الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السّادس: التَّادِلِيُّ في (الوِشَاحِ)
كتاب (الوِشاح وتثقيف الرّماح في ردّ توهيم المجد الصِّحاح) 1 من أواخر الكتب القديمة؛ الَّتي ألفت في النّقد المعجمي؛ وموضوعه: ردّ ما أخذه الفيروزآباديّ على الجوهريّ، والانتصار له.
وتدلّ ردود مؤلفه على المجد، وعرضه المسائل والآراء ومناقشتها – على حذقه وبراعته في اللّغة، وقدرته على الخوض في المسائل الصّرفية الدقيقة المتداخلة، والكتاب من أهمّ ما ألّف في هذا الفنّ.
وعلى الرّغمِ من ذلك فقد ضنّت علينا المصادر بترجمة مصنّفه؛ فلا نكاد نعرف عنه إلاّ اليسير، وممّا نعرفه عنه اسمه؛ وهو: أبو زيد عبد الرحمن بن عبد العزيز التَّادِلي المغربي ثمّ المدني، ويبدو أنّه نشأ بالمغرب، ورحل عنه إلى المشرق؛ فنزل المدينة المنوّرة، ومكّة المكرّمة، ودرّس بهما، ثمّ استقرّ به المقام في مصر، وبها توفّي في حدود سنة 1200هـ 2.
ويحدّثنا التّادلي عن دواعي تأليفه هذا الكتاب؛ فيقول - بعد ثنائه
1 طبع (الوشاح) قديماً بتصحيح الشّيخ نصر الهوريني، ونشر على هوامش الطّبعة القديمة للصّحاح، وهي طبعة نادرة، من الصّعب الظّفر بها؛ وقد استعنت في دراسته - على نسخته الخطّيّة - المحفوظة بمكتبة عارف حكمت.
2 من مصادر ترجمته: الوشاح2أ، والبلغة في أصول اللغة484، وإيضاح المكنون2/709.
على الصِّحاح: "غير أنّ مجد الدّين صاحب القاموس أكثر من الانتقاد عليه؛ كما فعل الدّارقطني مع البخاري ومسلم، قيل: انتقد عليهما عشرة ومائتي حديث؛ والذي انتقده المجد على الجوهريّ نحو ثلاثمائة مسألة، والجواب عنها يحاكي جواب الصّحيحين؛ من كون الجوهريّ أنحى اللّغوييّن، وأعلم بعلم الصّرف الَّذي هو ميزان العلوم، وكونه مقدّماً على المجد في علم اللّغة، وشافه بها العرب العاربة، ومن صحاحه تخرّج المجد وعرف الصّناعة. وهذا؛ وإنّي استخرت الله تعالى في ردّ ما أورده المجد عليه من الإيهام والتّخطئة؛ من غير ادّعاء منّي ولا عصبيّة
…
إذ الرّجوع إلى الحقّ فريضة
…
والإنصاف من أخلاق المؤمنين"1.
تحليل النّقد المعجمي في (الوشاح) :
تنوّع النّقد المعجمي في كتاب التّادلي كتنوّعه في مصدره الأصلي (القاموس) ففيه نقد تداخل الأصول، إلى جانب التّنبيه على التّصحيف والتّحريف، وعلى الخطأ في الضّبط، ونقد الأسلوب، والتّفسير اللّغويّ الخاطئ، وغيره. ويمكن الكلام على نقدات التّادلي في التَّداخل من خلال ما يلي:
أ- التّوزيع الإحصائي للنّقدات:
بلغت المواضع النّقديّة بعامَّة في (الوشاح) نحو سبعين ومائتي موضع، وكان نصيب التَّداخل منها ثلاثة وثمانين موضعاً 2. وهذا يعني
1 الوشاح 2ب.
2 ينظر: الوشاح (أبأ) 4ب، (أشأ) 4ب، (ألأ) 4ب، (أثأ) 4ب، (جيأ) 4ب، (حبطأ) 5أ، (حفسأ) 8أ، (خجأ) 8أ، (زأزأ) 29، (قدأ) 211، (مقأ) 12ب، (نوأ) 15ب، (نيأ) 16ب، (ورأ) 16ب، (هوأ) 17أ، (توب) 17ب، (تخرب) 18ب، (ثيب) 19ب، (ذلعب) 20أ، (زلعب) 20ب، (جوث) 23ب، (زرجح) 24ب، (علهج) 24ب، (مذهج) 25أ، (بوح) 27أ، (فرطح27ب، (نتح) 28أ، (أفخ) 29أ، (تنخ) 29أ، (أبد) 30ب، (حسد) 31ب، (عنجد) 34أ، (قمحد) 236، (قمهد) 36ب، (جبذ) 38أ، (لذذ) 38ب، (تمر) 38ب، (صمعر) 42أ، (عور) 43ب، (قطمر) 44أ، (قنبر) 44أ، (قنسر) 44أ، (نطر) 44أ، (هنبر) 45أ، (كزز) 45أ، (هرجس) 46ب، (قنزع) 50أ، (هملع) 51أ، (رقف) 53أ، (طلخف) 55أ، (قرقف) 56أ، (نوف) 59أ، (عرق) 59ب، (غرنق) 59ب، (نبق) 60أ، (لوك) 60ب، (بأدل) 63أ، (قعثل) 67ب، (حتل) 63ب، (كول) 67ب، (ندل) 68ب، (توم) 70أ، (تلم) 70ب، (خوم) 72ب، (ددم) 73أ، (ديم) 73أ، (رأم) 73ب، (سدم) 73ب، (مرهم) 74ب، (وأم) 75ب، (ددن) 77أ، (أبه) 79ب، (دبو) 82أ، (زوا) 82ب، (ضصى) 85أ، (شكى) 85ب، (قنى) 87أ، (لدى) 87أ، (ليي) 87ب، (هفو) 87ب، (أيا) 88أ.
أنّ التّادلي أغفل نحو ثلاثيّن موضعاً في (القاموس)1.
وقد بلغ ما في (الوشاح) من نقدٍ للتّداخل في البناء الواحد خمسين موضعاً؛ سبعة وأربعون موضعاً منها للتّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ، وثلاثة
1 ينظر على سبيل المثال المواد التّالية في القاموس: (أزب) 75، 0تألب) 78، (جيب) 90، (حنزب) 99، (حوب) 99، (ددب) 106، (لوب) 173، (حنت) 193، (قلح) 303، (صرد) 374، (مبد) 410، (جبذ) 423، (خنذ) 435، (بنصر) 452، (سعر) ، (صرر) 553، (فأر) 583، (عنظ) 900، (مهع) 988، (خفف) 1041، (كرف) 1096، (ضمحل) 1324، (ترجم)1399.
للتّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعي. وبلغ التّداخل بين بناءين مختلفين ثلاثة وثلاثين موضعاً؛ اثنان وثلاثون منها للتّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي، وواحد للتّداخل بين الثّلاثيّ والخماسي. ولم يرد تداخل بين الخماسيّ والخماسي.
وفيما يلي نِسَبُ هذه الأنواع:
التّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ: 56.62%
…
60.24 %
التَّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعي: 3.62%
التَّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي: 38.55%
…
39.76 %
التَّداخل بين الثّلاثيّ والخماسي: 1.21%
تظهر هذه الإحصائيّة غلبة التداخل في البناء الواحد؛ ولا سيّما في الثّلاثيّ، وعلى الرّغمِ من أنّ صاحب (الوشاح) أهمل ثلاثين موضعاً في القاموس فإنّ النِّسَب بين الكتابين متقاربة إلى حدٍّ كبير، وهذا يعني أنّ المهمل موزَّعٌ بنِسَبٍ متساوية. تقريباً - على الأنواع الأربعة.
ب- منهج التَّادلي في النّقد المعجميّ:
سار التّادليّ في التّرتيب العام لكتابه على نهج مدرسة القافية، وقد وفّق في اختياره هذا النظام؛ لأنّ فيه تسهيلاً على القارئ؛ إن أراد متابعة ما ذكره، والعودة به إلى أصوله في (الصِّحاح) و (القاموس)، أمّا طريقته في العرض؛ داخل كلّ مادّة فإنّها لا تكاد تخرج عن أحد أسلوبين:
الأوّل: أن يذكر انتقاد المجدِ الصِّحاحَ بنصّه، ثم يتبعه بنصّ ما قاله
الجوهريّ في ذلك الموضع المنتقد فيه، ويتلوه بالنّقول عن بعض العلماء؛ ذاكراً رأيه في أثناء ذلك، أو في نهايته1.
