المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: داود زاده في (الدر اللقيط) - تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم - جـ ٢

[عبد الرزاق بن فراج الصاعدي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌تابع الباب الثالث

- ‌الفصل الثاني:‌‌ التداخل بين الثلاثي والخماسي

- ‌ التداخل بين الثلاثي والخماسي

- ‌المبحث الأوّل: تداخل الأصلين

- ‌المبحث الثّاني: تداخل ثلاثة أصولٍ

- ‌الفصل الثالث: التداخل بين الرباعي والخماسي

- ‌تمهيد الفصل الثالث

- ‌المبحث الأوّل: ما ثانيه نونٌ

- ‌المبحث الثّاني: ما ليس ثانيه نوناً

- ‌الباب الرابع: أسباب التداخل وأثره في بناء معاجم القافية

- ‌الفصل الأول: أسباب التداخل

- ‌الفصل الثاني: أثر التداخل في بناء معاجم القافية

- ‌(تمهيد) التداخل الذي لا يضر ببناء معاجم القافية

- ‌المبحث الأوّل: وضع الكلمة في غير موضعها

- ‌المبحثُ الثَّاني: وضع الكلمةِ في موضعين أو أكثر

- ‌المبحث الثّالث: تضخيم حجم معاجم القافية

- ‌الباب الخامس: أثر التداخل في النقد المعجمي

- ‌الفصل الأول: النقد المعجمي عن القدامى

- ‌(تمهيد) الفصل الأول

- ‌المبحث الأول: ابن برّي في (التنبيه والإيضاح)

- ‌المَبْحَثُ الثَّانِي: الصَّغَانِيُّ فِي (التَّكْمِلِةِ والذَّيْلِ والصِّلَةِ)

- ‌المبحث الثّالث: الصَّفَديُّ في (نفوذ السَّهمِ)

- ‌المبحث الخامس: داود زَاده في (الدُّرِّ اللَّقِيطِ)

- ‌المبحث السّادس: التَّادِلِيُّ في (الوِشَاحِ)

- ‌النقد المعجمي عند المتأخرين

- ‌تمهيد الفصل الثاني

- ‌المبحث الأوَّل: الشِّدياق في (الجاسوس على القاموس)

- ‌المبحث الثاني: حُسين نصّار في (المعجم العربي)

- ‌المبحث الثالث: آراء نقية أخرى

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس: داود زاده في (الدر اللقيط)

‌المبحث الخامس: داود زَاده في (الدُّرِّ اللَّقِيطِ)

لا يعدُّ محمّد بن مصطفى بن داود زاده؛ الشَّهير بـ (داود زاده) 1 والمتوفّى سنة 1031هـ - في علماء اللّغة المشهورين؛ ولا نكاد نعرف عنه سوى أنّه تولّى قضاء دمشق ومكّة المكرّمة، وأنّه فرغ من تأليف كتابه هذا في سنة 1027هـ وهو على رأس القضاء بدمشق، وأنّه أهداه إلى السّلطان عثمان خان2.

ويُعدُّ كتاب (الدُّرُّ اللَّقيط في أغلاط القاموس المحيط) من أظهر الكتب القديمة المتخصّصة في النّقد المعجميّ؛ وإن لم ينل شهرةً كافية تناسب مكانته بين مصنّفات اللّغة. وقد كان وراء تأليف هذا الكتاب

1 من مصادر ترجمته: الدر اللقيط (المقدمة) وكشف الظّنون2/1308، وهدية العارفين2/272، 273، ومعجم المؤلّفين12/30، وتاريخ الأدب العربي في العراق2/77.

وقد نشر الدّكتور إبراهيم السّامرائيّ في كتابه (رسائل ونصوص في اللّغة والأدب والتّاريخ) جزءاً يسيراً من (الدّرّ اللّقيط) اقتصر فيه على باب الهمزة، ولم يأت بجديد في التّعريف بالمؤلّف.

2 هو: السّلطان عثمان بن أحمد بن محمّد بن مراد، ويعرف بعثمان خان الثّاني، وتولّى السّلطة سنة 1027هـ، وخلع سنة 1032هـ وفيها قتل، ومن مصادر ترجمته: سمط النّجوم العوالي4/58، وسبائك الذّهب423، وتاريخ الدّولة العليّة العثمانيّة122.

ص: 935

عناية مؤلّفه بمعاجم العربيّة، وعلى رأسها: القاموس المحيط، فقد أراد أن يجمع الغلطات؛ الَّتي عزاها صاحب (القاموس) للجوهريّ؛ ليردَّ منها ما يُرَدُّ؛ منصفاً الجوهريَّ، ومؤيّداً الفيروزآباديَّ فيما أصاب فيه؛ فجاء الكتاب لطيفاً في حجمه، طريفاً في بابه، جامعاً لأكثر ما في القاموس من نقدٍ معجميٍّ في شتّى أنواعه.

تحليل النّقد المعجميّ عند داود زاده:

استخرج المؤلّف المواضع النّقديّة في (القاموس) وزاد عليها نحواً من عشرين موضعاً؛ فأربى ما فيه على عشرين وثلاثمائة موضع نقديٍّ. ومن الممكن القول إنّ العناصر النّقديّة في (الدّرّ اللّقيط) هي نفسها الَّتي في (القاموس المحيط) ومن أهمّها - بلا شكّ - نقد التّداخل. ويمكن الحديث عن هذا الجانب من خلال النّقاط التّالية:

أ- التّوزيع الإحصائي للنّقدات:

بلغت المواضع النّقديّة المخَصًّصة للتّداخل في (الدّر اللّقيط) خمسة وعشرين ومائة موضع1 وبلغ ما فيه من نقد التَّداخل في البناء الواحد

1 ينظر: الدّرّ اللّقيط (أبأ) 3أ، (أثأ) 4ب، (أشأ) 5أ، (ألأ) 5أ، (أثأ) 6أ، (أجأ) 6أ، (حبطأ) 6أ، (حفسأ) 7أ، (زأزأ) 9ب، (لألأ) 12أ، (قدأ) 11أ، (مقأ) 12ب، (نوأ) 13ب، (ورأ) 14أ، (تأب) 19أ، (تألب) 20أ، (تخرب) 21ب، (توب) 22أ، (ثيب) 25ب، (جيب) 26أ، (حنزب) 26أ، (حوب) 27أ، (دبب) 27ب، (ذلعب) 27ب، (زلعب) 28أ، (شيب) 28أ، (كرب) 31أ، (حنت) 35ب، (موت) 39أ، (ذحج) 41أ، (زرج) 41ب، (علهج) 42ب، (مذحج) 43أ، (قلح) 49أ، (فلح) 49أ، (نتح) 50أ، (ندح) 50أ، (أفخ53أ، (تنح) 53ب، (نوخ) 57أ، (أبد) 57ب، (أسد) 58أ، (بود) 59ب، (جسد) 60أ، (شدد) 66أ، (صرد) 67أ، (عجد) 69أ، (عدد) 69أ، (عنجد) 70أ،= = (قحد) 70ب، (قدد) 71أ، (قمحد) 73أ، (مقد) 74أ، (مأبد) 75ب، (جبذ) 78أ، (خنذ) 78ب، (لذذ) 79أ، (أمر) 80أ، (بصر) 83ب، (تمر) 84أ، (تور) 84ب، (حرر) 88أ، (سعر) 92أ، (صمعر) 96ب، (قمطر) 102ب، (قنبر) 103أ، (قنسر) 103أ، (كور) 103ب، (مطر) 104أ، (هير) 106أ، (زيز) 107أ، (عنقر) 108أ، (كزز) 108ب، (لجز) 108ب، (هرجس) 113أ، (شوش) 113ب، (ميش) 114أ، (حنفص) 114ب، (أرط) 118أ، (ضيع) 127أ، (قنزع) 128ب، (نبع) 129أ، (وزع) 131ب، (خصف) 134أ، (رقف) 135ب، (طحف) 137أ، (كرف) 139ب، (نوف) 143أ، (حلق) 145أ، (غرق) 149أ، (غرنق) 149أ، (نبق) 149ب، (لأك) 151ب، (بأدل) 153ب، (اضمحل) 158ب، (طهل) 159أ، (قعثل) 161ب، (كول) 161ب، (ندل) 162أ، (وأل) 162أ، (وول) 164، (ترجم) 166أ، (تلم) 166ب، (ددم) 170أ، (ديم) 170ب، (ريم) 170أ، (رجم) 170ب، (رحم) 171أ، (مرهم) 177أ، (رأم) 177أ، (ددن) 180ب، (طين) 182أ، (أبه) 183ب، (دبي) 190أ، (زوى) 191أ، (سيي) 193أ، (شصى) 194أ، (شكا) 194ب، (قنا) 196أ، (ليي) 197أ.

