلَةِ)
لَهَذَا الكِتَابِ صِلَةٌ وَثِيقَةٌ بالصِّحَاح؛ إِذْ عُنِيَ مُؤلِّفُهُ فِيهِ باسْتِدْرَاكِ مَا أَغْفَلَه الجَوْهَرِيُّ فِي (الصِّحَاحِ) مِمَا هُوَ صَحِيحِ عَلَى شَرْطِهِ، وتَكْمِلَةِ مَا فَاتَ فِي الشَّرْحِ مِنَ المَعَانِي والشَّوَاهِدِ، وإِصْلَاحِ مَا وَقَعَ فِيهِ مِن تَدَاخُلِ الأُصُولِ، أَوْ التَّنْبِيهِ عَلَيهِ، مَعَ عِنَايَةٍ خَاصَةٍ بِتَصْحِيحِ مَا أَوْرَدَهُ الجَوْهَرِيُّ مِن شَوَاهِدَ وَهِمَ فِي رِوَايَتِهَا أَو نِسْبَتِهَا، وقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِحِذْقٍ، وَجَمَعَ مِنَ المَادَّةِ اللُّغَوِيَةِ مَا أَرْبَى عَلَى (الصِّحَاحِ) إِذْ قُدِّرَ مَا اسْتَدْرَكَهُ عَلَى الجَوْهَرِيِّ بِنَحْوِ سِتِّينَ أَلْفَ مَادَّةٍ مِنَ النَّوَادِرِ والفَصِيحِ وصَحِيحِ اللُّغَةِ1 اسْتَفَادَهَا مِن نَحْوِ أَلْفِ مَصْدَرٍ؛ فِي غَرِيبَي القُرْآنِ والحَدِيثِ، وفِي اللُّغَةِ والنَّحْوِ والصَّرْفِ، وآدَابِ العَرَبِ، وأشْعاَرِهَا، وأَخْبَارِهَا، وآيَّامِهَا2 فَلَا جَرَمَ أَن يَتَبَوَّأَ مَنْزِلَةً مَرْمُوقَةً بَيْنَ سَائِرِ المَعَاجِمِ؛ فَتَضَيَّفَهُ المُتَأَخِّرُونَ مَنَ المُعْجَمِيِّينَ فِي مْؤَلَّفَاتِهِم، وعَدُّوهُ فِي مَصَادِرِهِم المُقَدَّمَةِ.
تَحْلِيلِ النَّقْدِ المُعْجَمِيِّ عِنْدَ الصَّغَانِيِّ:
يَقُومُ كِتَابُ (التَّكْمِلَةِ) للصَّغَانِيِّ عَلَى جَانِبَينِ رَئِيسَينِ؛ هُمَا: التَّكْمِلَةُ والنَّقْدُ؛ والّذي يُعْنِينَا مِنْهُمَا - هُنَا - الجَانِبُ الثَّانِي، وقَدْ كَشَفَ المُؤَلِّفُ - فِي كِتَابِهِ - عَنْ نَظَرٍ نَقْدِيٍّ ثَاقِب جَعَلَهُ فِي مَصَافِّ رُوَادِ
1 ينظر: مقدمة الصِّحاح 168، وكتاب الشوارد 20.
2 ينظر: التكملة 1/8.
النَّشَاطِ المُعْجَمِيِّ النَّقْدِيِّ.
ويُمْكِنُ إيْجَازُ العَنَاصر النَّقْدِيَّةِ، فِي كِتَابِ الصَّغَانِيِّ، فِيمَا يَلِي:
1-
نَقْدُ تَدَاخُلِ الأُصُولِ.
2-
نَقْدُ الشَّوَاهِدِ ومَا يَتَّصِلُ بِهَا.
3-
التَّنْبِيهُ عَلَى التَّصْحِيفِ والتَّحْرِيفِ.
4-
نَقْدُ التَّفْسِيرَاتِ اللُّغَوِيَّةِ الخَاطِئَةِ.
