الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمي الخيل خيرا كأنها نفس الخير، لتعلق الخير بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» : الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة
،
وقال في زيد الخيل حين وفد عليه وأسلم: ما وصف لي رجل فرأيته، إلا كان دون ما بلغني، إلا زيد الخيل
، وسماه زيد الخير، وسأل رجل بلالا رضي الله عنه عن قوم يستبقون، من السابق؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الرجل: أردت الخيل. فقال: وأنا أردت الخير. حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ أي غربت الشمس. متعلق بقوله تعالى: أَحْبَبْتُ وفيه استعارة تصريحية أو مكنية لتشبيه الشمس بامرأة حسناء، أو ملك. وباء بِالْحِجابِ للظرفيّة، أو الاستعانة أو الملابسة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 33]
رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33)
رُدُّوها عَلَيَّ يعني الصافنات. وهذا من مقول القول، فلا حاجة إلى تقدير قول آخر فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ أي فجعل يمسح مسحا، أي يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها، يعني يقطعها.
تنبيه:
قال ابن كثير: ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أن سليمان عليه السلام اشتغل بعرض الخيل حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدا بل نسيانا، كما شغل النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر، حتى صلاها بعد الغروب. وذلك ثابت في الصحيحين «2» من غير وجه. ويحتمل أنه كان سائغا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو، والقتال. والخيل تراد للقتال، وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعا فنسخ ذلك بصلاة الخوف، ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة حتى لا تمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود. كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح (تستر) وهو منقول عن مكحول والأوزاعيّ وغيرهما، والأول أقرب. لأنه قال بعد رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ قال
(1) أخرجه البخاري في: المناقب، 28- باب حدثني محمد بن المثنى، حديث رقم 1368، عن أنس.
(2)
أخرجه البخاري في: المغازي، 29- باب غزوة الخندق، حديث رقم 1400، عن علي.
وأخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم 202.
الحسن البصري: قال: لا، والله! لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك. ثم أمر بها فعقرت. وكذلك قال قتادة.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبّا لها. وهذا القول اختاره ابن جرير. قال: لأنه لم يكن ليعذب حيوانا بالعرقبة، ويهلك مالا من ماله بلا سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها. وهذا الذي رجح ابن جرير، فيه نظر، لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا، ولا سيما إذا كان غضبا لله تعالى، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة. ولهذا لما خرج عنها لله تعالى، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها.
وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوّها شهر ورواحها شهر. فهذا أسرع وخير من الخيل،
روى الأمام أحمد «1» عن ابن قتادة وأبي الدهماء، وكانا يكثران السفر نحو البيت، قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقال لنا البدوي، أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجل يعلمني مما علمه الله عز وجل. وقال: إنك لا تدع سببا اتقاء الله تعالى، إلا أعطاك الله عزّ جلّ خيرا منه.
انتهى ما ذكره ابن كثير.
وقال القاشانيّ: أي طفق يمسح السيف بسوقها، يعرقب بعضها وينحر بعضها، كسرا لأصنام النفس التي تعبدها بهواها، وقمعا لسورتها وقواها، ورفعا للحجاب الحائل بينه وبين الحق، واستغفارا وإنابة إليه بالتجريد والترك.
وقد ذهب الرازي إلى تأويل آخر استصوبه، قال: إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم. كما أنه كذلك في دين الإسلام. ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو. فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها. وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه. وهو المراد من قوله: عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ثم إنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتي توارت بالحجاب أي غابت عن بصره. ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه. فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها، والغرض من ذلك المسح أمور:
الأول تشريفا لها وإبانة لعزتها، لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدوّ.
والثاني- أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه.
(1) أخرجه في المسند 5/ 78.
الثالث- أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها. فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض.
وقال: فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقا مطابقا موافقا.
ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات.
قال: وأنا شديد التعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة. مع أن العقل والنقل يردها. وليس لهم في إثباتها شبهة فضلا عن حجة فإن قيل: إن الجمهور فسّروا الآية بذلك الوجه، فما قولك فيه؟ فنقول: لنا هاهنا مقامان:
المقام الأول- أن ندعي أن لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها. وقد ظهر، والحمد لله، أن الأمر كما ذكرناه، وظهوره لا يرتاب العاقل فيه.
المقام الثاني- أن يقال: هب أن لفظ الآية لا يدل عليه، إلا أنه كلام ذكره الناس. فما قولك فيه؟ وجوابنا أن الأدلة الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء عليهم السلام. ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات. ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية، فكيف الحكايات عن أقوام لا يبالي بهم ولا يلتفت إلى أقوالهم؟
والله أعلم. انتهى كلام الرازي.
وسبقه ابن حزم حيث قال: تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة. خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة. قد جمعت أفانين من القول، لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها، والتمثيل بها. وإتلاف مال منتفع به بلا معنى. ونسبة تضييع الصلاة إلى نبيّ مرسل، ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها. وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حب الخير. من أجل ذكر ربه حتى توارت الشمس أو تلك الصافنات بحجابها. ثم أمر بردها. فطفق مسحا بسوقها وأعناقها بيده، برّا بها وإكراما لها، هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره. وليس فيها إشارة أصلا إلى ما ذكروه من قتل الخيل وتعطيل الصلاة. وكل هذا قد قاله ثقات المسلمين. فكيف ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ انتهى كلام ابن حزم.
وأقول: الذي يتجه أن هذه القصة أشير بها إلى نبأ لديهم. لأن التنزيل الكريم مصدق الذي بين يديه. إلا أن له الهيمنة عليه. فما وقف فيه على حدّ من أنباء ما بين يديه، يوقف عنده ولا يتجاوز. وحينئذ، فالقصة المعروفة عندهم هي التي أشير إليها. لكن مع الهيمنة عليها، إذ لا تقبل على علّاتها. وقوله تعالى: