الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثل. لأن الشيء ليس مثل مثله. بل المثل المشارك للشيء في صفة، منع كون الشيء أقوى منه فيها وبمنزلة الأصل. والمثل بمنزلة الملحق به المتقارب. انتهى.
ورده السيلكوتي فقال: ما قيل إن نفي مثل المثل لا يستلزم نفي المثل لأن مثل الشيء أضعف منه، فتوهم محض. لأن المماثلة هي الشركة، في أخص الصفات والمساواة في جميع الوجوه مما به المماثلة. صرّح به في (شرح العقائد النسفية) انتهى. ومثل هذه اللطائف الأدبية مما تتحلى به أجياد الأفهام. وتتشعب في أودية بدائعه عيون محاسن الكلام.
تنبيه:
قال السيوطي في (الإكليل) : في الآية ردّ على المشبهة. وأنه تعالى ليس بجوهر ولا بجسم ولا عرض ولا لون ولا حالّ في مكان ولا زمان. انتهى.
وكان حقه أن يتم الاستنباط. فكما أن صدر الآية فيه رد على المشبهة. فكذا تتمتها وهو قوله تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة. ولذا كان أعدل المذاهب مذهب السلف. فإنهم أثبتوا النصوص بالتنزيه من غير تعطيل ولا تشبيه.
وذلك أن المعطلين لم يفهموا من أسماء الله تعالى وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق. ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل.
فمثلوا أولا وعطلوا آخرا. فهذا تشبيه وتمثيل منهم، للمفهوم من أسمائه وصفاته تعالى، بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم. فعطلوا ما يستحقه سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات اللائقة به عز وجل. بخلاف سلف الأمة وأجلاء الأئمة. فإنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه وبما وصف به نبيّه صلى الله عليه وسلم. من غير تحريف ولا تشبيه. قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فرد على المشبهة بنفي المثلية، ورد على المعطلة بقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قال الحافظ ابن عبد البرّ: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز. إلا أنهم لم يكيّفوا شيئا من ذلك. وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج، فكلهم ينكرها ولا يحمل منها شيئا على الحقيقة.
ويزعمون أن من أقرّ بها مشبه، وهم عند من أقرّ بها نافون للمعبود. انتهى.
قال الذهبي: صدق والله! فإن من تأول سائر الصفات، وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام، أدّاه ذلك السلب إلى تعطيل الرب وأن يشابه المعدوم. كما نقل عن حماد بن زيد أنه قال: مثل الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة. قيل: لها سعف؟
قالوا: لا. قيل لها كرب؟ قالوا: لا. قيل لها رطب؟ قالوا: لا. قيل: فلها ساق؟ قالوا:
لا. قيل: فما في داركم نخلة. قلت: كذلك هؤلاء النفاة قالوا إلهنا الله تعالى. وهو لا في زمان ولا في مكان ولا يرى ولا يسمع، ولا يبصر ولا يتكلم، ولا يرضى ولا يريد، ولا ولا. وقالوا: سبحان المنزه عن الصفات. بل نقول: سبحان الله العظيم السميع المريد، الذي كلم موسى تكليما، واتخذ إبراهيم خليلا. ويرى في الآخرة، المتصف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، المنزه عن سمات المخلوقين وعن جحد الجاحدين. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقال الذهبي رحمه الله أيضا: مقال متأخري المتكلمين، أن الله تعالى ليس في السماء ولا على العرش ولا على السموات ولا في الأرض ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا هو بائن عن خلقه ولا متصل بهم. وقالوا: جميع هذه الأشياء صفات الأجسام والله تعالى منزه عن الجسم. قال لهم أهل السنة والأثر: نحن لا نخوض في ذلك ونقول ما ذكرناه اتباعا للنصوص ولا نقول بقولكم. فإن هذه السلوب نعوت للمعدوم. تعالى الله جل جلاله عن العدم. بل هو موجود متميز عن خلقه، موصوف بما وصف به نفسه، من أنه فوق العرش بلا كيف. انتهى.
وقال الإمام ابن تيمية في (الرسالة التدمرية) في القاعدة الأولى: إن الله سبحانه موصوف بالإثبات والنفي. فالإثبات كإخباره بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك. والنفي كقوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال، إلا إذا تضمن إثباتا. وإلا فجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال. لأن النفي المحض عدم محض. والعدم المحض ليس بشيء. وما ليس بشيء فهو كما قيل ليس بشيء، فضلا عن أن يكون مدحا أو كمالا. ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع. والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال. فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات مدح، كقوله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، إلى قوله: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما [البقرة: 255] ، فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام، فهو مبين لكمال أنه الحي القيوم وكذلك قوله: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما أي لا يكرثه ولا يثقله. وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها. بخلاف المخلوق القادر، إذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة، فإن هذا نقص في قدرته وعيب في قوته. وكذلك قوله: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [سبأ: 3] ، فإن نفي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السماوات
والأرض. وكذلك قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] ، فإن نفي مس اللغوب، الذي هو التعب والإعياء، دل على كمال القدرة ونهاية القوة. بخلاف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلال ما يلحقه. وكذلك قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: 103] ، إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء، ولم ينف مجرد الرؤية. لأن المعدوم لا يرى، وليس في كونه لا يرى مدح. إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا. وإنما المدح في كونه لا يحاط به، وإن رئي. كما أنه لا يحاط به وإن علم، فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما، فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية. فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته، ما يكون مدحا وصفة كمال. وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها. لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة. وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها. وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتا، هو مما لم يصف الله به نفسه. فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب، لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا، بل ولا موجودا. وكذلك من شاركهم في بعض ذلك. كالذين قالوا لا يتكلم أو لا يرى أو ليس فوق العالم أو لم يستو على العرش. ويقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا مباين للعالم ولا مجانب له، إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت. ولهذا قال محمود بن سبكتكين لمن ادعى ذلك في الخالق ميّز لنا بين هذا الرب الذي نثبته وبين المعدوم. وكذلك كونه لا يتكلم أو لا ينزل، ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال. بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات. فهذه الصفات منها ما لا يتصف به إلا المعدوم ومنها ما لا يتصف به إلا الجمادات والناقص. فمن قال لا هو مباين للعالم ولا مداخل للعالم، فهو بمنزلة من قال لا هو قائم بنفسه ولا بغيره ولا قديم ولا محدث ولا متقدم على العالم ولا مقارن له. ومن قال إنه ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا متكلم، لزمه أن يكون ميتا أصم أعمى أبكم. فإن قال العمى عدم البصر عما من شأنه أنه يقبل البصر، وما لم يقبل البصر كالحائط لا يقال له أعمى ولا بصير، قيل له هذا اصطلاح اصطلحتموه. وإلا فما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام يمكن وصفه بالموت والعمى والخرس والعجمة. وأيضا فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها. فإن الله قادر على جعل الجماد حيّا كما جعل عصا موسى حية ابتلعت الحبال والعصي. وأيضا فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصا مما يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها. فالجماد الذي
لا يوصف