الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عرفة: عدا الأول بإلى، والثاني باللام؛ لأن إلى للغاية تقتضي أنها ما قبلها عندها ومخالفته لما بعد، واللام للملك فالله تعالى يملك الحق ويمنحه ويعطفه ويخلقه في قلوبهم، فهدى له كله، والشركاء لَا يملكون شيئا، فعلى تقدير أن تكون لهم الهداية إنما يعدون الطريقة ولمبادئه ومقدماته فقط، قيل لابن عرفة: يبطل هذا بقوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) فقال: هذا تنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأن الشركاء لَا يهدون لحق بوجه، فمعناه إذا كان الذي يهدي لمقدمات الحق وأوائله أحق بالاتباع ممن لَا يستطيع شيئا بوجه، فأحرى أن لَا يكون الذي منح الحق كله، ويعطفه ويخلقه في قلوبكم أحق بالاتباع.
قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا
…
(36)}
مصدر مولد للفعل المنفي فهو نفي أخص ولا نفي أخص.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ).
ولم يقل: بما يعملون؛ والعمل أبلغ ألا ترى أنهم قالوا في حديث الأعمال بالنيات يستثنى منه النية، وهي القصد إلى النظر، والنظر قبلوا النية عملا.
وأجيب بأنه إشارة إلى تعنتهم وأن حقهم إظهار الحق وفعله.
قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ
…
(38)}
ابن عطية: هي دليل لمن يقول بالصرفة.
ابن عرفة: ومعنى الصرفة أن تقول دليل كرامتي أني أقوم من هناك إلى هنا وتعجزون أنتم عن ذلك، فحاصله أن تعجزهم عن شيء هو من مقدورهم.
وعين الصرفة مثل أن يقول: دليل كرامتي استطاعتي؛ أثبتها المعتزلة، ونفاها أهل السنة.
قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ
…
(39)}
الزمخشري: أي بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن وفاجئوه في بديهة السماع قبل أن يفقهوه.
قوله تعالى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ).
معناه أنه غير قابل لأن يكون مفترى، وأن يفترى مقدر بالمصدر؛ أي كان ذا افتراء، وما كان افتراء بمعنى مفترى، مثل: قتلته صبرا أي مصبورا، مثل: قال ابن عرفة: وتقدمنا فيها سؤال وهو أن ظاهر الآية أنه لم يكن مفترى على غير الله تعالى،
وفرق بين قولك: هذا افتراء على فلان، أو هذا افتراء من غير فلان، فمعنى الآية أنه افتراء على الله، أي ليس المعنى أنه افتراء غير الله؛ فإِذا كان المعنى ما كان لأن يفتريه غير الله فمفهومه أن غير الله نقوله من غير افتراء، وهذا ممكن، وإنما المعنى ما كان لأن يفتري من غير أمر الله فمفهومه أنه يكون مفترى بأمر الله، وهذا المفهوم غير موجود لاستلزامه التناقض؛ لأنه من حيث كونه مفترى فهو لذنب على الله فكيف يكون بأمر الله. فيكون كما قالوا في قوله تعالى:(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا).
قوله تعالى: (وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ).
ابن عرفة: التفضيل إما راجع للكتب السابقة؛ فيرجع التصديق إلى ما أخبر به من الأمور المستقبلة كأشراط الساعة وغيرها، وإما أن يراد بالتفضيل أنه معجزة تتضمن الأحكام الاعتقادية فتوافق الكتب السالفة في أحكامها الاعتقادية لَا الشرعية؛ لأن الشرائع مختلفة وأحكام الاعتقاد متحدة.
قوله تعالى: (لَا رَيبَ فِيهِ).
أي عند من أنصف ونظر النظر السديد فأدرك أنه لَا ريب فيه.
قال أبو حيان: والاستدراك هنا في لكن على أصلها؛ لأنها بين متناقضين.
ابن عرفة: فإن قلت: بل هي بين متماثلين؛ لأنه إذا لم يكن مفترًى فهو مصدق لما بين يديه، فالجواب: أن الثناء باعتبار نفس الفعلين لَا بين الجملتين، كقولك: ما تحرك زيد لكن سكن.
قوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).
وفي البقرة (مِن مِثلِهِ) فالمثلية هنا راجعة للقرآن، وهناك للشخص الآتي.
قال ابن عطية: السورة مأخوذة من سورة النبأ وهي في القرآن القطعة التي لها مبتدأ وبها ختم ابن عرفة، وكذلك الكلمة؛ والصواب: أنها القطعة التي لَا يصدق اسمها إلا على جملتها، ابن عرفة: والإعجاز في الكتب السالفة وقع بجملة كل كتاب منها، والإعجاز في القرآن وقع بكل آية منه.
