الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ أي يلطف بهم في تدبير إيصال ما يفتقرون من خبر الدين والدنيا يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ.
قال الزمخشري: سمي ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة والزكاء، حرثا على المجاز- أي بتشبيهه بالزرع من حيث إنه فائدة تحصل بعمل الدنيا. ولذلك قيل (الدنيا مزرعة الآخرة) وفرق بين عمل العاملين بأن من عمل للآخرة، وفّق في عمله وضوعفت حسناته. ومن كان عمله للدنيا أعطي شيئا منها، لا ما يريده ويبتغيه، وهو رزقه الذي قسم له وفرغ منه، وما له نصيب قط في الآخرة. ولم يذكر في معنى عامل الآخرة وله في الدنيا نصيب على أن رزقه المقسوم له، واصل إليه لا محالة- للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب.
انتهى.
وهذه الآية كآية مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ [الإسراء:
18] ، إلخ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 23]
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ (أم) منقطعة، فيها معنى (بل والهمزة) ولا بد من سبق كلام، خبرا أو إنشاء، يضرب عنه ويقرر ما بعده.
وما سبق قوله شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً [الشورى: 13] ، إلخ فهو معطوف عليه، وما بينهما من تتمة الأول. والمراد بشركائهم، إما شياطينهم لأنهم شاركوهم في الكفر وحملوهم عليه. وإما أوثانهم. وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها
شركاء وإن لم تكن كذلك في الحقيقة. وعلى الثاني، فإسناد الشرع إليها، لأنها سبب ضلالهم وافتتانهم بما تدينوا به. أو لأنها على صورة المشرّع الذي سنّ هذا الضلال لهم. ويجوز كون الاستفهام المقدّر حينئذ للإنكار. أي ليس لهم شرع ولا شارع.
كما في قوله: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا [الأنبياء: 43] ، وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي القضاء السابق بأن الجزاء في القيامة لا في الدنيا. أو لولا ما وعدهم الله به من أنه يفصل بينهم ويبيّن في الآخرة. فالفصل بمعنى البيان لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي لفرغ من الحكم بين الكافرين والمؤمنين، بتعجيل العذاب للكافرين وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تَرَى الظَّالِمِينَ أي يوم البعث مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا أي من السيئات وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي نازل بهم لا محالة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً أي لا أسألكم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم، ثوابا وجزاء وعوضا من أموالكم تعطونيه إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم، وتصلوا الرحم التي بيننا. ولا يكن غيركم، يا معشر قريش، أولى بحفظي ونصرتي ومودتي منكم.
قال الشهاب: المودة مصدر مقدر ب (أن والفعل) . والقربى مصدر كالقرابة.
و (في) للسببية. وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة. والخطاب، إما لقريش أو لجميع العرب، لأنهم أقرباء في الجملة. انتهى. والاستثناء منقطع. ومعناه نفي الأجر أصلا. لأن ثمرة مودتهم عائدة إليهم، لكونها سبب نجاتهم. فلا تصلح أن تكون أجرا له. وقيل: المعنى أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم. وقيل (القربى) التقرّب إلى الله تعالى. أي إلا أن تتوددوا إلى الله فيما يقربكم إليه.
والمعنى الأول هو الذي عوّل عليه الأئمة. ولم يرتض ابن عباس رضي الله عنه، غيره.
ففي البخاري «1» عنه أنه سئل عن قوله تعالى: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد ابن جبير: القربى آل محمد. فقال ابن عباس: عجلت. إن النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة. فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
قال ابن كثير: انفرد به البخاري- أي عن مسلم- ورواه الإمام أحمد. وهكذا
(1) أخرجه البخاري في: التفسير، 42- سورة الشورى، 10- باب قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، حديث رقم 1643.
روى الشعبي والضحاك وعليّ بن أبي طلحة والعوفي ويوسف بن مهران وغير واحد عن ابن عباس، رضي الله عنهما، مثله. وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسّدّي وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.
وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن ابن عباس قال: قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في نفسي، لقرابتي منكم، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم.
وروى الإمام أحمد «1» عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجرا، إلا أن تودّوا الله تعالى، وأن تقرّبوا إليه بطاعته. وهكذا روي عن قتادة والحسن البصريّ مثله
. وأما رواية أنها نزلت بالمدينة فيمن فاخر العباس من الأنصار، فإسناده ضعيف. على أن السورة مكية. وليس يظهر بين الآية وتلك الرواية في هذا السياق مناسبة. وكذا ما
رواه ابن أبي حاتم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: فاطمة وولدها رضي الله عنهم
، فإن في إسناده مبهما لا يعرف، عن شيخ شيعي، وهو حسين الأشقر، فلا يقبل خبره في هذا المحل وذكر نزول الآية في المدينة بعيد. فإنها مكية. ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية. فإنها لم تتزوج بعليّ رضي الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة. والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، كما رواه عنه البخاري. ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم. فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرا وحسبا ونسبا. ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية. كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه وعليّ وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين
وقد ثبت في الصحيح «2» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي. وإنهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.
وروى الإمام أحمد «3» عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا لقوهم ببشر حسن. وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها. قال فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وقال: والذي نفسي بيده! لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله.
هذا ملخّص ما أورده ابن
(1) أخرجه في المسند 1/ 268. والحديث رقم 2415.
(2)
أخرجه مسلم في: فضائل الصحابة، حديث رقم 36.
(3)
أخرجه في المسند 1/ 207، والحديث رقم 1772.
كثير رحمه الله تعالى، وسبقه في الإيساع في ذلك تقيّ الدين ابن تيمية في (منهاج السنة) من أوجه عديدة.
قال في الوجه الثالث: إن هذه الآية في سورة الشورى. وهي مكية باتفاق أهل السنة. بل جميع آل حم مكيات. وكذلك آل طس. ومن المعلوم أن عليّا إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر. والحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة. والحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة. فكيف يفسر النبيّ صلى الله عليه وسلم الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف ولم تخلق.
ثم قال: الوجه الرابع- إن تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك. فهذا ابن عباس ترجمان القرآن وأعلم أهل البيت، بعد عليّ، يقول:
ليس معناها مودة ذوي القربى. ولكن معناها لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجرا. لكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم. فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أوّلا، أن يصلوا رحمه فلا يعتدوا عليه حتى يبلّغ رسالة ربه.
الوجه الخامس- أنه قال: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى لم يقل إلا المودة للقربى ولا المودة لذوي القربى. فلو أراد المودة لذوي القربى لقال المودة لذوي القربى كما قال: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [الأنفال: 41]، وقال ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [الحشر: 7] ، وكذلك قوله: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ [الإسراء: 26]، وقوله: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى [البقرة: 177] ، وهكذا في غير موضع. فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذوي قربى الإنسان، إنما قيل فيها (ذوي القربى) . لم يقل (في القربى) . فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم، دل على أنه لم يرد (ذوي القربى) .
الوجه السادس- أنه لو أريد المودة لهم لقال: المودّة لذوي القربى، ولم يقل في القربى، فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره: أسألك المودة في فلان، ولا في قربى فلان. ولكن أسألك المودة لفلان، والمحبة لفلان. فلما قال المودة في القربى، علم أنه ليس المراد لذوي القربى.
الوجه السابع- أن يقال إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجرا البتة.
بل أجره على الله كما قال: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: 86]، وقوله: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ [الطور: 4] و [القلم: