الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الطّلاق
بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة (الطلاق) مدنية، وهي اثنتا عشرة آية، ومئتان وتسع وأربعون كلمة، وألف وستون حرفا. انتهى. خازن.
بسم الله الرحمن الرحيم
الشرح: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ:} خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء، وعم بالخطاب؛ لأن النبي إمام أمته، وقدوتهم، كما يقال لرئيس القوم: يا فلان افعلوا كذا، إظهارا لتقدمه، واعتبارا لترؤسه، وأنه قدوة قومه، فكان هو وحده في حكم كلهم، وسادا مسدّ جميعهم. وقيل: التقدير: يا أيها النبي والمؤمنين. انتهى. نسفي. وقيل: معناه: أيها النبي قل لأمتك: {إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ،} فأضمر القول.
انتهى. خازن. ولا تنس: أن المعنى: إذا أردتم طلاق النساء، وإنما احتيج إلى هذا التقدير، ليصح قوله:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ؛} لأن الشيء لا يترتب على نفسه، ولا يؤمر بتحصيل الحاصل، انتهى.
جمل نقلا عن كرخي. وقال القرطبي: وهذا هو قولهم: إن الخطاب له وحده، والمعنى له وللمؤمنين؛ وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين؛ لاطفه بقوله:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ} . فإذا كان الخطاب باللفظ، والمعنى جميعا له؛ قال:{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ} . ثم قال: ويدل على صحة هذا القول نزول العدة في أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، ففي كتاب أبي داود عنها: أنها طلقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله تعالى حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزل فيها العدة للطلاق. انتهى. وبالجملة هذا من الخطاب المتلون الذي يفتح بالتوحيد، ويختم بالجمع.
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أي: لأولها بأن يكون الطلاق في طهر لم تمس فيه، فإن اللام في الأزمان، وما يشبهها للتأقيت، ومن عد العدة بالحيض، وهو أبو حنيفة علق اللام بمحذوف،
مثل مستقبلات، وهذا الاختلاف ناشئ من الاختلاف في تفسير القرء، والقروء، والأقراء المذكورة في سورة (البقرة) رقم [228]:{وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} . فأبو حنيفة -رحمه الله تعالى-فسر القرء بالحيض أخذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته عن الصلاة في أيام الحيض: «دعي الصلاة أيّام أقرائك» . ودليل الشافعي وغيره القائلين بأنه الطهر وروده في اللغة العربية، ومنه قول الأعشى:[الطويل] ففي كلّ عام أنت جاشم غزوة
…
تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة مالا وفي الحيّ رفعة
…
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وفي القاموس المحيط، ومختار الصحاح: والقرء بفتح القاف وضمها يطلق على الطهر وعلى الحيض، فهو من الأضداد. {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ:} احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق لتراجعوا قبل انتهاء العدة، ولتعرفوا زمن النفقة، والسكنى، وحل النكاح لأخت المطلقة، ونحو ذلك من الفوائد. وهذا كله في المدخول بها، أما غير المدخول بها فلا عدة عليها بصريح قوله تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [49]:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها} .
هذا؛ والطلاق على ثلاثة أنواع: سني، وبدعي، ولا سني، ولا بدعي، فالأول: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، والثاني: أن يطلقها في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، والثالث:
طلاق الصغيرة، وغير المدخول بها، والايسة، وكذلك المخالعة وعد من الأول أن يطلقها حاملا مستبينا حملها، وخذ ما يلي:
فقد روى البخاري: أن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر-رضي الله عنه-ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:«ليراجعها ثمّ يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها، فليطلقها طاهرا قبل أن يمسّها، فتلك العدّة التي أمر الله عز وجل بها» . وعن أنس-رضي الله عنه-قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} فقيل له:
راجعها، فإنها صوّامة قوّامة، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة». أخرجه ابن أبي حاتم.
أقول: والمشهور: أن طلاق حفصة كان بسبب إفشائها سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ستقف عليه في سورة (التحريم) إن شاء الله تعالى، وأن هذه الاية نزلت في عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما.
{وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ} أي: خافوا ربّكم، واخشوه، ولا تعصوه فيما أمركم به. {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ:} من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن. {وَلا يَخْرُجْنَ:} باستبدادهن، أما إذا اتفقا على الانتقال جاز ذلك؛ إذا الحق لا يعدوهما، وفي الجمع بين النهيين دلالة على
استحقاقها السكنى، وملازمتها مسكن الفراق، فلا يجوز لها الخروج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت؛ أثمت، ولا تنقطع العدة. والرجعية، والمبتوتة في هذا سواء، وهذا لصيانة ماء الرجل.
وفي صحيح الحديث: عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: طلّقت خالتي، فأرادت أن تجدّ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«بلى فجدّي نخلك فإنك عسى أن تصدّقي، أو تفعلي معروفا» . خرجه مسلم. ففي هذا الحديث دليل لمالك، والشافعي، وابن حنبل، والليث على قولهم: إن المعتدة تخرج بالنهار في حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل، وسواء عند مالك كانت رجعية، أو بائنة، وقال الشافعي في الرجعية: لا تخرج ليلا، ولا نهارا، وإنما تخرج نهارا المبتوتة، وقال أبو حنيفة: ذلك في المتوفّى عنها زوجها، وأما المطلقة؛ فلا تخرج لا ليلا ولا نهارا. والحديث يرد عليه. انتهى. قرطبي. وهذا المسكن سواء أكان بملك، أو كراء، أو عارية، فإن استرده المكري، أو المعير يجب على الزوج أن يكتري، أو يستعير لها بدله؛ لأنه يجب عليه تأمين مسكن لها.
{إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ:} قرئ بفتح الياء وكسرها. قيل: هي الزنى، يعني: إلا أن يزنين، فيخرجن لإقامة الحد عليهن. وقيل: إلا أن يطلقن على النشوز، والنشوز يسقط حقها في السكنى. وقيل: إلا أن يبذون على الأحماء، والأصهار، فقد روي عن سعيد بن المسيب: أنه قال في فاطمة: تلك امرأة استطالت على أحمائها بلسانها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقل. وروي:
أن عائشة-رضي الله عنها-قالت لها: اتّقي الله فإنك تعلمين لم أخرجت؟ وعن ابن عمر، والسدي: الفاحشة خروجها من بيتها في العدة. وتقدير الكلام: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير حق؛ أي: لو خرجت كانت عاصية. انتهى. كشاف، وقرطبي. هذا؛ ومن المبيح لها الخروج من المسكن الذي وقع فيه الطلاق، بأن تخاف هدما، أو غرقا، كذلك إذا كان لها حاجة ضرورية من بيع غزل، أو شراء قطن؛ جاز لها الخروج نهارا، ولا يجوز ليلا يدل على ذلك أن رجالا استشهدوا بأحد، فقالت نساؤهم: نستوحش في بيوتنا. فأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها. فإذا لزمتها العدة في السفر تعتد في أهلها ذاهبة، وراجعة، والبدوية تتبوأ حيث يتبوأ أهلها في العدة؛ لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم. انتهى. خازن.
بقي أن تعرف هل يقع الطلاق ثلاثا بلفظ الثلاث؟ المعتمد: أنه يقع، الدليل ما رواه الدارقطني عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه: أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية، وهي أم أبي سلمة ثلاث تطليقات في كلمة واحدة، فلم يبلغنا: أن أحدا من أصحابه عاب عليه ذلك. قال: وحدثنا سلمة بن سلمة عن أبيه: أن حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث تطليقات في كلمة، فأبانها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم عاب ذلك عليه. انتهى. قرطبي.
وروي: أن رجلا طلق امرأته ثلاثا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أتلعبون بكتاب الله، وأنا بين أظهركم؟» . وفي حديث ابن عمر-رضي الله عنهما: أنه قال:
يا رسول الله! أرأيت لو طلقتها ثلاثا؟ فقال له: «إذا عصيت، وبانت منك امرأتك» . وعن عمر رضي الله عنه-أنه كان لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا إلا أوجعه ضربا، وأجاز ذلك عليه.
انتهى. كشاف.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ:} الإشارة إلى ما ذكر من الأحكام في هذه الاية، والحدود جمع: حد، وهو في اللغة: الحاجز بين شيئين متجاورين، والمراد هنا: الحد الفاصل بين الحلال، والحرام، فلذا يعاقب من تجاوزه بالحد، وهو العقوبة المقررة لذلك.
{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ} أي: فيطلق لغير السنة، أو تجاوز هذه الأحكام، ومن أهم تعدي حدود الله أن يظلمها، ويجوز عليها؛ حتى يحملها على التنازل عن بعض حقوقها. {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ:} وذلك بتعريضها للعقاب، وحرمانها من رحمة الله، ورضوانه. وقد أظهر {حُدُودُ} وهو محل إضمار للتهويل، والتهديد. {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ..} . إلخ الأمر الذي يحدثه الله أن يقلّب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، والعكس صحيح إن كان البغض من جانبها، والرغبة عن الزوج من قبلها. وهذا كثير، وواقع في زمننا، والمعنى: فطلقوهن لعدتهن، وأحصوا ابتداء العدة، وانتهائها، لعلكم ترغبون، وتندمون، فتراجعون، ولا تنس الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لمزيد الاهتمام بالأحكام المذكورة، والخطاب يعم كل عاقل، والخطاب للمعتدي لا للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بقوله:{لا تَدْرِي} .
خاتمة: قال ابن القيم: إن الله تعالى لما كان يبغض الطلاق، لما فيه من انفصام عرى الزوجية، وموافقة عدوه إبليس؛ حيث يفرح بافتراق الزوجين، وكان مع ذلك يحتاج إليه الزوج، أو الزوجة؛ شرعه على وجه تحصل به المصلحة، وتندفع به المفسدة، وحرمه على غير ذلك الوجه، فشرع له أن يطلقها طاهرا من غير جماع طلقة واحدة، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها، فإن زالت أسباب الخلاف، وحصلت الموافقة أثناء عدتها؛ كان له سبيل إلى إعادتها، وجعل الله العدة ثلاثة قروء ليطول زمن المهلة والاختيار، فهذا هو الذي شرعه الله، وأذن فيه. انتهى.
صفوة التفاسير.
فقد روى الثعلبي من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق» . وعن علي-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تزوجوا، ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتزّ منه العرش» . وعن أبي موسى-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطلّقوا النساء إلا من ريبة، فإن الله عز وجل لا يحب الذوّاقين، ولا الذوّاقات» .
وعن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حلف بالطلاق، ولا استحلف به إلا
منافق». أسند جميعه الثعلبي-رحمه الله تعالى-في كتابه. وروى الدارقطني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ! ما خلق الله شيئا على وجه الأرض أحبّ إليه من العتاق، ولا خلق الله شيئا على وجه الأرض أبغض من الطلاق، فإذا قال الرجل لمملوكه: أنت حرّ إن شاء الله؛ فهو حر، ولا استثناء له. وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله؛ فله استثناؤه ولا طلاق عليه» . وعن معاذ-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما أحلّ الله شيئا أبغض إليه من الطلاق، فمن طلق، واستثنى فله استثناؤه» . انتهى. قرطبي.
وعن محارب بن دثار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحلّ الله شيئا أبغض إليه من الطلاق» .
أخرجه أبو داود مرسلا، وله في رواية عنه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أبغض الحلال إلى الله الطلاق» . وعن ثوبان-رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيّما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس حرام عليها رائحة الجنة» . أخرجه أبو داود، والترمذي. انتهى. خازن.
الإعراب: {يا أَيُّهَا:} (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو. (أيها): نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب بأداة النداء، و (ها) حرف تنبيه لا محل له أقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه، ولا يجوز اعتبار الهاء ضميرا في محل جر بالإضافة؛ لأنه حينئذ يجب نصب المنادى. {النَّبِيُّ:} بدل من (أيها)، والجملة الندائية ابتدائية لا محل لها. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {طَلَّقْتُمُ:} فعل، وفاعل. {النِّساءَ:} مفعول به، والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها، و {إِذا} متعلقة بشرطها هنا، ولا يجوز تعليقها بالجواب؛ لاقترانه بالفاء، ولا يعمل ما بعد الفاء في ما قبلها. {فَطَلِّقُوهُنَّ:} (الفاء): واقعة في جواب {إِذا} . (طلقوهن): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به، والنون حرف دال على جماعة الإناث، والجملة الفعلية جواب {إِذا} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها كلام مبتدأ، أو مستأنف، لا محل له على الاعتبارين. {لِعِدَّتِهِنَّ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب، التقدير:
فطلقوهن مستقبلات لعدتهن، والهاء في محل جر بالإضافة، والنون حرف دال على جماعة الإناث. {وَأَحْصُوا:} الواو: حرف عطف. (أحصوا): فعل أمر، والواو فاعله، والألف للتفريق. {الْعِدَّةَ:} مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جواب {إِذا} لا محل لها مثله.
{وَاتَّقُوا:} الواو: حرف عطف. (اتقوا): أمر وفاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا. {اللهَ:} منصوب على التعظيم. {رَبَّكُمْ:} بدل من لفظ الجلالة، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.
{لا تُخْرِجُوهُنَّ:} فعل مضارع مجزوم ب: {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به، والنون حرف دال على جماعة الإناث، والجملة الفعلية بمنزلة جواب
للأمر، لا محل لها، وفيها معنى الاستئناف. {مِنْ بُيُوتِهِنَّ:} متعلقان بما قبلهما. {وَلا:}
(الواو): حرف عطف. (لا): ناهية. {يَخْرُجْنَ:} فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وهو في محل جزم ب:(لا) الناهية، ونون النسوة فاعله، ومتعلقه محذوف لدلالة ما قبله عليه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{إِلاّ:} حرف حصر. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {يَأْتِينَ:} مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وهو في محل نصب ب:{أَنْ} والنون فاعله، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب حال مستثنى من عموم الأحوال، التقدير: لا يخرجن، ولا تخرجوهن في حال من الحالات إلا في حال كونهن آتيات
…
إلخ. وهذا بعد تحويل المصدر إلى اسم الفاعل، وصاحب الحال نون النسوة، والضمير المنصوب. {بِفاحِشَةٍ:}
متعلقان بما قبلهما. {مُبَيِّنَةٍ:} صفة (فاحشة).
{وَتِلْكَ:} (الواو): حرف استئناف. (تلك): اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {حُدُودُ:} خبره، وهو مضاف، و {اللهَ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.
{وَمَنْ:} (الواو): حرف استئناف. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَتَعَدَّ:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، والفاعل يعود إلى (من) تقديره:«هو» . {حُدُودُ:}
مفعول به، وهو مضاف، و {اللهَ:} مضاف إليه. {فَقَدْ:} (الفاء): واقعة في جواب الشرط.
(قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {ظَلَمَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من).
{نَفْسَهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط. وقيل: جملة الجواب. وقيل: الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين، والجملة الاسمية: (من يتعد
…
) إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{لا:} نافية. {تَدْرِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، وهو معلق عن العمل لفظا بسبب (لعلّ). {لَعَلَّ:} حرف مشبه بالفعل، {اللهَ:} اسمها. {يُحْدِثُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ}. {بَعْدَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، أو هو متعلق بمحذوف حال من {أَمْراً،} كان صفة له، و {بَعْدَ} مضاف، و {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب. {أَمْراً:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {لَعَلَّ،} والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعولي {لا تَدْرِي،} والجملة الفعلية هذه مستأنفة، لا محل لها.
الشرح: {فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي: قاربن انقضاء العدة، فهو كقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [231]:{وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ:} فراجعوهن من غير ضرار بهن.
{أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن، فيملكن أنفسهن، وفي آية (البقرة) رقم [231]:{أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} والتسريح، والمفارقة بمعنى واحد، وهما من ألفاظ الطلاق الصريحة، وفي آية (البقرة) زيادة:{وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا} والمعنى: ولا تراجعوهن إرادة الإضرار بهن، فقد كان المطلق في صدر الإسلام يترك المعتدة؛ حتى تقارب انقضاء عدتها، ثم يراجعها ليطول العدة عليها، فنهي عنه بعد الأمر بضده مبالغة، وفي قوله تعالى:{فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} ما يوجب أن يكون القول قول المرأة في انقضاء العدة؛ إذا ادعت ذلك، ولذا قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [228]:{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} أي: يخفين ما في أرحامهن من الولد، أو الحيض، استعجالا في العدة، وإبطالا في حق الرجعة. {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ:} أمر بالإشهاد على الطلاق. وقيل: على الرجعة، والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. وقيل: المعنى: وأشهدوا عند الرجعة، والفرقة جميعا، وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة-رحمه الله تعالى-، كقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [282]:{وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} وعند الأئمة الثلاثة: الشافعي، ومالك، وأحمد-رحمهم الله تعالى-واجب في الرجعة، مندوب إليه في الفرقة. وفائدة الإشهاد ألا يقع بينهما التجاحد، وألا يتّهم في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما، فيدعي الباقي ثبوت الزوجية؛ ليرث. هذا؛ والشيعة يوجبون الإشهاد على الفرقة؛ لأنهم يقولون: كما يجري العقد بين الزوجين بحضور شاهدين يجب أن يحل بحضور شاهدين، وهناك من يفتي على مذهبهم، ويقول بقولهم.
وعن عمران بن حصين-رضي الله عنه-أنه سئل عن رجل يطلّق امرأته، ثم يقع عليها، ولم يشهد على طلاقها، وعلى رجعتها، فقال:(طلّقت لغير سنة، وراجعت لغير سنّة، أشهد على طلاقها، وعلى رجعتها، ولا تعد). أخرجه أبو داود وابن ماجه.
هذا؛ والرجعة قبل الثلاث من حق الزوج، وليس للزوجة رأي، ولا اختيار، وعند الشافعي -رحمه الله تعالى-لا تكون الرجعة إلا بالقول:«راجعت زوجتي إلى عصمتي وعقد نكاحي» .
ونحو ذلك ولا يشترط الفعل، وعند الإمام أحمد مثله فيما أظن، وعند الإمام مالك-رحمه الله تعالى-تكون الرجعة بالقول، والفعل معا، وعند أبي حنيفة تكون الرجعة بالفعل، ولا يشترط
القول، فإذا جامع، أو قبّل، أو باشر، أو لامس بشهوة، فهو رجعة، وقالوا: النظر إلى الفرج رجعة.
{وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ} أي: طلبا لمرضاة الله، وقياما بوصيته، وخالصا لوجهه، وذلك أن تقيموها، لا للمشهود عليه، ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق، ودفع الظلم، كقوله تعالى في سورة (النساء) رقم [135]:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ،} وأيضا في سورة (المائدة) رقم [8]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} . {ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ..} . إلخ:
أي: الذي شرعه الله من الأحكام في هذه السورة، إنما ينتفع به المؤمن؛ الذي يخشى الله، ويخاف عقابه في الدار الاخرة، فيرق قلبه، ويلين، وأما من لم يكن متصفا بذلك؛ فهو لقساوة قلبه لا يوعظ، ولا ينتفع بهذا، ولا بغيره من المواعظ، والنصائح، والإرشادات. وانظر بقية الكلام في الاية التالية، ولا تنس الطباق بين الإمساك، والمفارقة.
الإعراب: {فَإِذا:} (الفاء): حرف تفريع واستئناف. (إذا): انظر الاية السابقة. {بَلَغْنَ:}
فعل، وفاعل، وقل في هذه الجملة ما رأيته بالجملة في الاية السابقة:{طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} .
{أَجَلَهُنَّ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والنون حرف دال على جماعة الإناث.
{فَأَمْسِكُوهُنَّ:} (الفاء): واقعة في جواب (إذا). (أمسكوهن): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به. {بِمَعْرُوفٍ:} متعلقان بما قبلهما. وقيل: متعلقان بمحذوف حال. ولا وجه له. والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل لها، وجملة:{فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له.
(أشهدوا): فعل أمر وفاعله، والألف للتفريق. {ذَوَيْ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، و {ذَوَيْ:} مضاف، و {عَدْلٍ:} مضاف إليه. {مِنْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {ذَوَيْ عَدْلٍ،} وجملة (أشهدوا
…
) إلخ معطوفة على جواب إذا، لا محل لها مثله، وأيضا جملة:{وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ:} معطوفة عليه، لا محل لها مثله.
{ذلِكُمْ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {يُوعَظُ:} فعل مضارع مبني للمجهول. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {مَنْ:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع نائب فاعل. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر يعود إلى {مَنْ}. {يُؤْمِنُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (من) أيضا، والجملة الفعلية في محل نصب خبر {كانَ،} وجملة:
{كانَ} صلة {مَنْ} أو صفتها. {بِاللهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. (اليوم): معطوف على ما قبله.
{الْآخِرِ:} صفة (اليوم)، وجملة:{يُوعَظُ..} . إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{ذلِكُمْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{وَمَنْ:} (الواو): حرف استئناف، وقال الزمخشري، والجمل: واو الاعتراض. (من):
اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَتَّقِ:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل يعود إلى (من). {بِاللهِ:} منصوب على التعظيم. {يَجْعَلْ:} جواب الشرط، والفاعل يعود إلى (من) أيضا. {لِلّهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني تقدم على الأول. {مَخْرَجاً:} مفعول به، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه كما رأيت في الاية السابقة، والجملة الاسمية لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الواو. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: ينجيه من كل كرب في الدنيا والاخرة. وقال عمر بن عثمان الصدفي في تفسير ذلك: فيقف عند حدوده، ويجتنب معاصيه؛ يخرجه من الحرام إلى الحلال، ومن الضيق إلى السعة، ومن النار إلى الجنة. وقال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي: إنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي-رضي الله عنه: روى الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن ابني أسره العدو، وجزعت الأم، فما تأمرني؟ فقال صلى الله عليه وسلم، «اتق الله، واصبر، وآمرك، وإيّاها أن تستكثرا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله» . فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن نستكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله! فقالت: نعم ما أمرنا به! فجعلا يقولان، فغفل العدوّ عن ابنه، فساق غنمهم، وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت الاية الكريمة، وجعل النبي تلك الأغنام له؛ وكان فقيرا. انتهى. قرطبي.
هذا؛ وروى الحسن عن عمران بن الحصين؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من انقطع إلى الله، كفاه الله كلّ مؤونة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها» . رواه ابن أبي حاتم. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار؛ جعل الله له من كلّ همّ فرجا، ومن كلّ ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» . رواه أبو داود، والنسائي، وغيرهما. وينبغي أن تعلم: أن الإخراج من الضيق والكرب في الدنيا، والاخرة، والرزق من حيث لا يحتسب العبد وعد من الله العزيز الحكيم العليم الخبير، ولكن إنجازه مشروط بتقوى الله، ومراعاة حدوده، واجتناب معاصيه، كما رأيت آنفا. ومعنى {لا يَحْتَسِبُ} أي: من وجه لا يخطر بباله، ولا يحتسبه.
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي: من فوّض إليه أمره، واعتمد عليه في جميع أحواله، وشؤونه مع العمل بطاعته، واجتناب معاصيه؛ فله فيما يعطيه في الاخرة من ثوابه كفاية، وفي الدنيا وقاية من الهموم، والأحزان. وهذا لا ينفي أن يصاب المؤمن في الدنيا بشيء من البلاء، بل قد يصاب أكثر من الفاسدين المفسدين؛ الذين يمهلهم الله، ويمدهم في الدنيا استدراجا لهم. وانظر ما ذكرته في سورة (الحديد) رقم [22] في هذا الصدد؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وخذ ما يلي:
فعن أبي ذر الغفاري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس، لكفتهم، ثم تلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ..}. إلخ» . فما زال يكررها، ويعيدها. وقال ابن عباس رضي الله عنهما-قرأ النبي صلى الله عليه وسلم:{وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ..} . إلخ». قال: «مخرجا من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة» . انتهى. قرطبي. وانظر التوكل في سورة (المجادلة) رقم [10].
وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نزل به حاجة، فأنزلها بالناس؛ كان قمنا ألاّ تسهل حاجته، ومن أنزلها بالله تعالى؛ أتاه الله برزق عاجل، أو بموت آجل» . أخرجه الإمام أحمد.
{إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ:} يبلغ ما يريده، ولا يفوته مراد، ولا يعجزه مطلوب. وقضاؤه، وأمره نافذ فيمن توكل عليه، وفيمن لم يتوكل عليه؛ إلا أن من توكل عليه؛ فيكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا. عزّى الإمام علي-رضي الله عنه-الأشعث بن قيس في ابن شاب توفي بقوله: يا أشعث! إن صبرت؛ جرى عليك القدر، وأنت مأجور، وإن لم تصبر جرى عليك القدر، وأنت مأزور.
هذا؛ وقال الربيع بن خثيم: إن الله قضى على نفسه: أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له، وتصديق ذلك في كتاب الله:
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} سورة (التغابن) رقم [11]، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ،} {إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ} سورة (التغابن)[17]، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} سورة (آل عمران)[101]، {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ}. هذا؛ ومعنى {فَهُوَ حَسْبُهُ} فهو كافيه. ومثله في سورة (المجادلة) رقم [8]:{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ،} ومثلها في سورة (التوبة) رقم [68] و [129] وكثير في القرآن مثل ذلك.
{قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً:} تقديرا، وتوقيتا لكل شيء من الخير، والشر، والشدة، والرخاء فلكل شيء أجل ينتهي إليه لا يتعداه. وهذا بيان لوجوب التوكل على الله، وتفويض الأمر إليه؛ لأنه إذا علم كل شيء من الرزق ونحوه، لا يكون إلا بتقديره، وتوفيقه لم يبق إلا التسليم للقدر، والتوكل على الله.
الإعراب: {وَيَرْزُقْهُ:} (الواو): حرف عطف. (يرزقه): فعل مضارع معطوف على جواب الشرط مجزوم مثله. ويجوز في العربية نصبه ورفعه، كما رأيت في الاية رقم [9] من سورة
(التغابن)، والفاعل يعود إلى (الله)، والهاء مفعوله الأول، والمفعول الثاني محذوف للتعميم؛ لأن الفعل «رزق» ينصب مفعولين؛ لأنه بمعنى: أعطى، ومنح. {مِنْ حَيْثُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وهو مبني على الضم في محل جر. {لا:} نافية. {يَحْتَسِبُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (من)، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {حَيْثُ} إليها. {وَمَنْ:}
(الواو): حرف عطف. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
{يَتَوَكَّلْ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من) تقديره:«هو» . {عَلَى اللهِ:}
متعلقان بما قبلهما. {فَهُوَ:} (الفاء): واقعة في جواب الشرط. (هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {حَسْبُهُ:} خبره، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه كما رأيت في الاية السابقة.
{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهِ:} اسمها. {بالِغُ:} خبرها، وهو مضاف، و {أَمْرِهِ:}
مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. والهاء في محل جر بالإضافة.
هذا؛ وقرأ السبعة ما عدا حفص: «(بالغ أمره)» بالتنوين ونصب «(أمره)» على أنه مفعول به صريح، وقرأ المفضل:«(بالغا أمره)» على أن جملة: {قَدْ جَعَلَ اللهُ} خبر (إن)، و «(بالغا)» حال. وقرأ داود بن أبي هند:«(بالغ أمره)» بالتنوين ورفع الراء. قال الفراء: أي: أمره بالغ. وقيل: «(أمره)» مرتفع ب: (بالغ) والمفعول محذوف، والتقدير: بالغ أمره ما أراد. والجملة الاسمية تعليل، أو مستأنفة، لا محل لها.
{قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {جَعَلَ:} فعل ماض. {اللهِ:} فاعله.
{لِكُلِّ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من قدرا، كان صفة له
إلخ، و (كل) مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه. {قَدْراً:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال من لفظ الجلالة، والرابط إعادة الاسم الكريم بلفظه، أو هي في محل رفع خبر {إِنَّ} على نصب (بالغا) كما رأيته.
الشرح: قيل: لما نزلت: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} الاية رقم [228] من سورة (البقرة). قال خلاّد بن النعمان بن قيس الأنصاري-رضي الله عنه: يا رسول الله! فما عدة التي انقطع حيضها، وعدة التي لم تحض، وعدة الحبلى؟ فأنزل الله عز وجل:{وَاللاّئِي يَئِسْنَ}
{مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ:} اللاتي قعدن عن الحيض، فلا يرجى أن يحضن، وهن العجائز، الايسات من الحيض.
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: شككتم في حكمهن، ولم تعرفوا ما عدتهن. ومن الغريب ما قاله القرطبي:
وقيل: تيقنتم وهو من الأضداد يكون شكا، ويقينا كالظن. انتهى. {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ} يعني: الصغائر اللاتي لم يحضن بعد، فعدتهن أيضا ثلاثة أشهر، أما الشابة التي كانت تحيض، فارتفع حيضها، قبل بلوغ سن الايسات، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن عدتهن لا تنقضي؛ حتى يعاودها الدم، فتعتد بثلاثة أقراء، أو تبلغ سن الايسات، فتعتد بثلاثة أشهر. وهذا قول عثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود. وبه قال عطاء، وإليه ذهب الشافعي، وأصحاب الرأي. وحكي عن عمر-رضي الله عنه: أنها تتربص تسعة أشهر، فإن لم تحض؛ فتعتد بثلاثة أشهر، وهو قول مالك-رحمه الله تعالى-. وقال الحسن البصري: تتربص سنة، فإن لم تحض؛ فتعتد بثلاثة أشهر، وهذا كله في عدة الطلاق، وأما المتوفى عنها زوجها؛ فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت ممن تحيض، أو لا تحيض، وأما الحامل؛ فعدتها بوضع الحمل، سواء طلقها زوجها، أو مات عنها. انتهى. خازن.
أقول: إن المحاكم الشرعية في هذه الأيام تعتبر عدة المطلقة المدخول بها والمخالعة سواء كانت من ذوات الأقراء، أو من الايسات، أو من الصغيرات، المنقطع حيضها، أو غير المنقطع ثلاثة أشهر كاملة، فهو حكم عام، ولا بأس به.
{وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ:} عن سبيعة الأسلمية-رضي الله عنها: أنها كانت تحت سعد بن خولة-رضي الله عنه-وكان ممن شهد بدرا، فتوفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها؛ تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك من بني عبد الدار، فقال لها: ما لي أراك تجملت للخطاب ترجّين النكاح؟ وأنت والله ما أنت بناكح؛ حتى يمر عليك أربعة أشهر، وعشر. قالت سبيعة رضي الله عنها: فلما قال لي ذلك؛ جمعت عليّ ثيابي؛ حتى أمسيت، وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج؛ إن بدا لي. لفظ البخاري، ولمسلم نحوه، وزاد: قال ابن شهاب: ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر. انتهى. خازن. أقول: وهذا قول جمهور العلماء بأن عدة الحامل تنتهي بوضع حملها بعد الطلاق، أو الموت، ولو بفواق ناقة، كما هو نص هذه الاية الكريمة، وكما وردت به السنة النبوية الشريفة.
وقد روي عن علي، وابن عباس-رضي الله عنهم-أنها تعتد بأبعد الأجلين من الوضع والأشهر، عملا بهذه الاية، والتي في سورة (البقرة) رقم [234]:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ}
{أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} . روى البخاري عن أبي سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس، وأبو هريرة جالس، فقال: أفتني في امرأة ولدت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة، فقال ابن عباس: آخر الأجلين. قلت أنا: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ..} . إلخ قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي، يعني: أبا سلمة، فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أمّ سلمة يسألها، فقالت: قتل زوج سبيعة الأسلمية، وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو السنابل فيمن خطبها. هكذا أورد البخاري هذا الحديث مختصرا، وقد رواه مسلم وأصحاب السنن مطولا من وجوه. انتهى. مختصر ابن كثير، وهو فحوى ما نقله من الخازن.
وروى ابن جرير عن علقمة بن قيس: أن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: من شاء لاعنته، ما نزلت:{وَأُولاتُ الْأَحْمالِ..} . إلخ إلا بعد آية المتوفّى عنها زوجها. قال: وإذا وضعت المتوفّى عنها زوجها، فقد حلت، يريد بآية المتوفّى عنها قول تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً} . {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ:} في اجتناب معاصيه، وامتثال أوامره. {يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} أي:
يسهل له أمره، وييسره عليه، ويجعل له فرجا قريبا، ومخرجا عاجلا. وانظر الاية السابقة. هذا؛ و (اللائي) جمع:«التي» . كما تجمع على اللاتي. قال تعالى في سورة (النساء) رقم [14]:
{وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ..} . إلخ كما تجمع على اللواتي، ولم يوجد هذا الجمع في القرآن، كما تجمع على «ذوات». قال ابن مالك-رحمه الله-في ألفيته:[الرجز] باللاّت واللاّء التي قد جمعا
…
واللاء كالذين نزرا وقعا
وكالّتي أيضا لديهم ذات
…
وموضع اللاّتي أتى ذوات
هذا؛ و {الْمَحِيضِ} هنا مصدر ميمي أطلق على دم الحيض، كما يعتبر اسم مكان، أو اسم زمان، وهو ما رأيته في قوله تعالى:{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ..} . إلخ رقم [222] من سورة (البقرة) أما: {وَأُولاتُ} فهو بمعنى: صاحبات، ومفرده: ذات من غير لفظه، وهو ملحق بجمع المؤنث السالم في إعرابه.
الإعراب: {وَاللاّئِي:} (الواو): حرف استئناف. (اللائي): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَئِسْنَ:} فعل مضارع مبني على السكون، والنون فاعله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {مِنَ الْمَحِيضِ:} متعلقان بما قبلهما.
{مِنْ نِسائِكُمْ:} متعلقان بمحذوف حال من نون النسوة، و {مِنَ} بيان لما أبهم في الموصول، والكاف في محل جر بالإضافة. {إِنِ:} حرف شرط جازم، {اِرْتَبْتُمْ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، والجملة الفعلية، لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَعِدَّتُهُنَّ:} (الفاء): واقعة في جواب
الشرط. (عدتهن): مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة، والنون حرف دال على جماعة الإناث. {ثَلاثَةُ:} خبر المبتدأ، وهو مضاف، و {أَشْهُرٍ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها. والجملة الشرطية في محل رفع خبر المبتدأ؛ الذي هو (اللائي). هذا؛ وجوز الشهاب اعتبار الجملة الاسمية:
{فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو (اللائي)، واعتبار جواب الشرط محذوفا، التقدير: فاعلموا: أنها ثلاثة أشهر، واعتبار الجملة الشرطية معترضة بين المبتدأ، وخبره، وهو تكلف لا داعي له. وعلى اعتباره تكون الفاء قد زيدت في خبر الموصول؛ لأنه يشبه الشرط، والجملة الاسمية (اللائي
…
) إلخ مستأنفة، لا محل لها. {وَاللاّئِي:} (الواو):
حرف عطف. (اللائي): مبتدأ. {لَمْ:} حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَحِضْنَ:} فعل مضارع مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والنون فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، وخبره محذوف، قدره ابن هشام بقوله: واللائي لم يحضن كذلك. وضعف قول الفارسي، ومن وافقه في تقدير: واللائي لم يحضن؛ فعدتهن ثلاثة أشهر. هذا؛ وأجيز اعتبار:
(اللائي لم يحضن) معطوفا على: (اللائي يئسن) عطف مفرد على مفرد، وأخبر عن الجميع بقوله:{فَعِدَّتُهُنَّ..} . إلخ. وهو غير مسلم أيضا، والجملة الاسمية: (اللائي لم يحضن
…
) إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{وَأُولاتُ:} (الواو): حرف عطف، أو حرف استئناف. (أولات): مبتدأ، وهو مضاف، و {الْأَحْمالِ} مضاف إليه. {أَجَلُهُنَّ:} مبتدأ ثان، والهاء في محل جر بالإضافة، والنون حرف دال على جماعة الإناث. {إِنِ:} حرف مصدري ونصب. {يَضَعْنَ:} فعل مضارع مبني على السكون في محل نصب ب: {إِنِ} ونون النسوة فاعله. {حَمْلَهُنَّ:} مفعول به، و {أَنْ يَضَعْنَ:}
في تأويل مصدر في محل خبر {أَجَلُهُنَّ،} والجملة الاسمية في محل رفع خبر: (أولات)، وأجيز اعتبار (أجلهن) بدلا من (أولات) فيكون المصدر المؤول خبرا مفردا ل:(أولات).
والجملة الاسمية لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الواو
…
{وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ..} . إلخ انظر إعراب مثل هذه الجملة في الاية رقم [2]. {مِنْ أَمْرِهِ:} متعلقان بمحذوف حال من {يُسْراً} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا، والهاء في محل جر بالإضافة.
الشرح: {ذلِكَ أَمْرُ اللهِ} أي: الذي ذكر من الأحكام في هذه السورة أمر الله أنزله، وبينه لكم؛ لتعملوا به، وتقفوا عند حدوده. {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ:} يعمل بأوامره، ويجتنب نواهيه. {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ:} يغفرها له، ويمحوها؛ كأنها لم تكن موجودة. قال تعالى:{إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ}
{السَّيِّئاتِ،} وانظر ما ذكرته في الاية رقم [70] من سورة (الفرقان) كيف يكون تبديل السيئات حسنات. {وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} أي: يضاعف له ثوابه أضعافا كثيرة كرما منه، وفضلا، والله ذو الفضل العظيم.
الإعراب: {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {أَمْرُ:} خبره، وهو مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {أَنْزَلَهُ:} فعل ماض، والهاء مفعول به، والفاعل يعود إلى (الله). {إِلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب حال من أمر الله، والرابط: الضمير فقط، وهي على تقدير:«قد» قبلها، والعامل اسم الإشارة مثل قوله تعالى:{هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} . {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ..} .
إلخ إعراب هذه الجملة مثل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ..} . إلخ بلا فارق بينهما.
الشرح: {أَسْكِنُوهُنَّ} يعني: مطلقات نسائكم. {حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} أي: من سعتكم، وطاقتكم، فإن كان موسرا؛ يوسع عليها في المسكن، والنفقة، وإن كان فقيرا؛ فعلى قدر الطاقة؛ إذ الوجد: الوسع، والطاقة، ويقرأ بتثليث الواو، والمشهور الضم. {وَلا تُضآرُّوهُنَّ} أي:
لا تستعملوا معهن الضرار بأن تؤذوهن في الكلام. وعن أبي الضحى: هو أن يطلقها، فإذا بقي يومان من عدتها؛ راجعها، ثم طلقها. أقول: قد نهى الله عن ذلك بقوله في سورة (البقرة) رقم [230]: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا} والاعتداء كان بالإلجاء إلى الافتداء، والتطليق، وهو فحوى:{لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} . وقال مجاهد: التضييق في المسكن. وقال مقاتل: هو في النفقة.
{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} أي: صاحبات حمل بمعنى: حوامل. {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ:} هذا بيان من الله عز وجل أن نفقة الحامل لا تسقط عن المطلق؛ حتى تضع الحامل حملها. {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} يعني: أولادكم. {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ:} يعني على إرضاعهن، وفيه دليل على أن اللبن؛ وإن كان قد خلق لمكان الولد؛ فهو ملك للأم، وإلا لم يكن لها أن تأخذ عليه أجرا، وفيه دليل على أن حق الرضاع، والنفقة على الأزواج في حق الأولاد، وهو صريح قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [232]:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} أي: وليقبل بعضكم من بعض ما أمره الله به من المعروف الجميل، والجميل منها: إرضاع الولد من غير أجرة، والجميل منه: توفير الأجرة لها للإرضاع. وقيل:
المعنى: تشاوروا على التراضي في الأجرة. والمعروف هنا ألاّ يقصر الرجل في حق المرأة؛ التي ترضع له ولده، ولا تقصر المرأة في حق الولد، ورضاعه وهو صريح قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [232]:{لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}
{وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ} أي: في حق الولد، وأجرة الرضاع، فأبى الزوج أن يعطي المرأة أجرة رضاعها، وأبت الأم أن ترضعه، فليس له إكراهها على إرضاعه، بل يستأجر للصبي مرضعا غير أمه، وذلك قوله تعالى:{فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى} فيه معاتبة للأم على المعاسرة، فهو كقولك لمن تستقضيه حاجة، فتتعذر منه: سيقضيها غيرك؛ أي سيقضيها؛ وأنت ملوم.
هذا؛ و (حمل) بفتح الحاء، وسكون الميم. قال ابن السكيت: الحمل (بالفتح) ما كان في بطن، أو على رأس شجرة، والحمل (بالكسر) ما كان على ظهر، أو رأس. قال الأزهري: وهذا هو الصواب، وهو قول الأصمعي، وقال القرطبي: وقد حكى يعقوب في حمل النخلة الكسرة.
وقال أبو سعيد السيرافي: يقال في حمل المرأة: حمل، وحمل، يشبه مرة لاستبطانه بحمل النخلة، ومرة لبروزه، وظهوره بحمل الدابة.
فصل في حكم الاية: اعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة، والسكنى ما دامت في العدة، ونعني بالسكنى مؤونة السكنى، فإن كانت الدار التي طلقها الزوج فيها ملك الزوج يجب عليه أن يخرج منها، ويترك الدار لها مدة عدتها، وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة، وإن كانت عارية، فرجع المعير، فعليه أن يكتري لها دارا تسكنها. وأما المعتدة البائنة بالخلع، أو بالطلاق الثلاث، أو باللعان، فلها السكنى حاملا كانت، أو غير حامل عند أكثر أهل العلم. وروي عن ابن عباس-رضي الله عنها-أنه قال: السكنى لها أن تكون حاملا. وهو قول الحسن، والشعبي. واختلفوا في نفقتها، فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا.
يروى ذلك عن ابن عباس-رضي الله عنهما-وهو قول الحسن، والشعبي، وبه قال الشافعي وأحمد.
ومنهم من أوجبها بكل حال، يروى ذلك عن ابن مسعود-رضي الله عنه. وهو قول إبراهيم النخعي، وبه قال الثوري، وأصحاب الرأي. وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق النفقة إلا أن تكون حاملا لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
وأما الدليل على ذلك من السنة، فما روي عن فاطمة بنت قيس-رضي الله عنها: أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة؛ وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال لها:«ليس لك عليه نفقة» ، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال:«تلك امرأة يغشاها أصحابي، فاعتدّي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده، فإذا حللت؛ فآذنيني» . قالت: فلما حللت؛
ذكرت له: أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما أبو جهم؛ فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية؛ فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد» . فكرهته، ثم قال:«انكحي أسامة بن زيد» . فنكحته، فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت به. أخرجه مسلم.
واحتج بهذا الحديث من لم يجعل لها سكنى، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت عمرو بن أم مكتوم، ولا حجة له فيه؛ لما روي عن عائشة-رضي الله عنها-أنها قالت: كانت فاطمة في مكان وحش مخيف على ناحيتها. وقال سعيد بن المسيب: إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها، وكان في لسانها ذرابة.
وأما المعتدة عن وطء الشبهة، والمفسوخ نكاحها بعيب، أو خيار عتق؛ فلا سكنى لها، ولا نفقة؛ وإن كانت حاملا. وأما المعتدة عن وفاة الزوج؛ فلا نفقة لها عند أكثر أهل العلم. وروي عن علي-رضي الله عنه: أن لها النفقة إن كانت حاملا من التركة؛ حتى تضع. وهو قول شريح، والشعبي، والنخعي، والثوري. واختلفوا في سكناها، وللشافعي فيه قولان: أحدهما:
أنه لا سكنى لها، بل تعتد حيث تشاء. وهو قول علي، وابن عباس، وعائشة، وبه قال عطاء، والحسن، وهو قول أبي حنيفة. والثاني: أن لها السكنى، وهو قول عمر، وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر-رضي الله عنهم-وبه قال مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، واحتج من أوجب لها السكنى بما روي عن الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألته أن ترجع إلى أهلها في بني خدر، فإن زوجها في طلب أعبد له أبقوا؛ حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم، فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» . قالت: فانصرفت؛ حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر بي، فنوديت، فقال:«كيف قلت؟» . فرددت عليه القصة؛ التي ذكرت له من شأن زوجي، فقال:«امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» . قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر، وعشرا. قالت: فلما كان عثمان-رضي الله عنه-أرسل إليّ، فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه، وقضى به. أخرجه أبو داود، والترمذي.
فمن قال بهذا القول قال: إذنه لفريعة أولا بالرجوع إلى أهلها؛ صار منسوخا بقوله آخرا:
«امكثي في بيتك؛ حتى يبلغ الكتاب أجله» . ومن لم يوجب السكنى. قال: أمرها بالمكث في بيتها آخرا، استحبابا، لا وجوبا. انتهى. خازن بحروفه.
الإعراب: {أَسْكِنُوهُنَّ:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به، والنون حرف دال على الإناث، لا محل له. {مِنْ حَيْثُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و {حَيْثُ} مبني على الضم في محل جر ب:{مِنْ} . {سَكَنْتُمْ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية
في محل جر بإضافة {حَيْثُ} إليها. {مِنْ وُجْدِكُمْ:} بدل من قوله: {مِنْ حَيْثُ} . وقال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي: عطف بيان. ورده ابن هشام بقوله: وإنما يريد البدل؛ لأن الخافض لا يعاد إلا معه، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله، وجملة:{أَسْكِنُوهُنَّ..} . إلخ ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين. وقيل: الجملة مفسرة لما شرط من التقوى. ولا وجه له. {وَلا:} (الواو): حرف عطف. (لا تضاروهن):
مضارع مجزوم ب: (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به، والنون
…
إلخ، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {لِتُضَيِّقُوا:} مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {عَلَيْهِنَّ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والمفعول محذوف، تقديره: المساكن، أو النفقة.
{وَإِنْ:} (الواو): حرف عطف، أو حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {كُنَّ:}
فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، ونون النسوة اسمه. {أُولاتِ:}
خبر (كان) منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم، و {أُولاتِ} مضاف، و {حَمْلٍ} مضاف إليه، وجملة:{كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَأَنْفِقُوا:} (الفاء): واقعة في جواب الشرط. (أنفقوا):
فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، ومفعوله محذوف. {عَلَيْهِنَّ:}
متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، والجملة الشرطية لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الواو. {حَتّى:} حرف غاية، وجر، بعدها «أن» مضمرة. {يَضَعْنَ:} فعل مضارع مبني على السكون في محل نصب ب: «أن» المضمرة بعد {حَتّى،} ونون النسوة فاعله، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر ب:«حتى» ، والجار ومجرور متعلقان بالفعل: أنفقوا. {حَمْلَهُنَّ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة. هذا؛ ولا يخفى عليك إعراب {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فإنه مثل سابقه بلا فارق.
{وَأْتَمِرُوا:} (الواو): حرف عطف. (ائتمروا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين.
{بَيْنَكُمْ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، والكاف في محل جر بالإضافة.
{بِمَعْرُوفٍ:} متعلقان بما قبلهما. {وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ:} إعراب هذه الجملة مثل إعراب: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ،} {وَإِنْ كُنَّ..} . إلخ بلا فارق، والمتعلق محذوف. انظر الشرح. {فَسَتُرْضِعُ:} (الفاء):
واقعة في جواب الشرط. (السين): حرف استقبال. (ترضع): فعل مضارع. {لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {أُخْرى:} فاعل (ترضع) مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط، والجملة الشرطية:{وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ..} . إلخ لا محل لها معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.
الشرح: معنى الاية لينفق الزوج على زوجته، وعلى ولده الصغير على قدر وسعه؛ حتى يوسع عليهما؛ إذا كان موسعا عليه، ومن كان فقيرا؛ فعلى قدر ذلك، فتقدر النفقة بحسب الحالة من المنفق، والحاجة من المنفق عليه بالاجتهاد على مجرى حياة العادة، فينظر المفتي إلى قدر حاجة المنفق عليه، ثم ينظر إلى حالة المنفق، فإن احتملت الحالة؛ أمضاها عليه، فإن اقتصرت حالته على حاجة المنفق عليه؛ ردها إلى قدر احتماله.
وقال الإمام الشافعي-رضي الله عنه-وأصحابه: النفقة مقدرة محددة، ولا اجتهاد لحاكم، ولا لمفت فيها، وتقديرها ما هو بحال الزوج وحده من يسره، وعسره، ولا يعتبر بحالها، وكفايتها. قالوا: يجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارس، فإن كان الزوج موسرا؛ لزمه مدّان، وإن كان متوسطا فمدّ ونصف، وإن كان معسرا؛ فمدّ، واستدلوا بقوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} فجعل الاعتبار بالزوج في اليسر، والعسر دونها، ولأن الاعتبار بكفايتها لا سبيل إلى علمه للحاكم ولا لغيره، فيؤدي إلى الخصومة؛ لأن الزوج يدعي أنها تلتمس فوق كفايتها، وهي تزعم: أن الذي تطلبه قدر كفايتها، فجعلناها مقدرة قطعا للخصومة. والأصل في هذا عندهم قوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ،} وقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [236]:
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} .
أقول: ولا بد للمدّ، وللمدين ما يلزم لهما من طحن، وإدام. وهذا يختلف باختلاف المكان، والزمان، وإلا فما تصنع بالمد والمدين في هذا الأيام، لذا فالأخذ بقوله تعالى في آية (البقرة) رقم [233]:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أولى، وأحق في هذه الأيام، وذلك يقتضي تعلق المعروف في حقهما؛ لأنه لم يخص في ذلك واحدا منهما، وليس من المعروف أن تكون كفاية الغنية مثل نفقة الفقيرة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لهند:«خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف» . فأحالها على الكفاية حين علم السعة من حال أبي سفيان الواجب عليه بطلبها، ولم يقل لها: لا اعتبار بكفايتك، وأن الواجب لك شيء مقدر، بل ردها إلى ما يعلمه من قدر كفايتها، ولم يعلقه بمقدار معلوم، ثم ما ذكروه من التحديد يحتاج إلى توقيف، والاية لا تقتضيه. انتهى. قرطبي بتصرف.
خاتمة: هذه الاية أصل في وجوب النفقة على الرجل للمرأة، وعلى الوالد للولد دون الأم، وتجب للولد على الأم عند فقد الأب، أو فقره. وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تقول لك المرأة:
أنفق عليّ وإلا طلّقني، ويقول لك العبد: أنفق عليّ واستعملني، ويقول لك الولد: أنفق عليّ إلى من تكلني». فقد تعاضد القرآن والسنة، وتواردا في شرعة واحدة. انتهى. قرطبي.
{سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} أي: سيجعل الله بعد الفقر الغنى، وبعد الضيق الفرج، وبعد الشدة الرخاء، والسعة. وفيه وعد من الغني الحميد، وبشارة من العزيز الحكيم للفقراء بفتح أبواب الرزق عليهم، كيف لا وقد قال تعالى في سورة (الشرح):{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} . وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لن يغلب عسر يسرين» . لذا فالسين هنا تفيد تحقيق الوعد إن شاء الله تعالى، ولا تنس الطباق بين (عسر) و (يسر). هذا؛ وانظر شرح (نفق) في الاية رقم [7] من سورة (المنافقون)، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
تنبيه: قرأنا في كتب الفقه الشافعية: أن أجرة تداوي المرأة ليست على الزوج، وإنما هي عليها إن كان لها مال؛ وإذا لم يكن لها مال؛ فأجرة التداوي على أهلها، وهذا يتنافى مع الإنسانية، والمروءة، المرأة تكون قوية للزوج، وضعيفة، وسقيمة للأهل.
الإعراب: {لِيُنْفِقْ:} فعل مضارع مجزوم بلام الأمر. {ذُو:} فاعله مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذُو:} مضاف، و {سَعَةٍ:} مضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وقرئ بنصبه شاذا على اعتبار اللام للتعليل بعدها «أن» مضمرة، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، التقدير: شرعنا ذلك؛ لإنفاق ذي سعة، وتبقى الجملة مستأنفة، لا محل لها. {مِنْ سَعَتِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة.
{وَمَنْ:} (الواو): حرف استئناف. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {قُدِرَ:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط. {عَلَيْهِ:}
متعلقان بما قبلهما. {رِزْقُهُ:} نائب فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة. {فَلْيُنْفِقْ:} (الفاء):
واقعة في جواب الشرط. {لِيُنْفِقْ:} فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، والفاعل يعود إلى (من) تقديره:«هو» ، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه كما رأيت في الاية رقم [1]. هذا؛ وإن اعتبرت (من) اسما موصولا؛ فهو مبتدأ، وجملة:{قُدِرَ..} . إلخ صلته، والجملة الفعلية:{فَلْيُنْفِقْ} في محل رفع خبره، وفيه: أن الجملة الخبرية إنشائية، وكثير من النحاة لا يجيز ذلك، وقد تكلمت عن ذلك مرارا. {مِمّا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب:(من). {آتاهُ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والهاء مفعول
به أول. {اللهُ:} فاعله، والجملة الفعلية صلة (ما)، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف التقدير: من الذي، أو من شيء آتاه الله إياه.
{لا:} نافية، {يُكَلِّفُ:} فعل مضارع. {اللهُ:} فاعله. {نَفْساً:} مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {إِلاّ:} حرف حصر. {مِمّا:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها. والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: إلا الذي، أو شيئا آتاها إياه. {سَيَجْعَلُ:} (السين): حرف استقبال، (يجعل): فعل مضارع. {اللهُ:} فاعله. {بَعْدَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، أو هو متعلق بمحذوف حال من {يُسْراً،} كان صفة له، و {بَعْدَ:} مضاف، و {عُسْرٍ:} مضاف إليه.
{يُسْراً:} مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.
الشرح: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} أي: وكثير من أهل القرى. فهو على حذف مضاف. ففي ذلك مجاز مرسل، علاقته المحلية، من إطلاق المحل، وإرادة الحال. {عَتَتْ:} عصت، وطغت، وخرجت عن طاعة ربها، وطاعة رسله. {فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً} أي: بالمناقشة، والاستقصاء.
وقيل: حاسبها بعملها في الكفر، فجزاها النار. أو المعنى: فجازيناها على عصيانها، وطغيانها بأنواع العذاب. {وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً} أي: منكرا فظيعا. وقيل: في الاية تقديم، وتأخير مجازها، فعذبناها في الدنيا بالجوع، والقحط، والسيف، وسائر أنواع البلاء، وحاسبناها في الاخرة حسابا شديدا، والتعبير في الماضي بدل المستقبل إنما هو لتحقق وقوعه؛ لأن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة. وقد نوهت عن ذلك كثيرا وكثيرا.
هذا؛ و (كأيّن) أصلها: أيّ الاستفهامية، دخلت عليها كاف التشبيه، فصارت بمعنى:«كم» الخبرية التكثيرية، وهي كناية عن عدد مبهم، مثل: كم، وكذا، وفيها خمس لغات، كلها قرئ بها: إحداها: كأيّن، وهي الأصل، وبها قرأ الجماعة إلا ابن كثير، والثانية: كائن بوزن: كاعن، وبها قرأ ابن كثير، وجماعة، وهي أكثر استعمالا من (كأيّن) وإن كانت الأصل، وهو كثير في الشعر العربي، والثالثة: كئين بوزن: كريم، والرابعة: كيئن بياء ساكنة وهمزة مكسورة.
والخامسة: كأن بوزن: كفن. هذا؛ والجلال المحلي اعتبر (كأين) بسيطة غير مركبة، وأن آخرها نون من نفس الكلمة لا تنوين؛ لأن هذه الدعاوى المتقدمة لا يقوم عليها دليل، والشيخ-رحمه الله تعالى-سلك في ذلك الطريق الأسهل، والنحويون ذكروا هذه الأشياء محافظة على أصولهم مع ما ينضمّ إلى ذلك من الفوائد، وتشحين الذهن، وتمرينه. انتهى. جمل في غير هذا الموضع.
الإعراب: {وَكَأَيِّنْ:} (الواو): حرف استئناف. (كأين): اسم كناية بمعنى: كثير مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وأجاز السمين اعتباره مفعولا به لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده وذلك في سورة (محمد صلى الله عليه وسلم رقم [13] ولا يتأتى هنا؛ لأن {عَتَتْ} لازم. لذا فالأحسن اعتباره فاعلا للفعل المذكور بعده. {مِنْ:} حرف جر صلة.
{قَرْيَةٍ:} تمييز ل: (كأين) منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. {عَتَتْ:} فعل ماض مبني على فتح مقدّر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث الساكنة، والفاعل يعود إلى {قَرْيَةٍ،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ. هذا؛ وأجاز الزمخشري، وتبعه النسفي اعتبار الجملة صفة القرية، والخبر جملة:{أَعَدَّ اللهُ..} . إلخ في الاية رقم [10] الاتية. والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، وعلى اعتبار (كأين) مفعولا به لفعل محذوف، فهي فعلية، وجملة:{عَتَتْ} تكون مفسرة لا محل لها. {عَنْ أَمْرِ:} متعلقان بما قبلهما، و {أَمْرِ} مضاف، و {رَبِّها:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.
{وَرُسُلِهِ:} الواو: حرف عطف. (رسله): معطوفة على ما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة.
{فَحاسَبْناها:} الفاء: حرف عطف. (حاسبناها): فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{عَتَتْ..} . إلخ على الوجهين المعتبرين فيها. {حِساباً:} مفعول مطلق.
