الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث- قال الشهاب: قوله تعالى يُدْنِينَ يحتمل أن يكون مقول القول.
وهو خبر بمعنى الأمر، أو جواب الأمر، على حدّ قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [إبراهيم: 31] ، انتهى وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً أي لما سلف منهنّ من التفريط رَحِيماً أي بعباده، حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (33) : الآيات 60 الى 61]
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَاّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61)
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ أي عن نفاقهم وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي ضعف إيمان، عن مراودة النساء بالفجور وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ أي بأخبار السوء اللاتي يفترونها وينشرونها. كمجيء عدوّ وانهزام سريّة. وهكذا مما يكسرون به قلوب المؤمنين. وأصله التحريك. من (الرجفة) وهي الزلزلة. يسمى به الخبر المفترى، لكونه خبرا متزلزلا غير ثابت. أو لاضطراب قلوب المؤمنين به لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ أي لنسلطنك عليهم بما يضطرهم إلى الجلاء ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها أي في المدينة من قوة بأسك عليهم إِلَّا قَلِيلًا أي زمنا قليلا ريثما يستعدون للرحلة مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أي مبغضين لله وللخلق. لا يستريحون بالخروج. للصوق اللعنة بهم أينما وجدوا. أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا أي أسروا وبولغ في قتلهم لذلتهم وقلتهم. ثم أشار تعالى إلى أن ذلك ليس ببدع، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (33) : آية 62]
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62)
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ أي في المفترين والمؤذين الذين مضوا، إذا تمرّدوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا، أن يسلّط عليهم أهل الإيمان فيقهرونهم.
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أي لأنه لا يبدلها، أو لا يقدر أحد أن يبدلها.
تنبيهات:
الأول- قال الشهاب: إما أن يراد بالمنافقين والمراض والمرجفين، قوم مخصوصون، ويكون العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات، على حدّ (إلى الملك
القرم وابن الهمام) أو يراد بهم أقوام مختلفون في الذوات والصفات. فعلى الأول، تكون الأوصاف الثلاثة للمنافقين. وهو الموافق لما عرف من وصفهم بالذين في قلوبهم مرض، كما مرّ في البقرة. والأراجيف بالمدينة أكثرها منهم. لكنه لا يوافق ما ذيل به من الوعيد بالإجلاء والقتل. فإنه لم يقع للمنافقين. وعلى الثاني، هم المنافقون وقوم ضعاف الدين. كأهل الفجور. والمرجفون اليهود الذين كانوا مجاورين لهم بالمدينة. وقد وقع القتال والإجلاء لمن لم ينته منهم. وهم اليهود.
انتهى.
الثاني- ذكروا أن معنى قوله تعالى: أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا أنهم إذا خرجوا لا ينفكّون عن المذلّة، ولا يجدون ملجأ. بل أينما يكونون، يطلبون ويؤخذون ويقتلون. وعليه، فالجملة خبريّة. وانظر هل من مانع أن تكون الجملة دعائيّة كقوله عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [التوبة: 98] و [الفتح: 6]، وقوله: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1]، كأنه قيل: أخذهم الله. أي أهلكهم وقتلهم أبلغ قتل وأشدّه. ولم أر أحدا تعرّض له. وقد أفاد ابن عطية، أن كل ما كان بلفظ الدعاء من الله تعالى، فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء. لأن الله لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته، أي لاستحالة حقيقة الدعاء وهو الطلب من الغير.
الثالث- في (الإكليل) : في الآية تحريم الأذى بالإرجاف. وأخرج ابن أبي حاتم عن السّدّيّ في قوله: وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هم قوم كانوا يجلسون على الطريق، يكابرون المرأة مكابرة. فنزلت فيهم الآية إلى قوله: أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا قال: هذا حكم في القرآن، ليس يعمل به، لو أن رجلا أو أكثر من ذلك اقتصوا أثر امرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها، كان الحكم فيهم غير الجلد والرجم، أن يؤخذوا فتضرب أعناقهم. انتهى.
وهذا وقوف مع وجه تحتمله الآية. كما قدمنا. على أن للحاكم أن يفعل ذلك، إذا رأى في ذلك مصلحة ودرء مفسدة. على قاعدة رعاية المصالح التي هي أم الباب. كما بسط ذلك النجم الطوفيّ في (رسالته) وأيدناه بما علقناه عليها.
الرابع- كتب الناصر في (الانتصاف) على قول الكشاف في قوله: إِلَّا قَلِيلًا أي زمنا قليلا ريثما يرتحلون ويتلقطون أنفسهم وعيالاتهم، ما مثاله: فيها إشارة إلى أن من توجه عليه إخلاء منزل مملوك للغير بوجه شرعيّ، يمهل ريثما ينتقل بنفسه ومتاعه وعياله برهة من الزمان حتى يتحصل له منزل آخر، على حسب الاجتهاد. انتهى.