وفِيمَا يَتَّصلُ بالعُنْصُرِ الأوّلِ اجْتَذَبَ التَّدَاخُلُ قَدْراً صَالِحاً مِنَ اهْتِمَامِ الصَّغَانِيِّ؛ فَجَاءَت مَلْحُوظَاتُهُ فِي هَذَا الجَانِبِ كَثِيرَةً، نَثَرَهَا فِي عِشْرِينَ ومِائَةِ مَوضِعٍ؛1 وهَذَا ضِعْفُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ برِّي تَقْرِيباً.
1 وهي على النحو التالي في كتاب التكلمة: (ثأثأ) 1/9، (حفسأ) 1/16، (زأزأ) 1/25، (فرقأ) 1/37، (قدأ) 1/42، (لجأ) 1/48، (تأب) 1/72، (خيب) 1/121، (ددب) 1/123، (عرب) 1/207، (ككب) 1/261، (أست) 1/297، (برت) 1/300، (خرت) 1/311، (كبرت) 1/332، (كنت) 1/336، (متت) 1/339، (غيث) 1/377، (زرج) 1/442، (مرتج) 1/492، (نفرج) 1/501، (طرمح) 2/70، (فيح) 2/80، (ندح) 2/116، (وجح) 2/122، (تنخ) 2/135، (نوخ) 2/184، (أبد) 2/188، 189، (أحد) 2/190، (أسد) 2/191، (فمهد) 2/325، (مصد) 2/343، (مقد) 2/344، (ميد) 2/347، (خنذ) 2/377، (سطر) 3/28، (شفر) 3/52، (شفتر) 3/52، (صمعر) 3/75، (قطمر) 3/172، (فنبر) 3/177، (قنسر) 3/178، (كنهر) 3/192، (كور) 3/193، (مدر) 3/195، (هير) 3/228، (حلز) 3/260،= = (زوز) 3/270، (عقر) 3/284، (قزز) 3/293، (كلز) 3/298، (لوز) 3/302، (مشلز) 3/303، (هرز) 3/312، (بلس) 3/327، (تنس) 3/329، (طنفس) 3/380، (عبدس) 3/383، (قوس) 3/415، (تعس) 3/421، (هرجس) 3/447، (ترش) 3/457، (شوش) 3/485، (نأش) 3/514، (نشش) 3/818، (أنض) 4/56، (ثرمط) 4/114، (شمحط) 4/144، (هرط) 4/189، (عنظ) 4/200، (تربع) 4/223، (دلثع) 4/251، (صتع) 4/295، (قفع) 4/336، (مدع) 4/357، (همقع) 4/391، 392، (همع) 4/391، (أخف) 4/434، (رقف) 4/481، (سوف) 4/497، (طلخف) 4/522، (عجف) 4/526، (قفف) 4/551، (كرف) 4/555، (كرنف) 4/556، (دهق) 5/56، (زندق) 5/70، (زوق) 5/78، (غرق) 5/127، (غرنق) 5/127، (فوق) 5/143، (نوف) 5/157، (هبنق) 5/170، (سبك) 5/207،
(وأوّل فصل الباء من باب اللام) 5/265، (حتل) 5/309، (حنتل) 5/309، (عندل) 5/439، (قدفل) 5/481، (كول) 5/508، (مول) 5/520، (ندل) 5/527، (هذمل) 5/553، (همرجل) 5/562، (رأم) 6/30، (رمم) 6/38، (رهم) 6/40، 41، (مرهم) 6/150، (وأم) 6/160، (ترن) 6/200، (جدن) 6/206، (جين) 6/213، (ددن) 6/228، (درن) 6/228، (ربن) 6/237، (شرن) 6/257، (ضدن) 6/265، (علجن) 6/277، (مدن) 6/313، (أبه) 6/332، (شصا) 6/446، (شكى) 6/449، (قنا) 6/497.
ويُمْكِنُ الكَلَامُ عَمَّا فِي (التَّكْمِلَةِ) مِن خِلَالِ النِّقَاطِ التَّالِيَةِ:
أ- التَّوْزِيعُ الإحْصَائِيُّ للَّنَقَدَاتِ:
اسْتَأُثَرَ التّدَاخُلُ بَيْنَ بِنَاءينِ مُخْتَلِفَينِ بِاهْتِمَامِ الصَّغَانِيِّ؛ فَوَجَّهَ جانباً مُهِمّاً مِن جُهْدِهِ لِنَقْدِهِ؛ فَجَاءت مَلْحُوظَاتِهِ فِيهِ فِي ثَلَاثَةٍ وسِتِّينَ مَوْضِعاً؛ اثْنَانِ وسِتُّونَ مَوْضِعاً فِيهَا لِتَدَاخُلِ الثُّلاثِيِّ والرُّبَاعِيِّ، ووَاحِدٍ للتَّدَاخُلِ بَيْنَ
اثنان وستون موضعا فيها لتداحل الثلاثي والرباعي، وواحد للتداخل بين الرُّبَاعِيِّ والخُمَاسِيِّ؛ فِي حِيْنِ لَم تَتَجَاوَزْ مَلْحُوظَاتُهُ؛ فِي التَّدَاخُلِ فِي البِنَاءِ الوَاحِدِ؛ سَبْعَةً وخَمْسِينَ مَوْضِعاً؛ خَمْسَةٌ وخَمْسُونَ مِنْهَا لِتَدَاخُل الثُّلاثِيِّ بالثُّلاثِيِّ، واثْنَان لِتَدَاخُلِ الرُّبَاعِيِّ بالرُّبَاعِيِّ.
ونِسَبُ مَا تَقَدَّمَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
تَدَاخُلُ الثُّلاثِيِّ والرُّبَاعِيِّ
…
51.666%
…
52.5 %
تَدَاخُلُ الرُّبَاعِيِّ والخُمَاسِيِّ
…
00.0083%
تَدَاخُلُ الثُّلَاثِيِّ والثُّلاثِيِّ
…
45.833%
…
47.
5%
تَدَاخُلُ الرُّبَاعِيِّ والرُّبَاعِيِّ
…
1.666%
ونَخْرِجُ مِن هَذَا الإحْصَاءِ بِمَلْحُوظَتَينِ:
الأولَى: أَنَّ هَذِهِ النِّسَبَ غَيْرُ مأْلُوفَةٍ فِي التَّدَاخُلِ بِعُمُومِهِ؛ خِلافاً لِمَا تَقَدَّمَ فِي البَابَين الثَّانِي والثَّالثِ؛ إذ رَأَيْنَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي البِنَاءِ الوَاحِدِ - ولا سِيَّمَا الثُّلاثِيُّ - يَفُوقُ كَثِيراً التَّدَاخُلَ بِيْنَ بِنَاءَينِ مُخْتَلِفَينِ.
الثَّانِيةُ: عِنَايَةُ الصَّغَانِيِّ بِتَدَاخُلِ الثُّلاثِيِّ بالرُّبَاعِيِّ؛ خِلافاً لابْنِ برِّي؛ الَّذي وَجَّهَ جُهْدَه لِنَقْدِ التَّدَاخُلِ فِي البِنَاءِ الوَاحِدِ؛ ولَا سِيَمَا فِي الثُّلاثِيِّ؛ وتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الجَوْهِرِيِّ اعْتَادَ وَضْعَ الرُّبَاعِيِّ فِي أَصْلٍ ثُلَاثِيٍّ؛ مَتَى سَنَحَتْ فُرْصَةٌ لِذَلِكَ وهذا مَا يُفَسِّرُ قِلَّةَ الأُصُولِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي مُعْجَمِهِ (الصِّحَاحِ) ويَبْدُو أَنَّ ابْنَ برِّي أَقَرَّهُ عَلَى شَيءٍ مِن ذَلِكَ؛ فِي حِينَ أَنَّ الصَّغَانِيَّ كَانَ أَكْثَرَ دِقَّةً فِي الأُصُولِ الرُّبَاعِيَّةِ.
ب- مَنْهَجُ الصَّغَانِيِّ فِي النَقْدِ المُعْجَمِيِّ:
سَارَ الصَّغَانِيُّ فِي تَرْتِيبِ مُعْجَمِهِ عَلَى القَافِيَةِ؛ لِصِلَتِهِ الوَثِيقَةِ بالصِّحَاحِ، وَقَدْ نَثَرَ مَلْحُوظَاتِهِ فِي ثَنَايَا مَوَادِّهِ؛ غَيْرَ سَالِكٍ مَنْهَجاً مُحُدَّداً فِي عَرْضِهَا؛ فَقَدْ يُذْكٌرُ نَقْدَهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فِي المَادَّةِ، أَو فِي وَسَطِهِ، أو فِي نِهَايَتِهِ؛ تَارِكاً ذَلِكَ لِعُرْوضِ الكَلِمَةِ مَوضِعِ النَّقْدِ. ولَعَلَّهُ يُورِدُ الكَلِمَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِن الصِّحَاحِ، ثُمَّ يُنَبِّهُ عَلَى مَا فِيهَا مِن تَدَاخُلٍ، وقَد يَنْقُلُهَا إلَى مَوْضِعِهَا الصَّحِيحِ، ويُنَبِّهُ عَلَيهَا هُنَاكَ.
فَمِمَّا أَوْرَدَهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الصِّحَاحِ (الدَّهْمَقَةُ) وَهِيَ: لِينُ الطَّعَامِ وطِيبُهُ، وذَكَرَ أَنَّ الجَوْهَرِيَّ جَعَلَهَا فِي هَذَا الأَصْلِ، يَعْنِي (دهق) 1 وَحَكَمَ بِزِيَادَةِ المِيمِ؛ فَيَكُونُ وَزْنُهَا عِندَهُ (فَعْمَلَة) وَهِيَ (فَعْلَلَة) لا غير.2
ومِمَّا نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعِه الصَّحِيحِ، ونَبَّهَ عَلَيهِ فِيهِ (الهَمَرْجَلُ) وهُوَ: الجَوَادُ السَّرِيعُ. قَالَ فِي مَادَّةِ (هـ م ر ج ل) : (وذَكَرَهُ الجَوْهَرِيُّ بَعْدَ تَرْكِيبِ (همرجل) 3 وَهَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهِ) .4
وقَدْ أَظْهَرَ الصَّغَانِيُّ حِرْصاً وَاضِحاً عَلَى التَنْبِيهِ عَلَى تَدَاخُلِ الأُصُولِ فِي (الصِّحَاح) فَكَانَ لَا يَكْتَفِي فِي كَثِيرٍ مِنَ المَوَاضِعِ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى التَّدَاخُلِ فِي أَحَدِ الأَصْلَينِ؛ بَل يَذْكُرُهُ فِيهِمَا جَمِيعاً؛ كَتَنْبيهِهِ عَلَى التَّدَاخُلِ
1 ينظر: الصِّحاح 4/1478.
2 ينظر: التكملة (دهق) 5/56.
3 ينظر: الصِّحاح (هرجل) 5/1849، وقد كتبه المحقق تحت أصل خماسيّ؛ وهو (همرجل) وهو سهو منه؛ بدلالة ما بعده.
4 التكملة (همرجل) 5/562.
فِي (تَنُوخَ) فِي الأَصْلَين (ت ن خ) و (ن وخ) 1 ومِثْلُهُ مَا فِي (ر هـ م) و (م هـ م) .2
وقَدْ كان الصَّغَانِيُّ يَمِيلُ - فِي أَكْثَرِ تَنْبِيهَاتِهِ - إلَى الاخْتِصَارِ؛ كَقَوْلِهِ مُنْتَقِداً الجَوْهَرِيَّ: "مَوضِعُ ذِكْرِ: تَنُوخَ فَصْلِ التَّاءِ؛ لأَصَالَةِ التَّاءِ"30
وَكَانَ مَنْهَجُهُ - فِي الاسْتِدْرَاكِ - المُرَاوَحَةُ بَيْنَ إِصْدَارِ الأَحْكَامِ المُطْلَقَةِ غَيرِ المُعَلَّلَةِ والأَحْكَامِ المُعَلَّلَةِ؛ فَمِنَ الأوَّلِ قَوْلُهُ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ: الحَفَيْسَأَ مَعَ ذِكْرِ: الحَيْفَس 4ِ فِي بَابِ السِّينِ"5 والصَّغَانِيُّ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ (الحَفَيْسَأِ)(ح ف س أ) ولَيْسَ (ح ف س) ولَم يَذْكُرْ وَجْهَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ أَنًَّ الهَمْزَةَ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ؛ ولَا دَلِيلَ عَلَى زِيَادَتِهَا؛ فَوَزْنُهُ (فَعَيْلَلَ) مِثْلُ: سَمَيْدًعٍ.
أَمَّا مَا أَوْرَدَهُ مُحْتَجّاً لَهُ بِدَلِيلٍ فَكَثِيرٌ؛ وكَانَ إَلَى الاخْتِصَارِ يَحْمِلُهُ عَلَى الاكْتِفَاءِ بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ لِنَقْدِ التَّدَاخُلِ فِي الكَلِمَةِ؛ ومِن أَدِلَّتِهِ المُخْتَلِفَةِ: اعْتِمَادُهُ عَلَى خَصَائِصِ بَعْضِ الحُرُوفِ فِي الأَصَالَةِ والزِّيَادَة؛ كَقَوْلِهِ مُنْتَقِداً
1 ينظر: التكملة 2/135، 2/184.
2 ينظر: التكلمة 6/40، 150.
3 التكملة (نوخ) 2/184.
4 الحفيسأ والحيفس:القصير السّمين من الرجال، وينظر: اللّسان (حفس) 6/45.
5 التكملة (حفسأ) 1/16.
الجَوْهَرِيَّ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيّ الكُِرْنَافَ فِي (ك ر ف) 1 ولَم يُفْرِدْ لَهُ تَرْجَمَةً. والنُّونُ لَا يُحْكَمُ بِزَيَادَتِهَا إلَاّ بِثَبَتٍ"2
ومِنْهُ الاشْتَقَاقُ؛ كَقَوْلِهِ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ القِنَّسْرِيَّ (ق س ر) 3 ظَنّاً مِنْهُ أَنَّ النُّونَ زَائِدَةٌ واشْتِقَاقُ تَقَنسَرَ مِنْهُ يَدْفَعُ ذِكْره هَذَا المَوْضِعُ"4 يَعْنِي (ق ن س ر) .
وقَوْلُهُ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ الكِبْرِيتَ فِي فَصْلِ الكَافِ؛ مِنَ الرَّاءِ،5 عَلَى أَنَّهُ (فِعْلِيت) وإِنَّمَا هُوَ (فِعْلِيل) وهَذَا مَوْضِعُ ذَكْرِهِ
…
والتَّاءُ أَصْلِيَّةٌ؛ لِقَوْلِهِم: كَبْرَتَ بَعِيْرَهُ".6
ومِن مَنْهَجِ الصَّغَانِيِّ فِي نَقْدِهِ التَّدَاخُلَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِأَحْكَامِهِ؛ مَا لَم يَكُن عَلَى ثِقَةٍ مِن صِحَّةِ مَا يَقُولُ؛ فَكَثِيراً مَا نَرَاهُ يُبْدِي شَكَّهُ أَو تَرَدُّدَهُ؛ كَقَوْلِهِ فِي (درن) : "والإِدْرَونُ: ذُو وَجْهَينِ؛ يَحْتَمِلُ؛ أن يَكُونَ ثُلَاثِيّاً، ووَزْنُهُ (إِفْعَوْل) ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ رُبَاعِيّاً مِثل فِرْعَون وبِرذَون".7
وقَوْلُهُ فِي (ح ت ل) : "وأَبُو حَنتَلٍ: بِشْرَ بْن أحْمَدَ اللَّخْمِي، مِمَّن حَدَّثَ، فإن كَانَت النُّونُ زَائِدَةً زِيَادَتَهَا فِي حُنتَالٍ، فَهَاهُنَا مَوْضِعُ
1 ينظر: الصِّحاح 4/1420.
