الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقلوبهم وجوارحهم. و (الخشوع) السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع.
والحامل عليه الخوف منه تعالى ومراقبته وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ أي بالإحسان إلى الفقراء والبؤساء الذين لا كسب لهم ولا كاسب. فيعطون من فضول أموالهم طاعة لله وإحسانا إلى خلقه وإتماما للخشوع وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ أي الآتين بما طلب منهم من الصيام المورث للتقوى والرحمة على من يتضور جوعا ويتصبر فقرا وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ أي عن إبدائها وإراءتها، حياء وكفّا عن مثار الشهوة المحرمة أو عن الحرام والفجور وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أي بقلوبهم وألسنتهم أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً أي بسبب ما عملوا من الحسنات المذكورة غفرانا لما اقترفوا من الصغائر لأنها مكفرة بذلك وَأَجْراً عَظِيماً أي ثوابا وافرا في الجنة، وقوله تعالى:
القول في تأويله قوله تعالى: [سورة الأحزاب (33) : آية 36]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36)
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ أي ما صح لهما إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ أي قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء، أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما ويعصوهما، لما في ذلك من المأثم، كما قال تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فيما أمرا أو نهيا فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً أي جار عن قصد السبيل، وسلك غير الهدى والرشاد.
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة. فأبت لكونه مولى لا يماثلها في الشرف. فنزلت الآية فرضيت وتزوجها.
قال المهايمي: الظاهر أن الخطبة كانت بطريق الوجوب. ويحتمل أن تكون لا بطريق الوجوب، لكن اعتبار العار في مقابلة خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم معصية، لما فيه من ترجيح قول أهل العرف على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونه قول الله بالحقيقة.
وقال بعضهم: إنما عدّ التنزيل إباءها عصيانا، وكأنه أرغمها على زواجه، لما أوقع الله من المصلحة لها وللمسلمين في ذلك. وهو هدم تحريم زوجة المتبنّى، الفاشي في الجاهلية. كما سيأتي سياقه.
وذكر أيضا أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. وكانت أول من هاجر من النساء- بعد صلح الحديبية- فوهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فزوجها زيدا- أي بعد فراقه زينب- فسخطت، فنزلت الآية، فرضيت.
وروى الإمام أحمد «1» عن أنس قال: خطب النبيّ صلى الله عليه وسلم على جليبيب رضي الله عنه، امرأة من الأنصار إلى أبيها.
فقال: حتى أستأمر أمها. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: نعم إذا. قال: فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، فأبت أشد الإباء. فقالت الجارية: أتريدون أن تردّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ إن كان قد رضيه لكم، فأنكحوه. قال: فكأنها جلت عن أبويها وقالا:
صدقت. فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت رضيته فقد رضيناه. قال صلى الله عليه وسلم: فإني قد رضيته. قال: فزوجها. ثم ذهب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزاة، فقتل
. ورؤي حوله ناس من المشركين قد قتلهم. قال أنس: فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت في المدينة (وفي رواية: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها) .
وذكر الحافظ ابن عبد البرّ في (الاستيعاب) أن الجارية لما قالت في خدرها:
أتردّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، نزلت هذه الآية وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ.
ولا يخفى شمول الآية لما ذكر ولغيره، إلا أن تأثر هذه الآية بقصة زيد وزوجه، الآتية، يؤيد أنها نزلت في زوجه زينب، لتناسق نظام الآيات حينئذ وظهور هذه الآية كالطليعة لهذه القصة الجليلة.
وقد قدمنا مرارا أن معنى قولهم (نزلت الآية في كذا) أنها مما تشمله لعموم مساقها. ولذا سأل طاوس ابن عباس عن ركعتين بعد العصر فنهاه. وقرأ له هذه الآية.
قال ابن كثير: هذه الآية عامة في جميع الأمور. وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد ها هنا، ولا رأي ولا قول. كما قال تبارك وتعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: 65] ،
وفي الحديث: والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
. ولهذا شدّد في خلاف ذلك فقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً، كقوله تعالى:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور: 63] .
(1) أخرجه في مسنده: 3/ 136.