المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: الصفدي في (نفوذ السهم) - تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم - جـ ٢

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌تابع الباب الثالث

- ‌الفصل الثاني:‌‌ التداخل بين الثلاثي والخماسي

- ‌ التداخل بين الثلاثي والخماسي

- ‌المبحث الأوّل: تداخل الأصلين

- ‌المبحث الثّاني: تداخل ثلاثة أصولٍ

- ‌الفصل الثالث: التداخل بين الرباعي والخماسي

- ‌تمهيد الفصل الثالث

- ‌المبحث الأوّل: ما ثانيه نونٌ

- ‌المبحث الثّاني: ما ليس ثانيه نوناً

- ‌الباب الرابع: أسباب التداخل وأثره في بناء معاجم القافية

- ‌الفصل الأول: أسباب التداخل

- ‌الفصل الثاني: أثر التداخل في بناء معاجم القافية

- ‌(تمهيد) التداخل الذي لا يضر ببناء معاجم القافية

- ‌المبحث الأوّل: وضع الكلمة في غير موضعها

- ‌المبحثُ الثَّاني: وضع الكلمةِ في موضعين أو أكثر

- ‌المبحث الثّالث: تضخيم حجم معاجم القافية

- ‌الباب الخامس: أثر التداخل في النقد المعجمي

- ‌الفصل الأول: النقد المعجمي عن القدامى

- ‌(تمهيد) الفصل الأول

- ‌المبحث الأول: ابن برّي في (التنبيه والإيضاح)

- ‌المَبْحَثُ الثَّانِي: الصَّغَانِيُّ فِي (التَّكْمِلِةِ والذَّيْلِ والصِّلَةِ)

- ‌المبحث الثّالث: الصَّفَديُّ في (نفوذ السَّهمِ)

- ‌المبحث الخامس: داود زَاده في (الدُّرِّ اللَّقِيطِ)

- ‌المبحث السّادس: التَّادِلِيُّ في (الوِشَاحِ)

- ‌النقد المعجمي عند المتأخرين

- ‌تمهيد الفصل الثاني

- ‌المبحث الأوَّل: الشِّدياق في (الجاسوس على القاموس)

- ‌المبحث الثاني: حُسين نصّار في (المعجم العربي)

- ‌المبحث الثالث: آراء نقية أخرى

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: الصفدي في (نفوذ السهم)

‌المبحث الثّالث: الصَّفَديُّ في (نفوذ السَّهمِ)

حظي معجم (الصِّحاح) بعناية الصَّفديّ - أيضاً - فأقام عليه أربعة مصنّفات؛ وهي:

1-

حُلِيُّ النّواهد على ما في الصِّحاح من الشّواهد.

2-

غوامض الصِّحاح.

3-

نَجْد الفلاح في مختصر الصِّحاح.

4-

نُفُوذُ السَّهم فيما وقع للجوهريّ من الوهم.

ويعدُّ (نفوذ السّهم) من الكتب الَّتي تخصَّصت في النّقد المعجميّ. وقد صنّفه الصَّفَدِيّ قبل وفاته بسبع سنوات؛ إذ فرغ من تسويده في "يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر رمضان المعظّم سنة سبع وخمسين وسبعمائة بدمشق"1 مستفيداً من كتبه الثّلاثة؛ الَّتي ألّفها على معجم الصِّحاح؛ وهذا ممَّا يزيد في أهميّة الكتاب.

ويحدّثنا الصَّفَدِيّ عن دواعي تأليفه (نفوذ السّهم) فيقول: "وبعد؛ فإنّ صحاح الجوهريّ كتاب اشتهر بالسّعادة، وظهر بالإفادة، وبهر بالإجادة

ولمّا جمعتُ غوامضه، ورتّبتها، وألّفتُ دُررها

تِقْتُ في أثناء ذلك الكلام على ما فيه من أشعارٍ وشواهد

ووضعت في ذلك كتابي المسمّى حُليّ النّواهد

وكنتُ في أثناء مروري بتصفُّح أوراقه

أعثر

1 ينظر: نفوذ السّهم109أ.

ص: 911

على الغلطة بعد الغلطة، وأقع بالسّقطة بعد السّقطة؛ فكم مررت فيه بتصحيف بعد تصحيف، ووهمٍ لا يليق كدره بصفاء ذلك التّصنيف؛ فوعدت نفسي عند الفراغ من حُلِيّ النواهد أن أجمع تلك الأوهام، وأدّونها في مصنّف"1.

ولم يصل إلينا كتاب (نفوذ السهم) كاملاً، ووصل إلينا ممَّا بقي منه نسختان خطّيتان متّفقتان في أنّهما تنتهيان بنهاية مادّة (هـ م ق) 2 وهما منقولتان من مسوّدة المؤلّف، وتمثّلان الجزء الأوّل من الكتاب.

تحليل النّقد المعجميّ عن الصَّفَدِيّ:

يتبيّن من خلال الجزء الأوّل من كتاب (نُفوذ السَّهم) عناية الصَّفَدِيّ بعدد من العناصر النّقديّة؛ ومن أهمّها:

1-

نقد تداخل الأصول.

2-

التّنبيه على التّصحيف والتّحريف.

3-

نقد الأسلوب والتّفسير اللغوي الخاطئ.

وقد أولى الصَّفَدِيّ العنصر الأوّل –وهو نقد التّداخل - اهتماماً

1 نُفوذُ السَّهم 2أ، ب.

2 وهما على النّحو التّالي: نسخة بايزيد العموميّة بتركيا، ورقمها 6834 وأوراقها95 ورقة، ونسخة مكتبة شهيد علي بتركيا، ورقمها2701 وأوراقها109 ورقة. وهاتان النّسختان مصورتان بمركز البحث العلمي بجامعة أمّ القرى، ورقمها على التّوالي 323 لغة و331لغة.

ص: 912

خاصّاً؛ فبلغت مواضعه النّقدية في هذا الجزء منه سبعة وأربعين موضعاً1.

ويمكن الكلام عما في (نُفوذ السَّهم) من خلال النّقاط التّالية:

أ- التّوزيع الإحصائيّ للنّقدات:

استأثر التَّداخل بين الثّلاثيّ والثلاثي باهتمام الصَّفَدِيّ؛ فوجّه جانباً من جهده النّقدي له، إذ بلغت ملحوظاته فيه ثمانية وثلاثين موضعاً؛ في حين لم تتجاوز ملحوظاته في تداخل البناءين تسعة مواضع، لتداخل الثّلاثيّ والرّباعي، ولم أجد فيه نقداً لتداخل الثّلاثيّ والخماسي أو الرُّباعيّ والخماسيّ.

ويكوّن ما تقدَّم النِّسب التّالية:

تداخل الثّلاثيّ والثّلاثي 85، 80%

تداخل الثّلاثيّ والرّباعي 15، 19%

ويظهر من خلال هاتين النّسبتين التّشابه الكبير بين (نُفوذ السَّهم) و (التّنبيه والإيضاح) .

ب- منهج الصَّفَدِيّ في النّقد المعجمي:

درج الصَّفَدِيّ على إيراد عبارة الجوهريّ بنصِّها، أو جمع عبارات متفرّقةٍ؛ ليردّ عليها؛ وهو –في هذا - يوافق طريقة ابن برّي؛ حتّى قيل عنه

1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 3ب، 4أ، 5أ، 6أ، 9أ، 9ب، 10ب، 12أ، 12ب، 13أ، 13ب، 14أ، 16أ، 16ب،35أ، 37أ، 38أ، 42ب، 39ب، 44أ، 44ب، 47أ، 48أ، 53ب، 58أ، 63أ، 63ب، 70أ، 73ب، 77ب، 79أ، 79ب، 86ب، 87أ، 90أ، 91ب، 98أ، 99أ، 102أ، 103أ، 105أ، 106أ، 108ب، 109أ.

ص: 913

وعن كتابه إنّه قد: "قلّد فيه ابن برّي؛ فلا يكاد يذكر مسألة من عنده إلَاّ بعض أدبيّات، والاستدلال ببعض أبيات"1.

وقال عنه العطّار إنّه: "لم يأت في كتابه بشيء جديد مذكور؛ بل تضيّف ابن برّي، وأخذ نقوده بعد تجريدها من الشّرح، وتكملة الشّواهد، وأحلّ محلّ ما حذفه بعض أدبيّات"2.

والحقّ أنّ ما قيل عن اعتماد الصَّفَدِيّ على ابن برّي بهذه الصّورة لا يخلو من مبالغة، مع أنّ وجه الشَّبه بينهما كبير. ومن هنا فإنّ ما قيل في منهج ابن برّي ثَمَّ يصلح لأن يقال هنا، ويكفي أن نذكر أوجه الخلاف بينهما، ومن أهمّها:

1-

استغنى الصَّفَدِيّ عن كثير ممَّا يتّصل بالشّواهد؛ كتكميلها أو تصحيح روايتها، أو نسبتها، وما شاكل ذلك؛ لأنّه أفرد للشّواهد كتاباً خاصّاً.

2-

مال الصَّفَدِيّ إلى التّوسّط في الشّرح؛ فقد ذكر في مقدّمته أنّه أراد أن يؤلّف كتاباً متوسّط المادّة؛ لأنّه وجد من ألّفوا في نقد الجوهريّ لم يسلموا من الإفراط أو التّفريط، فمنهم من أتى بالشّيء القليل الَّذي لا يغني؛ كأبي سهل الهروي، وعلي بن حمزة الدّمشقي في حواشيهما، ومنهم من أطال كابن برّي في حواشيه 3.

1 البلغة في أصول اللغة405.

2 مقدمة الصحاح184.

3 ينظر: نُفوذُ السَّهم 3أ.

ص: 914

ويتّضح هذا من الموازنة بين الكتابين؛ فقد ذكروا أنّ ابن برّي ألفّ (التّنبيه) في ستة مجلّدات، وقُدِّر حجمه بحجم (التّكملة) للصّغاني، في حين وصل إلينا من نُفوذ السَّهم مجلّد واحد؛ يمثّل جلّ الكتاب؛ لأنّه ينتهي بنهاية باب القاف؛ فإن كان الصَّفَدِيّ قد أكمل كتابه فإنّه يكون في مجلّدين تقديراً.

3 -

ثَمَّةَ فوارق بين الكتابين في نقد التَّداخل؛ فقد انفرد الصَّفَدِيّ عن ابن برّي بمواضع ليست في كتابه؛ منها انتقاد الصَّفَدِيّ الجوهريَّ في كلمة (مَذْحِج) وهو أبو قبيلة من اليمن؛ إذ جاء في (الصِّحاح) في مادّة (م ذ ح ج) على أنّ الميم أصليّة، وذكر الجوهريّ أنّ سيبويه كان يقول: إنّ الميم في هذه الكلمة ليست زائدة1.

فقال الصَّفَدِيّ: "هذا غلط منه؛ لم يفهم عن سيبويه ما قاله. ووهم فيه وحاشى سيبويه رحمه الله أن يجعل (فَعْلِلاً) في الكلام بفتح الفاء وكسر اللاّم مثال: مسجِدٍ؛ فإنّه في الكلام (فَعْلَل) بفتح الفاء واللاّم مثل: جَعْفَر

وإنّما الميم - هنا - زائدة غير أصليّة؛ ولم يقل سيبويه بأصالة الميم إلاّ في: مأجَجٍ، جعل ميمها أصلاً؛ كمَهْدَدٍ؛ ولولا ذلك لكان مأجّاً ومَهَدّاً، كمَفَرٍّ، وزيادة الميم في مَذْحج كمَنْبِجٍ، يحكم عليها بالكسرة وعدم النّظير؛ فحينئذٍ كان من حقّ الجوهريّ أن يذكر مَذْحِجاً في فصل (ذ حج) لا في (م ذ ح ج) "2.

1 ينظر: الصِّحاح (مذحج) 1/340.

2 نُفوذُ السَّهم 38أ، ب.

ص: 915

ومن ذلك انتقاده الجوهريّ في قولهم (تَمَعْدَدُوا) أي: تشبَّهوا بعيش مَعَدّ1، وفي قول القائل: أجد لهذا حَرْوَةً في فمي؛ أي: حرارةً2، وفي قولهم في المثل: لا تعظيني وتَعَظْعَظِي؛ أي: لا توصيني وأوصي نفسكِ3، وغير ذلك ممَّا لم يتعرّض له ابن برّي بالنّقد.

وثَمَّةَ مواضع سكت عنها الصَّفَدِيّ؛ على الرّغمِ من تعرض ابن برّي لها بالنّقد؛ كنقده أصل (القَضَّاء) من الإبل4،وأصل (فِلَسْطِين)5.

ومما يلفت النّظر أنّ مواضع الاتفاق بينهما لم تخل كذلك من بعض اختلاف.

وللصَّفَدِيّ في هذا النّوع أربعة طرق:

أوّلها: أن يتصرّف فيما ينقله عن ابن برّي، ويضيف إليها أشياء من عنده؛ وخير مثال لذلك ما جاء في كلامه عن (التّابُوت) 6 وكذلك ما ذكره من نقد في كلمة (الحَوْأب)7.

وثانيها: أن ينقل عن ابن برّي ناسباً الفضل لأهله؛ دون أن

1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 53ب، والصحاح (عدد) 2/506.

2 ينظر: نُفوذُ السَّهم 63أ، ب، والصحاح (حرر) 2/628.

3 ينظر: نُفوذُ السَّهم 91ب، والصحاح (عظظ) 3/1174.

4 ينظر: اللّسان (قضض) 7/223.

5 ينظر: اللّسان (فلسط) 7/373.

6 ينظر: نُفوذُ السَّهم 14أ، ويوازن بما في التنبيه والإيضاح (توب) 1/45.

7 ينظر: نُفوذُ السَّهم16أ، ويوازن بما في التنبيه والإيضاح (حوب) 1/70.

ص: 916

يتصرّف في نصوصه1.

ثالثها: أن يتّخذ موقفاً معيّناً من نقد ابن برّي؛ وخير مثال لهذا ما جاء في اعتراضه على كلمة (اتْلأبّ) بمعنى: استقرّ؛ الَّتي ذكرها الجوهريّ في (ت ل ب) 2 إذ أورد اعتراض ابن برّي؛ الَّذي كان يرى أنّ (حقَّ اتْلأبّ أن يذكر في (ت ل أب) لأنّه رباعيّ، والهمزة الأولى وصل، والثّانية أصل، ووزنه (افْعَلَلَّ) مثل اطْمَأَنَّ) 3.

فرأى الصَّفَدِيّ أنّ اعتراض ابن برّي - هنا - ينقصه الاطّراد في أمثال هذه الكلمة.

قال: إذا كانت هذه القاعدة مطّردة فليورد على الجوهريّ نقض هذه المادّة في الكتاب من أوّله إلى آخره في غير موضع؛ فإنّه أورد اطْمَأنَّ في (ط م ن) وازْبَأَرَّ في (ز ب ر) واكْبَأَنَّ في (ك ب ن) واقْسَأَنَّ في (ق س ن) واسْمَأَلَّ في (س م ل) واجْزَأَلَّ) في (ج ز ل)4.

ويدلّ هذا الرّأي من الصَّفَدِيّ على عنايةٍ بالغة بالأصول ودراية واسعة بالتّداخل.

رابعها: أن ينتحل آراء ابن برّي، وينسبها إلى نفسه، مصدّرة

1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 28ب، 79ب، 99أ، 102ب، 103أ.

2 ينظر: الصحاح1/91.

3 نُفوذُ السَّهم 13ب، وينظر: التنبيه والإيضاح (تلب) 1/45.

4 نُفوذُ السَّهم 13ب.

ص: 917

بعبارة (قلتُ)1.

ج- نقداته في الميزان:

كان الصَّفَدِيّ دقيقاً في اختياره مواضع النّقد، منصفاً في اعتراضاته على الجوهريّ، ويظهر ذلك في أكثر اعتراضاته الَّتي كان الصّواب فيها حليفه2 وهو يذكرنا في هذا الشَّأن بابن برّي، ولا غرابة في ذلك، فهو من أهمّ مصادره، ومع ذلك فإن الصَّفَدِيّ قد يخطِّئ الجوهريَّ؛ اعتماداً على أحد رأيين متعارضين في المسألة؛ لكلٍّ منهما وجه في الصّناعة.

وخير مثال لهذا انتقاده صاحب (الصِّحاح) في كلمة (الفِئَةِ) بمعنى: الطّائفة؛ الَّتي وضعها الجوهريّ في (ف ي أ) من باب الهمزة؛ فقد ألزمه الصَّفَدِيّ بأن يضعها في (ف أو) من باب المعتلّ؛ على رأي من يقول: إنّ المحذوف منها اللاّم، ولا يلزم ذلك الجوهريّ؛ لأنّ في المحذوف من (الفِئَة) خلافاً معروفاً بين العلماء، ولهم فيها رأيان، فمنهم من يجعل المحذوف منها: العين، ويشتقّها من: فَاءَ يَفِئ بمعنى رَجَعَ، ومنهم من يجعل المحذوف منها اللاّم؛ وهو الواو، ويشتقّها من: فَأَوْتُ رأسَهُ.

وقد تقدَّم تفصيل هذه المسألة. ويبدو أنّ الصَّفَدِيّ قد عوّل فيها على ما قاله ابن برّي، وأخذ برأيه من غير مراجعة.

1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 9أ، 12ب، 13ب، 42ب، 48أ، 73ب، ويقابل ذلك بما في التّنبيه والإيضاح على التّوالي:(ظمأ) 1/23، (هوأ) 1/35، (ترب) 1/45، و (قلح) 1/264، و (ددم) 2/21، و (قسر) 2/188.

2 ينظر: نُفوذُ السَّهم 10ب، 12ب، 13أ، ب، 14أ، 16أ، 28ب، 38أ، 39ب.

ص: 918

وقد يخطّئ الصَّفَدِيُّ صاحبَ (الصِّحاح) بغير حقٍّ؛ كانتقاده إيراده في مادّة (ف ر أ) قولهم في المثل: (كُلُّ الصَّيدِ في جوف الفَرَإِ1) والفَرَأ: حمار الوحش. قال: "المشهور عندهم في هذا: الفَرَا، مقصور غير مهموز؛ وهو مثلٌ، وحقُّ الأمثال أن لا تغيّر عمّا سمعتْ؛ وشيء آخر: أنّ الأمثال موضوعة على الوقف، ولمّا سكّنت الهمزة أبدلت ألفاً لانفتاح ما قبلها؛ وكان ينبغي أن يورده في باب المعتلّ، وينبّه هناك على أنّ أصله الهمز"2.

والصّواب في أصل هذه الكلمة وموضعها ما صنعه الجوهريّ؛ لأنّ الفَرَأ مهموز؛ كما ذكر الصَّفَدِيّ نفسه؛ ولم يقل أحد إنّه معتلّ، أمّا مجيئه مسهّلاً في المثل فلا يحوّل أصله وموضعه إلى المعتلّ؛ لأنّ قاعدتهم العامّة في صناعة المعاجم أن توضع الكلمة في أصلها، وقد تساهلوا في وضعها في الموضعين: الأصلِ والفرعِ؛ أمّا أن توضع في الفرع دون الأصل فخلاف مذهبهم، وزدْ على ذلك أنّ البكريّ روى المثل مهموزاً 3 فبطل ما احتجّ به الصَّفَدِيّ، ولو جاز ما قاله لوضعت كلّ كلمة في فرعها، وأبواب الإبدال والتّسهيل والقلب والحذف واسعة؛ فيزداد بذلك التّداخل، وتختلط الأصول.

والظّاهر أنّ الصَّفَدِيّ نقل أصل هذا الاعتراض عن ابن برّي؛ دون أن يدرك مراده؛ فاعتراضُ ابن برّي لم يكن على أصل الكلمة وموضعها

1 ينظر: الصِّحاح (فرأ) 1/62.

2 نُفوذُ السَّهم 9ب.

3 ينظر: فصل المقال10.

ص: 919

في (الصِّحاح) بل كان على رواية المثل؛ وهو أنّه جاء مسهّلاً؛ ولم يُروَ مهموزاً؛ كما ذكره الجوهريّ؛ ولم يعترض ابن برّي على الموضع.

ومن ذلك اعتراضه على الجوهريّ في ترتيب مادّة (أوأ) الَّتي ذكر فيها (آءٍ) بوزن عَاعٍ؛ وهو: شجر معروف، واحدته: آءَةٌ، فقد قال منتقداً صاحبه:"كان حقّه أن يذكر هذا قبل (أج أ) لأنّ الهمزة وبعدها الألف متقدّمة في الوضع على الهمزة وبعدها الجيم، ولكنّه وَهِمَ"1.

والحقّ أنّه لا وهم - هنا - من الجوهريّ؛ وإن كان ثَمَّةَ وهم فهو من الصَّفَدِيّ؛ فإنّه بنى اعتراضه على أنّ الألف في (آءٍ) أسبق من الجيم في (أج أ) إذ كَتَبَ جذرها هكذا (أاأ) وغاب عنه أنّ الألف لا تكون أصلاً؛ فهي منقلبة عن حرف علّةٍ؛ وهو الواو هنا؛ فقد حكي عن الخليل أنّه كان يقول في تصغير آءةٍ: أُوَيْأَةٌ، ولو اشتقّ منها اسم مفعول لقيل: مَؤُوءٌ؛ مثال: مَعُوعٍ ومَقُول؛ كما يشتقّ من القَرَظِ؛ فيقال: مَقْرُوظٌ. وإن بنيتَ من (آءةٍ) مثل: جَعْفَرٍ –لقلتَ: أَوْأًى، والأصل: أَوْأَءٌ 2 فدلّ ظهور الواو في هذا كلّه على أنّ أصل آءةٍ (أوأ) وكذا اثبته الصَّغانِيّ 3، وابن منظور4.

وعلى الرّغمِ من ذلك فإنّ هذا لا يقدح في كتاب الصَّفَدِيّ؛ فقد

1 نُفوذُ السَّهم 3ب.

2 ينظر: التكملة (أوأ) 1/6.

3 ينظر: التكملة (أوأ) 1/6.

4 ينظر: اللّسان (أوأ) 1/24.

ص: 920

حالفه الصّواب في معظم ما وَجَّه من نقدٍ للتّداخل؛ ولم يكن هدفه التّجنّي على الجوهريّ أو التّشهير به؛ فقد كان حريصاً على توجيه ما في معجمه من المآخذ، أو تلمُّسِ العذر له فيها 1.

1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 12أ، 58أ.

