الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّاني: تداخل ثلاثة أصولٍ
والمراد من هذا: التّداخل الّذي يكون بين خماسيّ وأصلين ثلاثيّين، أو خماسيٍّ وثلاثيٍّ وبينهما رباعيٌّ؛ والأخير هو الكثير فيه. فمن الأوّل تداخل الأصلين (خ ب ث) و (خ ث ن) مع الخماسيّ (خ ب ع ث ن) في (الخُبَعْثِن) وهو: التّار البدن في كلّ شيءٍ، أو القويّ الشّديد من الرّجال:
فمذهب ابن فارسٍ أنّه ثلاثيٌّ، وأصله (خ ب ث) بزيادة العين والنّون1 فوزنه على قياس ما ذكره (فُبَعْلِن) وهو بعيدٌ؛ لأنّ الباء ليست من حروف الزّيادة.
وهو عند الجوهريّ من (خ ث ن) 2 بزيادة الباء والعين؛ فوزنه - حينئذٍ (فُبَعْعِل) ثمّ يؤول إلى (فُبَعِّل) بزيادة العين الأولى، أمّا الثّانية فعين الميزان المقابلة الثّاء؛ وهو بعيدٌ؛ لأنّ الباء والعين ليسا من حروف الزّيادة.
1 ينظر: المقاييس 2/248.
2 ينظر: الصّحاح (خبعثن) 5/2105، ويجدر التّنبيه إلى أنّ الجذر في المطبوع؛ وهو (خبعثن) اجتهاد من المحقّق – رحمه الله – لم يوافق مراد الجوهريّ؛ لأمرين:
الأوّل: أنّ ما قبله وما بعده يدلاّن على أنّه (خثن) فهو بين (ختن) بالتّاء المثنّاة و (خدن) .
الثّاني: أنّه يوافق (خثن) كما في النّسخ الخطّية الّتي اطّلع عليها ابن منظور، وقد أدرك ذلك ونبّه عليه بقوله:(اللّسان: خبعثن 13/137) : "وهذه التّرجمة ذكرها الجوهريّ بعد ترجمة (ختن) وكذلك ذكره ابن بري – أيضاً – ولم ينتقده على الجوهريّ)) .
ومذهب الجمهور في هذه الكلمة أنّها خماسيّةٌ1، بأصالة جميع حروفها، فليس فيها من حروف الزّيادة سوى النّون؛ ولا دليل على زيادتها.
ومن النّوع الثّاني؛ وهو تداخل الثُّلاثيّ والخماسيّ وبينهما الرّباعيّ:
تداخل (خ ر ش) و (ن خ ر ش) و (ن خ ور ش) في قولهم جروٌ (نَخْوَرِشٌ) إذ تحرّك وخَدَشَ، وقد اختلفوا فيه2:
فَذَهَبَ المبرّد إلى أنّه خماسيٌّ على زنة (فَعْلَلِل) كـ (جَحْمَرِشٍ) 3 وهي: العجوز، وتابعه ابن عصفورٍ4؛ وغيرهما ممّن يستدلّون بأنّ القول بزيادة النّون والواو يؤدّي إلى وزنٍ مفقودٍ؛ وهو (نَفْوَعِل) .
وكان ابن عصفورٍ يستدلّ على أصالة الواو في (نَخْوَرشٍ) بأنّ الواو تكون أصليّةً في بنات الخمسة5. وهو خلاف ما قرّره علماء العربيّة في الأصول، على نحو ما تقدّم6. بل إنّه خلاف ما قرّره ابن عصفورٍ نفسه عن الواو في موضعٍ آخرَ.
1 ينظر: الكتاب 4/302، والتّهذيب 3/366، وشرح الشّافية 2/340، واللّسان (خبعثن) 13/137.
2 ينظر: المقتضب 1/68، والمنتخب 2/692، والمنصف 1/31، والمحكم 5/15، والتّكملة للصّغانيّ (خرش) 3/471، وسفر السّعادة 1/486، وشرح الشّافية للرّضيّ 3/364.
3 ينظر: المقتضب1/68.
4 ينظر: الممتع1/94.
5 ينظر: الممتع1/94.
