الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد أن قال الحق سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم َ: {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} [طه: 130] حذره أن ينظر إلى هؤلاء الجبابرة والمعاندين على أنهم في نعمة تمتد عينه إليها. ومعنى مَدِّ العين ألَاّ تقتصر على مجرد النظر على قَدَر طاقتها، إنما يُوجهها باستزادة ويوسعها لترى أكثر مما ينبغي، ومَدُّ العين يأتي دائماً بعد شغل النفس بالنعمة وتطلّعها إليها، فكأن الله يقول: لا تشغل نفسك بما هم فيه من نعيم؛ لأنه زهرة الدنيا التي سرعان ما تفنى.
وقوله: {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ} [طه:
131]
الأزواج لا يُراد بها هنا الرجل والمرأة، إنما تعني الأصناف المقترنة، كما في قوله تعالى:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25] .
كل واحد له شيطان يلازمه لا يفارقه. هذه هي الزوجية المرادة، كذلك في قوله تعالى:{قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51] .
والزَّهْرة إشارة إلى سرعة النهاية والحياة القصيرة، وهي زَهْرة لحياة دنيا، وأيّ وصف لها أقل من كَوْنها دنيا؟ وهذا الذي أعطيناهم من متاع الدنيا الزائل فأخذوا يزهُون به، ما هو إلا فتنة واختبار {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: 131] .
والاختبار يكون بالخير كما يكون بالشر، يقول تعالى:{وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] .
ويقول تعالى: {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ} [الفجر: 15] .
ويشكر أنه عرفها لله {وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ} [الفجر: 16] .
وهنا يُصحِّح لهم الحق سبحانه هذه الفكرة، يقول: كلاكما كاذب في هذا القول، فلا النعمةَ دليلُ الإكرام، ولا سلبها دليلُ الإهانة:{كَلَاّ بَل لَاّ تُكْرِمُونَ اليتيم وَلَا تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً} [الفجر: 1719] .
فهَبْ أن الله أعطاك نعمة ولم تُؤَدِّ شكْرها وحقَّها، فأيُّ إكرام فيها؟
ثم يقول تعالى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى} [طه: 131] أي: