الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التغابن
بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة (التغابن) مدنية في قول الأكثرين. وقال الضحاك: هي مكية. وقال الكلبي: هي مكية، ومدنية. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما: أن سورة (التغابن) نزلت بمكة، إلا آيات من آخرها نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي حين شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جفاء أهله، وولده، وهي قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} كما ستقف عليه، وهي ثماني عشرة آية، ومئتان وإحدى وأربعون كلمة، وألف وسبعون حرفا.
تنبيه: بل فائدة: استنبط بعضهم من قوله تعالى آخر سورة (المنافقون): {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً} عمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن سورة (المنافقون) رأس ثلاث وستين سورة، وعقبت بالتغابن، إشارة لظهور التغابن بوفاته صلى الله عليه وسلم. انتهى. جمل نقلا من كرخي. وقال القرطبي: وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما-قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من مولود يولد إلا وفي تشابيك رأسه مكتوب خمس آيات من فاتحة سورة التّغابن» .
بسم الله الرحمن الرحيم
الشرح: {يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ:} انظر أول سورة (الجمعة). {لَهُ الْمُلْكُ:}
يعني: أنه تعالى متصرف في ملكه كيف يشاء، تصرف اختصاص، لا شريك له فيه، وأما ملك غيره؛ فتوكيل منه تعالى للعبد، وأمانة. فطوبى لمن حفظ الأمانة، وقام بحقوقها! {وَلَهُ الْحَمْدُ:}
أيضا الحمد مختص به تعالى؛ لأن أصول النعم، وفروعها منه، وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده. وتقديم الجار والمجرور (له) في الجملتين دلالة على اختصاص الأمرين به تعالى من حيث الحقيقة. هذا؛ واللام مفيدة للملك الحقيقي؛ الذي هو اتساع المقدور لمن له تدبير الأمور. وانظر (الحمد) في الاية رقم [36] من سورة (الجاثية). فهو جيد. {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يعني: إنه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، كما يشاء بلا مانع، ولا مدافع؛ لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل على سواء.
الإعراب: {يُسَبِّحُ:} فعل مضارع. {لِلّهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به. وقيل: اللام صلة، وعليه فلفظ الجلالة مجرور لفظا، منصوب محلا. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل {يُسَبِّحُ،} والجملة الفعلية ابتدائية، لا محل لها.
{فِي السَّماواتِ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {وَما فِي الْأَرْضِ:} معطوف على ما قبله، والإعراب مثله. {لِلّهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْمُلْكُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل نصب حال من لفظ الجلالة، والرابط: الضمير فقط، وجملة {وَلَهُ الْحَمْدُ:} معطوفة عليها فهي في محل نصب حال مثلها. {وَهُوَ:} (الواو): حرف عطف.
(هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {عَلى كُلِّ:} جار ومجرور متعلقان ب: {قَدِيرٌ} بعدهما، و {كُلِّ} مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه، {قَدِيرٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال أيضا.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)}
الشرح: قال ابن عباس-رضي الله عنهما: إن الله خلق بني آدم مؤمنا، وكافرا، ثم يعيدهم كما خلقهم مؤمنا، وكافرا. وعن عائشة-رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله خلق للجنّة أهلا، خلقهم لها؛ وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، خلقهم لها؛ وهم في أصلاب آبائهم» . أخرجه مسلم. وعن أنس-رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وكّل الله بالرحم ملكا فيقول: أي ربّ نطفة؛ أي ربّ علقة؛ أي ربّ مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها. قال: يا ربّ أذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك، وهو في بطن أمّه» .
والذي عليه الجمهور من الأمة: أن الله خلق الكافر، وكفره فعل له، وكسب، مع أن الله خالق الكفر، وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له، وكسب، مع أن الله خالق الإيمان، فلكل واحد من الفريقين كسب، واختيار، وكسبه، واختياره بتقدير الله، وبمشيئته، فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان؛ لأن الله أراد ذلك منه، وقدره عليه، وعلمه منه. والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر؛ لأن الله تعالى قدر ذلك عليه، وعلمه منه، ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدر عليه، وعلمه منه. هذا طريق أهل السنة؛ لأن وجود خلاف المقدور عجز، ووجود خلاف المعلوم جهل، ولا يليقان بالله تعالى، وفي هذا سلامة من الجبر، والقدر، كما قال الشاعر الحكيم:[السريع] يا ناظرا في الدّين ما الأمر؟
…
لا قدر صحّ ولا جبر
انتهى. قرطبي، وخازن بتصرف كبير. هذا؛ وقدم الكافر على المؤمن لكثرة الكفار وقلة المؤمنين. قال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} الاية رقم [13] من سورة (سبأ)، وقال الرسول
صلّى الله عليه وسلّم: «ما الإيمان بجانب الكفر إلا كشامة بيضاء في جلد ثور أسود» . وفي رواية: «أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود» .
وانظر سورة (المزمل) رقم [18]. وانظر قوله تعالى في سورة (الشورى) رقم [7]: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} . هذا؛ وقد قال الزمخشري في تفسير الاية: يعني: فمنكم آت بالكفر وفاعل له، ومنكم آت بالإيمان، وفاعل له. وقد رد أحمد محشي الكشاف أقبح رد، وأشنعه.
الإعراب: {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها. {خَلَقَكُمْ:} فعل ماض، والكاف في محل نصب مفعول به، والفاعل يعود إلى {الَّذِي،} وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فَمِنْكُمْ:} (الفاء): حرف عطف. (منكم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {كافِرٌ:} مبتدأ مؤخر، ولا أعتمده، وإنما أعتمد ما ذكرته في قوله تعالى:{فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} سورة (الحديد) رقم [26]، والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة، أو على الجملة الاسمية:{هُوَ الَّذِي..} . إلخ. {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:} انظر مثل هذه الجملة في الاية الأخيرة من سورة (المنافقون): {وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} .
الشرح: {خَلَقَ:} أنشأ، وأوجد. والفرق بين خلق، وجعل الذي له مفعول واحد: أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين، ولذا عبر سبحانه في كثير من الايات عن إحداث النور، والظلمات بالجعل، فقال:{وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما، كما زعمت المجوس، بخلاف الخلق؛ لأن فيه معنى الإيجاد، والإنشاء، ولذا عبر سبحانه في كثير من الايات عن إيجاد السموات، والأرض بالخلق. وخصهما-جلت قدرته- بالذكر هنا وفي كثير من الايات؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد. وجمع السموات دون الأرض، وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة بالصفات، والاثار والحركات.
