الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبقيت أحاديث أخر ساقها ابن كثير، فانظرها.
وروى الطبريّ عن عطاء قال: قال ابن عباس: ثلاث آيات جحدهن الناس: الإذن كله وقال: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وقال الناس: أكرمكم أعظمكم بيتا. قال عطاء: نسيت الثالثة.
ولما كانت طليعة السورة في الحديث عن جفاة الأعراب، والإنكار على مساوئ أخلاقهم، ثم تأثرها من المناهي عن المنكرات التي تكثر فيهم، ما كانوا فيها هم المقصود أولا وبالذات، ثم غيرهم ثانيا وبالعرض ختمها بتعريف أن من كان على شاكلتهم في ارتكاب تلك المناهي، فهو ممن لم يخامر فؤاده الإيمان، ثم بيان من المؤمن حقّا، ليفقهوا أن الأمر ليس كما يزعمون، فقال سبحانه وتعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحجرات (49) : آية 14]
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
قالَتِ الْأَعْرابُ أي المحدث عنهم في أول السورة آمَنَّا أي بالله ورسوله، فنحن مؤمنون، زعما أن التلفظ بمادة الإيمان هو عنوان كل مكرمة وإحسان. قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا أي لستم مؤمنين، وإن أخبرتم عنه، لأن الإيمان قول وعمل. وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أي انقدنا ودخلنا في السلم خوف السباء والقتل وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ أي لأنه لو حل الإيمان في القلوب لتأثر منه البدن، وظهر عليه مصداقه من الأعمال الصالحة، والبعد من ركوب المناهي، فإن لكل حق حقيقة، ولكل دعوى شاهد. فإن قيل: في قوله وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ بعد قوله قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا شبه التكرار من غير استقلال بفائدة متجددة؟ والجواب: إن فائدة قوله لَمْ تُؤْمِنُوا تكذيب دعواهم، وقوله وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ توقيت لما أمروا به أن يقولوه، كأنه قيل لهم: ولكن قولوا أسلمنا حين لم تثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قُولُوا. وما في لَمَّا من معنى التوقع، دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد، فلا تكرار. هذا ما أشار له الزمخشريّ، واختار كون الجملة حالا، لا مستأنفة، إخبارا منه تعالى، فإنه غير مفيد لما ذكر.
تنبيهات:
الأول- قال في (الإكليل) : استدل بالآية من لم ير الإيمان والإسلام مترادفين،
بل بينهما عموم وخصوص مطلق، لأن الإسلام الانقياد للعمل ظاهرا، والإيمان تصديق القلب كما قال وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ. انتهى.
وهذا الاستدلال في غاية الضعف. لأن ترادفهما شرعا لا يمنع من إطلاقهما بمعناهما اللغويّ في بعض المواضع. وإبانة ذلك موكولة إلى القرائن، وهي جلية، كما هنا. وإلا فآية إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: 19] ، أكبر مناد على اتحادهما. ومن اللطائف أن يقال في الإيمان والإسلام ما قالوه في الفقير والمسكين، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. والإيمان والإسلام وأمثالهما ألفاظ شرعية محضة، ولم يطلقها الشرع إلا على القول والعمل، كما أوضح ذلك الإمام ابن حزم في (الفصل) فانظره.
الثاني- قال في (الإكليل) : في الآية رد على الكرامية في قولهم إن الإيمان هو الإقرار باللسان، دون عقد القلب، وهو ظاهر. وقد استوفى الرد عليهم كغيرهم، الإمام ابن حزم في (الفصل) ، فراجعه.
الثالث- قيل، مقتضى الظاهر أن يقول: قل لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا.
أو: لم تؤمنوا ولكن أسلمتم. فعدل عنه إلى هذا النظم احترازا من النهي عن القول بالإيمان والجزم بإسلامهم، وقد فقد شرط اعتباره شرعا. وقيل: إنه من الاحتباك، وأصله: لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا، ولكن أسلمتم، فقولوا أسلمنا، فحذف من كل منهما نظير ما أثبت في الآخر. والأول أبلغ لأنهم ادعوا الإيمان فنفي عنهم، ثم استدرك عليه فقال: دعوا ادعاء الإيمان، وادّعوا الإسلام، فإنه الذي ينبغي أن يصدر عنكم على ما فيه، فنفى الإيمان، وأثبت لهم قول الإسلام دون الاتصاف به، وهو أبلغ مما ذكر من الاحتباك، مع سلامته من الحذف بلا قرينة- هذا ما في القاضي وحواشيه.
وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فتأتمروا لأوامرهما، وتنتهوا عما نهياكم عنه.
والخطاب لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً أي لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئا، ولا ينقصكم من ثوابها.
قال الزمخشريّ: يقال (ألته السلطان حقه أشد الألت) وهي لغة غطفان. ولغة أسد، وأهل الحجاز- لاته ليتا- وحكى الأصمعيّ عن أم هشام السلولية أنها قالت:
الحمد لله الذي لا يفات ولا يلات ولا تصمه الأصوات. وقرئ باللغتين لا يَلِتْكُمْ و (لا يألتكم) . ونحوه في المعنى فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [الأنبياء: 47] .