الثّاني: أن يذكر انتقاد المجد بنصّه، ثمّ يعلّق عليه بما يراه في المسألة؛ مستدلاًّ ببعض النّقول من المظان، ومستأنساً بآراء العلماء قبله مصدّراً ذلك بقوله: قلتُ2.
وكان التّادلي يعتمد - في طريقته في الاستدلال - على مقاييس العربيّة في الأصول؛ ومن أبرزها خصائص بعض الحروف في الزّيادة، وكثيراً ما كان يشير إلى أنّ الزّائد هو الَّذي يضيف معنًى جديداً للكلمة3. ومنها الاستعانة بالمعنى؛ الَّذي يدلّ عليه الأصل.
وكان ينتصر للجوهريّ كثيراً بحمل ما يراه الفيروزآباديّ على المجانسة؛ كحديثه في (اذْلَعَبَّ) و (تَنُوخ) و (الَّذي)4.
ولم يكن التّادلي يعتدّ كثيراً في تمييز الأصول بعدم النّظير، وكان يقول: "إنّ الجزئيّة النّادرة لا تقدح في اطّراد الكليّة، وذلك كورود الحِبُكِ في إهمال: فِعُل
…
والدُّئِل في قلّة: فُعِل"5.
1 ينظر: الوشاح11أ، ب، 12أ، 14أ، 17أ، 29أ، 34أ، 42أ.
2 ينظر: الوشاح 4ب، 5أ، 8أ، 15ب، 18ب، 19أ، 23ب، 36ب.
3 الوشاح 45أ.
4 الوشاح (على التّوالي) 20أ، ب، 29أ، 38ب.
5 الوشاح (على التّوالي) 25أ.
ومن أهمّ مصادره الَّتي أكثر من الأخذ عنها (مختصر العين) للزُّبَيدي، و (المجمل) لابن فارس، و (التّنبيه والإيضاح) لابن برّي، و (المغرب) للمطرِّزي، و (ضياء الحلوم في مختصر شمس العلوم) لعليّ بن نشوان الحميريّ؛ ولم يكد يذكر موضعاً دون أن يرد اسم أحد هذه الكتب الأربعة، ويليها في كثرة الأخذ عنه (المجرّد) لكُراع، و (المصباح) للفيّوميّ، و (تهذيب الأسماء واللّغات) للنّووي.
ويبدو أنّ التّادلي لم يطّلع على كثير من أمَّات المصادر. ومن بينها الكتب المتاخّرة؛ الَّتي عنيت بالنّقد المعجميّ في (الصِّحاح) و (القاموس) كـ (نُفوذُ السَّهم) و (الدُّرّ اللَّقيط) و (إضاءة الرّاموس) .
ج- نقداته في الميزان:
جمع التّادلي ما وجّهه الفيروزآباديّ من وهمٍ لصاحب الصِّحاح؛ بهدف التّصنيف في تخطئة صاحب (القاموس) والانتصار للجوهريّ، وقد ظهر ذلك جلياً في عنوان الكتاب؛ فهو (تثقيف الرماح لردّ توهيم المجد الصّحاح) ولا أثر فيه للموازنة أو المحاكمة. ثمّ إنّ المؤلّف أراد أن يهيّئ القارئ لقبول ما هدف إليه؛ فأخذ يحشد له آراء العلماء في فضل الجوهريّ وعمله، وأنّه أنحى اللّغويين، وخطيب المنبر الصّرفي، وأنّ معجمه الصّحاح أعظم معاجم اللّغة قاطبة وأشهرها، وأنّه في كتب اللّغة بمنزلة صحيح البخاري في كتب الحديث1، وأراد أن يردّ كلّ ما وجّه إليه من نقدٍ؛ فلا نعجب أن نجد التّادليّ يقول صراحةً: إنّه يقبل كلّ ما قاله وإن
1 الوشاح (على التّوالي) 2ب.
تفرّد به1.