2 التكملة (كرنف) 4/556.
3 ينظر: الصِّحاح 2/791.
4 التكملة (قنسر) 3/178.
5 ينظر: الصِّحاح (كبر) 2/802.
6 التكملة (كبرت) 1/332.
7 التكملة 6/228.
ِكْرِهِ، وإلَاّ فَفِي الحَاءِ مَعَ النُّونٍِ".1
وقَوْله فِي (ض د ن) : "وضَدْوَان وضَدْيَان - بالفَتْح: جَبَلانِ. هَذَا إَذَا كَانَت النُّونُ أَصْلِيَّةً، وإِلَاّ فَمَوضِعُ ذِكْرِهِمَا الحُرُوفُ اللَّيِّنَة"2 يَعْنِي (ض د و) .
ولَم يَكن مِن مَنهَجِ الصَّغَانِيِّ أن يَقْصُرَ جُهْدَهُ النَّقْدِيَّ عَلَى نَقْدِ (الصِّحَاحِ) فَإِنَّ ثَمَّةَ نَقْداً لِلأُصُولِ فِي كِتَابِهِ وُجِّهَ لِغَيرِ الجَوْهَرِيِّ؛ كَابْنِ دُرَيدٍ، والأَزْهَرِيِّ، وابْنِ عَبَّادٍ، وابْنِ فَارِسٍ،3 وقَد أَوْرَدَ الصَّغَانِيُّ هَذَا النَّقْدَ فِيمَا أَكْمَلهُ، ولَم يَكُن فِي (الصِّحَاح) كَقَولِهِ - فِي أََثْنَاءِ حَدِيثِهِ عَن قَوْلِهِم:"هَرْمَطَ فُلَانٌ عِرْضَ فُلَانٍ؛ أَيْ وَقَعَ فِيهِ: ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيدٍ 4 والأَزْهَرِيُّ 5 فِي الرُّبَاعِيِّ، والمِيمُ - عِنْدِي - زَائِدَةٌ؛ وحَقُّهُ أن يُذْكَرَ فِي الثُّلَاثِيِّ".6
وقَوْله مُنْتَقِداً الصَّاحِبَ بْنَ عَبَّادٍ: "التَّرْشَاءَ: الحَبْلُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّادٍ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ، وحَقُّهُ أن يَذْكُرَهُ فِي (ر ش و) ووَزْنُهُ:
1 التكملة 5/309.
2 التكملة 6/265.
3 التكملة (مرتج) 1/492، و (مشلز) 3/303، و (ترش) 3/457، و (نشش) 3/518، و (رقف) 4/481، و (عجف) 4/526، و (فوق) 5/143.
4 ينظر: الجمهرة 2/1153.
5 ينظر: التَّهذيب 6/526.
6 التكملة (هرط) 4/189.
ذتَفْعَالٌ".1
وانتَقَدَ الغُورِيُّ 2 فِي كَلِمَةِ (المَرْتَجِ) وَهُوَ المَيِّتُ؛ لِذِكْرِهِ إِيَّاهُ فِي بَابِ (مَفْعَل) فَذَكَرَ الصَّغَانِيُّ أَنَّهُ لَيسَ لَهُ وَجْهٌ في ذَلِكَ المَوْضِعِ؛ لأنَّهُ مُعَرَّبٌ؛ فَمِيمُهُ أَصْلِيَّةٌ.3
ومَا ذَكَرَهُ الجَوَالِيقِيُّ4 والفَيرُوزَبَادِيُّ5 والزُّبَيدِيُّ6 بِشَأْنِ هَذِهِ الكَلِمَةِ يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِليْهِ الصَّغَانِيُّ. ومِن مِنْهَجِ الصَّغَانِيِّ فِي نَقْدِهِ التَّدَاخُلَ: الاسْتِئْنَاسُ بِآرَاءِ بَعْضِ العُلَمَاءِ المُتَقَدِّمِينَ؛ كالخَلِيلِ، وابْنِ دُريدٍ، والأَزْهَرِيِّ، وابْنِ جِنِّي، والزَّمَخْشَرِيِّ.7 والذِي يَلْفِتُ الانْتِبَاهَ فِي مَصَادِرِهِ: إغْفَالُهُ ابْنَ بَرِّي مِنْهَا إِغْفَالاً تَامّاً؛ فلم يَذْكُرْهُ فِي مَصَادِرِهِ الَّتي نَصَّ عَلَيهَا فِي خَاتِمَةِ كِتَابِهِ، ولم يَذْكُرْهُ قَطٌّ فِي ثَنَايَاه؛ وهَذَا مَا يَحْمِلُ عَلَى الظَّنِّ بأَنَّ الصَّغَانِيَّ لم يَطَّلِعْ
1 التكملة (ترش) 3/457.
2 هو أبو سعيد، محمّد بن جعفر بن محمّد الغوري، أحد أئمة الللغة المشهورين، له كتاب الجامع في اللغة في عدة مجلّدات، رتّبه على الأبنية، وكان المطرزي ينقل عنه كثيراً في (المغرب) ولم أصل إلى سنة وفاته. ومن مصادر ترجمته: معجم الأدباء 18/104، وإنباه الرواه2/389، وبغية الوعاء1/70.
3 ينظر: التكملة (مرتج) 1/492.
4 ينظر: المعرَب 585، 586.
5 ينظر: القاموس (مرتج)263.
6 ينظر: التَّاج (مرتج) 2/100.
7 ينظر: التكملة (خيب) 1/621، و (قمهد) 2/325، و (قفف) 4/551.
عَلَى كِتَابِ ابْنِ بَرِّي.
ج- نَقَدَاتُهُ فِي الميزَانِ:
غَلَبَ عَلَى الصَّغَانِيِّ فِي انْتِقَادِهِ الجَوْهَرِيَّ فِي التَّدَاخُلِ الإنصَافُ المُتَمَثِّلُ فِي دِقَّتِهِ فِي اخْتِيَارِ مَوَاضِعِ النَّقْدِ، وَكَانَ دَأْبُهُ - فِي جُلِّ اعْتِرَاضَاتِهِ - تَجَنُّبُ تَخْطِئَهِ الجَوْهَرِيِّ بِغَيرِ دَلِيلٍ؛ فَمِن هَذَا انتِقَادُهُ صَاحِبَ (الصِّحَاحِ) لوَضْعِهِ قَوْلَهُمْ: انبَاقَ عَلَينَا بالكَلَامِ؛ أَيْ: انبَعَثَ - فِي (ن ب ق) 1 قال الصَّغَانِيُّ: "قَوْلُهُ: انبَاقَ، ليْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ؛ فَإِنَّهُ أَجْوَفُ وهَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِ مَا صَحَّ فَاؤُهُ وعَينُهُ ولَامُهُ. ومَوْضِعُ ذِكْرِ انبَاقَ: ب وق"2 ولا شكَّ فِي أَنَّ الصَّغَانِيَّ مُصِيبٌ فِيمَا ذَهَبَ إلَيهِ لأَنَّ وَزْنَ انبَاقَ (انفَعَلَ) مِثْل انثَالَ وانهَالَ؛ ولَيسَ (افْعَالَ) كَمَا يَقْتَضِيه مَذْهَبُ الجَوْهَرِيِّ.
ومِن ذَلِكَ أنَّ الجَوْهَرِيَّ ذَكَرَ (اكْلأزَّ) فِي مَادَّةِ (ك زز) وذَكَرَ أَنَّ اللَاّمَ والهَمْزَةَ زَائِدَتَانِ،3 فَقالَ الصَّغَانِيُّ مُنْتَقِداً:(لو كَانَ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ وَزْنُهُ (افْلأَعْلَ) وذَاكَ بِمَكَانٍ مِن الإِحَالَة، والصَّحِيحُ أَنَّ وَزْنَهُ (افْعَلَل) مِثْل اطْمَأَنَّ) 40
وقَدْ أَصَابَ الصَّغَانِيُّ فِي نَقْدِهِ؛ غَيْرَ أَنِّي أَوَدُّ التَّنْبِيهَ عَلَى التَّعَارُضِ
1 ينظر: الصِّحاح 4/1558.
