المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: حسين نصار في (المعجم العربي) - تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم - جـ ٢

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌تابع الباب الثالث

- ‌الفصل الثاني:‌‌ التداخل بين الثلاثي والخماسي

- ‌ التداخل بين الثلاثي والخماسي

- ‌المبحث الأوّل: تداخل الأصلين

- ‌المبحث الثّاني: تداخل ثلاثة أصولٍ

- ‌الفصل الثالث: التداخل بين الرباعي والخماسي

- ‌تمهيد الفصل الثالث

- ‌المبحث الأوّل: ما ثانيه نونٌ

- ‌المبحث الثّاني: ما ليس ثانيه نوناً

- ‌الباب الرابع: أسباب التداخل وأثره في بناء معاجم القافية

- ‌الفصل الأول: أسباب التداخل

- ‌الفصل الثاني: أثر التداخل في بناء معاجم القافية

- ‌(تمهيد) التداخل الذي لا يضر ببناء معاجم القافية

- ‌المبحث الأوّل: وضع الكلمة في غير موضعها

- ‌المبحثُ الثَّاني: وضع الكلمةِ في موضعين أو أكثر

- ‌المبحث الثّالث: تضخيم حجم معاجم القافية

- ‌الباب الخامس: أثر التداخل في النقد المعجمي

- ‌الفصل الأول: النقد المعجمي عن القدامى

- ‌(تمهيد) الفصل الأول

- ‌المبحث الأول: ابن برّي في (التنبيه والإيضاح)

- ‌المَبْحَثُ الثَّانِي: الصَّغَانِيُّ فِي (التَّكْمِلِةِ والذَّيْلِ والصِّلَةِ)

- ‌المبحث الثّالث: الصَّفَديُّ في (نفوذ السَّهمِ)

- ‌المبحث الخامس: داود زَاده في (الدُّرِّ اللَّقِيطِ)

- ‌المبحث السّادس: التَّادِلِيُّ في (الوِشَاحِ)

- ‌النقد المعجمي عند المتأخرين

- ‌تمهيد الفصل الثاني

- ‌المبحث الأوَّل: الشِّدياق في (الجاسوس على القاموس)

- ‌المبحث الثاني: حُسين نصّار في (المعجم العربي)

- ‌المبحث الثالث: آراء نقية أخرى

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: حسين نصار في (المعجم العربي)

‌المبحث الثاني: حُسين نصّار في (المعجم العربي)

أخرج الدكتور حسين نصار سنة 1376هـ - كتاباً بعنوان (المعجم العربي، نشأته وتطوّره) 1 وهو يعدّ من أوائل البحوث؛ الَّتي عنيت بتاريخ المعجم العربي، ومن أغزرها مادّة، ووصف فيه مؤلّفه أكثر المعاجم العربيّة وأتى على مناهجها، والرّوابط العامّة الَّتي تربط بينها، وصنّفها في مدارس مختلفة؛ فجاء مرجعاً لا غنى لباحث في المعجم العربي عنه.

وقد خصّص فيه فصلاً لعيوب المعاجم القديمة2 أتى فيه على جملة منها؛ فكان خلل الترتيب من أهمّها، وعرض فيه لتداخل الأصول؛ وإن لم يسمّه باسمه، وهو يعدّه من أهمّ مواطن الشّكوى فيما يتّصل بالترتيب، ويراه وراء الاضطراب الشّديد؛ الَّذي اعترض أصحاب المعاجم في وضع كثير من المفردات 3.

وكان يعزو ذلك إلى سبب عام؛ وهو مراعاتهم لبعض الأحكام الصّرفيّة؛ كالاشتقاق، وأصالة بعض الحروف، وزيادتها "فقد أرغمهم هذا على تكرير كثير من الألفاظ؛ الَّتي اختلف الصّرفيّون في أصلها؛ الَّذي

1 وهو - في الأصل - رسالة علمية عالية نال بها مؤلفها درجة (الدكتوراه) وقد نوقشت بتاريخ 23/6/1953م، وأجيزت بمرتبة الشرف الأولى.

2 ينظر: المعجم العربي 47-759.

3 ينظر: المعجم العربي 754.

ص: 987

اشتقّت منه، وادّعى كلّ منهم لها أصلاً، وغلّطَ بعضهم بعضاً، و [أرغمهم] على إيراد بعض الألفاظ في مواضع لا تخطر على بال الباحث

وعلى أن يختلف موضع كثير من الألفاظ عند أحدهم عنه عند الآخر"1.

والحقّ أنّه ليس ثَمَّةَ إرغام على تكرير كثير من الألفاظ؛ لاختلاف الصّرفيّين فيها، وإنّما هو محض التزام من بعض المعجميّين، أو اختيار منهم، وهو مخالف للمنهج الصحيح في بناء المعجم، كما تقدَّم بيانه في الباب الرّابع؛ فلا يحسن بنا أن نحمّل التَّداخل فوق ما يحتمله.

وعرض الدكتور نصار - فيما أتى عليه من الأحكام الصّرفيّة - لأشياء يمكن تفصيلها على النّحو التّالي:

أ- الرُّباعيّ المضاعف؛ الَّذي عدّه الكوفيّون مشتقّاً من الثّلاثيّ، وعدّه البصريّون مادّة أصليّة، فاضطربت المعاجم بسبب اختلاف الفريقين، فمنهم من جعله في الثّلاثيّ، ومنهم من وضعه في الرُّباعيّ 2.

ب- المهموز، وذو النُّون، والمعتلّ الواوي واليائي، فقد اختلفوا في أصالة الهمزة في كثير من الكلمات؛ كالأباءة، والأشاءَة، والحِنْطَأو، والغِرْقِئ، ففي حين يراها أصلية – يراها فريق آخر زائدة، أو منقلبة عن حرف علّة.

1 المعجم العربي755.

2 المعجم العربي 755.

ص: 988

واختلفوا في النُّون؛ وهي من المزالق الصّرفيّة عند التأصيل؛ فإنّها تلتبس في أوائل الألفاظ وأواسطها وأواخرها، كما في نونات النَّرجس، والحِنْزاب، والحَوْمَانَةِ.

وكان المعتلّ من الأمور الَّتي لم يخل موقفهم منها من الحيرة؛ فتخلّص كثير منهم من مزلقتها بجمع الواوي واليائي معاً 1.

ج- المعَرَّب؛ وهو من الألفاظ؛ الَّتي وضعت بعيدة عن مواضعها، كالإستبرق في (ب ر ق) والأسْفَيْدَاج في (س ف د ج) والدكتور نصّار يوافق أكثر المعجميّين في أنّ النّظرة إلى المعرَّب بمنظار الزّائد والأصلي أمر غريب؛ لأنّ شأن المزيد أن يستغنى عنه، بالأصلي، وليس المعرّب كذلك؛ إذ لا شيء من الهمزة والألف والنّون في (أُرْجُوان) مثلاً - زائد.

وهو يدعو - في هذا إلى أن يحذو صنّاع المعاجم حذو أصحاب كتب المعرَّب حين تجنّبوا تجريد المعرّب من أيّ زائد2.

والدكتور نصّار محقّ في أكثر ما قاله - هنا - على الرّغمِ من الاقتضاب الشّديد فيما جاء به من أفكار وذكره من أمثلة. غير أنّه من البيّن أنّ جلّ ما ذكره في التَّداخل إنّما هو تلخيص أمين لما جاء في مقدّمة (الجاسوس) للشِّدياق؛ وهو لم يخفِ عنّا ذلك؛ فقد ذكر بين يدي هذا الفصل أنّ كتاب (الجاسوس) مع مقدمة (البستان) لبُطرس البستاني هما

1 المعجم العربي 755.

2 المعجم العربي 755.

ص: 989

عمدته في النّقد المعجمي.

د- الاشتقاق؛ وله فيه آراء اجتهادية جريئة لعلّه لم يسبق إليها، وخرج منها بنتائج جانبه التّوفيق في بعضها. إنّ الاشتقاق معدود عند الدّكتور حسين نصّار من أهمّ المشكلات؛ الَّتي تعتري المعجم العربي فيما يتّصل بالتداخل؛ كوضعهم التُّراث في (ور ث) والتَّخمَةَ في (وخ م) والدَّوْلَجَ في (ول ج) وهو يعيب على علماء العربيّة –قديمهم ومتأخريهم - التّمسّك بأنّ العربيّة لغة اشتقاقية [!] فيلزم على ذلك وضع الألفاظ في موادّ تقوم على الحروف الأصول وحدها، واستبعاد الحروف الزّوائد؛ المحصورة في قولهم:(سألتمونيها) وهو لا يعترف بما توصّل إليه علماء العربيّة في حروف الزّيادة العشرة.

