الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوة وحاملوها إلى باقي الأمم، فلا بُدَّ أنْ يفهموا عن القرآن. فإنْ قُلْتَ: فالأمم الأخرى غير العربية مخاطبةٌ أيضاً بهذا القرآن العربي، فكيف يستقبلونه ويفهمون عنه؟ نقول: مَنْ سمعه من العرب عليه أن يُبلغه بلسان القوم الذين يدعوهم، وهذه مهمتنا نحن العرب تجاه كتاب الله.
الضمير في {وَإِنَّهُ} [الشعراء:
196]
يصح أنْ يعود على القرآن كسابقه، ويصح أنْ يعود على رسول الله، ومعنى {زُبُرِ} [الشعراء: 196] جمع زبور يعني: مكتوب مسطور، ولو أن العقول التي عارضتْ رسول الله، وأنكرتْ عليه رسالته، وأنكرتْ عليه معجزته فَطنوا إلى الرسالات السابقة عليه مباشرة، وهي: اليهودية والنَصرانية في التوراة والإنجيل لوجبَ عليهم أنْ يُصدِّقوه؛ لأنه مذكور في كتب الأولين.
كما قال سبحانه في موضع آخر: {إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} [الأعلى: 1819] .
فالمبادىء العامة من العقائد والأخلاق والعدل الإلهي وقصص الانبياء كلها أمور ثابتة في كل الكتب وعند جميع الأنبياء، ولا يتغير إلا الأحكام من كتاب لآخر، لتناسب العصر والأوان الذي جاءتْ فيه.
وحين تقرأ قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} [الشورى: 13] .
تقول: ولماذا إذن نزل القرآن؟ ولماذا لم يَقُل وصَّينا به محمداً؟
قالوا: لأن الأحكام ستتغير؛ لتناسب كل العصور التي نزل
القرآن لهدايتها، ولكل الأماكن، ولتناسب عمومية الإسلام.
لذلك رُوي عن عبد الله بن سلام وآخر اسمه ابن يامين، وكانوا من أهل الكتاب، وشهد كلاهما أنه رأى ذكر محمد صلى الله عليه وسلم َ في التوراة، وفي الإنجيل. والقرآن يقول عنهم:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] .
ولما سمعها ابن سلام قال: ربنا تساهل معنا في هذه المسألة، فوالله إني لأعرفه كمعرفتي لولدي، ومعرفتي لمحمد أشد.
ويقول تعالى في هذا المعنى: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157] .
ويقول سبحانه على لسان عيسى عليه السلام حين يقف خطيباً في قومه: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} [الصف: 6] .
إذن: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين} [الشعراء: 196] أي: محمد صلى الله عليه وسلم َ أو هو القرآن الكريم، فكلاهما صحيح؛ لأن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم َ موجودة في هذه الكتب، أو القرآن في عموم مبادئه في العقائد والأخلاق والبعث وسير الأنبياء.
فكان الواجب على الذين جاءهم القرآن أنْ يؤمنوا به، خاصة وأن رسول الله كان أمياً لم يجلس إلى معلم، وتاريخه في ذلك معروف لهم، حيث لم يسبق له أن قرأ أو كتب شيئاً.
والقرآن يؤكد هذه المسألة، فيقول تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم َ:
{وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَاّرْتَابَ المبطلون} [العنكبوت: 48] .
{وَمَا كُنتَ ثَاوِياً في أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [القصص: 45] .
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر} [القصص: 44] .
{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] .
فكل هذه الآيات وغيرها دليل على أنه صلى الله عليه وسلم َ لا عِِْلمَ له بها إلا بواسطة الوَحْي المباشر في القرآن الكريم، وكان على القوم أن يؤمنوا به أول ما سمعوه.
ثم يقول الحق سبحانه: {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ}
آية: أي دليلاً وعلامةً على أن القرآن من عند الله؛ لأن علماء بني إسرائيل كانوا يستفتحون به على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، أو لم يقولوا للأوْس والخزرج في المدينة: لقد أَطلَّ زمان نبيٍّ يأتي سنتبعه ونقتلكم به أيها المشركون قَتْل عاد وإرم، ومع ذلك لما بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم َ أنكروه وكفروا به، وهم يعرفون أنه حق، لماذا؟
قالوا: لأنهم تنبَّهوا إلى أنه سيسلبهم القيادة، وكانوا في المدينة أهل علم، وأهل كتاب، وأهل بصر، وأهل حروب. . ألخ. وليلةَ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم َ إلى المدينة كانوا يستعدون لتتويج عبد الله بن أُبيٍّ ملِكاً عليها، فلما جاءها النبي صلى الله عليه وسلم َ أفسد عليهم هذه المسألة؛ لذلك حسدوه على هذه المكانة، فقد أخذ منهم السُّلْطة الزمنية والتي كانت لهم.
وقال {عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 197] لأنهم كانوا يعرفون صِدْق رسول الله، ولأنه صلى الله عليه وسلم َ جاء بأشياء لا يعرفها إلا هم، وقد اشتهر منهم خمسة، هم: عبد الله بن سلام، وأسد، وأسيد، وثعلبة، وابن يامين.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ على بَعْضِ}
لقد أنزلنا القرآن بلسان عربي على أمة عربية، ولو أنزلناه على الأعاجم ما فهموه.
وقال الحق وسبحانه وتعالى في موضع آخر: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُءَاْعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لَا يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44] .
لماذا؟ لأن المستقبل مقفول، فإنْ أردتَ استقبال أيِّ قضية فعليك أنْ تُخرِج من قبلك أيّ قضية أخرى معارضة لها، ثم بعد ذلك لك أنْ تدرس القضيتين، فما وافق الحق فأدخِلْه.
لذلك يقول تعالى: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] فهو قلب واحد، لذلك أخرج منه كل قضية سابقة، وها هو القرآن واحد، وقائله واحد، ومُبلِّغه واحد، ولسانه عربي.
يقول تعالى في وصفهم حالَ سماع القرآن: {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ} [التوبة: 127] أي: يريدون التسلُّل والخروج.
ويقول تعالى في آية أخرى: {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَاناً} [التوبة: 124] أي: ماذا أفادتكم؟ وماذا زادتْ في إيمانكم.
ويقول سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قَالَ آنِفاً أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ} [محمد: 16] يعني: ما الجديد الذي جاء به؟
ويقول عن الذين آمنوا: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] .