ولسنا في حاجة إلى القول: إنّ الجوهريّ - كغيره من اللّغويّين - غير مبرّء من السّهو أو الخطأ، وإنّ في معجمه غير قليل من الخطأ؛ ممَّا نصّ عليه القدامى وأبانوه، ولكنّنا نقول: إنّ هذا المنهج اضطرّ التَّادليَّ إلى أن يهمل بعض الانتقادات؛ ممَّا لم يجد له ردّاً على الفيروزآباديّ.
لقد اتّهم المؤلّف صاحب (القاموس) بالتّجنّي والهوى وسوء الفهم، ووصفَ النّسخة الَّتي عثر عليها من الصِّحاح، واعتمدها في ردّه بأنّها كانت مصحّفة محرّفةً من نسخ العجمِ، كما وصفه بسوء وضع الألفاظ؛ نتيجةً للخلط بين المهموز والمعتلّ، والواويّ واليائيّ، ونحو ذلك2.
وعلى الرّغمِ من هذا كلّه لا يخلو التَّادلي من صفة الإنصاف في نقده، فلا ينسب في كلّ ما قال إلى التّحامل، ففي كتابه جهد ظاهر في النّقد المعجميّ، وُفِّق في بعضه، وخانه التّوفيق في بعضه الآخر.
وممّا كان الصّواب حليفه فيه: ردّه على صاحب (القاموس) لانتقاده الجوهريّ في (اللِّدَةِ) بمعنى التِّرب؛ إذ جعلها الجوهريّ في مادّة (ول د) 3 ويرى المجد أنّ هذا وهمٌ، وأنّ مكانها الصحيح (ل د ي) 4 فقال التَّادلي: (عبارة الجوهريّ في فصل الواو من باب الدّال: ولِدَة
1 الوشاح (على التّوالي) 39ب.
2 الوشاح (على التّوالي) 2ب-4ب.
3 ينظر: الصِّحاح 2/554.
الرّجلِ: تِرْبُهُ؛ والهاء عوض من الواو الذَّاهبة من أوّله؛ لأنّه من الولادة، وهما لدان، والجمع لِدَاتٌ ولِدُون.
وقال ابن فارس: واللِّدة نقصانه [الواو] لأنّ أصله [ولِدَةٌ]1.
وقال الزُّبيديّ: والولَدُ: الصَّبيّ، واللِّدَة: التِّرْبُ، والوليدة الأمة.
وقال صاحب (الضِّياء) 2: "وممّا ذهبت واوه فعُوِّض هاء اللِّجَةُ بمعنى الوُلُوج، ولِدَةُ الإنسان: من يولد معه في وقتٍ واحد، والجمع لِدَاتٌ. قلتُ: لا وجه لذكر اللِّدَة مع لدى. تأمّل ذلك"3.
والحقّ أنّ التَّادلي كان مصيباً في اعتراضه على المجد، وانتصاره للجوهريّ؛ لأمور منها:
الأوّل: أنّ أكثر العلماء على ما ذهب إليه الجوهريّ؛ وهو أنّ المحذوف من اللِّدَةِ الواوُ من موضع الفاء، وليس اللاّم؛ ومن هؤلاء: الخليل4، والزّمخشريّ5، والصَّغَانيّ6، وابن منظور7، والزَّبيديّ8.
الثّاني: عودة المحذوف إلى مكانه؛ وهو الفاء؛ في بعض تصانيف
1 في نص التّادلي بعض اضطراب، والتصحيح من المجمل4/937.
2 يعني علي بن نشوان في (ضياء الحلوم) .
3 الوشاح87ب.
4 ينظر: العين8/71.
5 ينظر: الأساس508.
6 ينظر: التكلمة (ودل) 2/363.
7 ينظر: اللّسان (ولد) 3/469.
8 ينظر: التَّاج (ولد) 2/540.
الكلمة؛ كالتّصغير؛ فقد حكى الصَّغانِيّ في روايته عن ابن السِّكّيت أنّ "من قال في جمع لِدَةٍ: لِدَاتٌ، قال في التّصغير: وُلَيدَاتٌ؛ ردّاً إلى الأصل، ومن قال: لِدُون قال: وُلَيْدُون. ومن العرب من يقول في تصغير لِدَات: لُدَيَّاتٌ على الغلط؛ يتوهّم أنّ نقصان: لِدَةٍ، من آخرها، ومن قال هذا قال في تصغير لِدُون: لُدَيُّون"1.