ويقول إنّ "البحث المقارن بين اللّغات السّاميّة جميعاً يهزأ من هذا الحصر، ويرى أنّ من الممكن زيادة غيرها من الحروف، وقد حدث ذلك فعلاً في العربيّة وأخواتها"1.

ثمّ يعترض على ما بناه علماء العربيّة في حروف الزّيادة؛ مستنداً إلى آراء خاصّة لبعضهم فيها؛ كابن فارس.

فيقول: "فهذا هو أحمد بن فارس من القدماء ذهب إلى أنّ الألفاظ العربيّة الرباعية والخماسيّة ألّفت بطرق ثلاث؛ النّحت، وزيادة بعض الحروف، والوضع؛ ويهمّنا الطّريق الثّاني فنحن إذا اتّبعنا دراساته تتبّعاً

1 المعجم العربي756.

ص: 990

واعياً خرجنا بأنّ الحروف التّالية كانت من حروف الزّيادة عند العرب: ب ج ح خ د ذ ر ز ش ص ط ع ف ق ك، مع غضِّ النّظر عن حروف سألتمونيها؛ الَّتي لا نزاع في زيادتها؛ فلا يتبقّى - إذن - من حروف العربية غير: ص ظ غ"1.

ويقول: "ولم ينفرد ابن فارس وحده بهذه الآراء؛ فقد وجدت جذورها عند من قبله حتّى نادى الخليل نفسه - وهو أعظم علماء النّحت واللغة العربيّة - بزيادة العين في بعض الألفاظ؛ وإذن فذلك الحصر منهار"2.

ثمّ يحاول الدّكتور نصّار قطع الطّريق على من أراد أن يحتجّ بأنّ زيادة حروف (سألتمونيها) مطّردة، وأنّ غيرها ليس مطّرداً في الزّيادة؛ فيقول: "فإذا كان الأمر كذلك أصبحت المهمّة يسيرة فالزّيادات المطّردة يجب أن ينبّه عليها في مقدمة المعاجم؛ وخاصّة الصّغيرة والوسيطة، ولا تذكر البتة في المفردات. أماّ غيرها فيؤتى بها فيها في موضعها اللاّئق بها باعتبار جميع حروفها؛ فلا داعي لشغل فراغ كبير بأسماء الفاعلين والمفعولين والتّفضيل والمرة والمكان والزمان وما أشبهها؛ إذا اطّردت في

1 المعجم العربي 756، وفي النّص أنّ آخر هذه الحروف الأربعة ع مهملة، وكذلك في الطبعة الرّابعة (2/608) والصواب أنّها غ بالمعجمة؛ وقد تقدّم أنّها تزاد عند ابن فارس –أيضاً.

2 المعجم العربي 756.

ص: 991

صيغتها وفي معانيها. أمّا إذا كانت شاذّة في صيغتها، أو تحمّلت في تطوّرها معنى جديداً غير الأصل في مادّتها؛ فلا بدّ من ذكرها في موضعها؛ الَّذي تؤهّله لها حروفها كلّها، وفي هذا الحالة لا يكون لوضعها مع المادّة الأصلية داعٍ؛ لأنّها شاذّة إمّا في الصّيغة وإمّا في المعنى"1.

ومفهوم الشّذوذ واسع عند الدّكتور نصّار؛ فهو لا يقتصر على الصّيغ المعروفة الخارجة عن قياسها في الإعلال مثلاً؛ كاسْتَحْوَذَ؛ فأدخل فيه أمثال: اصْطَبَرَ وازْدَجَرَ، وانتهى فيهما إلى أنّه لا داعي لجعلهما من صيغة (افْتَعَلَ) ومكانهما حيث تؤهّلهما حروفهما كلّها؛ لشذوذهما في الصّورة؛ وكذا الحال في مثيلاتهما2. ولا شكّ في أنّ ثَمَّةَ أموراً في كلام الدّكتور نصّار في الاشتقاق لا يمكن التسليم له بها، وتقتضي مناقشته فيها، ومنها:

الأوّل: أنّ القول بأن من المشكلات المعجميّة عدّ الأقدمين العربيّة لغة اشتقاقية تحتّم وضع الألفاظ في موادّ تقوم على الحروف الأصول وحدها –قول يجافي الواقع؛ فلا أحد ينكر أنّ العربيّة لغة اشتقاقية، بل إنّ الاشتقاق من أبرز خصائصها.