ص: 936

خمسة وثمانين موضعاً؛ اثنان وثمانون موضعاً للتداخل في الثّلاثيّ، وثلاثة للتّداخل في الرُّباعيّ. وبلغ التّداخل بين بناءين مختلفين أربعين موضعاً؛ تسعة وثلاثون موضعاً للتّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي، وموضع للتّداخل بين الثّلاثيّ والخماسي.

ص: 937

وفيما يلي نِسَبُ هذه الأنواع:

التَّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ

65.6 %

التَّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعيّ

03.4 %

التَّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعيّ

31.2 %

التَّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ

0.8 %

ويظهر من خلال هذه النِّسب التّقارب بين (الدُّرّ اللَّقيط) و (القاموس) ويكمن سبب الاختلاف بينهما فيما أضافه داود زاده من نقدٍ على ما في (القاموس) ككلامه في أصل (مُؤْتَةٍ) موضع بالشّام1 وأصلِ (حَرْوَةٍ) في قول القائل: إنّي لأجد لهذا الطّعام حَرْوَةً في فمي، أي: حرارةً ولَذْعاً2، وأصلِ (أَكَارَ) في قولهم: أكارَ الرَّجل؛ إذا أسرع في مشيته3 وأصلِ (المَاشِ) وهو حَبّ4 وكذلك أصلِ (الأوَّلِ) وهو ضدُّ الآخر5.

ويضاف إلى ذلك أنّ صاحب (الدُّرّ اللَّقيط) لم يأت على كلّ ما في (القاموس) من نقدٍ للأصول المتداخلة؛ فثمَّةَ مواضع أغفل ذكرها؛ منها ما جاء في الموادّ التّالية من القاموس: (هـ وأ) و (أر ب) و (ل

و

1 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 39أ.

2 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 88أ.

3 الدُّرّ اللَّقيط 103ب.

4 الدُّرّ اللَّقيط 114أ.

5 الدُّرّ اللَّقيط 163أ، ب.

ص: 938

ب) و (ج وث) و (ط ر ر) و (م ش ل ز) و (ع ن ظ) و (م هـ ع) و (ع ص ى)1.

ب- منهج داود زاده في النّقد المعجميّ:

صَدَّرَ المؤلّف كتابه بمقدّمة وجيزة؛ أبان فيها عن هدفه من تأليف الكتاب؛ وهو: جمع الأغلاط؛ الَّتي وجّهها المجد في (القاموس) لصاحب (الصِّحاح) كما أشرت من قبل، وسايرَ - في ترتيب موادّه - صاحب (القاموس) فجاء كتابه أشبه ما يكون بمعجم صغير على نظام القافية.

ولا يكاد يخرج منهجه في العرض الدّاخلي لكلّ مادّة عن إحدى طرق ثلاثٍ:

الأولى: أن يذكر نصّ الجوهريّ ثمّ يقفوه بما قاله الفيروزآباديّ من توهيمٍ؛ ملتزماً نصّهما، ويعقّب - بعد ذلك - بالنّقل عن بعض العلماء، وعلى رأسهم ابن برّي، وقد يأتي –بعد ذلك - بما يراه في المسالة 2.

الثّانية: أن يصدّر المادّة باعتراض الفيروزآباديّ، ثمّ يأتي بكلام الجوهريّ، وقد يقفوهما ببعض النّقول أو الآراء3.

الثّالثة: أن يورد اعتراض الفيروزاباديّ بنصّه؛ دون أن يذكر ما

1 ينظر: القاموس على التّوالي:73، 75، 173، 213، 553، 676، 900، 988، 1692.

2 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 19م، 22أ، 28أ، 31أ، 49أ، 53ب، 58أ، 59ب، 67أ.

3 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 5أ، ب، 6ب، 9ب، 12أ، 20أ، 21ب.

ص: 939

قاله الجوهريّ، أو أن يعقّب عليه بشيء1.

وتميّز داود زاده في أسلوبه في النّقد والاعتراض بعفّة القلم؛ إذا ابتعد عن عبارات التّجريح أو الغمز، ونحوهما.

ومن منهجه أنّه عُني ببيان ما وقع للفيروزآباديّ من تناقضات في الأصول فيما انتقده على الجوهريّ ووافقه فيه؛ كقوله معلّقاً على ما ذكره الفيروزآباديّ في مادّة (ج ي ب) 2 وأنَّ (جيب القميص) يائيّة العين: "كأنّه يريد به الرّدّ على الجوهريّ؛ حيث ذكره في مادة (ج وب) والعجيب أنّه ذكره في هذه المادّة - أيضاً"3.

ومنه أنّ الفيروزآباديّ قال في مادّة (ك ول) : "واكْوَأَلَّ اكْوِئلالاً: قصُر، وذِكْرُهُمَا في (ك أل) وهمٌ للجوهريّ"4 فعقّب عليه بأنّ الفيروزآباديّ وافقَ الجوهريَّ في (ك أل) من غير تنبيه عليه.

ومنه قوله معقّباً على نقد الفيروزآباديّ في مادّة (مَأْقِي العَيْن) 5: "والجوهريّ رحمه الله ذكره في مادّة (م أق) والعلاّمة الفيروزآباديّ

1 الدُّرّ اللَّقيط 6أ، 27ب، 28أ، 41أ، 43أ، 53ب، 57أ، 71أ، 73أ، 102ب، 103أ.

2 ينظر: القاموس90.

3 الدُّرّ اللَّقيط 26ب.

4 القاموس363.

5 القاموس 66.

ص: 940

- بعد ما ذكره هنا 1 - وافق الجوهريَّ هناك؛ فذكره غير منبّهٍ على خطئه"2. وقد كثر هذا عند داود زاده حتّى صار جزءاً بارزاً من منهجه3.

ومن منهجه: الحرص على الكشف عن مصادر الفيروزآباديّ في النّقد؛ لتمييز ما كان مسبوقاً فيه من غيره؛ كقوله معقّباً على نقدٍ لصاحب القاموس: "وقد سبقه بذلك الاعتراض الشّيخ ابن برّي، وذكره في (ميد) على ما سيجيء"4 وقد كثر هذا عنده - أيضاً5.

وبقي أن أشير إلى أنّه كان معنيّاً عناية ظاهرة بالإشارة إلى مصادره في نقده الأصول، وقد كاد أن يلتزم ذلك في كلِّ ما ذكره. ومن أظهرها (المقاييس) و (المجمل) لابن فارس6، و (التّنبيه والإيضاح) لابن

1 أي في (م ق أ) .

2 الدُّرّ اللَّقيط 12ب، 13أ.

3 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 5أ، ب، 6ب، 7أ، 11أ، 12ب، 13أ، 20أ، 21ب، 22أ، 26أ، 27أ، 41ب، 58أ، 69ب، 148ب، 149أ، 161ب، 171أ، 196ب.

4 الدُّرّ اللَّقيط 57ب.

5 الدُّرّ اللَّقيط: 4ب، 57ب، 103أ، 104أ، 129أ، 149ب، 151ب، 162أ، 164أ، وغيرها.