{شَدِيداً:} صفة له، وجملة:{وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً} معطوفة على ما قبلها، وهي مثلها في إعرابها.
{فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9)}
الشرح: المعنى: فذاقت عاقبة كفرها، وطغيانها، وتمردها على أوامر الله تعالى، ومخالفة أوامر رسلها. {وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً} أي: وكانت نتيجة بغيها الهلاك، والدمار، والخسران الذي ما بعده خسران. هذا؛ وفي قوله تعالى:{فَذاقَتْ} استعارة. انظر الاية رقم [14] من سورة (الذاريات) وانظر {وَبالَ أَمْرِهِمْ} في سورة (الحشر) رقم [15].
هذا؛ وعاقبة كل شيء: آخره ونتيجته، ومصيره، وماله. ولم يؤنث الفعل (كان) لأن:
{عاقِبَةُ} اكتسب التذكير من المضاف إليه، وهذا باب من أبواب النحو، انظر الشاهد رقم [901] وما بعده من كتابنا:«فتح القريب المجيب» تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
الإعراب: {فَذاقَتْ:} (الفاء): حرف عطف. (ذاقت): فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى {قَرْيَةٍ،} والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {وَبالَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {أَمْرِها:} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَكانَ:} (الواو): حرف عطف. (كان):
فعل ماض ناقص. {عاقِبَةُ:} اسم (كان) وهو مضاف، و {أَمْرِها:} مضاف إليه، و (ها) في محل جر بالإضافة. {خُسْراً:} خبر (كان) والجملة معطوفة على ما قبلها.
الشرح: {أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ..} . إلخ: قد كرر الله الوعيد في الجمل الأربع المتقدمة {فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ..} . إلخ للتوكيد.
ومعنى {أَعَدَّ} هيأ، وأحضر. وجمع الضمير في:{لَهُمْ؛} لأنه عائد على أهل قرية، والمراد -والله أعلم-أهالي قرى كثيرة.
{فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ
…
:} خصهم الله بهذا الأمر؛ لأن أصحاب العقول السليمة، والقلوب الفاهمة هم الذين يستجيبون للأمر، وينتفعون بالموعظة، والنصيحة، ولذا أبدل منهم {الَّذِينَ آمَنُوا} ليتحقق هذا المعنى منهم. {قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً..}. أي: وحيا يتلى، وهو القرآن الحكيم. واختار بعض المفسرين: أن المراد بالذكر هو الرسول صلى الله عليه وسلم، بدليل أنه أبدل منه قوله:
(رسولا) وإليه ذهب الطبري، وأبو السعود. واختار الأول ابن عطية، وصاحب البحر المحيط.
وقال الكلبي: المراد بالرسول: جبريل عليه السلام، فيكونان جميعا منزلين. وقيل: الذكر هنا:
الشرف، نحو قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [10]: {لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ
…
،} وقوله تعالى في سورة (الزخرف) رقم [44]:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ..} . انظر شرح الايتين في محلهما؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
هذا؛ و (أولو) بمعنى: أصحاب، وهو جمع لا واحد له من لفظه، وإنما واحده «ذو» المضاف إن كان مرفوعا، و «ذا» المضاف إن كان منصوبا، و «ذي» المضاف إن كان مجرورا، و {الْأَلْبابِ} العقول، أو القلوب واحده: لبّ، وهو: العقل الخالي من الهوى، سمي بذلك لأحد وجهين: إما لبنائه من: لبّ بالمكان: أقام به، وإما من اللّباب، وهو الخالص من كل شيء. هذا؛ والملاحظ: أنه لم يرد في القرآن الكريم منه صيغة المفرد، وإنما يستعمل مرادفها مكانها، وهو العقل، أو القلب، وذلك في نحو قوله تعالى في سورة (ق) رقم [37]:{إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} وذلك؛ لأن لفظ الباء شديد مجتمع، ولا يفضي إلى هذه إلا من اللام الشديدة المسترخية، فلما لم تحسن اللفظة أسقطها من نظمه ألبتة.
وقد جمع على: «ألب» كما جمع: «بؤس» على: «أبؤس» . انتهى. علوم القرآن للصابوني.
الإعراب: {أَعَدَّ:} فعل ماض. {اللهُ:} فاعله. {لَهُمْ:} متعلقان به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. وقيل: مفسرة لما تقدم من الوعيد. {عَذاباً:} مفعول به. {شَدِيداً:}
صفة له. {فَاتَّقُوا:} (الفاء): هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر. (اتقوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {اللهُ:} منصوب على التعظيم، والجملة
الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب لشرط مقدر، التقدير: وإذا كان ما ذكر واقعا لا محالة؛ فاتقوا الله. (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو. (أولي): منادى منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و (أولي) مضاف، و {الْأَلْبابِ:} مضاف إليه. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب بدلا من (أولي الألباب)، أو صفة له، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَنْزَلَ اللهُ:} ماض، وفاعله. {إِلَيْكُمْ:}
متعلقان بما قبلهما. {ذِكْراً:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال من (أولي الألباب) والرابط: الضمير فقط، والعامل في الحال أداة النداء لما فيها من معنى الفعل.
الشرح: {رَسُولاً يَتْلُوا..} . إلخ: أي: وأرسل إليكم رسولا، وهو محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكم آيات الله واضحات الدلالة، جليات البيان، تبين الحلال والحرام، وما تحتاجون إليه من الأحكام.
{لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ..} . إلخ: أي: ليخرج المؤمنين الصادقين المتقين من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى، ومن ظلمات الكفر، والجهل إلى نور الإيمان، والعلم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في مؤمني أهل الكتاب. وأضاف الإخراج إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإيمان يحصل منه بطاعته، وامتثال أمره، والاهتداء بهديه، والأخذ بتعاليمه. {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ:}
يصدق به، ويعترف بواحدانيته. {وَيَعْمَلْ صالِحاً:} ويعمل عملا صالحا بامتثال أمره، واجتناب نهيه. {يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} أي: يدخله في الاخرة جنات النعيم، تجري من تحت قصورها أنهار الجنة على اختلاف أنواعها، وتنوع مياهها؛ التي رأيتها في سورة (محمد صلى الله عليه وسلم رقم [15]. وقد ذكرت لك مرارا: أن لفظ {الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} مستعاران للكفر والإيمان.
{خالِدِينَ فِيها أَبَداً} أي: ماكثين في تلك الجنان أبدا، لا يخرجون منها، ولا يموتون، ولا يهرمون. روى مسلم عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنّة يأكلون، ويشربون، ولا يبولون، ولا يتغوّطون، ولا يمتخطون، ولا يبزقون، يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس، طعامهم جشاء، ورشحهم المسك» .
{قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً} أي: قد طيب رزقهم في الجنة، ووسعه لهم؛ لأن نعيمها دائم، لا ينقطع. قال الطبري، وغيره: أي: وسع لهم في الجنات الرزق، وهو ما رزقهم من المطاعم والمشارب، وسائر ما أعد لأوليائه فيها، فطيبه لهم. انتهى. وفي الاية معنى التعجب، والتعظيم
لما رزق الله المؤمن من الثواب، والنعيم المقيم. هذا؛ وقد قال تعالى في جزاء المؤمنين الصادقين في سورة (الأنفال) رقم [4]:{لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} وقال في سورة (الحج) رقم [50]: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ومعنى (كريم): لا ينتهي عدده، ولا ينقطع مدده، صاف عن كد الاكتساب، وخوف الحساب، لا منة فيه، ولا عذاب.
هذا؛ وانظر شرح (الظلمات والنور) والاستعارة فيهما في الاية رقم [9] من سورة (الحديد).
في الاية الكريمة التفات من الخطاب في: {عَلَيْكُمْ} إلى الغيبة بقوله: {آمَنُوا وَعَمِلُوا} وفيها مراعاة لفظ: (من) بفاعل {يُؤْمِنْ} وفاعل (يعمل)، ومراعاة معناها بقوله:{خالِدِينَ} ثم مراعاة لفظها بقوله: {قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً} . ففي هذه الاية مراعاة اللفظ أولا، ثم المعنى ثانيا، ثم اللفظ ثالثا.
الإعراب: {رَسُولاً:} قال أبو البقاء في نصبه أوجه: أحدها: أن ينتصب ب: {ذِكْراً} أي:
أنزل إليكم أن ذكر رسولا (أي: إن المصدر عمل لما أمكن حله أن المصدرية، والفعل ذكر).
والثاني: أن يكون بدلا من (ذكرا) ويكون الرسول بمعنى الرسالة، وجملة:{يَتْلُوا} على هذا يجوز أن تكون نعتا، وأن تكون حالا من اسم الله تعالى. والثالث: أن يكون التقدير: ذكرا شرف رسول. أو ذكرا ذكر رسول. ويكون المراد بالذكر: الشرف، وقد أقام المضاف إليه مقام المضاف. والرابع: أن ينتصب بفعل محذوف؛ أي: وأرسل رسولا. انتهى. بتصرف. ولمكي أقوال تشبه أوجه أبي البقاء، ونقل الجمل عن السمين تسعة أوجه، وصفوة القول: أن فيه وجهين معتمدين: أولهما: أن رسولا مفعول به لفعل محذوف، التقدير: وأرسل رسولا، أو وبعث رسولا، وهذا على اعتبار الرسول غير الذكر، وثانيهما: أن رسولا بدل من (ذكرا) على حذف مضاف، أو على بعض التفاسير؛ التي رأيتها.
