الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتوكل: أن تستضعف نفسك في شيء تحاول أن تقضيه بقوة فلا تجدها عندك، والتوكل الحق لا يكون إلا على الله الحي الذي لا يموت، أما إن توكلْتَ على بشر مثلك فقد يُفاجِئه الموت قبل أنْ يقضي لك حاجتك.
وقال {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} [النمل:
79]
أي: أنك تتوكل على الله وأنت على الحق وعلى الطاعة له عز وجل، لا على معصيته، وما دُمْتَ تتوكل على الله وأنت على حال الطاعة فلا بُدَّ أن يكون نصيركَ ومعينَك.
ثم يُسلِّي الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم َ ويُعزيه كي لا يألم على مَنْ شردوا منه فلم يؤمنوا: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الموتى}
والمعنى: لا تحزن يا محمد، ولا تُهلك نفسك على هؤلاء الذين لم يؤمنوا من قومك، فما عليك إلا البلاغ. والبلاغ كلام له أداة
استقبال في السامع هي الأذن، فإذا تعطلَتْ هذه الأداة لن يسعموا، وهؤلاء القوم تعطلَتْ عندهم أداة السمع، فهم كالموتى والذين أصابهم الصمم، فآيات الله الكونية كثيرة من حولهم، لكن لا يروْن ولا يسمعون.
وليت الأمر يقف بهم عند حَدِّ الصمم، إنما يُولُّون مدبرين من سماع الدعوة، وهذه مبالغة منهم من الانصراف عن دعوة الحق؛ لأنهم إنْ جلسوا فلن يسمعوا، فما بالك إذا ولَّوْا مدبرين يجروُن بعيداً، وكأن الواحد منهم يخاف أن يزول عنه الصمم وتلتقط أذنه نداء الله، فيستميله النداء، وعندها تكون مصيبته كبيرة على حَدِّ زعمهم.
وهذا دليل على أنهم يعلمون أنه حق، وأنهم لو صَغَوْا إليه لا تبعوه، ألم يقولوا:{لَا تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ} [فصلت: 26] .
ذلك لأن القرآن جلالاً وجمالاً ياسِرُ الألباب؛ لذلك نَهَوْا عن سماعه، ودَعَوْا إلى التشويش عليه، حتى لا ينفذ إلى القلوب.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَمَآ أَنتَ بِهَادِي العمي}
فرْق بين سماع قالة أو قضية الصدق، وانت خالي الذِّهْن، وبين أن تسمعها وأنت مشغل بنقيضها، فلكي يُثمِر السماع ينبغي أنْ تستقبل الدعوة بذهن خَالٍ ثم تبحث بعقلك الدعوة وما يناقضها، فما انجذبتَ إليه واطمأنتْ إليه نفسك فأدخله.
وهذه يُسمُّونها حتى في الماديات نظرية الحيز أي: أن الحيز