الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ" فِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمُ الْمُنَافِقُونَ، قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: مَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَكَلَةُ «1» رَأْسٍ، وَهُوَ هَالِكٌ وَمَنْ مَعَهُ، فَهَلُمَّ إِلَيْنَا. الثَّانِي: أَنَّهُمُ الْيَهُودُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: هَلُمَّ إِلَيْنَا، أَيْ تَعَالَوْا إِلَيْنَا وَفَارِقُوا مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ هَالِكٌ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ إِنْ ظَفِرَ لَمْ يُبْقِ مِنْكُمْ أَحَدًا. وَالثَّالِثُ: مَا حَكَاهُ ابْنُ زَيْدٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ، فَقَالَ أَخُوهُ- وَكَانَ مِنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ-: هَلُمَّ إِلَيَّ، قَدْ تُبِعَ بِكَ وَبِصَاحِبِكَ، أَيْ قَدْ أُحِيطَ بِكَ وَبِصَاحِبِكَ. فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ، وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ بِأَمْرِكَ، وَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَهُ، فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا". ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ أَيْضًا. وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ هَذَا يَوْمَ الْأَحْزَابِ، انْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ أَخَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَغِيفٌ وَشِوَاءٌ وَنَبِيذٌ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي هَذَا وَنَحْنُ بَيْنَ الرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ؟ فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى هَذَا فَقَدْ تُبِعَ لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ، وَالَّذِي تَحْلِفُ بِهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا مُحَمَّدٌ أَبَدًا. فَقَالَ: كَذَبْتَ. فَذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُهُ فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: لا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة.
[سورة الأحزاب (33): آية 19]
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) أَيْ بُخَلَاءَ عَلَيْكُمْ، أَيْ بِالْحَفْرِ فِي الْخَنْدَقِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: بِالْقِتَالِ مَعَكُمْ وقيل: بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم.
(1). أي هم قليل يشبعهم رأس واحد وهو جمع آكل.
وَقِيلَ: أَشِحَّةً بِالْغَنَائِمِ إِذَا أَصَابُوهَا، قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَنَصْبُهُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ مِنْ أَرْبَعِ جِهَاتٍ: إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى الذَّمِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَصْبًا بِمَعْنَى يُعَوِّقُونَ أَشِحَّةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَالْقَائِلِينَ أَشِحَّةً. وَيَجُوزُ عِنْدَهُ [" وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا" أَشِحَّةً، أَيْ أَنَّهُمْ يَأْتُونَهُ أَشِحَّةً عَلَى الْفُقَرَاءِ بِالْغَنِيمَةِ «1»]. النَّحَّاسُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ" الْمُعَوِّقِينَ" وَلَا" الْقائِلِينَ"، لِئَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ. ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ:" إِلَّا قَلِيلًا" غَيْرَ تَامٍّ، لِأَنَّ" أَشِحَّةً" مُتَعَلِّقٌ بِالْأَوَّلِ، فَهُوَ يَنْتَصِبُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَنْصِبَهُ عَلَى الْقَطْعِ مِنَ" الْمُعَوِّقِينَ" كَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ عَنِ الْقِتَالِ وَيَشِحُّونَ عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْقَطْعِ مِنَ" الْقائِلِينَ" أَيْ وَهُمْ أَشِحَّةً. وَيَجُوزُ أَنْ تَنْصِبَهُ عَلَى الْقَطْعِ مِمَّا فِي" يَأْتُونَ"، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا جُبَنَاءَ بُخَلَاءَ. وَيَجُوزُ أَنْ تَنْصِبَ" أَشِحَّةً" عَلَى الذَّمِّ. فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الرَّابِعِ يَحْسُنُ أَنْ تَقِفَ عَلَى قَوْلِهِ:" إِلَّا قَلِيلًا"." أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ" وَقْفٌ حَسَنٌ. وَمِثْلُهُ" أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ" حَالٌ مِنَ الْمُضْمَرِ فِي" سَلَقُوكُمْ" وَهُوَ الْعَامِلُ فِيهِ. (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) وَصَفَهُمْ بِالْجُبْنِ، وَكَذَا سَبِيلُ الْجَبَانِ يَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا مُحَدِّدًا بَصَرَهُ، وَرُبَّمَا غُشِيَ عَلَيْهِ. وَفِي" الْخَوْفُ" وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ قِتَالِ الْعَدُوِّ إِذَا أَقْبَلَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. الثَّانِي: الْخَوْفُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا غَلَبَ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ." رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ" خَوْفًا مِنَ الْقِتَالِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَمِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الثَّانِي." تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ" لِذَهَابِ عُقُولِهِمْ حَتَّى لَا يَصِحَّ مِنْهُمُ النَّظَرُ إِلَى جِهَةٍ. وَقِيلَ: لِشِدَّةِ خَوْفِهِمْ حَذَرًا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْقَتْلُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) وَحَكَى الْفَرَّاءُ" صَلَقُوكُمْ" بِالصَّادِ. وَخَطِيبٌ مِسْلَاقٌ وَمِصْلَاقٌ إِذَا كَانَ بَلِيغًا. وَأَصْلُ الصَّلْقِ الصَّوْتُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(لَعَنَ اللَّهُ الصالقة والحالقة والشاقة). قال الأعشى:
(1). ما بين المربعين من كتاب النحاس وهو واضح. وعبارة الأصول: (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا يأتونه أشحة أي أشحة على الفقراء بالغنيمة جبناء).