ثمّ إنّ في كلامه عن هذا الأمر دعوة خفيّة لترك الأصول عند بناء المعاجم العربيّة، ووضع الكلمة في المعجم بحسب نطقها بغير تجريد من

1 ينظر: المعجم العربي756، 757.

2 المعجم العربي 757.

ص: 992

الزّوائد؛ وهو ما يناسب اللّغات الإلصاقيّة؛ كالتركيّة، والمجريّة. أمّا العربيّة فإنّ في الأخذ بذلك تشتيتاً لموادّ تعود إلى أصل واحد.

الثّاني: أنّ قوله: إنّ البحث المقارن بين اللّغات السّاميّة يهزأ بحصر علماء العربيّة حروف الزّيادة، وقوله: إنّ في أقوال بعض علماء العربية ما يهدم نظريّة الحصر هذه، واستدلاله بصنيع ابن فارس في (المقاييس) إنّ ذلك كلّه لدعوى يعوزها الدّليل القاطع والحجّة القويّة؛ فأين هذا البحث المقارن بين السّاميات؛ الَّذي أبطل حصر حروف الزّيادة في العربيّة؟ فإن كان يلمح إلى مذهب أهل الثّنائيّة، واتّكائهم في بعض ما ذهبوا إليه على موازنات ساميّة فإنّه قد رَجَحَ –بعد البحث والتّقصّي فيما تقدَّم - ضعف بنيان هذه النّظريّة، وقد أبطلها كثير من المعاصرين؛ لمّا وجدوها قائمة في عمومها على الافتراض، ومائلة في تطبيقها إلى التّعسّف.

أمّا الاستدلال على بطلان حصر حروف الزّيادة بمذهب ابن فارس، فهو من باب نقض القاعدة الرّاسخة برأي فرديٍّ اجتهاديّ مخالف؛ فإنّ ما عدّه بعضهم زائداً من غير تلك الحروف العشرة، ثبتت أصالته عند جمهور اللّغويين والصّرفيّين والنّحاة المتقدّمين والمتأخرين؛ وهم السّواد الأعظم من علماء العربيّة؛ وقد استنبطوا قواعدهم من الكثير المستفيض من كلام العرب؛ الَّذي أدّاهم إلى نوط القواعد به. ولا شكّ أنّ في قبول تلك الآراء الفرديّة المخالفة فتحاً لباب واسع من أبواب تداخل الأصول من الخير أن يبقى مغلقاً.

الثّالث: أنّ في دعوة الدّكتور نصّار لذكر الصّيغ المخالفة للقياس في المواضع؛ الَّتي تؤهّلها لها حروفها كلّها؛ دون نظر لأصلي أو زائد أو مقلوب أو مبدل - خرقاً لاطّراد المنهج العامّ في بناء المعاجم، لا يحسن

ص: 993

اللجوء إليه؛ إن كان ثَمَّةَ ما يصلح الحال به، وهو العودة إلى الأصول؛ ولعلّ فيما أورده البحث في الباب الرّابع ما يغني عن إعادته هنا.

نعم، ولا ينسى الدّكتور نصّار - في ختام حديثه - أن يصف لنا ما يرى فيه العلاج النّاجح للتّداخل في المعاجم؛ وهو يكمن في استبدالهم الترتيب الهجائي العاديّ بغيره؛ لأنّ فيه الخلاص من كثير من مشكلات المعتلاّت والمهموزات، ويعين على دراستها دراسة جديدة واعية؛ تتّفق مع الرّأي الحديث؛ الَّذي يعدّ المعتلاّت والمهموزات ذات أصل واحد؛ وإنّما هي تطوّرات طارئةٌ على أصلها 1. وهذا يذكّرنا بما دعا إليه الشِّدياق من قبل؛ إذا كان يرى أنّه في هذا الترتيب تظهر حكمة وضع اللّغة 2 ويعني بها: ثنائيّة الألفاظ.

1 ينظر: المعجم العربي 757.

2 ينظر: الجاسوس 27.

ص: 994