الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ حُذَيْفَةُ: فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا نِيرَانُهُمْ تَتَّقِدُ، فَأَقْبَلَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فِيهَا حَصْبَاءُ فَمَا تَرَكَتْ لَهُمْ نَارًا إِلَّا أَطْفَأَتْهَا وَلَا بِنَاءً إِلَّا طَرَحَتْهُ، وَجَعَلُوا يَتَتَرَّسُونَ مِنَ الْحَصْبَاءِ. وَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَاحِلَتِهِ وَصَاحَ فِي قُرَيْشٍ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ! وَفَعَلَ كَذَلِكَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالْحَارِثُ بن عوف والأقرع ابن حَابِسٍ. وَتَفَرَّقَتِ الْأَحْزَابُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبِهِ مِنَ الشَّعَثِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَتْهُ فَاطِمَةُ بغسول فَكَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: (وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَلَمْ تَضَعْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، مَا زِلْتُ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى جَاوَزْتُ بِهِمُ الرَّوْحَاءَ- ثُمَّ قَالَ- انْهَضْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ (. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ قَعْقَعَةَ السِّلَاحِ حَتَّى جَاوَزْتُ الروحاء.
[سورة الأحزاب (33): الآيات 23 الى 24]
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ) رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَصَلُحَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّ" صَدَقُوا" فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ. (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) " مِنَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ. وَكَذَا" وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ" وَالْخَبَرُ فِي الْمَجْرُورِ. وَالنَّحْبُ: النَّذْرُ وَالْعَهْدُ، تَقُولُ مِنْهُ: نَحَبْتُ أَنْحُبُ، بِالضَّمِّ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِذَا نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى النَّاسِ إِنَّهُمْ
…
أَحَقُّ بِتَاجِ الْمَاجِدِ المتكرم
وقال آخر:
قَدْ نَحَبَ الْمَجْدُ عَلَيْنَا نَحْبَا «1»
وَقَالَ آخَرُ:
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل «2»
(1). قبله:
يا عمرو يا ابن الأكرمين نسبا
(2)
. هذا عجز بيت للبيد، وصدره:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ- سُمِّيَتْ بِهِ- وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَبُرَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غِبْتُ عَنْهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَعْدُ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا، فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ؟ قَالَ: وَاهًا «1» لِرِيحِ الْجَنَّةِ! أَجِدُهَا دُونَ أُحُدٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. فَقَالَتْ عَمَّتِي الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ: فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ" رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها فِي قَوْلِهِ تَعَالَى" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" الْآيَةَ: مِنْهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُصِيبَتْ يَدُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(أَوْجَبَ «2» طَلْحَةُ الْجَنَّةَ). وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاهِلٍ: سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ مَنْ هُوَ؟ وَكَانُوا لا يجترءون عَلَى مَسْأَلَتِهِ، يُوَقِّرُونَهُ وَيَهَابُونَهُ، فَسَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيَّ ثِيَابٌ خُضْرٌ، فَلَمَّا رَآنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(أَيْنَ السَّائِلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ)؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ) قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ، مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ مَقْتُولٌ عَلَى طَرِيقِهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ"- إِلَى-" تَبْدِيلًا" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1). هذه الكلمة توضع موضع الإعجاب بالشيء.
(2)
. أوجب الرجل: إذا فعل فعلا وجبت له به الجنة أو النار.