6 ينظر: ص (242) من هذا البحث.
قال: "وإن كان معها ثلاثة أحرفٍ مقطوعٍ بأصالتها فصاعداً قضيت على الواو بالزّيادة؛ لأنّ الواو لا تكون أصلاً في بنات الخمسة، ولا في بنات الأربعة، إلاّ في المضعّف نحو قَوْقَيْتُ وضَوْضَيْتُ، فإنّ الواو فيه أصلٌ"1. وهذا ما عليه العلماء في الأصول. ولعلّ ذلك وقع منه رحمه الله من قبيل السّهو؛ ألا تراه خالف في الحكم في نحو (نَخْوَرِشٍ) نفسه؛ إذ نصّ في موضعٍ آخر2 على أنّ الواو فيه زائدةٌ؟
وذهب كُراع إلى أنّه ثلاثيٌّ من (خ ر ش) مشتقّاً من الخرش3، وتابعه ابن سِيدَه4 والصَّغانيّ5 وغيرهما؛ وهو عندهم (نَفْوَعِل) وليس في الكلام غيره.
والاشتقاق خير شاهدٍ لهم؛ فالخرش: الخدش في الجسد بالأظافر أو غيرهما. ويقال: اخْتَرَشَ الجرو: تحرَّك وخَدَشَ، وتَخَارَشَت الكلاب والسَّنانير؛ أي: تَخَادَشَت، ومن ذلك قول الرّاجز:
إنَّ الجِرَاءَ تَخْتَرِشْ
…
في بَطْنِ أمِّ الهَمَّرِشْ
فيهنَّ جِرْؤٌ نَخْوَرِشْ6
1 الممتع 1/292.
2 ينظر: الممتع 1/279.
3 ينظر: المنتخب 2/692.
4 ينظر: المحكم 5/15.
5 ينظر: التّكملة 3/471.
6 ينظر: الصّحاح (خرش) 3/1003، واللّسان (خرش) 6/293، و (همرش) 6/26.
ويحتمل بين الأصلين؛ الأصل الرّباعيّ؛ وهو (ن خ ر ش) فيكون وزنه على هذا الأصل (فَعْوَلِلاً) .
وما ذكر في ترجيح الأصل الثّلاثيّ على الخماسيّ يصلح لأن يقال هنا.
ومن ذلك تداخل (ف ت ك) و (ف ت ك ر) و (ف ت ك ر ن) في قولهم: (الفُتَكْرِينُ) بتثليث الفاء، والإعراب على النّون، أو إلزامها الفتح - وهي: الدّواهي أو الدّاهية، أو الشّدائد، أو الأمر الشّديد العظيم؛ لأنّه يحتمل الجمع والإفراد: وهو يحتمل الأصول الثّلاثة المذكورة:
فذهب ابن فارسٍ إلى أنّه ثلاثيٌّ من (ف ت ك) بزيادة الرّاء والنّون، واشتقاقه من (الفَتْك) ؛ لأنّ الدّواهي من طبيعتها الفتك بفريستها1. ووزنه - حينئذٍ (فُعَلْرِيْن) وهو بعيدٌ؛ لأنّ الرّاء ليست من حروف الزّيادة.
ومذهب الجمهور2 أنّه رباعيٌّ من (ف ت ك ر) وكأّنه (فُتَكْرٌ) ثمّ جمع بالواو والنّون في الرّفع، والياء والنّون في النّصب والجرّ، ثمّ أُلْزِم الياء والنّون في جميع الحالات؛ ولم يسمع بالواو.
1 ينظر: المقاييس 4/514.
2 ينظر: الممتع 1/67، واللّسان (فتكر) 5/44، والقاموس (فتكر)584.
وقد رواه ابن منظورٍ1 بفتح النّون، ورواه الفيروزاباديّ2 بضمّها؛ فمن جعل النّون للجمع فتحها، ومن تناسى الجمع عامله معاملة المفرد؛ فقال فيه: هذه فُتَكْرِينٌ، ورأيتُ فُتَكْرِيْناً، وفزعتُ من فُتَكْرِيْنٍ.
ووزنه على هذا الأصل الرّباعيّ (فُعَلِّينُ) .