وكان الفيروزآباديّ ذكر (اللِّدَة) في (ول د) على الصّواب؛ خلافاً لما ذكره في (ل د ي) واستدلّ بالتّصغير2 - أيضاً. ولو تنبّه التَّادلي إلى هذا التّعارض في القاموس لكفاه.
الثّالث: أنّ سبيل العرب إذا حذفوا في أول الكلمة عوّضوا في آخرها؛ مثل: عِدَةٍ، وزِنَةٍ؛ وإذا حذفوا من آخرها عوّضوا في أوّلها؛ مثل: ابنٍ، واسمٍ3. ولمّا كان التّعويض في كلمة (لِدَةٍ) في آخرها دلّ على أنّ المحذوف كان من أوّلها. على أنّ هذه القاعدة ليست مطّردةً؛ فثَمَّةَ كلمات عُوِّضَ في آخرها، وكان المحذوف من آخرها –أيضاً؛ مثل: العِضَةِ، والشَّفَةِ.
وممّا تحامل فيه التَّادلي على صاحب (القاموس) ما في ثانيه نون ساكنة من رباعيٍّ أو خماسيٍّ؛ فقد اعتاد الجوهريّ أن يضع نحو: الخِنْصَرِ
1 التكلمة (ودل) 2/363.
2 ينظر: القاموس (ولد)417.
3 ينظر: الإنصاف1/8، 9.
والعَنْبَسِ والحِنْزَقْرِ - في أصول ثلاثيَّةٍ؛ جاعلاً النّون زائدة؛ وكان الفيروزآباديّ ينتقد الجوهريّ في تلك الأصول؛ ممَّا صحّ أنّه رباعيّ بأصالة النّون؛ ومثال ذلك ما قاله التَّادليّ في (القَنْبَر) 1 و (القِنَّسْرِ) 2 و (الهِنبرِ) 3 و (القُنْزَعَةِ) 4 وغيرها؛ فإنّه لم يعدم حجّة يردّ بها على الفيروزآباديّ؛ وهي –هنا كما يقول - أنّ (قاعدة الجوهريّ في النّون السّاكنة إن صحبت أكثر من أصلين ذكرها من مادّة الأصول [هكذا] أصليّة كانت؛ كجَنْدَلٍ في (ج د ل) وجُنْدُبٍ في (ج د ب) أو زائدة؛ كحَنْظَلٍ في (ح ظ ل)
…
وسَنْبَلَ الزَّرعُ في (س ب ل)) 5.
والحق أنّه لا عبرة بهذه القاعدة؛ إذ خالفت مقاييس اللّغة؛ فالعبرة بالقواعد المقرّرة عند جمهور العلماء، وقاعدتهم في النّون الثّانية السّاكنة في الرُّباعيّ أو الخماسيّ أنّها أصليّة حتّى يقوم دليل على زيادتها؛ لأنّك لا تجد أُمَّات الزّوائد في هذا الموضع - كما قال سيبويه6.
فكان يجدر بصاحب (الوشاح) إن أراد الإنصاف - أن يحكم بين الرّجلين وفق القواعد المقرّرة عند جمهور العلماء؛ لا وفق ما يراه أحدهما؛
1 ينظر: الوشاح44أ.
2 ينظر: الوشاح 44أ.
3 الوشاح 45أ.
4 الوشاح 50أ.
5 الوشاح44أ.
6 ينظر: الكتاب4/323.
على أنّ ما استنبطه التدليُّ لا يخلو من نظر؛ لأن الجوهريّ لم يخالف في هذه القاعدة، ألا ترى أنّه جعل هذه النّون أصلاً في اثنين وثلاثين جَذراً رباعيّاً1، وجعلها أصلاً في خمسة جذور خماسيّة2؟ وهذا ينقض ما احتجّ به التَّادلي.
ومن ذلك أنّ التَّادلي قد يردّ على المجد؛ منتصراً للجوهريّ في بعض الأصول الرباعيّة أو الخماسية؛ مثل: المُعَلْهَجِ؛ وهو: الأحمق اللّئيم، و (الطِّلَحْفِ) وهو: الشَّديد، و (الحُنْتَال) البُدِّ؛ فلا يخلو ردُّه من غرابة؛ وهو أنّه يرى أنّ بعض المعجميّين لا يعتدّون فيما زاد على الثّلاثيّ إلاّ بالحرف الأخير؛ فها هو يقول في ردّه على المجد في المُعَلْهَجِ:"وابن فارسٍ ذكره في باب ما زاد على ثلاثة أحرف، وذلك لا يقتضي زيادة الهاء فيه ولا أصالتها؛ لما سبق أنّهم لا يعتبرون فيما زاد على الثّلاثيّ إلاّ أصالة الحرف الأخير، ولهذا ذكروا: الهِبْلَعَ، والهِجْرَعَ في الرُّباعيّ مع الاتفاق على زيادتهما؛ لأنّهما من البَلْعِ، والجَرْعِ"3.
ولا ينفكّ يردّد هذه الفكرة؛ فقد قال في موضع آخر في ردّه على المجد في كلمة حُنْتَال: "والذي أوهم المجد كون مثل هذه الأوزان يذكرونها في باب الرُّباعيّ والخماسيّ؛ وقد تقدَّم أنّ العبرة عندهم في ذلك أصالة
1 ينظر: دراسة إحصائيّة لجذور معجم الصحاح73.
2 ينظر: دراسة إحصائيّة لجذور معجم الصحاح 91.
3 الوشاح 24ب.
الحرف الأخير لا غير"1.
ولا بدّ في الرّد على التَّادليّ في هذه المسألة من شيء من البسط؛ فأقول: إنّ أوّل ما يلحظ في كلامه التّعميم، والجمع بين نظامين مختلفين في مدرستي التقليبات والصدور (الأبتثية) ؛ ولا بدّ - هنا - من التّفريق؛ فأمّا التّقليبات فإنّ ما ذكره لا ينطبق عليها، ويكفي - هنا - أن أقول: إنّ ما ذكره التَّادليّ من أنّهم يضعون الكلمة في باب الرُّباعيّ أو الخماسيّ؛ ناظرين إلى أصالة حرفها الأخير فحسب كلام لا يقبله نظام هذه المدرسة؛ القائم على التّقليب؛ الَّذي لا يعتدّ بحرف أوّل أو آخر؛ فالحرف يدور؛ فما كان أوّلاً يعود آخراً، وما كان آخراً يعود أوّلاً. ثمّ إنّ نظرة سريعة تلقى على ما جاء في الرُّباعيّ وحده تكفي لنفي ما ذكره التَّادليّ؛ أليس من طريقتهم أنّهم يضعون نحو:(زُرْقُمٍ) و (سُتْهُمٍ) و (شَدْقَمٍ) في باب الرُّباعيّ، مع نصِّهم على أنّ الحرف الأخير في هذه الكلمات زائد؟
أمّا المدرسة الهجائيّة العاديّة فإنّ التّادليّ أشار فيها إلى معجمين: (المجمل) لابن فارس، و (المغرِب) للمطرِّزيّ؛ ولا يستطيع أحد أن يقول: إنّ ابن فارس وضع كلماته الرباعيّة أو الخماسيّة؛ ناظراً إلى أصالة الحرف الأخير فحسب؛ بل إنّ صنيعه كان عكس ذلك تماماً؛ إذ كان يعتدّ بالحرف الأوّل فحسب، وهو حرف الباب. بقي عمل المطرِّزيّ في (المغرِب) ويظهر أنّه هو أساس هذه الفكرة؛ الَّتي اقتبسها التَّادليّ وعمّمها، وقد نصَّ التّادلي عليه صراحةً في
1 الوشاح 63ب.
بعض المواضع؛ فقال: "وقد صرّح المطرِّزيّ بهذا الصّنيع من كونهم يعتبرون في الرُّباعيّ والخماسيّ أصالة الحرف الأخير؛ قال في خطبة المغرب 1: فقدّمتُ ما فاؤه همزةً، ثمّ ما فاؤه باءٌ حتّى أتيت على الحروف كلِّها، وراعيت بعد الفاء العين ثُمَّ اللاّم، ولم أراعِ فيما عدى الثّلاثيّ بعد الحرفين إلاّ الحرف الأخير الأصلي"2.
