الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرط مقدر. كأنه قيل بعد إنكار كل وليّ سواه: إن أرادوا وليا بحق، فالله هو الوليّ بالحق، لا وليّ سواه وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي هو المحيي القادر، فكيف تستقيم ولاية غيره، وقوله وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ تمهيد لما يأتي بعد، من الأمر بإقامة الدين وعدم التفريق فيه، الذي هو وصية الله تعالى لأنبيائه، وشرعته لخلقه، وتنبيه على أن خلاف من خالف من المشركين والكافرين، إنما مردّه إلى الله تعالى وحكمه وقضائه. وأنه لا دين إلا دينه، ولا عبادة إلّا عبادته، ولا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، والقصد الرد على مشركي مكة وأمثالهم، في تشريعهم ما لم يأذن به الله، وتحكيمهم إتباع الآباء وأفانين الأهواء. فإن السورة مكية. ومع ذلك، فتدل الآية على أن ما اختلف فيه المختلفون وتنازعوا في شيء من الخصومات، يجب أن يكون التحاكم فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يوثر على حكومته حكومة غيره.
كقوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59] ، وتدل أيضا على الرجوع إلى المحكم من كتاب الله، والظاهر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اختلفوا في تأويل آية واشتبه عليهم. وعلى تفويض ما لم تصل إلي دركه العقول، إلى الله تعالى، بأن يقال: الله أعلم. كما في قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: 85] . وقوله: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي بتقدير (قل) أو هو حكاية لقوله صلى الله عليه وسلم. أي الذي هذه الصفات صفاته، ربي لا آلهتكم التي تدعون من دونه، التي لا تقدر على شيء عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ أي في أموري كلها وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي أرجع في المعاد، أو من الذنوب، أو في الأمور المعضلة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : آية 11]
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي من جنسكم أَزْواجاً أي نساء وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً أي أصنافا مختلفة، أو ذكورا وإناثا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي يكثركم. من (الذرء) وهو البث. يقال: ذرأ الله الخلق. بثهم كثّرهم. وفسر ب (يخلقكم) . وضمير (فيه) للبطن أو الرحم. وقال الزمخشريّ: أي في هذا التدبير، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل.
والضمير في يَذْرَؤُكُمْ يرجع إلى المخاطبين والأنعام، مغلبا فيه المخاطبون العقلاء
على الغيب مما لا يعقل. فإن قلت: ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير؟ وهلا قيل:
يذرؤكم به؟ قلت: جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير. انتهى.
وقيل (في) مستعارة للسببية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قال ابن جرير: فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: ليس هو كشيء. وأدخل المثل في الكلام، توكيدا للكلام، لكونهما بمعنى واحد. والآخر أن يكون معناه: ليس مثله شيء. وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام. انتهى.
وبقي ثالث وهو أن المثل بمعنى الصفة. أي ليس كصفته صفة. ورابع- وهو ما عول عليه المحققون- أن المراد من مثله ذاته. كما في قولهم: مثلك لا يبخل. على قصد المبالغة في نفيه عنه. فإنه إذا نفي عمن يناسبه. كان نفيه عنه أولى. ثم سلكت هذه الطريقة في شأن من لا مثل له سبحانه ووجه المبالغة أن الكناية من باب دعوى الشيء ببيّنة. وقد بينت الكناية في الآية بوجه آخر أشار إليه الشّمنّي. وهو أنه نفي للشيء بنفي لازمه. لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم. كما يقال: ليس لأخي زيد أخ. فأخو زيد ملزوم. والأخ لازمه. لأنه لا بد لأخي زيد من أخ هو زيد. فنفي هذا اللازم. والمراد نفي ملزومه. أي ليس لزيد أخ. إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ. هو زيد. فكذا نفي أن يكون لمثل الله مثل. والمراد نفي مثله تعالى- إذ لو كان له مثل، لكان هو تعالى مثل مثله، لتحقق المماثلة من الجانبين.
فلا يصح نفي مثله (أي نفي مثل ذلك المثل) وبالجملة، فأطلق نفي مثل المثل، وأريد لازمه من نفي المثل. قال بعض الأفاضل: طالما كنت أجد في نفسي من هذا شيئا. وذلك أن محصل هذا أن نفي المثل لازم لحقيقة الآية. وقد تقرر أولا أنها تقتضي إثباته. ولذا أوّلوها بالأوجه المذكورة. فكيف يعقل أن إثبات الشيء ونفيه يلزمان معا لشيء واحد؟ مع تصريحهم بأن تنافي اللوازم يقتضي تنافي الملزومات.
وبفرض صحة أن كلا منهما لازم لها، فقصرها على هذا دون ذاك تحكم. مع أن القصد إبطال دلالتها على المحال. ولا يكفي فيه قولنا إنه غير مراد كما لا يخفى. ثم ظهر أن إثبات المثل ليس لازما لحقيقة الآية قطعا. بل هو محتمل فقط. كما تحتمل نفيه. وإن كان الأول أقرب، لكن عارضه في خصوص هذه المادة. أنه لو كان له مثل إلخ. فبطل ذلك الاحتمال من أصله. فالتعويل في نفي المثل على هذه المقدمة القطعية بخلاف المثال فافهم ذلك. وقال العصام: هذا- أي كون الآية من باب الكناية- وجه تلقاه الفحول بالقبول. ورجّحوه بأن الكناية أبلغ من التصريح.
وعدم الزيادة أحق بالترجيح. وفيه بحث، وهو أن نفي مثل المثل لا يستلزم نفي