الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة فصلت (41) : الآيات 9 الى 10]
قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10)
قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ أي في مقدارهما. وعلمهم بصلة الموصول، إما لما تلقوه خلفا عن سلف، فاستفاض بينهم. أو لما سمعوه من الكتب السالفة، كالتوراة، فأذعنت بذلك نفوسهم، حتى صار معهودا لها وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً أي أكفاء وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ذلِكَ أي الذي خلق الأرض في يومين رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ أي جبالا ثوابت مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها أي أكثر خيرها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ أي مستوية بالامتزاج والاعتدال، للطالبين للأقوات والمعايش. أي قدرها لهم، أو لمن سأل عن مبلغ الأجل الذي خلق الله فيه الأرض، وجعل فيها الرواسي والبركة، وتقدير الأقوات. فحدّه، كما أخبر تعالى، أنه أربعة أيام.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة فصلت (41) : آية 11]
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11)
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أي قصد إلى إيجادها. و (ثم) للتفاوت بين الخلقين في الإحكام وعدمه، واختلافهما في الجهة والجوهر، لا للتراخي في الزمان، إذ لا زمان هناك. قاله القاشانيّ.
وقال ابن جرير: أي ثم ارتفع إلى السماء، أي بلا تكليف ولا تمثيل وَهِيَ دُخانٌ قال القاشاني: أي جوهر لطيف بخلاف الجواهر الكثيفة الثقيلة الأرضية.
وقال القاضي: (دخان) أمر ظلمانيّ. ولعله أراد به مادتها. أو الأجزاء المصغرة التي ركبت منها. وأصله للرازي حيث قال: لما خلق تعالى الأجزاء التي لا تتجزأ، فقبل أن خلق فيها كيفية الضوء، كانت مظلمة عديمة النور، ثم لما ركبها وجعلها سموات وكواكب وشمسا وقمرا، وأحدث صفة الضوء فيها، فحينئذ صارت مستنيرة. فثبت أن تلك الأجزاء، حين قصد الله تعالى أن يخلق منها السماوات والشمس والقمر،
كانت مظلمة. فصح تسميتها بالدخان. لأنه لا معنى للدخان إلا أجزاء متفرقة، غير متواصلة، عديمة النور. ثم قال: فهذا ما خطر بالبال في تفسير الدخان. والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى.
وقال بعض علماء الفلك في تفسير هذه الآية وَهِيَ دُخانٌ: أي ذرات، أي غازت أي سديم. ثم تجاذبت كما يجتمع السحاب فصارت كتلة واحدة. مصداقا لقوله تعالى أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً [الأنبياء:
30] . أي كتلة واحدة. فدارت ثم تقطعت وتفصلت بالقوة الدافعة، فتكونت الأرض والسماوات، تصديقا لقوله تعالى: فَفَتَقْناهُما أي فصلناهما، فصارتا كرات من الماء في يومين. أي ألفي سنة. لقوله تعالى: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج: 47] ، وفي هذا الوقت كان عرشه على الماء. أي كان ملكه وسلطانه على الماء، والله أعلم. انتهى والله أعلم فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ قال القاشاني: أي تعلق أمره وإرادته بإيجادهما، فوجدتا في الحال معا. كالمأمور المطيع، إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع لم يلبث في امتثاله. وهو من باب التمثيل. إذ لا قول ثمة. انتهى.
وقال ابن جرير: أي قال الله جل ثناؤه للسماء والأرض: جيئا بما خلقت فيكما. أما أنت يا سماء، فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم. وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات. وتشققي عن الأنهار قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ أي جئنا بما أحدثت فينا من خلقك، مستجيبين لأمرك، لا نعصي أمرك. انتهى. يعني أن إثبات المقاولة مع السماء والأرض من المجاز. إما بالاستعارة المكنية. كما تقول (نطقت الحال) فتجعل الحال كإنسان يتكلم في الدلالة، ثم يتخيل له النطق الذي هو لازم المشبه به، وينسب إليه. وإما بالاستعارة التمثيلية بأن شبه فيه حالة السماء والأرض التي بينهما وبين خالقهما، في إرادة تكوينهما وإيجادهما، بحالة أمير ذي جبروت له نفاذ في سلطانه، وإطاعة من تحت تصرفه من غير تردد. وقد ردّ غير واحد قول من ذهب إلى أن في الجمادات تمييزا ونطقا على ظاهر أمثال هذه النصوص. منهم ابن حزم. قال في (الفصل) : وأما قوله تعالى قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فقد علمنا بالضرورة والمشاهدة أن القول في اللغة التي نزل بها القرآن، إنما هو دفع آلات الكلام من أنابيب الصدر والحلق والحنك واللسان والشفتين والأضراس، بهواء يصل إلى آذان السامع، فيفهم به مرادات القائل. فإذ لا