ص: 921

المبحث الرّابع: الفيروزآباديّ في (القاموس المحيط)

يعدُّ (القاموس) من المؤلّفات البارزة في تاريخ التأليف المعجميّ، وقد تُلقِّي بكثير من الاهتمام والإكبار، وأقبل عليه طلبة العلم يقتنونه؛ حتّى أصبح اسمه (القاموس) يرادف مصطلح (المعجم) وكان مؤلّفه يلتمس - في البدء - معجماً جامعاً فشرع في كتابه الموسوم بـ (اللاّمعِ المُعْلَمِ العُجَابِ الجامعِ بين المُحْكَمِ والعُبَابِ) فخمّنه في ستّين سفراً؛ فعدل عنه، لمّا سئل تقديم معجمٍ وجيزٍ؛ ثم شرع في تأليف معجمٍ محذوف الشّواهد، مطروح الزَّوائد، ولخّص كلَّ ثلاثين سفراً في سفرٍ، وسمّاه (القاموس المحيط) 1 وحذا فيه حذو (الصِّحاح) في المنهج، واختارَ مادّته أساساً لمعجمه، وزاد عليه زياداتٍ بلغت نحواً من عشرين ألف مادّة2 معظمها من (المحكم) لابن سيده، والعُباب) و (التكملة) للصَّغانِيّ3، وميّزها بكتابة مَدَاخِلِها بمدادٍ أحمر.

وقد راعى المجد - في معجمه - جملة أمور؛ كالإيجاز في الشّرح، والاختصار باستخدام بعض المصطلحات والرّموز، والعناية بالضّبط؛ خوفاً من التّصحيف، والاهتمام بالتّرتيب الدّاخلي للمشتقّات والصِّيغ، ومحاولة تخليص الواويّ من اليائيّ، والعناية بالنّقد المعجميّ.

1 ينظر: القاموس33، 34.

2 المراد بالمادة –هنا- الأصول، وكلّ ما تفرّع منها من اشتقاقات وتصاريف.

3 ينظر: المعجم العربيّ؛ بحوث في المادّ والمنهج والتّطبيق68.

ص: 922

تحليل النّقد المعجميّ عند الفيروزآباديّ:

للنّقد المعجمي في (القاموس) مكانة خاصّة؛ إذ أولاه مؤلّفه عنايته، ونثر نقداته فيه بطول معجمه وعرضه؛ حتّى عدّ معجمه قريناً للكتب المتخصّصة في هذا الفنّ؛ كـ (التّنبيه والإيضاح) و (نُفوذ السَّهم) مع فارق المنهج. وهو يشترك مع هذين الكتابين في أنّ معظم النّقد المعجميّ فيه موجّه لـ (الصِّحاح) وقد أشار الفيروزآباديّ نفسه إلى ذلك في مقدّمة معجمه في قوله:"ثمّ إنّي نبهّت فيه على أشياء ركب فيها الجوهريّ رحمه الله خلاف الصّواب؛ غير طاعنٍ فيه، ولا قاصدٍ بذلك تنديداً له، وإزراءً عليه وغَضّاً منه؛ بل استيضاحاً للصّواب، واسترباحاً للثّواب، وتحرّزاً وحذاراً من أن ينمى إلى التّصحيف، أو يعزى إلى الغلط والتّحريف"1.

وقد وجّه الفيروزآباديّ نقده لكتاب (الصِّحاح) من بين المعاجم اللغوية، مع ما في غالبها من الأوهام الواضحة، والأغلاط الفاضحة - كما قال - لتداوله واشتهاره.

وبالإمكان إيجاز أهمّ العناصر النّقديّة في القاموس فيما يلي:

1-

نقد التَّداخل.

2-

التّنبيه على التّصحيف والتّحريف.

3-

التّنبيه على الخطأ في الضّبط.

1 القاموس35.

ص: 923

وبلغت المواضع النّقديّة فيه بعامّة - كما ذكر القِنَّوجي1 - أكثر من ثلاثمائة موضع؛ شملت جوانب متعدّدة؛ كان نقد التَّداخل من أهمّها، وأوفرها حظّاً؛ إذ أربى ما جاء منه على الثُّلث.

ويمكن الكلام عن نقدات الفيروزآباديّ من خلال النّقاط التّالية:

أ- التّوزيع الإحصائيّ للنّقدات:

بلغت المواضع النّقديّة لتداخل الأصول في (القاموس) ثلاثة عشر ومائة موضع2. وبلغ ما فيه من نقد التَّداخل في البناء الواحد سبعين

1 ينظر: البلغة في أصول اللغة462.

2 ينظر: القاموس (أبأ) 41، (أتأ) 41، (ألأ) 41، (ثأثأ) 44، (حبطأ) 47، (حفسأ) 1/16، (زأزأ) 53، (قندأ) 62، (مقأ) 66، (نوأ) 69، (نيأ) 69، (ورأ) 70، (هوأ) 73، (أزب) 75، (ثأب) 78، (تألب) 78، 0تخرب) 78، (توب) 79، (ثيب) 82، (جيب) 90، (حنزب) 99، (حوب) 99، (ددب) 106، (ذلعب) 110، (زلعب) 122، (كرب) 167، (لوب) 173، (حنت) 193، (جوث) 213، (ذحج) 243، (زرج) 245، (عهج) 255، (قلح) 303، (نتح) 311، (ندح) 312، (أفخ) 317، (تنخ) 319، (نوخ) 335، (أبد) 337، (جسد) 348، (صرد) 374، (علجد) 380، (عنجد) 385، (قمحد) 399، (قدد) 394، (قمد) 399، (مقد) 408، (ميد) 410، (جبذ) 423، (خنذ) 425، (لذذ) 431، (أمر) 439، (تمر) 455، (صمعر) 547، (بنصر) 452، (سعر) 522، (طرر) 553، (فأر) 583، (قطمر) 597، (قنبر) 599، (قنسر) 599، (هبر) 637، (كزز) 672، (مشلز) 676، (هرجس) 749، (أرط) 749، (عنظ) 900، (قنزع) 977، (مهع) 988، (نبع) 989، (هملع) 1003، (خفف) 1041، (رقف) 1052، (طلحف) 1076، (كرف) 1096، (نوف) 111، (غرق) 1180، (غرنق) 1180، (نبق) 1180، (نبق) 1194، (لوك) 1230، (بأدل) 1246، (حنتل) 1277، (ضمحل) 1324، (طهل) 1328، (ظلل) 1329، (قصعل) 1354، (قعثل) 1355، (كول) 1363، (ندل) 1372، (وول) 1381، (ترجم) 1399، (تلم) 1399، (خوم) 1427، (ددم) 1428، (ديم) 1433، (رأم) 1434، (رهم) 1435، (مرهم) 1498، (وأم) 1504، (ددن) 1543، (طين) 1566، (أبه) 1603، (دبى) 1654، (زوا) 1667، (سيي) 1674، (شصا) 1676، (شكى) 1678، (عصى) 1692، (قنا) 1710، (لدى) 1715، (ليي)1718.

ص: 924

موضعاً؛ أربعة مواضع منها لتداخل الرّباعي والرّباعي، والباقي للتّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ. وبلغ التَّداخل بين بناءين مختلفين اثنين وأربعين موضعاً؛ موضعان منها للتّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ، والباقي للتّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعيّ.

وفيما يلي نِسَبُ هذه الأنواع:

التَّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ 58.41%

61.95 %

التَّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعيّ 3.53%

التَّداخل بين الثّلاثيّ والرباعيّ36.28%

38.05 %

التَّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ1.76%

ونخرج من هذا الإحصاء بملحوظاتٍ؛ منها:

1-

كثرة التَّداخل في البناء الواحد؛ ولا سيّما في الثّلاثيّ؛ كما هو

ص: 925

مألوف؛ وهو يوافق ما تقدَّم في البحث، وما جاء عند ابن برّي والصَّفَدِيّ.

2-

ندرة التَّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ، وكذلك بين الرُّباعيّ والرّباعيّ.

3-

عدم وجود التَّداخل بين الخماسيّ والخماسيّ.

منهج الفيروزآباديّ في النّقد المعجميّ:

نثر الفيروزآباديّ ملحوظاته النّقديّة في كتابه، وكان لا يكاد يخرج فيها عن ثلاثة طرق:

أحدها: أن يذكر الكلمة في موضعها الصحيح، ثمّ ينبّه على خطأ الجوهريّ في أصلها؛ كقوله في (أثأ) : "أثَأتُه بسهمٍ: رميته به، هنا ذكره أبو عبيد

ووهم الجوهريّ؛ فذكره في:ث أث أ"1.

وثانيها: أن يذكر الكلمة في موضعها؛ الَّذي وردت فيه في (الصِّحاح) ثمّ ينبّه على ما فيها من تداخل، ويشير إلى أصلها الصحيح؛ كقوله في (ن وء) :"نَاءَ اللَّحْمُ يَنَاءُ، فهو نِيءٌ بين النُّيُوء والنُّيوأة: لم ينضج، يائيّة"، وذكرها هنا وهم للجوهريّ 2.

وثالثها: أن ينبّه على الكلمة في الموضعين، ومنه قوله في (ح ب ط أ) : "احبنْطَأ: انتفخ جوفه، أو امتلأ غيظاً، ووهم الجوهريّ في إيراده بعد

1 القاموس41.

2 القاموس 69.

ص: 926

تركيب: ح ط أ"1.

وكان المجد يلتزم - في أسلوبه في الاعتراض - بعبارات فيها تصريح باسم الجوهريّ؛ كقوله: (وهم الجوهريّ) 2 وهي أكثر عباراته استعمالاً، وقوله: (وذكر الجوهريّ إيّاه في (

) غلط) 3 وقوله: "وذكر الجوهريّ (

) هنا غير سديد) 4 ومن أقسى أساليبه قوله في حقّ الجوهريّ: (وذكره هنا وهم للجوهريّ؛ وكلّ ما ذكره من القياس تخبيط"5.

ولعلّ في طريقة المجد هذه ما يفسّر ميل أكثر المتأخّرين للجوهريّ، والانتصار له، ولو برأي مرجوح؛ كما فعل ابن الطّيّب الفاسي، وداود زاده، والتّادليّ، وقلّ من انتصر للفيروزآباديّ، مع أنّ الصّواب كان حليفه في معظم المواضع النّقديّة الَّتي أثارها.

ومن طرق العرض عند المجد: نزوعه إلى الاختصار الشّديد، وهو ما يوافق منهجه العام في معجمه، وربّما أدّى الاختصار إلى خفاء مراده؛ لا سيّما على القارئ العادي، أو غير المتخصّص؛ ألا ترى إلى قوله:

1 القاموس46.

2 القاموس (أتأ)41.

3 القاموس (ذحج)243.

4 القاموس (جسد)348.

5 القاموس (لوك)1230.

ص: 927

"الهِنْبَرُ: رباعيٌّ، ووهم الجوهريّ"1 وقوله: "قِدْرٌ زُؤَزِيَةٌ: في الهمز، ووهم الجوهريّ"2 وهو يريد أنّ أصول هاتين الكلمتين: (هـ ب ر) و (زأ زأ) .

ولم يخرج الفيروزآباديّ - في طريقته في الاستدلال - على مناهج من سبقه في هذا الفنّ؛ فقد كان يستأنس بالاشتقاق3، والنّظير4، أو عدم وجوده5، وخصائص بعض الحروف6، وغير ذلك.

