الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
(34)}
استشكل أبو حيان ترتيب يستقدمون جوابا للشرط بأنه أمر بديهي ظاهر؛ وتقديره أنهما شرطان وجوابان حسبما تقرر في المنطق أن الشرطية تتعدد بتعدد تاليها، وأجاب بأن الشرط أمر تقديري وليس بوجودي فيصح ترتيبه عليه بهذا الاعتبار.
قال: أو يجاب بأن العطف للتسوية، أي كما تعلمون أنتم لَا يستقدمون عليه؛ كذلك فاعلموا أنهم لَا يستأخرون عنه.
قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
…
(35)}
قيل: المراد ببني آدم هذه الأمة، والرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وجمعه لاختلاف حالاته، كما قال الشاعر: أنشده [الآبذي] في شرح الجزء عليه:
[فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها
…
يمينا ومهوى النّسر من عن شمالك*]
فإن قلت: إتيان الرسل محقق فهلا عبر بـ إذا؟، قال: فعادتهم يجيبون بأنه إشارة إلى مذهب أهل السنة في أصل بعثه الرسل أنها محض تفضل من الله تعالى، فإن ذلك ممكن جائز وليس بواجب وزيادة فأشار إلى وقوع ذلك وتحققه.
قوله تعالى: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ).
التقوى راجعه إلى اجتناب المنهيات والاصطلاح لامتثال المأمورات، ومن موصول الأجواب الأشرطية؛ لأنها لَا تقتضي وقوع الشيء لَا إمكان وقوعه.
قوله تعالى: (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
إن قلت: لم نفى الخوف بالاسم، والحزن بالفعل؟ فأجاب ابن عرفة بوجهين:
الأول: متعلق الحزن ماض، ومتعلق الخوف مستقبل والأمور المستقبلة أكثر من الأمور الماضية فأشبهت غير المتناهي ألا ترى أن الإنسان يخاف العذاب في الدنيا وفي الآخرة، وأمر الآخرة غير متناه لأنه بدخول الجنة يذهب عنه الخوف دائما.
الثاني: أن سبب الخوف يمكن دفعه والتحرز منه؛ لأن متعلقه مستقبل، وسبب الحزن لَا يمكن رفعه والماضي لَا يرتفع.
قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
…
(37)}
قال ابن عرفة: هذه الآية إذا كانت في النزول متصلة بما قبلها فالفاء للاستئناف، وعلى الأول في الآية التفات بالخروج من التكلم إلى الغيبة؛ وهذا إن أريد
أنه أظلم منِ غيره على سبيل العموم فيكون مخصوصا، بقوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).
قال ابن عرفة: وكان بعضهم يرد على الجاحظ بهذه الآية، في قوله: إن الكذب إنما يطلق على من تعمده؛ فدلت الآية على أن من أخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه ناسيا فهو كذب، وإن كان عامدا فهو افتراء وأجيب بالفرق بين مطلق الكذب وافتراء الكذب؛ وهو أن من أخبر بمجيء زيد وهو معتقد أنه لم يجئ وصادف في نفس الأمر أنه جاء فليس مفتر بالكذب ولا يسمى كاذبا بوجه؛ كمن حلف عليه بالطلاق أنه قد جاء معتقدا أنه لم يجئ وقد صادف أنه جاء.
قوله تعالى: (أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ).
يحتمل أن يرجع إليهم بمعنى أنهم تارة يقولون على الله ما لم يقله، فيقولون: حرم علينا السائبة والوصيلة والحام، وتارة ينسبون إليه ما هو منزه عنه؛ كجعلهم له شريكا، ونسبتهم إليه الولد؛ فهذا افتراء الكذب، ذكره الفخر.
وتارة يكذبون بالآيات والمعجزات الظاهرة على يد رسوله وهذا تكذيب، ويحتملِ أن تكون الآية خرجت مخرج الإنصاف، كقوله تعالى:(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) فالمعنى: قل لهم يا محمد إن كنت أنا مفتريا على الله فلا أَظلم مني، وإن كنت صادقا وأنتم تكذبون بي فلا أظلم.
قوله تعالى: (أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ).
قالوا: المراد بذلك الأصنام.
ابن عرفة: وكان بعضهم يقول: يحتمل أن يريد به كل ما يشتمل عن الطاعات من الشهوات والأمور الدنيوية، كما قال تعالى (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا).
وقال تعالى (وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
إشارة إلى أن أعمالهم الدنيوية تذهب عنهم فلا يجدون لها أثرا بخلاف الأعمال الصالحة.
قوله تعالى: (وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِم).
إن أريد شهادة بعضهم على بعض فهذه شهادة حقيقية، وإن أريد واحد منهم يشهد على نفسه فهو إقرار وليس بشهادة لاستلزامه العقوبة.