وقدمها لشرفها، وعلو مكانها، وتقدم وجودها، ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض. وأيضا لأنها بمنزلة الذكر، فنزول المطر من السماء على الأرض كنزول المني من الذكر في المرأة؛ لأنّ الأرض تنبت، وتخضر بالمطر.
{بِالْحَقِّ} أي: بالعدل، والقسط، محقا غير قاصد به باطلا، فإن المقصود من خلقهما إفاضة الخير على العباد، والدلالة على ذاته، وصفاته. {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ:} بأن خلقكم منتصبي القامة، بادي البشرة، متناسبي الأعضاء، والتخطيطات، متهيئين لمزاولة الصنائع، واكتساب
الكمالات، فشكل ابن آدم أحسن الأشكال، بدليل: أن الإنسان لا يتمنى أن يكون على صورة من سائر الصور غير صورة البشر. ومن حسن صورته أن خلقه منتصبا غير منقلب على وجهه. فإن قيل: قد يوجد كثير من الناس مشوه الخلقة، مسمج الصورة. أجيب بأن صورة البشر من حيث هي أحسن سائر الصور، والسماجة، والتشوه، إنما هو بالنسبة لصورة أخرى أحسن منها، فلو قابلت بين الصورة المشوهة، وبين صورة الفرس، أو غيره من الحيوانات، لرأيت صورة البشر المشوهة أحسن. انتهى. جمل نقلا من الخطيب. قال الزمخشري: لم يخلق الله حيوانا أحسن صورة من الإنسان. انتهى. وصدق الله إذ يقول في سورة (التين): {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} . {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ:} المرجع، والماب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فأحسنوا سرائركم، كما أحسن الله صوركم، وأحسنوا أعمالكم، كما أحسن الله أشكالكم.
الإعراب: {خَلَقَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الله) تقديره:«هو» . {السَّماواتِ:}
مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَالْأَرْضَ:} معطوف على ما قبله.
{بِالْحَقِّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر. {وَصَوَّرَكُمْ:} الواو:
حرف عطف. (صوركم): فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {فَأَحْسَنَ:} الفاء: حرف عطف. (أحسن):
فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الله) أيضا، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا. (إليه): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْمَصِيرُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من الفاعل المستتر؛ فالمعنى لا يأباه، ويكون الرابط: الواو، والضمير.
الشرح: {يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} كل واحدة من هذه الثلاث أخص مما قبلها، وجمع بينها إشارة إلى أن علمه تعالى محيط بالجزئيات، والكليات، لا يعزب عنه شيء من الأشياء.
انتهى. جمل.
وقال النسفي: نبه بعلمه ما في السموات، والأرض، ثم بعلمه بما يسرّه العباد ويعلنونه، ثم بعلمه بذات الصدور: أن شيئا من الكليات والجزئيات غير خاف عليه، فحقه أن يتقى، ويحذر، ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه، وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد، وكل ما ذكره بعد
قوله: {فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} في معنى الوعيد على الكفر، وإنكار أن يعصى الخالق، ولا تشكر نعمته. انتهى.
هذا؛ و {تُسِرُّونَ:} تخفون، و {تُعْلِنُونَ:} تجهرون، والعلن، والإعلان، والعلانية: الجهر، وقال الشاعر:[البسيط] لا تظلموا مسورا فإنه لكم
…
من الّذين وفوا بالسّرّ والعلن
ومعنى: {بِذاتِ الصُّدُورِ} أي: عالم بما في الصدور من الأسرار، والخفايا، فكيف تخفى عليه أعمال العباد الظاهرة؟! وانظر شرح (ذات) في الاية رقم [13] من سورة (الملك).
الإعراب: {يَعْلَمُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (الله) تقديره:«هو» ، والجملة الفعلية مستأنفة، أو في محل نصب حال من الضمير المستتر في الأفعال السابقة، فالمعنى يؤيده، ولا يأباه، ويكون الرابط: الضمير فقط. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به، {فِي السَّماواتِ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {وَالْأَرْضِ:} معطوف على ما قبله {وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ} معطوف على ما قبله، وهو مثله في إعرابه إفرادا وجملا.
{وَاللهُ:} (الواو): حرف استئناف. (الله): مبتدأ. {عَلِيمٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {بِذاتِ:} جار ومجرور متعلقان ب: {عَلِيمٌ،} و (ذات) مضاف، و {الصُّدُورِ} مضاف إليه.
الشرح: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ:} خطاب لأهل مكة، والاستفهام للتوبيخ والتقرير. {نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ:} يعني: قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط. {فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ:} انظر الاية رقم [15] من سورة (الحشر). {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} أي: في الاخرة.
الإعراب: {أَلَمْ:} (الهمزة): حرف استفهام، وتوبيخ، وتأنيب. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَأْتِكُمْ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم)، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والكاف مفعول به، {نَبَأُ:} فاعله، وهو مضاف، و {الَّذِينَ:}
اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.
{كَفَرُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {مِنْ قَبْلُ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، و (من) بيان لما أبهم في الموصول، وبني (قبل) على الضم لقطعه عن الإضافة لفظا، لا معنى. {فَذاقُوا:} (الفاء): حرف عطف. (ذاقوا): ماض، وفاعله، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة، لا محل لها مثلها. {وَبالَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {أَمْرِهِمْ}
مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَلَهُمْ:} (الواو): حرف عطف. (لهم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {عَذابٌ:} مبتدأ مؤخر. {أَلِيمٌ:} صفة {عَذابٌ،} والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.
الشرح: {ذلِكَ:} إشارة إلى ما ذكر من الوبال؛ الذي ذاقوه في الدنيا، وما أعد لهم من العذاب في الاخرة. {بِأَنَّهُ:} بسبب أن الشأن والحال. {كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} أي:
بالمعجزات الباهرات، والحجج الدامغات. {فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا:} أنكروا أن يكون الرسول بشرا، وذلك لقلة عقولهم، وسخافة أحلامهم، ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجرا. {فَكَفَرُوا:}
بالله ورسله، وهو كما قالت ثمود:{أَبَشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} [24] من سورة (القمر). هذا؛ وأريد بقوله: (بشر) الجنس؛ فلذا صح الجمع في قولهم: {يَهْدُونَنا} ولم يقولوا:
يهدينا الذي هو مقتضى الظاهر.
{فَكَفَرُوا} أي: جحدوا، وأنكروا رسالة الرسل، وهو فحوى ما قبله. {وَتَوَلَّوْا:} أعرضوا عن الإيمان بالله ورسله، وهو توكيد لكفرهم بالله، ورسله. {وَاسْتَغْنَى اللهُ} أي: عن إيمانهم وعبادتهم، كيف لا؟ وقد قال تعالى في الحديث القدسي؛ الذي رواه أبو ذر الغفاري-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة:«يا عبادي! لو أنّ أوّلكم، وآخركم، وإنسكم، وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم؛ ما زاد ذلك في ملكي شيئا! يا عبادي! لو أنّ أوّلكم، وآخركم، وإنسكم، وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا» .
هذا؛ ومقتضى عطف: {وَاسْتَغْنَى اللهُ} على ما قبله أن يكون غناه تعالى متأخرا، ومسببا عن مجيء الرسل إليهم، مع أنّ غناه تعالى أزلي. والجواب عن هذا أن يسلك التأويل في المعطوف، فيقال:{وَاسْتَغْنَى اللهُ} أي: أظهر غناه عن إيمانهم، حيث لم يلجئهم، ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك. وقال الزمخشري: أي: أظهر غناه، فالسين ليست للطلب. انتهى.
جمل نقلا من هنا وهناك.
{وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ:} انظر سورة (الممتحنة) رقم [6]. تأمل وتدبر، وربك أعلم وأجل وأكرم.
الإعراب: {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {بِأَنَّهُ:} (الباء): حرف جر. (أنه): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {كانَتْ:} فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث. {تَأْتِيهِمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والهاء مفعول به.
{رُسُلُهُمْ:} تنازعه كل من {كانَتْ} و {تَأْتِيهِمْ} فالأول يطلبه اسما له، والثاني يطلبه فاعلا، والأول أولى عند الكوفيين لسبقه، والثاني أولى عند البصريين لقربه، ويجب الإضمار في أحد الفعلين كما قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز] إن عاملان اقتضيا في اسم عمل
…
قبل فللواحد منهما العمل
والثاني أولى عند أهل البصره
…
واختار عكسا غيرهم ذا أسره
وأعمل المهمل في ضمير ما
…
تنازعاه والتزم ما التزما
وجملة: {تَأْتِيهِمْ..} . إلخ في محل نصب خبر {كانَتْ} . {بِالْبَيِّناتِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{كانَتْ..} . إلخ في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{ذلِكَ..} .
إلخ مستأنفة، وفيها معنى التعليل لإذاقتهم الوبال، لا محل لها. {فَقالُوا:} (الفاء): حرف عطف. (قالوا): فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {أَبَشَرٌ:}
(الهمزة): حرف استفهام، وإنكار. (بشر): فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده، فهو من باب الاشتغال، أو هو مبتدأ، سوغ الابتداء به تقدم الاستفهام عليه، والأول أرجح. قاله ابن هشام. {يَهْدُونَنا:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، و (نا): مفعول به، والجملة الفعلية مفسرة لا محل لها على الاشتغال، أو هي في محل رفع خبر (بشر) على اعتباره مبتدأ، والجملة الفعلية على الوجهين في محل نصب مقول القول، وجملة: (قالوا
…
) إلخ معطوفة على جملة: {كانَتْ..} . إلخ فهي في محل رفع مثلها.
(كفروا): ماض، وفاعله، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:
(قالوا
…
) إلخ.
{وَتَوَلَّوْا:} الواو: حرف عطف. (تولوا): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة؛ التي هي فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، كما رأيت في الشرح، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، وأيضا {وَاسْتَغْنَى اللهُ} معطوفة، والجملة الاسمية:{وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} مستأنفة، لا محل لها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من لفظ الجلالة، فلست مفندا، وتكون حالا مؤكدة، والرابط: الواو، وإعادة لفظ الاسم الكريم بلفظه.
الشرح: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} أي: ادّعوا باطلا: أنهم لا يبعثون بعد موتهم، والمراد: كفار مكة جميعهم. وقيل: نزلت في العاص بن وائل السهمي مع خباب بن الأرت
-رضي الله عنه-حسب ما تقدم بيانه في سورة (مريم) رقم [77] وما بعدها، ثم عمت كل كافر.
{قُلْ:} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. {بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ:} هذه هي الاية الثالثة؛ التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه على وقوع المعاد، فالأولى في سورة (يونس) رقم [53]:{قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ،} والثانية: في سورة (سبأ) رقم [3]: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ،} والثالثة: هي التي بين أيدينا الان. وانظر شرح {زَعَمَ} في الاية رقم [6] من سورة (الجمعة).
{ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ} أي: لتخبرن بجميع أعمالكم، جليلها، وحقيرها. صغيرها، وكبيرها.
{وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} أي: سهل هين، والإشارة إلى البعث من القبور، وإخبار الكافرين بأعمالهم التي عملوها في الدنيا. وانظر الحديث القدسي في آخر سورة (المنافقون)، واليمين على شيء أنكروه جائز؛ لأن التهديد به أعظم وقعا في القلب فكأنه قيل لهم: ما تنكروه كائن لا محالة. هذا؛ وأصل {لَتُبْعَثُنَّ:} تبعثون، فلما أكد بنون التوكيد؛ صار:«لتبعثوننّ» فحذفت النون لتوالي الأمثال، فصار:«لتبعثونّ» فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وبقيت الضمة على الثاء لتدل على الواو المحذوفة، فصار {لَتُبْعَثُنَّ} .
الإعراب: {زَعَمَ:} فعل ماض. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، وجملة:{كَفَرُوا:} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {أَنْ:} حرف مشبه بالفعل مخفف من الثقيلة، واسمه ضمير الشأن محذوف، التقدير: أنه. {لَنْ يُبْعَثُوا:} فعل مضارع مبني للمجهول منصوب ب: {لَنْ،} وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو نائب فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {أَنْ} المخففة من الثقيلة، و {أَنْ} واسمها المحذوف وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي {زَعَمَ،} والجملة مستأنفة، لا محل لها.
{قُلْ:} فعل أمر، وفاعله تقديره:«أنت» ، {بَلى:} حرف جواب في محل نصب مقول القول، وبعده جملة محذوفة يدل عليها ما قبلها وما بعدها. {وَرَبِّي:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم، وعلامة الجر كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {لَتُبْعَثُنَّ:} (اللام): واقعة في جواب القسم. (تبعثن): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة لتوالي الأمثال، وواو الجماعة المحذوفة، المدلول عليها بالضمة نائب فاعله، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها، وجملة:{لَتُنَبَّؤُنَّ} معطوفة عليها، وإعرابها مثلها بلا فارق، والقسم وجوابه في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وهما مفعوله الثاني، والأول واو الجماعة؛ التي صارت نائب فاعل، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة،
والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء عملتموه، وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: ثم لتنبئون بعملكم.
{وَذلِكَ:} (الواو): واو الحال. (ذلك): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {عَلَى اللهِ:} متعلقان ب: {يَسِيرٌ} بعدهما.
{يَسِيرٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب حال من معنى الكلام السابق، والرابط: الواو واسم الإشارة، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.
{فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)}
الشرح: لما بين الله حال الأمم الماضية المكذبة، وما استحقت من العقاب والعذاب. قال تعالى: آمنوا أنتم أيها المؤمنون بالله ورسوله، لئلا ينزل بكم ما أنزل بهم من العقوبة والعذاب.
{وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا:} يعني القرآن؛ لأنه يبين حقيقة كل شيء، فيهتدى به، كما يهتدى بالنور، وذلك بطريق الاستعارة؛ فإن القرآن يزيل الشبهات، كما يزيل النور الظلمات. وقيل: الخطاب لأهل مكة. {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ:} انظر مثل هذه الجملة في الاية رقم [2] وآخر سورة (المنافقون) ففيهما الكفاية.
الإعراب: {فَآمِنُوا:} (الفاء): هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: إذا كان الأمر كما ذكر، فآمنوا. (آمنوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {بِاللهِ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب:«إذا» . {وَرَسُولِهِ:} الواو: حرف عطف. (رسوله): معطوف على لفظ الجلالة، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَالنُّورِ:} معطوف على ما قبله. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة (النور). {أَنْزَلْنا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: الذي أنزلناه. {وَاللهُ:} الواو: استئنافية، أو حالية. (الله):
مبتدأ. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بخبير بعدهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية على مثال ما سبق، وجملة:{تَعْمَلُونَ:} صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء تعملونه. وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بعملكم. {خَبِيرٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، واعتبارها حالا من واو الجماعة لا بأس به، ويكون الرابط: الواو، والضمير.
الشرح: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} أي: لأجل ما فيه من الحساب، والجزاء. وسمي بذلك؛ لأن الله تعالى يجمع فيه بين الأولين والاخرين، من الإنس والجن، وجميع أهل السماء وأهل الأرض، وبين كل عبد وعمله، وبين الظالم والمظلوم، وبين كل نبي وأمته، وبين ثواب أهل الطاعة، وعقاب أهل المعصية. انتهى. جمل نقلا من الخطيب. قال تعالى في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام رقم [103]:{ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ،} وقال تعالى في سورة (الواقعة): {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} وقال في سورة (الشورى) رقم [7]: {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ} .
{ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ} أي: يوم القيامة. قال ابن عباس-رضي الله عنهما: هو اسم من أسماء يوم القيامة، وذلك: أن أهل الجنة يغبنون أهل النار. وقال مقاتل بن حيان-رحمه الله تعالى-:
لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء الجنة، ويذهب بأولئك إلى النار. هذا؛ وقال الزمخشري:
التغابن مستعار من تغابن القوم في التجارة. وهو أن يغبن بعضهم بعضا؛ لنزول السعداء منازل الأشقياء؛ التي كانوا ينزلونها؛ لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء؛ التي كانوا ينزلونها؛ لو كانوا أشقياء. انتهى.
وقال الخازن: وأصل الغبن في البيع والشراء. وقد ذكر الله في حق الكافرين: أنهم خسروا، وغبنوا في شرائهم، فقال تعالى:{اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ} رقم [175] من سورة (البقرة)، وقال في حق المؤمنين:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} رقم [10] من سورة (الصف)، وقال تعالى:{إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} رقم [111] من سورة (التوبة) وكله من باب الاستعارة، وخذ قول الشاعر:[الطويل] وما أرتجي بالعيش في دار فرقة
…
ألا إنّما الرّاحات يوم التّغابن
ورحم الله عبد الرحمن بن حسان-رضي الله عنهما-إذ يقول: [الوافر] ألا أبلغ معاوية بن حرب
…
أمير المؤمنين ثنا كلامي
بأنّا صابرون ومنظروكم
…
إلى يوم التّغابن والخصام
وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: واللام فيه للدلالة على أن التغابن الحقيقي هو التغابن في أمور الاخرة لعظمها، ودوامها. وقال الحسن، وقتادة-رحمهما الله تعالى-: بلغنا: أن التغابن في ثلاثة أصناف: رجل علم علما فعلمه، وضيعه هو، ولم يعمل به، فشقي به، وعمل به
من تعلمه منه، فنجا به. ورجل اكتسب مالا من وجوه يسأل عنها، وشح عليه، وفرّط في طاعة ربه بسببه، ولم يعمل فيه خيرا، وتركه لوارث لا حساب عليه فيه، فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه. ورجل كان له عبد، فعمل العبد بطاعة ربه فسعد، وعمل السيد بمعصية ربه، فشقي.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «إن الله تعالى يقيم الرّجل والمرأة يوم القيامة بين يديه، فيقول الله تعالى لهما: قولا! فما أنتما بقائلين؟ فيقول الرجل: يا ربّ أوجبت نفقتها عليّ، فتعسّفتها من حلال وحرام، وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك، ولم يبق لي ما أوفي به! فتقول المرأة: يا ربّ وما عسى أن أقول: اكتسبه حراما، وأكلته حلالا، وعصاك في مرضاتي ولم أرض له بذلك، فبعدا له، وسحقا. فيقول الله تعالى: قد صدقت، فيؤمر به إلى النار، ويؤمر بها الجنة، فتطلع عليه من طبقات الجنة، وتقول له: غبناك! غبناك! سعدنا بما شقيت أنت به! فذلك يوم التغابن» . انتهى. قرطبي.
أقول: وهذا إن كانت صالحة لم تكلفه ما لا يطيق، وأما إن كانت فاسدة فمطالبها لا تنتهي، وتعيره بالفقر، وتذكر له دائما حال فلانة، وفلانة، وما هن عليه من الرفاهية، وما هي عليه من سوء الحال. وهذا حال نساء هذا الزمن، فإنها تدخل جهنم قبله، وتنطبق عليها الاية رقم [14].
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً:} ما أعظم هذه المقابلة بين جزاء المؤمنين في هذه الاية، وجزاء الكافرين في الاية التالية! هذا؛ وفي عطف العمل الصالح على الإيمان في الاية الكريمة وغيرها إيحاء، بل تصريح بأن العمل قرين الإيمان، وقد لا يجدي الإيمان بلا عمل، وهو ما أفاده قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«الإيمان والعمل قرينان، لا يقبل الله أحدهما بدون صاحبه» . كما أن الإيمان مشروط لقبول العمل الصالح، وهو كثير جدا في الايات القرآنية. وهذا يسمى في فن البديع احتراسا.
الإعراب: {يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل: {لَتُنَبَّؤُنَّ،} أو متعلق ب: {خَبِيرٌ،} أو هو متعلق ب: «اذكروا» محذوفا، أو هو مفعول به لهذا المحذوف.
{يَجْمَعُكُمْ:} فعل مضارع، والكاف مفعول به، والفاعل مستتر تقديره:«هو» يعود إلى الله، ويقرأ بنون المضارعة، وعليه فالفعل مستتر تقديره:«نحن» ، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (يوم) إليها. {لِيَوْمِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (يوم) مضاف، و {الْجَمْعِ:} مضاف إليه.
{ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {يَوْمَ:} خبره، و {يَوْمَ} مضاف، و {التَّغابُنِ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل نصب حال من (يوم الجمع) والرابط: اسم الإشارة فقط، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.
{وَمَنْ:} (الواو): حرف استئناف. (من): اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يُؤْمِنْ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من) تقديره:«هو» .
{بِاللهِ:} متعلقان بما قبلهما. {وَيَعْمَلْ:} (الواو): حرف عطف. (يعمل): معطوف على ما قبله، والفاعل يعود إلى (من). {صالِحاً:} مفعول به، أو هو صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: يعمل عملا صالحا. {يُكَفِّرْ:} فعل مضارع جواب الشرط، والفاعل يعود إلى (الله) تقديره:«هو» ، ويقرأ بنون المضارعة، وعليه فالفاعل مستتر تقديره:«نحن» ، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء ولا ب:«إذا» الفجائية.
{عَنْهُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {سَيِّئاتِهِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وخبر المبتدأ الذي هو:(من) مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط. وقيل: جملة الجواب. وقيل: هو الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين، والجملة: (من يؤمن
…
) إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{وَيُدْخِلْهُ:} (الواو): حرف عطف. (يدخله): معطوف على جواب الشرط، وفاعله تقديره:
«هو» ، ويقرأ بنون المضارعة، وعليه فالفاعل تقديره:«نحن» ، والهاء مفعوله الأول.
{جَنّاتٍ:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {تَجْرِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {مِنْ تَحْتِهَا:}
متعلقان بما قبلهما، و (ها): في محل جر بالإضافة. {الْأَنْهارُ:} فاعل {تَجْرِي،} والجملة الفعلية في محل نصب صفة {جَنّاتٍ} . {خالِدِينَ:} حال من فاعل الأفعال السابقة، العائد إلى (من)، وقد روعي لفظها في ضمير الأفعال، ومعناها في ضمير الحال، كما هو ظاهر. {فِيها:}
جار ومجرور متعلقان ب: {خالِدِينَ} . {أَبَداً:} ظرف زمان متعلق ب: {خالِدِينَ} أيضا.
{ذلِكَ:} مبتدأ. {الْفَوْزُ:} خبره. {الْعَظِيمُ:} صفة {الْفَوْزُ،} والجملة الاسمية لا محل لها.
تنبيه: الفعل: (يعمل) يجوز في العربية جزمه بالعطف على فعل الشرط، ونصبه ب:«أن» مضمرة بعد الواو على اعتبارها للمعية، والفعل:(يدخله) يجوز في العربية جزمه بالعطف على جواب الشرط، ونصبه بعد الواو على اعتبارها للمعية، ورفعه على الاستئناف على اعتبار الواو للاستئناف. وهذه القاعدة قررها ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز] والفعل من بعد الجزا إن يقترن
…
بالفا أو الواو بتثليث قمن
وجزم أو نصب لفعل إثر فا
…
أو واو إن بالجملتين اكتنفا
الشرح: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي: بقلوبهم. {وَكَذَّبُوا} أي: بألسنتهم. {بِآياتِنا:} بآيات القرآن؛ التي أنزلها الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد عطف سبحانه التكذيب بآياته على الكفر؛ وهو
ضرب منه؛ لأن القصد بيان حال المكذبين، وذكرهم في معرض المصدقين بها جمعا بين الترغيب، والترهيب. {أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ:} انظر شرح {أَصْحابُ} في الاية رقم [91] من سورة (الواقعة). هذا؛ وقد جعل الكفار أصحاب النار بمعنى: مالكيها لملازمتهم لها، وعدم انفكاكهم عنها، وقل مثله في أصحاب الجنة. {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي: بئس المقر، والمرجع، والماب نار جهنم لمن دخلها! والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والماب.
الإعراب: {وَالَّذِينَ:} (الواو): حرف عطف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {بِآياتِنا:} متعلقان بما قبلهما، و (نا): في محل جر بالإضافة. {أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {أَصْحابُ:} خبر المبتدأ، و {أَصْحابُ} مضاف. {النّارِ:} مضاف إليه من إضافة جمع اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: (الذين
…
) إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{خالِدِينَ:} حال من {أَصْحابُ النّارِ} منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين من الاسم المفرد. {وَبِئْسَ:} الواو: استئنافية. (بئس):
فعل ماض جامد لإنشاء الذم. {الْمَصِيرُ:} فاعل بئس والمخصوص بالذم محذوف، التقدير:
وبئس المصير المذمومة النار، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.
الشرح: {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ:} انظر الاية رقم [22] من سورة (الحديد) ففيها الكفاية.
{إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} أي: بإرادته، وقضائه، وعلمه، ومشيئته، كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه. {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ} أي: يصدّق: أنه لا يصيبه مصيبة من موت، أو مرض، أو ذهاب مال، ونحو ذلك إلا بقضاء الله، وقدره، وإذنه. {يَهْدِ قَلْبَهُ} أي: يوفقه لليقين؛ حتى يعلم: أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه؛ لم يكن ليصيبه. فيسلم لقضاء الله تعالى، وقدره. وقيل: يهد قلبه للاسترجاع عند المصيبة، حتى يقول: إنا لله، وإنا إليه راجعون، أو يشرحه للازدياد من الطاعة، والخير. وعن مجاهد-رحمه الله تعالى-: إن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن ظلم غفر.
وقيل: سبب نزول الاية الكريمة: أن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حقا؛ لصانهم الله من المصائب في الدنيا، فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس، أو مال، أو قول، أو فعل يقتضي هما، أو يوجب عقابا، عاجلا، أو آجلا، فبعلم الله، وقضائه، {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:} لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلّم لأمره، ولا كراهة من كرهه.
هذا؛ ويقرأ: {يَهْدِ قَلْبَهُ} وهي قراءة العامة، وقرئ:«(يهد قلبه)» بالبناء للمجهول، ورفع «(قلبه)» ، وقرئ «(نهد قلبه)» ، وقرئ:«(يهدأ قلبه)» والقراآت الثلاث فوق السبعة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {ما:} نافية. {أَصابَ:} فعل ماض. {مِنْ:} حرف جر صلة. {مُصِيبَةٍ:}
فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والمفعول محذوف، التقدير: ما أصاب مصيبة أحدكم، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {إِلاّ:} حرف حصر. {بِإِذْنِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال مستثنى من عموم الأحوال، التقدير: ما أصاب أحدكم مصيبة في حال من الأحوال؛ إلا كائنة بإذن، و (إذن) مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. {وَمَنْ:} (الواو): حرف استئناف.
(من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يُؤْمِنْ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من). {بِاللهِ:} متعلقان بما قبلهما. {يَهْدِ:} فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل يعود إلى (الله). {قَلْبَهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والإعراب واضح على القراآت الأخر، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء ولا ب:«إذا» الفجائية، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه كما رأيت في الاية رقم [9]. والجملة الاسمية: (من يؤمن
…
) إلخ مستأنفة، لا محل لها. {وَاللهُ:} (الواو):
حرف استئناف. (الله): مبتدأ. {بِكُلِّ:} متعلقان ب: {عَلِيمٌ} بعدهما. و (كل): مضاف.
{شَيْءٍ:} مضاف إليه. {عَلِيمٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.
الشرح: {وَأَطِيعُوا اللهَ} أي: فيما أمر به، وفيما نهى عنه. {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ:} في العمل بسنته، والاهتداء بهديه، والاقتداء به، وينبغي أن يكون ذلك في جميع الأوقات، ولا تشغلكم المصائب عن الاشتغال بطاعة الله، وطاعة رسوله، والعمل بكتاب الله، وبسنة رسوله، وقد يقال: كيف يستمر العبد على طاعة الله، وطاعة رسوله حال المصيبة؛ وهي مما يصعب على العبد دفعه؟ والجواب: بأن الإيمان بالواحدانية، وبأن الكل من عند الله يقتضي التوكل عليه في دفع المضار والمصائب، وهو ما تفيده الاية الكريمة التالية. {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ:} أعرضتم عن الإيمان بالله، وطاعته، وطاعة رسوله فإن ذلك يعود عليكم بالضرر، والأذى، ولا يضر الله، ورسوله شيئا، والرسول لم يكلف إلا تبليغكم ما أنزل إليه من ربه، وإعراضكم عنه لا يضره شيئا، وفي سورة (المائدة) رقم [92] قوله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} .
هذا؛ وفي القرطبي قوله: وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فرّق بين ثلاث فرق الله بينه وبين رحمته يوم القيامة، من قال: أطيع الله، ولا أطيع الرسول، والله يقول: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ،} ومن قال: أقيم الصلاة، ولا أوتي الزكاة، والله تعالى يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ،} ومن فرق بين شكر الله، وشكر والديه، والله عز وجل يقول: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ» }.
الإعراب: {وَأَطِيعُوا:} (الواو): حرف استئناف. (أطيعوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {اللهَ:} منصوب على التعظيم، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {فَإِنْ:} (الفاء): حرف استئناف.
(إن): حرف شرط جازم. {تَوَلَّيْتُمْ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط.
والتاء فاعله، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، التقدير: فلا ضرر، ولا بأس على رسولنا في توليكم عن طاعتنا وطاعته. {فَإِنَّما:} (الفاء): حرف تعليل. (إنما): كافة ومكفوفة. {عَلى رَسُولِنَا:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. و (نا): في محل جر بالإضافة، والتقديم يفيد الحصر.
{الْبَلاغُ:} مبتدأ مؤخر. {الْمُبِينُ:} صفة {الْبَلاغُ} والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، وهي مفيدة للتعليل.
{اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)}
الشرح: المعنى: لا معبود إلا الله، ولا خالق ولا رازق غيره، فعليه توكلوا في جميع أموركم، وحركاتكم، وسكناتكم وإليه الجؤوا في جميع شؤونكم.
الإعراب: {اللهُ:} مبتدأ، وجملة:{لا إِلهَ إِلاّ هُوَ:} في محل رفع خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. وانظر تفصيل الإعراب في الاية رقم [22] من سورة (الحشر).
{وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} انظر ما ذكرته بشأن هذه الجملة في الاية رقم [10] من سورة (المجادلة) ففيها الكفاية.
الشرح: قال ابن عباس-رضي الله عنهما: نزلت هذه الاية في المدينة المنورة في عوف بن مالك الأشجعي-رضي الله عنه-شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله، وولده. فنزلت. وأخرج ابن جرير الطبري عن عطاء بن يسار؛ قال: نزلت سورة (التغابن) كلها بمكة إلا هؤلاء الايات:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ..} . إلخ نزلت في عوف بن مالك الأشجعي-رضي الله عنه-كان ذا أهل، وولد، وكان إذا أراد الغزو؛ بكوا إليه، ورققوه، فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق، ويقيم.
وأخرج الترمذي، والحاكم، وصححاه عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم، وأولادهم أن يدعوهم أن يذهبوا إلى المدينة أولا، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله:{وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا..} . إلخ. انتهى. قرطبي، وأسباب النزول للسيوطي بتصرف.
قال القاضي أبو بكر بن العربي-رحمه الله تعالى-: هذا يبين وجه العداوة، فإن العدو لم يكن عدوا لذاته، وإنما كان عدوا بفعله، فإذا فعل الزوج، والولد فعل العدو؛ كان عدوا، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد، وبين طاعة ربه. وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان، فقال له:
أتؤمن وتذر دينك، ودين آبائك؟ فخالفه، فآمن. ثم قعد له على طريق الهجرة، فقال له:
أتهاجر، وتترك مالك وأهلك؟ فخالفه، فهاجر. ثم قعد له على طريق الجهاد، فقال له:
أتجاهد، فتقتل نفسك، فتنكح نساؤك، ويقسم مالك؟ فخالفه، فجاهد، فقتل، فحقّ على الله أن يدخله الجنة». وقعود الشيطان يكون بوجهين: أحدهما: يكون بالوسوسة، والثاني: بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب. قال الله تعالى: {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} رقم [25] من سورة (فصلت) انظر شرحها هناك.
وقال مجاهد-رحمه الله تعالى-: ما عادوهم في الدنيا، ولكن حملتهم مودتهم على أن أخذوا لهم الحرام، فأعطوهم إياه. والاية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد. وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم. وينبغي أن تعلم كما أن الرجل يكون له ولده وزوجه عدوا، كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدوا بهذا المعنى بعينه، وعموم قوله تعالى:{مِنْ أَزْواجِكُمْ} يدخل فيه الذكر والأنثى لدخولهما في كل آية. والله أعلم. انتهى. قرطبي بتصرف كبير.
هذا؛ وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا نداء من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصف، وألطف عبارة؛ أي: يا من صدقتم بالله، ورسوله، وتحليتم بالإيمان الذي هو زينة الإنسان.
{فَاحْذَرُوهُمْ} أي: كونوا على حذر من شرهم، وغوائلهم، وفتنتهم. {وَإِنْ تَعْفُوا:} عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة، ولم تقابلوهم بمثلها. {وَتَصْفَحُوا:} تعرضوا عن توبيخهم.
{وَتَغْفِرُوا:} تتجاوزوا عن ذنوبهم، وتستروا عيوبهم. {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} يغفر لكم ذنوبكم، ويرحمكم برحمته الواسعة.
الإعراب: {يا أَيُّهَا:} (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو. (أيها): منادى نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب بأداة النداء، و (ها): حرف تنبيه لا محل له، أقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه، ولا يجوز اعتبار الهاء ضميرا في محل جر بالإضافة؛ لأنه حينئذ يجب نصب المنادى. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع بدلا من لفظ (أيها).
{آمَنُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {مِنْ أَزْواجِكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (إنّ) تقدم على اسمها، والكاف في محل جر بالإضافة.
(أولادكم): معطوف على ما قبله. {عَدُوًّا:} اسم (إنّ) مؤخر. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {عَدُوًّا،} أو بمحذوف صفة له، والجملة الاسمية:{إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ..} . إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها.
{فَاحْذَرُوهُمْ:} (الفاء): هي الفصيحة. (احذروهم): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعوله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا كانوا كذلك فاحذروهم، والجملة الشرطية هذه معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا. {وَإِنْ:} (الواو): حرف عطف. (إن) حرف شرط جازم. {تَعْفُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. وجملة: {وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} معطوفتان عليها، لا محل لهما مثلها، وإعرابهما مثلها. {فَإِنَّ:} (الفاء): واقعة في جواب الشرط. (إنّ): حرف مشبه بالفعل.
{اللهَ:} اسمها. {غَفُورٌ رَحِيمٌ:} خبران لها، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور. والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد. والجملة الشرطية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.
{إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)}
الشرح: {إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} أي: ابتلاء، واختبار، وشغل عن الاخرة، وقد يقع الإنسان بسببهم في العظائم، ومنع الحق، وتناول الحرام، وغصب مال الغير، ونحو ذلك من أكل الربا، وأكل مال
…
إلخ، {وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} يعني: الجنة. والمعنى: لا تباشروا المعاصي بسبب أولادكم، ولاتؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم. قال بعضهم: لما ذكر الله العداوة؛ أدخل (من) للتبعيض، فقال:{إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} لأنهم كلهم ليسوا بأعداء، ولم يذكر في قوله:{إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} لأنهم لم يخلوا عن
الفتنة، واشتغال القلب بهم، وكان عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-يقول: لا يقولنّ أحدكم:
اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى أهل ومال وولد إلا يشتمل على فتنة، ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
عن بريدة-رضي الله عنه-قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا، فجاء الحسن، والحسين، وعليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر، فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال «صدق الله:{إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} نظرت إلى هذين الصبيين، يمشيان، ويعثران، فلم أصبر حتّى قطعت حديثي، ورفعتهما» أخرجه الترمذي، وقال:
حديث حسن غريب. انتهى. خازن.
تنبيه: في الاية الكريمة تحذير من حب المال، والولد، وتفضيلهما على طاعة الله، ورسوله، فيجب على العاقل أن يحذر من المضارّ المتولدة من حبهما؛ لأن ذلك يشغل القلب، ويصيره محجوبا عن خدمة المولى، وهذا من أعظم الفتن. وروى البغوي بسنده عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي، فقبله، وقال:«أما إنهم مبخلة، وإنهم لمن ريحان الله» . وأخرج الترمذي عن عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-قال: زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم. قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو محتضن أحد بني بنته، وهو يقول:
«إنكم لتبخّلون، وتجبّنون، وتجهّلون، وإنكم لمن ريحان الله» . قال الترمذي: لا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا عن خولة، ومعنى: لمن ريحان الله: لمن رزق الله. الحديث رقم [1911] في كتاب البر والصلة.
الإعراب: {إِنَّما:} كافة ومكفوفة. {أَمْوالُكُمْ:} مبتدأ. {وَأَوْلادُكُمْ:} معطوف عليه، والكاف في محل جر بالإضافة. {فِتْنَةٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها. {وَاللهُ:} (الواو): حرف عطف. (الله): مبتدأ. {عِنْدَهُ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم، والهاء في محل جر بالإضافة. {أَجْرٌ:} مبتدأ مؤخر. {عَظِيمٌ:} صفة له، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ. هذا؛ وإن اعتبرت الظرف متعلقا بمحذوف خبر لفظ الجلالة، ف:{أَجْرٌ} فاعل به؛ أي: بمتعلقه، وهو سائغ لا غبار عليه. والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، واعتبارها حالا ضعيف. وقيل: مستأنفة.
الشرح: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ:} ذهب جماعة من المفسرين إلى أن هذه الاية ناسخة لقوله تعالى: {اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ} رقم [102] من سورة (آل عمران). قال سعيد بن جبير-رضي الله
عنه-: لما نزلت أية (آل عمران) اشتد على القوم العمل، فقاموا؛ حتى ورمت عراقيبهم، وتقرحت جباههم، فأنزل الله هذه الاية تخفيفا على المسلمين. فنسخت آية (آل عمران) والمعنى: ابذلوا أيها المؤمنون في طاعة الله جهدكم، وطاقتكم، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقون. قال المفسرون: هذا في المأمورات، وفضائل الأعمال يأتي الإنسان منها بقدر طاقته، وأما في المحظورات؛ فلا بد من اجتنابها بالكلية، ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال:
«إذا أمرتكم بأمر؛ فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه؛ فاجتنبوه» . أخرجه الشيخان.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: إن آية (آل عمران) لم تنسخ، ولكن حق تقاته أن يجاهدوا لله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط، ولو على أنفسهم، وآبائهم، وأبنائهم.
{وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} أي: اسمعوا ما توعظون به، وأطيعوا فيما تؤمرون به، وتنهون عنه، وهما يشملان كل ما ورد في كتاب الله، وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوامر، ومناه، وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: عليهما بويع النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: على السمع، والطاعة. أقول: هما للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ثم لأولي الأمر من بعده؛ إن هم اتقوا الله، وأطاعوه، وأطاعوا رسوله. قال تعالى في سورة (النساء) رقم [59]:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .
{وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ:} الإنفاق المأمور به يشمل: الواجب من زكاة، ونذور، وكفارات، والتطوع، والتبرع في وجوه الخير ابتغاء مرضاة الله. وقال الحسن: هو نفقة الرجل لنفسه. قال ابن العربي: وإنما أوقع قائل هذا قوله: {لِأَنْفُسِكُمْ} وخفي عليه أن نفقة النفل، والفرض في الصدقة هي نفقة الرجل على نفسه. قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [7]:{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها} وكل ما يفعله الرجل من خير؛ فإنما هو لنفسه.
والصحيح: أنها عامة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال له رجل: عندي دينار. قال: «أنفقه على نفسك» . قال: عندي آخر. قال: «أنفقه على زوجتك» . قال: عندي آخر. قال: «أنفقه على ولدك» . قال: عندي آخر. قال: «أنفقه على خادمك. قال: عندي آخر. قال: «أنت أبصر به» .
وفي رواية قال: «تصدق به» . رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة-رضي الله عنه، فبدأ بالنفس، ثم بالأهل، ثم بالولد، وجعل الصدقة بعد ذلك، وهو الأصل في الشرع. {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ..}. إلخ: انظر رقم [9] من سورة (الحشر) ففيها الكفاية.
الإعراب: {فَاتَّقُوا:} (الفاء): هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كانت الفتنة متوقعة من الأموال، والأولاد؛ فاتقوا
…
إلخ. (اتقوا): فعل أمر مبني على حذف النون؛ لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب:«إذا» ، والجملة الشرطية معطوفة على ما قبلها، أو
مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين. {اللهَ:} منصوب على التعظيم. {مَا:} ظرفية مصدرية.
{اِسْتَطَعْتُمْ:} فعل، وفاعل، و {مَا} والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل قبله، التقدير: فاتقوا الله مدة استطاعتكم التقوى، واعتبار {مَا} موصولة، أو موصوفة لا يؤيده المعنى، وجملة:{وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا} هذه الجمل معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {خَيْراً:} فيه أوجه: أحدها: وهو قول سيبويه: أنه مفعول بفعل مقدر؛ أي: وائتوا خيرا لأنفسكم، كقوله تعالى في سورة (النساء) رقم [171]:{اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ} . الثاني: تقديره: يكن الإنفاق خيرا لكم، فهو خبر يكن المضمرة. وهو قول أبي عبيد. وهو قليل؛ لأن حذف «كان» واسمها مع بقاء الخبر، إنما يكون بعد:«إن، ولو» الشرطيتين. الثالث: أنه نعت مصدر محذوف. وهو قول الكسائي، والفراء. التقدير: وأنفقوا إنفاقا خيرا. الرابع: أنه الحال، وهو قول الكوفيين. الخامس: أنه مفعول بقوله: (أنفقوا) وهذا على تفسير الخير بالمال. انتهى. جمل نقلا عن السمين بتصرف كبير. {لِأَنْفُسِكُمْ:} متعلقان ب:
{خَيْراً،} أو بمحذوف صفة له، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} انظر إعراب هذا الكلام في سورة (الحشر) رقم [9].
الشرح: {إِنْ تُقْرِضُوا..} . إلخ: انظر الاية رقم [11] من سورة (الحديد) ففيها الكفاية.
{شَكُورٌ:} صيغة مبالغة، وفسر في حقه تعالى بالذي يجازي على يسير الطاعات كثير الدرجات، ويعطي بالعمل في أيام معدودة نعما في الاخرة غير محدودة. {حَلِيمٌ:} صيغة مبالغة أيضا، وفسر في حقه تعالى بالذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {إِنْ:} حرف شرط جازم. {تُقْرِضُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {اللهَ:} منصوب على التعظيم.
{قَرْضاً:} مفعول مطلق. {حَسَناً:} صفة له. {يُضاعِفْهُ:} فعل مضارع جواب الشرط، والفاعل يعود إلى {اللهَ،} والهاء مفعول به. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب:«إذا» الفجائية، وجملة:
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ} معطوفة عليها لا محل لها مثلها، والجملة الشرطية مستأنفة، لا محل لها.
{وَاللهُ:} الواو: حالية. (الله): مبتدأ. {شَكُورٌ حَلِيمٌ:} خبران له، والجملة الاسمية في محل نصب حال من الفاعل المستتر في الفعلين السابقين، والرابط: الواو، والضمير.
{عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
الشرح: انظر شرح هذه الكلمات في سورة (الحشر) رقم [22].
الإعراب: {عالِمُ:} خبر ثالث للمبتدأ الأول في الاية السابقة، أو هو خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو عالم، و {عالِمُ} مضاف، و {الْغَيْبِ:} مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {وَالشَّهادَةِ:} معطوف على ما قبله. {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:} خبران للمبتدأ الأول، أو هما خبران لمبتدأ محذوف، التقدير: هو العزيز الحكيم. تأمل، وتدبر، والله أعلم، وأجل، وأكرم. وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم.
انتهت سورة (التغابن) شرحا وإعرابا بحمد الله وتوفيقه.
والحمد لله رب العالمين.