وفيما يتّصل بالمصادر فإنّ صاحب (القاموس) لم يعنَ بذكر مصادره في النّقد؛ وهذا يتّفق مع ما اختطّه لنفسه في معجمه المبني على الاختصار؛ وهذا لا يعني إغفاله مصادره تماماً؛ فإنّه كان يشير إلى مصادره أحياناً، كسيبويه، وابن جنّي، وابن القطّاع، والصَّغَانيّ.

وعند تحليل تنبيهاته النّقديّة، الَّتي سكت فيها عن مصادره، نجده ينقل عن كثير ممن سبقه، وعلى رأسهم ابن برّي، والصَّغَانيّ، والصَّفَدِيّ. بيد أنّه كان يعوّل على الصَّغانِيّ كثيراً، وقد نقل عنه في نحو أربعين موضعاً، يليه ابن برّي ونقل عنه في خمسة عشر موضعاً؛ بينما نقل عن

1 القاموس (هير)637.

2 القاموس (زوا)1667.

3 القاموس (فأر)583.

4 القاموس (طلحف)1076.

5 القاموس (مهع)988.

6 القاموس (هوأ)73.

ص: 928

الصَّفَدِيّ في تسعة مواضع.

ولا يعني هذا أنّ الفيروزآباديّ لم يأت بجديد في نقد الأصول؛ فإنّ ثلاثة وستّين موضعاً في معجمه لا وجود لها في كتب المذكورين؛ ولعلّه أفاد في بعضها من مصادر أخرى؛ كـ (التّهذيب) للأزهري، و (المحكم) لابن سيده. ومهما يكن من أمرٍ فإنّ من شأن هذه الزّيادات الَّتي أربت على نصف ما في (القاموس) من نقد للتّداخل –أن تكسبه من الأهميّة ما يجعله مصدراً غنيّاً في هذا المجال.

ج- نقدات الفيروزآباديّ في الميزان:

قال القِنَّوجيّ؛ في أثناء حديثه عن (القاموس) وما فيه من ملحوظات: إنّ "أكثرها مبنيٌّ على التّعنّت والشِّقاق؛ ولذا بادر الأدباء إلى دفعها؛ فأجابوا عنها لفظاً لفظاً، وردُّوها حرفاً حرفاً"1.

وعلى الرّغمِ من أنّ هذه المقولة لا تخلو من وجهٍ للصّواب فإنّ فيها كثيراً من القسوة على الفيروزآباديّ وهضمٍ لجَهده؛ فإنّه إن لم يوفّق في بعض ما ذهب إليه كان التوّفيق حليفه في أكثر نقداته.

وإنّ من يتأمّل ملحوظات الفيروزآباديّ يتبيّن له أنّه كان مصيباً في ثلثيها تقريباً، وأنّ الصّواب خانه في بعضها، وأنّه بنى رأيه في شيء منها على رأي لبعض العلماء.

فممّا أصاب فيه: اعتراضه على الجوهريّ في مادّة (ج س د) قائلاً:

1 البلغة في أصول اللغة462.

ص: 929

"وذكرُ الجوهريّ 1 الجِلْسَدَ هنا غير سديد"2 والجِلْسَدُ: اسم صنم كان يعبد في الجاهليّة، ولا دليل على زيادة اللاّم فيه؛ خلافاً لما ذهب إليه الجوهريّ، فذكره ابن منظور في الرُّباعيّ 3.

ومنه قوله: (خ ن ذ) : "وخَنْذَى: خرج إلى البذاء، وذكره الجوهريّ 4 في المعتلّ، وخَنْظَى: في الظّاء، وهما من باب واحد"5 أي أنّ الصّواب أن يذكرا معاً في باب واحد؛ إمّا الذّال والظّاء على أنّ النّون عين الكلمة، والألف زائدة للإلحاق؛ كما في: غنذى وسلقى، أو في باب المعتلّ على أنّ النّون زائدة؛ فتكون الألف - حينئذٍ - لام الكلمة والوزن (فَنْعل) والأوّل أولى؛ لأنّ زيادة اللف آخرةً أولى من زيادة النّون ثانية.

أمّا ما جانب الصّواب فيه صاحب (القاموس) ووهَّمَ الجوهريَّ فيه بغير حقٍّ، أو بوجه مرجوحٍ فقليل، ومنه قوله في (م ق أ) :"ماقئ العين، وموقئها: مؤخّرها أو مقدّمها، هذا موضع ذكره، ووهم الجوهريّ"6 إذ ذكره في (م ق أ) 7 ومذهب الجوهريّ في أصل هذه الكلمة موافق

1 ينظر: الصِّحاح (جسد) 2/456.

2 القاموس348.

3 ينظر: اللّسان (جلسد) 3/128.

4 ليس في الصِّحاح المطبوع، وذكره ابن منظور ف يالمعتلّ (14/225) وعزاه للأزهري.

5 القاموس425.

6 القاموس 66.

7 ينظر: الصحاح4/1553.

ص: 930

لرأي الجمهور فيها؛ وقد تقدَّم تفصيل التَّداخل في هذه الكلمة.

وقوله في (ع ن ج د) : "المُعَنْجِدُ: الغضُوب الحديد، ووهم الجوهريّ، فذكره لا في الثّلاثيّ ولا في الرّباعيّ"1 هكذا، وظاهر ما في عبارة المجد من معاضلة؛ لذا قال ابن الطّيّب الفاسيّ معلّقاً على هذا النّصِّ:"كلام لا معنى له؛ فإنّ الجوهريَّ ذكره في الرّباعيّ 2 ترجمةً بعد ترجمة (ع ج د ل) وفسّره بأنّه ضرب من الزّبيب، واستدلّ له بما أنشده الخليل"3.