ابن عرفة: وذكر ابن عطية هنا أن الإعجاز وقع بالكلام القديم الأزلي وهو باطل؛ لأن المعجزة من شروطها الحدوث. فكيف يقول: وقع الإعجاز بالمعاني من الغيب
لما مضى، ولما يستقبل؛ لأنه معلوم أنهم لَا يقدرون على ذلك، وكذلك قال الشاطبي في قوله تعالى:(وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ)[**ومن يقل بعلوم الغيب]، قلت: وأثبته [
…
]، لأنه فرق بين تكليف ما لَا يطاق وبين الإعجاز بتكليف ما لَا يطاق؛ فلم يعجزوا أصلا بالإتيان بمثل الكلام القديم الأزلي؛ لأنه ليس في قدرتهم ذلك بوجه؛ ولأن المعجزة من [شرطها*] الحدوث، فلو علله بكون المعجزة من شرطها الحدوث لصح له ذلك.
فكلام الشاطبي مثل كلام ابن عطية هنا؛ لأن الشاطبي فهم أن المراد فأتوا بكلام قديم أزلي من عند الله، كما أتى القرآن من عنده فأبطله الشاطبي بأنه من تكليف ما لا يطاق.
قال ابن عرفة: وهو ضعيف؛ لأن تكليف ما لَا يطاق عادة عندنا جائز، فكيف يبطله؟! فإنه من تكليف ما لَا يطاق، وفرق بين التكليف بالحال وبين إلزام الحال.
قوله تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
الزمخشري: بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن، وفاجئوه في بداهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا [كنه*] أمره، وذلك لفرط نفورهم مما يخالف دينهم وخروجهم عن دين آبائهم كالناشئ على التقلد من الحشوية.
قيل لابن عرفة: الحشوية هم الحنابلة، والزمخشري حنفي.
ابن عرفة: الحشوية عندهم المخالفون لمذهبه، وعندنا هم المجسمة القائلون بالجثة والمكان، قلت: وفي تلبيس إبليس [لابن الجوزي*] الحشوية طائفة من المرجئة [قالوا بوجوب*] النافلة كالفريضة (1)، وانظر ما قيدت في سورة النمل في قوله تعالى:(قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا) ابن عرفة: وتكذيب الإنسان بما لم يعلم أشد؛ فنجا من تكذيبه بما علم، قدمهم أولا على التكذيب بما علموا ثم أضرب عنه بكونهم كذبوا به قبل العلم به، قال: وكان بعضهم يأخذ من الآية مطلبين أحدهما: أنه لَا يجوز لأحد أن ينكر علما من العلوم فلا يكذب به من يعلمه.
الثاني: إذا بحث ذاك فلا يرد عليه حتى يكرر كلامه ليعلم منه أنه فهمه، وحينئذ يقبل منه الجواب عنه؛ لأن الرد عليه تكذيب له وإبطال.
قوله تعالى: (وَلَمَّا يَأتِهِم تَأوِيلُهُ) أي لم يعلموه من حيث ليكمله لرجل لم يقرأ علم الفلسفة ولكن يعلم خاصيته؛ وهو أن من خصائصه نسبة التأثير لغير الله عز وجل
(1) النص في التلبيس هكذا:
"وانقسمت المرجئة اثنتي عشرة فرقة التاركية قالوا ليس لله عز وجل على خلقه فريضة سوى الإيمان به فمن آمن به وعرفه فليفعل ما شاء والسائبية قالوا إن الله تعالى سيب خلقه ليعملوا ما شاءوا والراجية قالوا لا نسمي الطائع طائعا ولا العاصي عاصيا لأنا لا ندري ما له عند الله والشاكية قالوا إن الطاعات ليست من الإيمان والبيهسية قالوا الإيمان علم ومن لا يعلم الحق من الباطل والحلال من الحرام فهو كافر والمنقوصية قالوا الإيمان لا يزيد ولا ينقص والمستثنية نفوا الاستثناء في الإيمان والمشبهة يقولون لله بصر كبصري ويد كيدي والحشوية جعلوا حكم الأحاديث كلها واحدا فعندهم إن تارك النفل كتارك الفرض والظاهرية وهم الذين نفوا القياس والبدعية أول من ابتدع الأحداث في هذه الأمة. اهـ (تلبيس إبليس. 31).