الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب سيعرف أنه منه، وإذا كنا نحن الآن نسجل على خصومنا أنفاسهم وكلماتهم، أتستبعد على من علمنا ذلك أن يسجل الأنفاس والأصوات والحركات بحيث إذا قرأها الإنسان ورآها لا يستطيع أن يكابر فيها أو ينكرها.
وقوله سبحانه: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً} [مريم: 79] أي: يزيده في العذاب، لأن المد هو أن تزيد الشيء، ولكن مرة تزيد في الشيء من ذاته، ومرة تزيد عليه من غيره، قد تأتي بخيط وتفرده إلى آخره، وقد تصله بخيط آخر، فتكون مددته من غيره، فالله يزيده في العذاب.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ}
أي: في حين ينتظر أنْ نزيدَه ونعطيه سنأخذ منه {وَنَرِثُهُ} [مريم:
80]
أي: نأخذ منه كما في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40] .
وقوله: {وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين} [القصص: 58] .
فكأن قوله تعالى: {وَنَرِثُهُ} [مريم: 80] تقابل قوله: {لأُوتَيَنَّ مَالاً} [مريم: 77] وقوله تعالى: {وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم: 80] تقابل {وَوَلَداً} [مريم: 77] ، فسيأتينا من القيامة فَرْداً، ليس معه من أولاده أحد يدفع عنه.
ثم يقول الحق سبحانه: {واتخذوا مِن دُونِ الله}
آلهة: جمع إله، وهو المعبود والرب الذي أوجدك من عَدَم، وأمدّك من عُدْم، وتولاّك بالتربية، فعطاء الألوهية تكليف وعبادة، وعطاء الربوبية نِعَم وهِبَات. إذن: فمَنْ أَوْلى بعبادتك ومَنْ أحقّ بطاعتك؟
هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله آلهة من شمس، أو قمر، أو حجر، أو شجر، بماذا تعبَّدتكم هذه الآلهة؟ بماذا أمرتكم؟ وعن أي شيء نهتْكُم؟ وبماذا أنعمتْ عليك؟ وأين كانت وأنت جنين في بطن أمك؟
إن أباك الذي رباك وأنت صغير وتكفَّل بكل حاجياتك، وأمك التي حملتْك في بطنها وسهرتْ على راحتك، هما أوْلَى الناس بطاعتك، ولا ينبغي أنْ تُقدِّم على أمرهما أمراً. أما أنْ يستحوذَ عليك آخرون، ويكون لهم طاعتك وولاؤك دون أبويْك فهذا لا يجوز وأنت في رَيْعان شبابك وأَوْج قوتك.
لذلك، من أصول التربية أنْ يُربّي الآباء أبناءهم على السمع والطاعة لهم، ونُحذِّرهم من طاعة الآخرين خاصة غير المؤتمنين على التربية، من العامة في الشارع، أو أصدقاء السُّوء الذين يجرُّون الأبناء على مَا لا تُحمد عُقباه.
والآن نُحذّر أبناءنا من السَّيْر مع شخص مجهول، أو قبول طعام، أو شراب منه. وما نراه في عصرنا الحاضر يُغني عن الإطالة في هذه المسالة. هذه إذن مناعة يجب أنْ تُعطَى للأبناء، كالمناعة ضد الأمراض تماماً.
وهكذا الحالُ فيمَنْ اتخذوا من دون الله آلهة وارتاحوا إلى إله لا تكليفَ له ولا مشقةَ في عبادته، إله يتركهم يعبدونه كما يحلو