ولعلّ مراد الفيروزآباديّ أنّ الجوهريَّ أخطأ في موضعه من التّرتيب، فإنّه ذكره بين (ع ج ل د) و (ع د د) ومكانه على زيادة النّون قبل (ع ج د ل) ومكانه على أصالتها بعد (ع د د) أي: بين (ع ن د) و (ع ود) فإن كان هذا مراد الفيروزآباديّ فإنّه لم يخطئ ولكنّه أبهمَ في عبارته.

ووهّمَ الجوهريَّ في أشياء وأصاب في توهيمه؛ ولكنّه لم يوفّق في تقديره الأصل الصّحيح؛ فقد ذكر الجوهريّ (اللَّوْلَبَ) في (ل وب) 4 فانتقده المجد؛ وقال: إنّ أصل (اللَّوْلَب)(ل ب ب) 5 فلم يوفّق فيما

1 القاموس385.

2ينظر: الصِّحاح (عنجد) 2/505.

3 التاج (عنجد) 2/434.

4 ينظر: الصِّحاح 1/221.

5 ينظر: القاموس173.

ص: 931

قال؛ لأنّه لا وجه لجعله أصل هذه الكلمة في (ل ب ب) فليس فيها سوى باءٍ واحدة، وفيها لامان.

إنّ الصّواب في أصل هذه الكلمة –إن كانت عربيّة - أن يكون (ل ل ب) كما أنّ (الكَوْكَبَ) و (الشَّوْشَبَ) من (ك ك ب) و (ش ش ب) وليسا من (ك ب ب) و (ش ب ب) .

وقد تردّد الفيروزآباديّ في أشياء بين رأي ورأي؛ بما يمكن أن نصفه بالتّناقض فهو ينقد الجوهريَّ –أحياناً - في أصل ما، ثمّ يعود ويوافقه فيه في أصل تالٍ، أو ينتقده في موضع، مع أنّه وافقه فيه في أصل متقدّم من غير تنبيه. ومن الأوّل أنّه قال في (ح ف س أ) :"الحَفَيْسَأُ كَسَمَيْدَعٍ: القصير اللّئيم الخِلقة، ووهم أبو نصر في إيراده في: ح ف س"1 ثمّ عاد فذكره في الفيروزآباديّ في (ح ف س) 2 كما فعل الجوهريّ3 من غير تنبيه.

وقوله في (ر ق ف) : "رأيتُهُ يُرْقَفُ من البردِ: يُرْعَدُ، وقد أُرْقِفَ - بالضّمِّ - إِرْقَافاً، والقَرْقَفَةُ: للرَّعْدَةِ، مأخوذ منه، كرّرت القاف في أوّلها، ووزنها (عَفْعَل) وهذا موضعه لا القاف، ووهم الجوهريّ" 4 لإيراده إيّاه

1 القاموس 47.

2 القاموس 1693.

3 ينظر: الصِّحاح (حفس) 3/919.

4 القاموس 1052.

ص: 932

في (ق ر ق ف)1. ولكنّنا لا نلبث أن نجد الفيروزآباديّ يعيد ما قاله هناك في هذا الأصل الرُّباعيّ 2، متابعاً الجوهريّ من غير تنبيه.

وهذا ما جعل ابن الطّيّب الفاسي يقول في مادّة (ر ق ف) : "وَهَّمه هنا وتبعه هناك؛ بلا تنبيه على أنّ ذلك وهم؛ وهذا شيء عجيب يعلم منه أنّه غير متثبّت في القبول والرّد"3.

ومن هذا النّوع الثّاني أنّه قال في مادّة (ح ن ز ب) : "الحِنْزَاب –كقِرْطَاس: الحمار المقتدر الخلق، والقصير القويّ، أو العريض، والغليظ

وهذا موضع ذكره"4 وهو يعرّض - هنا - بالجوهريّ لذكره الحِنْزَاب في (ح ز ب) 5 ولنا أن نعجب إذا عرفنا أنّ الفيروزآباديّ نفسه ذكره - أيضاً - في (ح ز ب)6. ومنه قوله في (ك ول) : (واكْوَأَلّ اكْوِئْلالاً: قصُر، وذكرهما في (ك أل) وهم للجوهريّ) 7 وقد تبعه الفيروزآباديّ هناك8 من غير تنبيه.

1 ينظر: الصِّحاح 4/1416.

2 القاموس1091، 1092.

3 التَّاج 6/122.

4 القاموس99.

5 ينظر: الصِّحاح 1/109.

6 ينظر: القاموس 94.

7 القاموس 1363.

8 القاموس 1359.

ص: 933

وذكر في مادّة (وأ م) 1 التَّوْام، وانتقد فيها الجوهريّ لذكره هذه الكلمة في فصل التّاء أي (ت أم) وكأنّه نسي أنّه ذكره هو - أيضاً - في ذلك الأصل2 من غير تنبيه عليه.

وممّا بنى اعتراضه فيه على رأي لبعض العلماء متجاهلاً الرّأي الآخر: ما وجّهه من اعتراض على الجوهريّ في موادّ (زأ زأ) 3 و (ذ ح ج) 4 و (ع ل هـ ج) 5 و (ك ر ف) 6 و (د وم) 7 وغيرها.

وعلى الرّغمِ من كلِّ ما تقدَّم فإنّنا لا نشكّ في بعد الفيروزآباديّ عن التّحامل المقصود، ولا أدلّ على هذا من أنّه نصب نفسه مدافعاً عن صاحبه، كما جاء في بعض المواد، ومنها مادّة (ق ص ع ل)8.

1 القاموس 1504.

2 القاموس 1398.

3 القاموس 53.

4 القاموس 243.

5 القاموس 255.

6 القاموس 1096.

7 القاموس 1433.

8 القاموس 1354.

ص: 934