6 الدُّرّ اللَّقيط 20 أ، 36أ، 41ب، 53أ، 58أ، 69ب، 84أ، وغيرها.

ص: 941

برّي1، و (تهذيب الأسماء واللّغات) للنّووي2، و (مختار الصّحاح) للراّزي3، و (الرَّاموز) لمحمّد بن السيد حسن4، و (القول المأنوس) للقرافي5.

ج- نقداته في الميزان:

إنّ كثيراً ممَّا أثاره صاحب (الدُّرّ اللَّقيط) من انتقادات واعتراضات على صاحب القاموس، كان فيه بعيداً عن التّحامل معتدلاً فيما ذهب إليه، أو كان فيه على رأي راجح6. ويدخل في هذا السّياق أخذه على صاحب (القاموس) تحميرَهُ مادّةً غير مهملة في (الصِّحاح) وهي مادّة (ق وح) 7 وذكر فيها قولهم: قاحة الدّار: ساحتها، وقد ذكرها الجوهريّ في مادّة (ق ي ح) 8 فلا وجه لتحميرها9.

ويعدّ نقده فيما ناقض الفيروزآباديّ نفسه فيه، ممَّا أشرت إليه من

1 الدُّرّ اللَّقيط 4ب، 11ب، 57ب، 103أ، 104ب، 129ب، 149ب، 151ب، 162أ، وغيرها.

2 الدُّرّ اللَّقيط 35ب، 36أ، 166أ، ب، وغيرها.

3 الدُّرّ اللَّقيط 81 ب، وغيرها.

4 الدُّرّ اللَّقيط 66أ، 67ب، وغيرها.

5 الدُّرّ اللَّقيط 79أ، 100ب، 10أ، وغيرها.

6 الدُّرّ اللَّقيط 12أ، 14أ، ب، 22أ، 24ب، 36أ، 59ب، 60أ، 66أ، وغيرها.

7 ينظر: القاموس303.

8 ينظر: الصِّحاح 1/398.

9 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 49أ، ب.

ص: 942

قبل من أبرز الجوانب النّقديّة؛ الَّتي لم يكن على صاحب (الدُّرّ اللَّقيط) فيها مدخل للطّعن.

وقد حالف التّوفيق داود زاده في أكثر المواضع التي نافح فيها عن الجوهريّ أو وَجَّهَ فيها كلامه نحو الصّواب، وهي كثيرة جدّاً، أذكر منها مثالين:

المثال الأوّل: وهَّمَ الفيروزآباديُّ الجوهريَّ في قوله: "جاءاني على (فَاعَلني) فجئته أجيئه؛ أي: غالبني بكثرة المجيء فغلبتُه"1 فقال الفيروزآباديّ: (جاءاني وَهِمَ فيه الجوهريّ؛ وصوابه: جايأني؛ لأنّه معتلّ العين مهموز اللاّم، لا عكسه"2 فدافع صاحب (الدّرّ) عن الجوهريّ، وخرّج قوله على القلب؛ وذكر أنّ له مثيلاً في الحديث النّبويّ الشّريف3.

وما ذهب إليه زاده وجهٌ؛ فقد رواه ابن سيده مطابقاً لرواية الجوهريّ، وذكر أنّ القياس فيه: جَايأني 4، ولذ ذكر الزَّبيديّ أنّ ما ذكره الفيروزآباديّ هو القياس، وما قاله الجوهريّ هو المسموع عن العرب5؛ فلا وهمَ فيه - حينئذٍ.

1 الصِّحاح (جيأ) 1/42.

2 القاموس (جيأ)46.

3 الدُّرّ اللَّقيط 6أ.

4 ينظر: المحكم7/397.

5 ينظر: التَّاج (جيأ) 1/54.