ولا شكّ أنّ هذا الَّذي ذهب إليه المطرِّزي يؤدّي إلى اختلال التّرتيب؛ لأنّه يهمل بعض الحروف الأصول، ولا يعتدّ بها؛ فلا سبيل محكماً فيه إلى ترتيب الكلمات الرّباعيّة والخماسيّة، الَّتي تساوت في الحرفين الأولين والحرف الأخير؛ مثل (ق س ط ل) و (ق س ط ب ل) وكذلك (خ ز ع ل) و (خ ز ع ب ل) . فمن غير المقبول - إذن - أن يردَّ التّادلي على الفيروزآباديّ، وينتصر للجوهريّ؛ مستدلاًّ بمنهجٍ غير منهجهما؛ لا يعتدّ بكلّ أصول الكلمة.
وثَمَّةَ مواضع مختلفة في (الوشاح) لم يخل ردُّ مؤلّفه فيها من تحاملٍ أو تعنّتٍ؛ ولعلّ من أبرزها أنّه وجد المجد ينتقد الجوهريّ لأنّه جعل (الهَمَلَّعَ) وهو: السَّريع من الإبل - في الثّلاثيّ (هـ ل ع) 3 ونصَّ المجد
1 ينظر: المغرب1/21.
2 الوشاح24أ.
3 ينظر: الصِّحاح 3/1308.
على أنّه رباعيّ 1؛ فقال التَّادليّ: (بل هو خماسيٌّ؛ إذا نظرت إلى أصول البنية؛ كما تقول في زَكَّى: رباعيّ؛ وهو ثلاثيّ في الرّسم؛ والجوهريّ قال: وأظنّ اللاّم زائدة ولم يجزم) 2 فقول التَّادليِّ: (بل هو خماسيٌّ
…
) لا داعي له في نقد الأصول البتَّة، وهو من المسلّمات؛ الَّتي لا تخفى على المبتدئين في علوم اللُّغة. وقد ذهب التَّادلي إلى أبعد من ذلك؛ حين زعم أنّ الفيروزآباديّ لا يعرف مواضع الزّيادة3.
وثَمَّةَ مواضع كان ردّ التّادلي فيها مبنياً على خطأ صريح، أو كان استنتاجه فيها غير صائب؛ كردّه في أصل (الدَّيْدَبُون) 4 وأصلِ (الشَّاصِلَّى)5.
وعلى الرّغمِ من هذه الهفوات فإنّ التّادليّ في (الوشاح) أبان عن دراية واسعة باللُّغة، وقدرةٍ طيّبةٍ في العرضِ والرَّدِ والاستدلال؛ ممَّا بوّأه مكانة مرموقة في النّقد المعجمي.
وبعد؛ فلعلّ فيما سقناه، في هذا الفصل، ما يكفي للإبانة عن أثر تداخل الأصول في النّقد المعجمي، وإسهامه في إثراء حركة التأليف
1 ينظر: القاموس (هملع)1003.
2 الوشاح 15أ.
3 ينظر: الوشاح 18ب.
4 ينظر: الوشاح 77أ، ب.
5 الوشاح 85أ، ب.
المعجمي؛ المتمثّلة في الرّدود والانتصارات والموازنات والتّعليقات والتّنبيهات ونحوها.
وقد تأكّد - في خلال هذا الفصل - كثرة التَّداخل في البناء الواحد، ولاسيَّما الثّلاثيّ، وشيوعه بين الثّلاثيّ والرّباعي، وقلته بين الرُّباعيّ والرّباعي، وندرته بين الخماسيّ والخماسي.
وبحساب متوسّط النِّسَب في الكتب السّتّة السّابقة نصل إلى النّتائج التّالية:
…
ابن بري
…
الصَّغانِيّ
…
الصّفدي
…
الفيروزآباديّ
…
داود زاده
…
التَّادلي
…
المتوسط
التَّداخل في البناء الواحد
…
82.85%
…
47.5%
…
70.85%
…
61.94%
…
68%
…
60.24%
…
66.896%
التَّداخل في البناءين
…
17.14%
…
52.5%
…
19.
14%
…
38.05%
…
32%
…
39.
75%
…
33.
096%