ويجوز أن يكون خماسيّاً بأصالة النّون على لغة الإعراب، ووزنه (فُعَلِّيل) كـ (قُذَعْمِيل) وإلى هذا مال ابن منظورٍ؛ لكي لا يؤدِّي القول بزيادة النّون وضمّ الفاء إلى بناءٍ غير موجودٍ؛ وهو (فُعَلّ) فليس في الكلام؛ نحو: جُعْفَر3.
والرّأي أنّه رباعيٌّ، والأصل فيه كسر الفاء على وزن (فِعَلّ) وهو بناءٌ موجودٌ كـ (فِطَحْلٍ) وسماع الضّمّ والفتح فيه كسماع الفتح في اللاّم الأولى في (جُؤْذَرٍ) ونحوه، على الرّغم من فقد (فُعْلَل) عند البصريّين؛ لأنّ الأصل الضّمّ، وكذلك في (فُتَكْرِين) فالأصل الكسر على وزن البناء الموجود، ولمّا تُنُوسِيَ الجمع وأُعْرِبَ، وكثُر الضّمّ على الفاء التبس بالخماسيّ (فُعَلِّيل) كـ (قُذَعْمِيل) وإن لم يكن منه.
ومن ذلك تداخل (ح د ر) و (ح ن د ور) وبينهما (ح ن د ر) في (حِنْدَورَةٍ) وهي الحَدَقَة:
فكان ابن عصفورٍ يرى أنّها خماسيّةٌ من باب (قِرْطَعْبٍ) على زنة
1 ينظر: اللّسان (فتكر) 5/44.
2 ينظر: القاموس (فتكر)584.
3 ينظر: الممتع 1/67.
(فِعْلَلّ) . ونصَّ على أصالة الواو بقوله: (والواو أصلٌ في بنات الخمسة)1. وما قيل في الرّدّ عليه في (نَخْوَرِشٍ) من قبل يصلح؛ لأن يقال هنا.
وذهب الجوهريّ إلى أنّها من (ح د ر) 2 وضبطها بضم الحاء والدال: (حُنْدُرة) فيكون وزنها عنده (فُنْعُوْلَةً) . ويجوز أن تكون من الرّباعيّ (ح ن د ر) وإلى هذا مال ابن منظورٍ3.
ولا شكّ في زيادة الواو؛ لأنّها صحبت ثلاثة أصولٍ؛ وليست في أوّل الكلمة، ولقولهم في معناها:(حُنْدُر) بذهاب الواو.
أمّا النّون فالرّاجح أنّها زائدةٌ؛ لقولهم: ناقةٌ حادرة العينين؛ إذا امتلأتا، سمِّيَت حَدْراء لذلك، والحدرة قُرْحةٌ تخرج بباطن جفن العين4. وبهذا يرجح الأصل الثُّلاثيّ على الخماسيّ والرّباعيّ.
ومنه تداخل الأصلين (ج ن ق) و (م ج ن ق) وبينهما الأصل الرّباعيّ (م ج ن ق) في (المَنْجَنِيقِ) وهي: القذّاف الّتي يرمى بها الحجارة.
قال الشّاعر:
لَقَدْ تَرَكَتْنِي مَنْجَنِيقُ ابْنِ بَحْدَلٍ
…
أَحِيْدُ عَنِ العُصْفُورِ حِينَ يَطِيرُ5
1ينظر: الممتع1/100، وفي هامشه أنها (الخمسة) وهو الصواب، وفي المتن (الأربعة) وهوسهو.
2 ينظر: الصّحاح (حدر) 2/625.
3 ينظر: اللّسان (حذر) 4/217.
4 ينظر: المقاييس 2/32.
5 ينظر: الصّحاح (أول فصل الجيم من باب القاف) 4/1455، واللّسان (مجنق) 10/338.
وفي أصلها خلافٌ1:
فذهب ابن دريدٍ2 وغيره3 إلى أنّها من (ج ن ق) وتقديرها (مَنْفَعِيل) واستدلّوا بقولهم: (جَنَقْنَاهم بالمَنْجَنيق) وبقول أعرابيٍّ: (كانت بيننا حروب عونٌ تفقأ فيها العيون، مرّةً نُجْنَق، وأخرى نُرشَق) 4 أي: تارةً نرمى بالمنجنيق، وتارةً نرشق بالسِّهام.