ص: 943

المثال الثّاني: وهّم الفيروزآباديّ الجوهريَّ في أصل كلمة (فَارَةِ المِسْكِ) وذكر أنّ الصّواب إيرادها في (ف ور) لفوران رائحتها1 وليس (ف أر) كما فعل الجوهريّ2، فقال زاده: "الفأرة هي الحيوان المعروف، وجمعها فئران، وفأرة المسك نافجته، وهي وعائه

وقد غلط من قال من الفقهاء وغيرهم: إنّ الفارة لا تهمز، وفرّق بين فارة المسك وغيرها من الحيوان، بل الصّواب أنّ الجميع مهموز، وتخفيفه بترك الهمز، كما في نظائره، كراسٍ وشبهه"3 وذكر أنّ ابن مالك جمع بين الفارتين في الهمز4.

ولم يكن أمر الدِّفاع عن الجوهريّ ليحجب عن صاحب (الدُّرّ اللَّقيط) ما في (الصِّحاح) من خطأ أو خلاف المشهور في الأصول فثَمَّة مواضع وافق فيها صاحب (القاموس) وأيّده فيما انتقده؛ كحديثه في كلمة (جَبَذَ) وأنّها ليست مقلوبة من (جذب) 5 بل أصل مستقلٌّ برأسه؛ خلافاً للجوهريّ، فأيده زاده، وعضد قوله بقول الحريري6.

ومنه دفاعه عن الفيروزآباديّ؛ الَّذي انتقد الجوهريّ في أصل

1 ينظر: القاموس (فأر)583.

2 ينظر: الصِّحاح (فأر) 2/777.

3 الدُّرّ اللَّقيط 100ب، 101أ.

4 ينظر: إكمال الإعلام2/473.

5 ينظر: القاموس (جبذ)423.

6 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 78أ، ب، وينظر: رأي الحريري في درّة الغوّاص 254.

ص: 944

(النَّيّف) وهو (ن وف) وليس (ن ي ف) 1 وقد أشار زاده إلى اعتراض محمّد بن السّيد حسن في (الرَّاموز) بأنّه يشكل على هذا قولهم: نَيَّفَ على الخمسين؛ إذ لو كان واويّاً لكان ينبغي أن يقال: نَوَّف، فردّ عليه منتصراً للفيروزآباديّ؛ فقال:"لا إشكال؛ لمَِلا يجوز قلب الواو ياء على جهة التّخفيف على حدّ قولهم: صوَّان وصيّان، وطُوَال وطِيَال"2.

وثَمَّةَ مواضع نقديّة لم يحالفه الصّواب فيها؛ كانتقاده الفيروزآباديّ لتوهيمه الجوهريّ في أصل (الدَّيدَبُون) وأنّه (د د ب) 3 فنقل داود زاده أنّ أصل هذه الكلمة (د ب ن) عند ابن برّي 4 وأنّ وزنها (فَعْلَلُول) عند أبي عليّ الفارسيّ5. فإن صحّ ما ذهب إليه أبو علي فإنّها رباعيّة وأصلها (د د ب ن) والحقّ أنّ الكلمة تحتمل ثلاثة أصول؛ كما تقدَّم6 وأنّ ما ذكره الفيروزآباديّ هو الأقرب إلى أصل هذه الكلمة، فهي مثل (القَيْقَبَان) 7 من (ق ق ب) .

1 ينظر: القاموس (نوف)1110.

2 الدُّرّ اللَّقيط 143ب.

3 ينظر: القاموس1543.

4 ينظر: اللّسان (دبن) 13/146.

5 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 180ب.

6 ينظر: ص (816) من هذا البحث.

7 القبقبان: خشب تعمل منه السّروج، وينظر: اللّسان (ققب) 1/685.

ص: 945

ومن ذلك خطؤه في تقدير موضع الاعتراض عند الفيروزآباديّ حين يأتي بما ليس له علاقة بنقده، كقوله في مادة (ث ي ب) :(ثيبان ككَيْزَان اسم كُورة) 1 فهذه الجملة لا تدخل في اعتراض الفيروزآباديّ؛ لأنّ نقده موجّه لما جاء بعدها؛ وهو (الثّيّب) وما تلاه2.

1 الدُّرّ اللَّقيط 25ب.

2 ينظر: القاموس (ثيب)82.

ص: 946