{يَتْلُوا:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل يعود إلى {رَسُولاً،} والجملة الفعلية في محل نصب صفة {رَسُولاً،} أو في محل نصب حال من اسم الله تعالى، والرابط: الضمير على الاعتبارين، والمعتمد الأول. {عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {آياتِ:} مفعول به، وهو مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه. {مُبَيِّناتٍ:} صفة {آياتِ،} أو حال منها على اعتبار الإضافة أفادت تخصيصا، وهما منصوبان، وعلامة نصبهما الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنهما جمعا مؤنث سالمان. {لِيُخْرِجَ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى {رَسُولاً،} و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل {يَتْلُوا}. {الَّذِينَ:}
مفعول به، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ:} كلاهما متعلقان بالفعل (يخرج).
{وَمَنْ:} (الواو): حرف استئناف. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يُؤْمِنْ:} فعل مضارع مجزوم مثله، والفاعل يعود إلى (من) أيضا. {صالِحاً:} صفة لمفعول به، أو لمفعول مطلق محذوف، التقدير: ويعمل عملا صالحا.
{يُدْخِلْهُ:} مضارع جواب الشرط مجزوم، والفاعل يعود إلى (الله)، والهاء مفعول به أول.
{جَنّاتٍ:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الكسرة
…
إلخ، وجملة:{يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ:} لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب:«إذا» الفجائية، وخبر المبتدأ الذي هو:(من) مختلف فيه، كما رأيت في الأولى رقم [1].
{تَجْرِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {مِنْ تَحْتِهَا:}
متعلقان بما قبلهما، و (ها): في محل جر بالإضافة. {الْأَنْهارُ:} فاعل {تَجْرِي،} والجملة الفعلية في محل نصب صفة {جَنّاتٍ} . {خالِدِينَ:} حال من فاعل (يعمل)، أو من الضمير المنصوب، وفاعله مستتر فيه، وانظر الشرح. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان ب: {خالِدِينَ} . {أَبَداً:} ظرف زمان متعلق ب: {خالِدِينَ} أيضا، وفيه معنى التوكيد للخلود في الجنات.
{قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَحْسَنَ:} فعل ماض. {اللهِ:} فاعله.
{اللهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {رِزْقاً:} مفعول به، والجملة الفعلية:{قَدْ أَحْسَنَ..} .
إلخ في محل نصب حال ثانية من فاعل (يعمل)، أو من الضمير المنصوب، أو هي حال من الضمير المستتر ب:{خالِدِينَ} فتكون حالا متداخلة.
الشرح: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ:} فهو إخبار عن قدرته التامة، وسلطانه العظيم، ليكون ذلك باعثا على تعظيم ما شرع من الدين القويم. قال تعالى في سورة (نوح) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً،} ومثله في سورة (الملك) رقم [3]. {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} أي: سبعا أيضا، كما ثبت في الصحيحين:«من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين» . روته عائشة-رضي الله عنها-عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أخذ من الأرض شبرا بغير حقّه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين» . رواه البخاري، وغيره. وكذا في الحديث الاخر:«ما السموات السبع وما فيهنّ وما بينهنّ، والأرضوان السبع، وما فيهنّ، وما بينهنّ في الكرسيّ إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة» . وقال ابن جرير عن ابن عباس-رضي الله عنهما-في قوله تعالى: {سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ}
{مِثْلَهُنَّ} قال: لو حدثتكم بتفسيرها؛ لكفرتم، وكفركم: تكذيبكم بها. رواه ابن جرير عن مجاهد عن ابن عباس-رضي الله عنهما. انتهى. مختصر ابن كثير بتصرف. وفيه: في سورة (الحديد) ما يلي:
وروى الترمذي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:«هل تدرون ما هذا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم! قال:
«هذا العنان، هذه روايا الأرض، يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه، ولا يدعونه» . ثم قال: «هل تدرون ما فوقكم؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: «فإنها الرقيع سقف محفوظ، وموج مكفوف» . ثم قال: «هل تدرون كم بينكم وبينها؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «بينكم وبينها خمسمئة سنة» . ثم قال: «هل تدرون ما فوق ذلك؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: «فإن فوق ذلك سماءين بعد ما بينهما مسيرة خمسمئة سنة» . حتى عد سبع سموات، ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض. ثم قال:«هل تدرون ما فوق ذلك؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: «فإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السّماء مثل ما بين السماءين ثم قال: هل تدرون ما الذي تحتكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «إنها الأرض» .
ثم قال: «هل تدرون ما الذي تحت ذلك؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن تحتها أرضا أخرى بينهما مسيرة خمسمئة سنة» . حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمسمئة سنة، ثم قال:«والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم حبلا إلى الأرض السفلى لهبط على الله» .
ثم قرأ قوله تعالى: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظّاهِرُ وَالْباطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» . وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقالوا: إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه، وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش كما وصف في كتابه. انتهى كلامه. وانظر سورة (الملك) رقم [3].
أقول: الأبحاث العلمية في الفضاء في هذا الزمن لم تتعدّ العنان المذكور في أول هذا الحديث، والأبحاث العلمية ممنوعة بقدرة الله من اختراق، وتجاوز السماء الأولى، ودليلنا بحمد الله وتوفيقه منع الشياطين من استراق السمع، كما رأيت في سورة (الصافات) رقم [6] وتراه إن شاء الله تعالى في سورة (الملك) رقم [5].
تنبيه: قيل: ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه الاية. وقيل: إن الأرض واحدة، وإن المماثلة ليست في العدد، وإنما هي في الخلق، والإبداع؛ أي: مثلهن في الإبداع والإحكام، والأول أظهر، وأسلم، والله أعلم، وأجل، وأكرم.
{يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ:} المراد به: الوحي ينزل من عند الله إلى خلقه من السماء العليا إلى الأرض السفلى. وقيل: هو ما يدبر فيهن من عجائب تدبيره، ينزل المطر، ويخرج النبات،
ويأتي بالليل والنهار، وبالصيف والشتاء، ويخلق الحيوان على اختلاف هيئاته، وينقله من حال إلى حال، فيحكم بحياة بعض، وموت بعض، وسلامة هذا، وهلاك ذاك. وقيل: في كل سماء من سمواته، وأرض من أرضيه خلق من خلقه، وأمر من أمره، وقضاء من قضائه. انتهى.
خازن.
{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: لتعلموا، وتوقنوا: أن من قدر على هذا الملك العظيم؛ فهو على ما بينهما من خلقه أقدر، ومن العفو والانتقام أمكن، وإن استوى كل ذلك في مقدوره، ومكنته. {وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} أي: إنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء، لا تخفى عليه خافية في السموات السبع، والأرضين السبع، وإنه جلت قدرته، وتعالت حكمته قادر على الإنشاء بعد الإفناء، وكل الكائنات تحت قدرته، وسلطانه لا تخرج عن علمه وإرادته. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
خاتمة: لفظ الأرض لم يرد في القرآن الكريم إلا مفردا، ولم يرد فيه صيغة الجمع (أرضين) ولما احتيج إلى جمعها أخرجها العليم الحكيم على هذه الصورة التي ذهبت بسر الفصاحة والبلاغة، وذهب بها حتى خرجت من الروعة بحيث يسجد لها كل فكر سجدة طويلة. وذلك في قوله جلت قدرته، وتعالت حكمته:{اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ..} . إلخ، ولم يقل: سبع أرضين؛ لأنه يختل بها النظم، وتذهب روعة الفصاحة والبلاغة. انتهى. علوم القرآن للصابوني بتصرف كبير مني.
الإعراب: {اللهُ:} مبتدأ. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {خَلَقَ:} ماض، وفاعله يعود إلى (الذي) وهو العائد.
والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {سَبْعَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {سَماواتٍ:}
مضاف إليه. {وَمِنَ الْأَرْضِ:} متعلقان بفعل محذوف، تقديره: وخلق من الأرض. {مِثْلَهُنَّ:}
مفعول به للفعل المحذوف، وعليه فالعطف من عطف الجمل، وإن اعتبرت {مِثْلَهُنَّ} معطوفا على {سَبْعَ سَماواتٍ} عطف مفرد على مفرد، فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من {مِثْلَهُنَّ} تقدم عليه. هذا؛ وقرئ برفع «(مثلهن)» على أنه مبتدأ مؤخر، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها.
{يَتَنَزَّلُ:} فعل مضارع. {الْأَمْرُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، وقال أبو البقاء:
ويجوز أن تكون نعتا، وأقول: يجوز أيضا أن تكون حالا مما قبلها؛ لأن الإضافة فيها نوع تخصيص. {بَيْنَهُنَّ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة، والنون حرف دال على جماعة الإناث. {لِتَعْلَمُوا:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع
في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان ب:{خَلَقَ} . وقيل: متعلقان ب: {يَتَنَزَّلُ،} وقال الجلال: متعلقان بمحذوف؛ أي: أعلمكم بذلك الخلق، والتنزيل؛ لتعلموا
…
إلخ. {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهُ:} اسمها. {عَلى كُلِّ:} متعلقان بقدير بعدهما، و (كل): مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه. {قَدِيرٌ:} خبر {أَنَّ،} و {أَنَّ} واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي الفعل:(تعلموا). {وَأَنَّ:} (الواو):
حرف عطف. (أن): حرف مشبه بالفعل. {اللهُ:} اسمها. {قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَحاطَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {اللهُ،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أنّ)، والمصدر المؤول معطوف على ما قبله. {بِكُلِّ:} متعلقان بما قبلهما، و (كل) مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه. {عِلْماً:} قال القرطبي: منصوب على المصدر المؤكد؛ لأن أحاط بمعنى: علم، فهو يعني: أنه مفعول مطلق مرادف للمصدر من: {أَحاطَ} . وقال الجمل: تمييز محول عن الفاعل. وهو أولى. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهت سورة (الطلاق) شرحا وإعرابا بحمد الله وتوفيقه.
والحمد لله رب العالمين.