الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه قوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} [إبراهيم: 43] ويقولون في العامية: (فلان معندوش ولا الهوا) ذلك لأن الهواء آخر ما يمكن أن يفرغ منه الشيء.
ومعنى: {إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} [القصص: 10] يعني: قاربت من فراغ فؤادها أن تقول إنه ولدي {لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} [القصص: 10] لإن الإيمان هو الذي يجلب لك النفع، ويمنعك من الضار، وإنْ كان فيه شهوة عاجلة لك، فمنعها إيمانُها من شهوة الأمومة في هذا الموقف، ومن ممارسة العطف والحنان الطبيعيين في الأم؛ لأن هذه شهوة عاجلة يتبعها ضرر كبير، فإنْ أحسُّوا أنه ولدها قتلوه.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ}
قُصِّيه: يعني: تتبعي أثره، وراقبي سيره إلى إين ذهب؟ وماذا فُعِل به؟ وحين سمعت الأخت هذا الأمر سارعتْ إلى التنفيذ؛ لذلك استخدم الفاء الدالة على التعقيب وسرعة الاستجابة {فَبَصُرَتْ بِهِ} [القصص:
11]
ولم يقُلْ: فقصَّته؛ لأن البصر وإنْ كان بمعنى الرؤية إلا أنه يدل على العناية والاهتمام بالمرئي.
ومعنى: {عَن جُنُبٍ} [القصص: 11] من ناحية بحيث لا يراها أحد، ولا يشعر بتتبعها له، واهتمامها به. ومن ذلك ما حكاه القرآن من قول السامري:{بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} [طه: 96] أي: رأى من حيث لا يطَّلِع أحد عليه.
ونلحظ هنا أن أخت موسى أخذتْ الأمر من أمها {قُصِّيهِ} [القصص: 11] فقط ولم تلفت نظرها إلى هذا الاحتياط {عَن جُنُبٍ} [القصص: 11] مما يدلُّ على ذكاء الفتاة وقيامها بمهمتها على أكمل وجه، وإن لم تُكلَّف بذلك، وهذا من حكمة المرسَل الحريص على أداء رسالته على وجهها الصحيح.
ما أجملَ ما قاله الشاعر في هذا المعنى:
إذَا كُنْتَ في حَاجةٍ مُرْسِلاً
…
فأَرسِلْ حَكيماً ولَا تُوصِهْ
وقوله تعالى: {عَن جُنُبٍ} [القصص: 11] يظن البعض أن جنب يعني قريب مني، وهذا غير صحيح؛ لأن معنى الجنب ألَاّ تكون في مواجهتي، لذلك يقول تعالى:{والجار ذِي القربى والجار الجنب} [النساء: 36] إذن: الجار الجنب مقابل الجار القريب، فمعناه الجار البعيد.
فكأن الفتاة حين ذهبت لتتبع سَيْر التابوت أخذتْ مكاناً بعيداً منه، حتى لا يفطن أحد إلى متابعتها له.
ومن ذلك قولنا: (فلان تجنّبني، أو فلان واخد جنب مني) أي: يبتعد عني، إذن: البعض يفهم هذه الكلمة على عكس مدلولها.
ألَا ترى لقول إبراهيم عليه السلام: {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} [إبراهيم: 35] وقوله تعالى: {واجتنبوا قَوْلَ الزور} [الحج: 3] فالاجتناب يعني: الابتعاد.