2 التكملة (نبق) 5/157.
3 ينظر: الصِّحاح (كزز) 3/893.
4 التكملة (كلز) 3/298
الوَاقِعِ بَيْنَ الوَزْنِ؛ الَّذي نَصَّ عَلَيهِ وَهُوَ (افْعَلَلَّ) والجَذْزِ الَّذي ذَكَرَ الكَلِمَةَ فِيهِ وَهُوَ (ك ل ز) فَالوَزْنُ يَقْتَضِي أن يَكُونَ الجَذْرُ (ك ل أز) والجَذْرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الوَزْنُ (افْعَأَلَّ) وَهُوَ الأوْلَى.
وقَدْ اعْتَادَ الصَّغَانِيُّ عَلَى التَّصْرِيحِ بِمَا يُؤْيِّدُ الجَوْهَرِيَّ فِي مَذْهَبِهِ؛ فَكَثِيراً مَا نَجِدُهُ يَنْتَقِدُهُ، ثُمَّ يُعَقِّبُ بِمَا يُؤْيِّدُ صَاحِبَهُ: كَقَولِهِ: "والزَّرَجُونُ ذَكَرَهُ الجَوْهَرِيُّ فِي النُّونِ، ومَوْضِعُهُ هَذَا؛ لأَنَّ وَزْنَهُ (فَعَلُون) والجِيمُ لَامُ الكَلِمَةِ، ولَو كَانَ وَزْنُهُ (فَعَلولاً) لَكَانَ الجَوْهَرِيُّ مُصِيبَاً فِي إِيْرَادِهِ إِيَّاهُ هناك. عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ جِنِّي1: النُّونُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ سِينِ قَرَبُوسٍ".2
وعَلَى الرَّغْمِ مِن ذَلِكَ فَإِنَّ الصَّغَانِيَّ خَطَّأَ الجَوْهَرِيَّ، وانْتَقَدَهُ؛ مَعَ أَنَّ الصَّوَابَ كَانَ إِلَى جَانِبِ الجَوْهَرِيِّ؛ كَقَوْلِهِ فِي مَادَّةِ (ك ك ب) :"وحَقُّ لَفْظَةِ كَوْكَبٍ أن تُذْكَرَ فِي تَرْكِيبِ (وك ب) عِنْدَ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ؛ فَإِنَّهَا صُدِّرَتْ بِكَافٍ زَائِدَةٍ عِنْدَهُم، إِلَاّ أَنَّ الجَوْهَرِيَّ رحمه الله أَوْرَدَهَا هُنَا؛ فَتَبِعْتُهُ غَيْرَ رَاضٍ بِهِ".3
والحَقُّ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي أَصْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَا ذَهَبَ إِليهِ الجَوْهَرِيُّ، ومَا ذَهَبَ إِلَيهِ الصَّغَانِيُّ فِي نَقْدِهِ وَجُهٌ ضَعِيفٌ؛ وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ التَّدَاخُلِ فِي هَذِهِ الكَلِمَةِ، ورَأَيْنَا أنَّ مَذْهَبَ الجُمْهُورِ أنَّ أَصْلَهَا (ك ك ب) ووَزْنَهَا
1 ينظر: الخصائص 1/359.
2 التكملة (زرج) 1/442.
3 التكملة 1/261.
(فَوعَل) مِن بَابِ مَا جَاءَ عَينُهُ مِن جِنسِ فَائِهِ.
ولَا أُظُنُّ الصَّغَانِيَّ فَعَلَ ذلك تَحَامُلاً عَلَى الجَوْهَرِيِّ؛ ولَا أَدَلُّ على ذَلِكَ مِن تَوْجِيهِهِ أُصُولَ الجَوْهَرِيِّ، وحَمْلِهَا عَلَى وَجْهٍ مِن الصَّوَابِ؛ وإَنَّمَا انتَصَرَ - هُنَا - لِرَأْيٍ كَانَ يَرَاهُ.