الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكنا نأخذها على الشيخ عبد الباري، فَمنْ أراد أنْ يغيظه قال:(إنك من تدخل النار. .) ويسكتْ!!
فشاء الله تعالى أن يتعرض كُلُّ منا لموقف مشابه يُؤْخَذ عليه، وقد أُخِذ عليَّ مثلُ هذا حين قرأت دون أنْ أُصحِّح اللوح أول سورة الشورى:(حم عسق) وقد سبق لي أن عرفت (حم) لكن لم يمر بي (عسق) فقرأت: (حم عَسَقَ) بالوصل، فصار الشيخ عبد الباري كلما قلت له: (إنك من تدخل النار
…
.) يقول: (حم) .
فقلنا سبحان الله:
مَنْ يَعِبْ يَوْماً بشَيْء
…
لَمْ يمُتْ حتَّى يَرَاهُ
إذن: فقول هؤلاء: {رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى} [طه: 134] تمحُّك منهم: لو أرسلت لنا رسولاً لاتبعناه من قبل أنْ نذلّ في الدنيا هزيمةً، أو أَسْراً، أو قَتْلاً، ونخزى في الآخرة بفضيحة علنية على رؤوس الأشهاد.
التربُّص: التحفُّز لوقوع شيء بالغير، تقول: فلان يتربص بي يعني: يلاحظني ويتابعني، ينتظر مني هَفْوة أو خطأ، فقوله:{قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ} [طه:
135]
فكُلٌّ مِنَّا يتربص بالآخر، لأننا أعداء، كل منا ينتظر من الآخر هفوة ويترقب ماذا يحدث له.
وقد أوضح سبحانه وتعالى توجيهات التربُّص منه ومنهم في آية أخرى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَاّ إِحْدَى الحسنيين} [التوبة: 52] .
ماذا تنتظرون إلا إحدى الحُسْنيين: إما أن نموت في قتالكم شهداء، أو ننتصر عليكم ونُذِلكم، فأيُّ تربُّص يحدث شرف لنا، إما النصر أو الشهادة، فكلاهما حُسنْى، ونحن نتربّص بكم أنْ يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا، فكلاهما سوءة.
وما دام الأمر كذلك فتربَّصُوا بنا كما تحبون، ونحن نتربص بكم كما نريد؛ لأن تربصنا بكم يفرحنا، وتربصكم بنا يُؤلمكم ويُحزنكم.
ومعنى {قُلْ} [طه: 135] هنا أن القول {كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ} [طه: 135] ليست من عند محمد، فليس في يده زمام الكون ولا يعلم الغيب، فهو قَوْل الله الذي قال له (قل) يا محمد {كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ} [طه: 135] .
إذن: قيلتْ مِمَّن يملك أَزمّة الأمور وأعنّتها، ولايخرج شيء عن مراده تعالى، وربما لو قُلْت لكم من عندي تقولون: كلام بشر لا يملك من الأمور شيئاً. إذن: خذوها لا بمقياس كلام البشر، إنما بمقياس مَنْ يملك زمام أقْضية البشر كلها.
ثم يقول تعالى: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصراط السوي وَمَنِ اهتدى} [طه: 135] متى سيحدث هذا؟ ساعةَ تقوم الساعة حيث الانصراف، إما إلى جنة، وإما إلى نار، ساعتها ستعلمون مَنْ أصحاب الصراط السوي: نحن أمْ أنتم؟ لكنه سيكون عِلْماً لا ينفع ولا يُجدي، فقد جاء بعد فوات الأوان، جاء وقت الحساب لا وقت العمل وتلافي الأخطاء.
إنه عِلْم لا يترتب عليه عمل ينجيكم، فقد انتهى وقت العمل، وهكذا يكون عِلْماً يُزيد حسرتهم، ويُؤذيهم ولا ينفعهم.
والصراط: الطريق المستقيم. والسَّويّ: المستقيم الذي لا عِوَجَ فيه ولا أَمْت.
وقال بعدها {وَمَنِ اهتدى} [طه: 135] لأنه قد يوجد الصراط السويّ، ولا يوجد مَنْ يسلكه، فالمراد: الصراط السَّوي ومَن اهتدى إليه وسلَكه.
وقد يظن ظانٌّ أن مسألة التربُّص هذه قد تطول، فيقطع الحق سبحانه هذا الظن بقوله في سورة الأنبياء الآتية بَعدْ:{اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1] .
وهكذا تنسجم السُّورتان، ويتصل المعنى بين الآيات.