الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكشف لهم مشروط بشرط السلامة والعلم بعدم المحذور. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً أي فهو شاهد على ما تفعلنه من احتجابكن وترككنّ الحجاب لمن أبيح لكن تركه، وغير ذلك من أموركن، فاحذرن أن تلقينه. وهو شاهد عليكن بمعصيته وخلاف أمره ونهيه فتهلكن. قال الرازيّ: هذا التذييل في غاية الحسن في هذا الموضع، لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم، فقال: إن الله شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض. فخلوتكم مثل ملتكم بشهادة الله تعالى فاتقوا. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (33) : آية 56]
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً قال الرازيّ: لما أمر الله المؤمنين بالاستئذان وعدم النظر إلى وجوه نسائه احتراما، كمّل بيان حرمته. وذلك لأن حالته منحصرة في اثنتين: حالة خلوته وذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب: 53] ، وحالة يكون في ملأ. والملأ إما الملأ الأعلى وإما الملأ الأدنى، أما في الملأ الأعلى فهو محترم. فإن الله وملائكته يصلون عليه. وأما في الملأ الأدنى فذلك واجب الاحترام بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً انتهى.
وقد روى البخاريّ «1» عن أبي العالية قال: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة.
وصلاة الملائكة الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون يبرّكون. أي يدعون له بالبركة.
فيوافق قول أبي العالية، لكنه أخص منه. وبالجملة، فالصلاة تكون بمعنى التمجيد والدعاء والرحمة، على حسب ما أضيفت إليه في التنزيل أو الأثر. وقد أطنب الإمام ابن القيّم في (جلاء الأفهام) في مبحث معنى الصلاة، وأطال فأطاب. فلينظر.
وفي البخاريّ «2» عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، أنه قيل: يا رسول الله! أما السلام عليك فقد عرفناه. فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم! صلي على
(1) أخرجه البخاري في: التفسير، 33- سورة الأحزاب، 10- باب إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. [.....]
(2)
أخرجه البخاري في: التفسير، 33- سورة الأحزاب، 10- باب إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، حديث رقم 1591.
محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم! بارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وروى الإمام أحمد «1» وأبو داود والنسائيّ وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه، عن أبي مسعود البدريّ أنهم قالوا: يا رسول الله! أما السلام فقد عرفناه.
فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ فقال: قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد. وذكره. ورواه الشافعيّ في مسنده عن أبي هريرة بمثله.
ومن هاهنا ذهب الشافعيّ رحمه الله، إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير. فإن تركه لم تصح صلاته. ووافقه الإمام أحمد في رواية. وقال به إسحاق بن راهويه والإمام ابن المواز المالكيّ وغيرهم. كما بسطه ابن القيم في (جلاء الأفهام) وابن كثير في (التفسير) وقد تقصّيا، عليهما الرحمة، أيضا الروايات في الأمر بالصلاة وكيفيتها. فأوسعا. فليرجع إليهما.
تنبيهات:
الأول- تدل الآية على وجوب الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم مطلقا. لأن الأصل في الأمر للوجوب. فذهب قوم إلى وجوبها في المجلس مرة. ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس. وآخرون إلى وجوبها في العمر مرة واحدة. ثم هي مستحبة في كل حال.
وآخرون إلى وجوبها كلما ذكر. وبعضهم إلى أن محل الآية على الندب. قال ابن كثير: وهذا قول غريب. فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة. فمنها واجب ومنها مستحب على ما نبينه. فمنه بعد النداء للصلاة،
لحديث «2»
(إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ)
الحديث ومنه عند دخول المسجد
لحديث «3»
(كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلّى على محمد وسلّم) . ثم قال: اللهم! اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج صلّى على محمد وسلّم. ثم قال:
اللهمّ! اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك
. ومنه الصلاة، فتستحب على قول الشافعي في التشهد الأول منها، وتجب في الثاني. ومنه في صلاة الجنازة بعد
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4/ 118.
(2)
أخرجه البخاري في: الأذان، 7- باب ما يقول إذا سمع المنادي، حديث 390، عن أبي سعيد الخدري.
(3)
أخرجه الترمذي في: الصلاة، 117- باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد، حديث 314.
التكبيرة الثانية، لقول أبي أمامة: من السنة ذلك. وهذا من الصحابيّ في حكم المرفوع، على الصحيح. ومنه ختم الدعاء. فيستحب الصلاة فيه على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن آكد ذلك دعاء القنوت. ومنه يوم الجمعة وليلتها. فيستحب الإكثار منها فيهما، ومنه في خطبة يوم الجمعة. يجب على الخطيب في الخطبتين الإتيان بها.
وهو مذهب الشافعيّ وأحمد. ومنه عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم
لحديث (ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام تفرد به أبو داود «1» وصححه النوويّ في (الأذكار) .
وعن الحسن بن الحسن بن عليّ أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم وقال: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيدا. ولا تتخذوا بيوتكم قبورا.
وصلوا عليّ حيثما كنتم. فإن صلاتكم تبلغني.
قال ابن كثير: فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم فوق الحاجة، فنهاهم.
وقد روي أنه رأى رجلا ينتاب القبر. فقال: يا هذا! ما أنت ورجل بالأندلس، منه إلا سواء. أي الجميع يبلغه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين. وقد استحب أهل الكتاب أن يكرر الكاتب الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم كلما كتبه.
وقد روي في حديث (من صلى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له، ما دام اسمى في ذلك الكتاب)
. قال الحافظ ابن كثير: وليس هذا الحديث بصحيح. بل عدّه الحافظ الذهبيّ موضوعا. وقد ذكر الخطيب البغداديّ أنه رأى بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، كثيرا اسم النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة. قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظا.
الثاني- الصلاة على غير الأنبياء، إن كانت على سبيل التبعية، كنحو: اللهم صل على محمد وآله وأزواجه، فهذا جائز إجماعا. وأما استقلالا فجوّزه قوم لآية هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب: 43] ، وآية أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: 157] ، وآية خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة: 103] ،
ولحديث «2»
كان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال:
(1) أخرجه في: المناسك، 96- باب في زيارة القبور، حديث 2041.
(2)
أخرجه البخاري في: الزكاة، 64- باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، حديث 800، عن عبد الله بن أبي أوفى.
«اللهم! صل عليهم. فأتاه أبو أوفى بصدقته فقال: اللهم! صل على آل أبي أوفى» .
وكرهه قوم، لكون صيغة الصلاة صارت شعارا للأنبياء إذا ذكروا. فلا يلحق بهم غيرهم. فلا يقال: قال عمر صلى الله عليه. كما لا يقال قال محمد عز وجل. وإن كان عزيزا جليلا. لكون هذا من شعار ذكر الله عز وجل. وحملوا ما ورد من ذلك في الكتاب والسنة على الدعاء لهم.
وقال ابن حجر: إن ذلك وقع من الشارع. ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما شاء وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه. ولم يثبت عنه إذن في ذلك. انتهى.
وقد يقال: كفى في المرويّ المأثور المتقدم إذنا.
والاستدلال بأن ذلك من حقه فيه مصادرة على المطلوب. على أن المرجح أن الأصل الإباحة حتى يرد الحظر. ولا حظر هنا. فتدبر.
وأما السلام، فقال الجوينيّ: هو في معنى الصلاة. فلا يستعمل في الغائب.
ولا يفرد به غير الأنبياء. فلا يقال: عليّ عليه السلام. وساء في هذا الأحياء والأموات.
وأما الحاضر فيخاطب به. فيقال: سلام عليك، وسلام عليكم. أو السلام عليك أو عليكم. وقد غلب- كما قال ابن كثير- على كثير من النساخ للكتب، أن يفرد عليّ رضي الله عنه بأن يقال عليه السلام من دون سائر الصحابة.
قال: والتسوية بينهم في ذلك أولى. انتهى.
والخطب سهل. ومن رأى المرويّ في هذا الباب، علم أن الأمر أوسع من أن يحرّج فيه. على أن هذه المسألة من فروع تخصيص العرف، وفيه بحث في الأصول.
الثالث- قال النوويّ: إذا صلى على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فليجمع بين الصلاة والتسليم.
فلا يقتصر على أحدهما، فلا يقول (صلى الله عليه) فقط. ولا عليه السلام فقط.
قال ابن كثير: وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة. وهي قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فالأولى أن يقال صلى الله عليه وسلم تسليما.
انتهى.
الرابع- قال الرازيّ: إذا صلّى الله وملائكته عليه، فأي حاجة إلى صلاتنا؟
نقول: الصلاة عليه ليس لحاجته إليها. وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله عليه. وإنما هو لإظهار تعظيمه كما أن الله تعالى أوجب علينا ذكر نفسه، ولا حاجة له إليه. وإنما هو لإظهار تعظيمه منا، رحمة بنا، ليثيبنا عليه. ولهذا جاء في
الحديث (من صلى عليّ مرة، صلى الله عليه بها عشرا)
. انتهى.