الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخبر الحق سبحانه رسوله بما سيكون، وأن القوم لن يتركوا هذه الآية، إنما سيتعرضون لها بالإيذاء، فقال:{وَلَا تَمَسُّوهَا بسواء} [الشعراء:
156]
لكنهم تعدَّوْا مجرد الإيذاء والإساءة فعقروها.
ثم يتوعدهم: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 156] .
ثم يقول الحق سبحانه: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ}
قال (عقروها) بصيغة الجمع، فهل اشتركتْ كل القبيلة في عَقْرها؟ لا بل عقرها واحد منهم، هو قدار بن سالف، لكن وافقه الجميع على ذلك، وساعدوه، وارتضوا هذا الفعل، فكأنهم فعلوا جميعاً؛ لأنه استشارهم فوافقوا.
{فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ} [الشعراء:
157]
وقال العلماء: الندم مقدمة التوبة.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَأَخَذَهُمُ العذاب إِنَّ فِي ذَلِكَ}
فإنْ قُلْتَ: كيف يأخذهم العذاب وقد ندموا، والندم من مقدمات التوبة؟
نعم، الندم من مقدمات التوبة، لكن توبة هؤلاء من التوبة التي قال الله عنها:{وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن} [النساء: 18] .
إذن: ندموا وتابوا في غير أوان التوبة، أو: أنهم أصبحوا نادمين لا ندمَ توبة من الذنب، إنما نادمون؛ لأنهم يخافون العذاب الذي هددهم الله به إنْ فعلوا.
ثم تُختم هذه القصة بهذا التذييل الذي عرفناه من قبل مع أمم أخرى مُكذِّبة: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز}
عزيز: يَغلِب ولا يُغْلَب، ومع ذلك هو رحيم في غَلَبه.
ثم ينتقل الحق سبحانه إلى قصة أخرى من مواكب الأنبياء والرسل: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ}
فقال هنا أيضاً {أَخُوهُمْ} [الشعراء: 161] لأنه منهم ليس غريباً
عنهم، وليُحنِّن قلوبهم عليه {أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 161] إنكار لعدم التقوى، وإنكار النفي يطلب الإثبات فكأنه قال: اتقوا الله.
وهكذا كانت مقالة لوط عليه السلام كما قال إخوانه السابقون من الرسل؛ لأنهم يصدُرون جميعاً عن مصدر واحد.
ثم يخصُّ الحق سبحانه قوم لوط لما اشتُهروا به وكان سبباً في إهلاكهم: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين}
فكأنها مسألة وخصلة تفردوا بها دون العالم كله.
لذلك قال في موضع آخر: {أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} [الأعراف: 80] .
أي: أن هذه المسألة لم تحدث من قبل لأنها عملية مستقذرة؛ لأن الرجل إنما يأتي الرجل في محل القذارة، ولكنهم فعلوها، فوَصْفه لها بأنها لم يأتها أحد من العالمين جعلها مسألة فظيعة للغاية.