قال ابن دريدٍ: (فقوله: نُجْنَقُ دالٌّ على أنّ الميم زائدةٌ؛ ولو كانت أصليَّةً لقال: نُمَجْنَق)5.
وتحتمل الأصل الخماسيّ؛ إن صحّ أنّها كلمةٌ أعجميَّةٌ معرَّبةٌ6؛ لأنّم وجدوا فيها الجيم والقاف، ولا يجتمعان في كلمةٍ عربيّةٍ، وذكروا أنّ الأصل:(مَنْ جهْ نِيك) وتفسيره: ماأجودني، أو (مَنْجَكْ نِيكْ)7.
ويرى بعض الباحثين أنّ الصّواب أنّها يونانيّةٌ؛ وأصلها (صورة 14:منكنيكون) ومنها: (صورة15: منكينقا)
1 ينظر: الكتاب 4/309، والأصول 3/237، والمنصف 1/146، والمقتصد في شرح التّكملة 2/816، وشرح الملوكيّ 154، والإيضاح في شرح المفصّل 2/383.
2 ينظر: الجمهرة 1/490.
3 ينظر: اللّسان (جنق) 10/37، و (مجنق) 1/338.
4 الجمهرة 1/490، وينظر: المنصف 1/147، وسفر السّعادة 1/479، وشرح الشّافية للرّضيّ 2350.
5 الجمهرة 1/490.
6 ينظر: المعرب 571، ورسالتان في المعرّب 104، وشفاء الغليل 184، والطّراز المذهّب 109ب.
7 ينظر: رسالتان في المعرّب 104.
بالسّريانيّة1.
وإن صحّ أنّها معرَّبةٌ فهي خماسيَّةٌ؛ وليس في قولهم: جَنَقُونَا، أو نُجْنَقُ، ونحوه دليلٌ؛ لأّنهم (إذا اشتقّوا من الأعجميّ خَلَّطوا فيه؛ لأنّه ليس من كلامهم فاجترؤوا عليه فغيّروه)2. فيكون وزنها على هذا (فَعْلَلِيلاً) بمنزلة (دَرْدَبِيسٍ) .
وكان سيبويه3 ومن تابعه4 يرون أنّها رباعيّةٌ من (م ج ن ق) ووزنها (فَنْعَلِيل) بمنزلة (عَنْتَرِيسٍ) .
واستدلّوا على أصالة الميم وزيادة النّون ببقاء الأولى وسقوط الثّانية في الجمع؛ إذ قالوا: مَجَانِيق؛ فجرت النّون مجرى الياء في (عَيْضَمُوزٍ) وهي:العجوز الكبيرة، وجمعها: عَضَاميزُ.
ولأنّه (إن جعلت النّون فيه من نفس الحرف فالزّيادة لا تلحق بنات الأربعة أوّلاً؛ إلاّ الأسماء من أفعالها نحو: مُدَحْرِجٍ، وإن كانت النّون زائدةً فلا تزاد الميم معها؛ لأنّه لا يلتقي في الأسماء، ولا في الصّفات الّتي ليست على الأفعال المزيدة في أوّلها حرفان زائدان متواليان، ولو لم يكن في هذا إلاّ أنّ الهمزة الّتي هي نظيرتها لم تقع بعدها الزّيادة لكانت حجّةً)5.
1 ينظر: المعرّب 572.
2 المنصف 1/147، وينظر: شرح الشّافية 2/350.
3 ينظر: الكتاب 4/309.
4 ينظر: الأصول 3/50، 237، والمنصف 1/146، والاستدراك 168، وشرح الملوكيّ 15، والممتع 154، 253.
5 الكتاب 4/309.
وإن ثبت أنّها أعجميّةٌ فليس فيما استدلّوا به على زيادة النّون دليلٌ؛ لما تقدّم، وإن كانت عربيّةً فلكلٍّ من الثّلاثيّ والرُّباعيّ دليله.