المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 72 الى 73] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٤

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة الروم]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الروم (30): آية 8]

- ‌[سورة الروم (30): آية 9]

- ‌[سورة الروم (30): آية 10]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة الروم (30): آية 16]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الروم (30): آية 19]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة الروم (30): آية 27]

- ‌[سورة الروم (30): آية 28]

- ‌[سورة الروم (30): آية 29]

- ‌[سورة الروم (30): آية 30]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة الروم (30): آية 33]

- ‌[سورة الروم (30): آية 34]

- ‌[سورة الروم (30): آية 35]

- ‌[سورة الروم (30): آية 36]

- ‌[سورة الروم (30): آية 37]

- ‌[سورة الروم (30): آية 38]

- ‌[سورة الروم (30): آية 39]

- ‌[سورة الروم (30): آية 40]

- ‌[سورة الروم (30): آية 41]

- ‌[سورة الروم (30): آية 42]

- ‌[سورة الروم (30): آية 43]

- ‌[سورة الروم (30): آية 44]

- ‌[سورة الروم (30): آية 45]

- ‌[سورة الروم (30): آية 46]

- ‌[سورة الروم (30): آية 47]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة الروم (30): آية 50]

- ‌[سورة الروم (30): آية 51]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الروم (30): آية 54]

- ‌[سورة الروم (30): آية 55]

- ‌[سورة الروم (30): آية 56]

- ‌[سورة الروم (30): آية 57]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 58 الى 60]

- ‌[تفسير سورة لقمان]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 6]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 7]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 12]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 13]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 16]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 17]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 18]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 19]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 22]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 27]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 28]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 31]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 32]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 33]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 34]

- ‌[تفسير سورة السجدة]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة السجده (32): آية 3]

- ‌[سورة السجده (32): آية 4]

- ‌[سورة السجده (32): آية 5]

- ‌[سورة السجده (32): آية 6]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة السجده (32): آية 10]

- ‌[سورة السجده (32): آية 11]

- ‌[سورة السجده (32): آية 12]

- ‌[سورة السجده (32): آية 13]

- ‌[سورة السجده (32): آية 14]

- ‌[سورة السجده (32): آية 15]

- ‌[سورة السجده (32): آية 16]

- ‌[سورة السجده (32): آية 17]

- ‌[سورة السجده (32): آية 18]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة السجده (32): آية 21]

- ‌[سورة السجده (32): آية 22]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة السجده (32): آية 26]

- ‌[سورة السجده (32): آية 27]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة السجده (32): آية 30]

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آيَةً 1]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 4]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 5]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 7]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 8]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 9]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 10]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 11]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 12]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 13]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 14]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 15]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 16]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 17]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 18]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 19]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 20]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 21]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 22]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 25]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 32]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 33]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 35]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 36]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 37]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 38 الى 39]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 41]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 42]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 43]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 44]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 49]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 50]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 51]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 53]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 54]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 55]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 56]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 57]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 58]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 59]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 63]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 66 الى 67]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 69]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 72 الى 73]

- ‌[سورة سبإ]

- ‌[سورة سبإ (34): آيَةً 1]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 2]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 5]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 6]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 7]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 8]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 9]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 10]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 11]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 12]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 13]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 14]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 15]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 16]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 17]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 18]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 19]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 20]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 21]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 22]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 23]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 24]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 25]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 26]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 27]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 34 الى 38]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 39]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 42]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 43]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 46]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 47]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 48]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 49]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 50]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 51]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 52]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 53]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 54]

- ‌[سورة فاطر]

- ‌[سورة فاطر (35): آيَةً 1]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 2]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 3]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 4]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 5]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 8]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 9]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 10]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 11]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 12]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 13]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 14]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 15]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 18]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 23]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 24]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 31]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 38]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 39]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 40]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 41]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 44]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 45]

الفصل: ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 72 الى 73]

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً) أَيْ قَصْدًا وَحَقًّا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ صَوَابًا. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا فِي شَأْنِ زينب وزيد، ولا تنسبوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَا لَا يَحِلُّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْقَوْلُ السَّدَادُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُوَافِقُ ظَاهِرُهُ بَاطِنَهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَسْدِيدِ السَّهْمِ لِيُصَابَ بِهِ الْغَرَضُ. وَالْقَوْلُ السَّدَادُ يَعُمُّ الْخَيْرَاتِ، فَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يُعْطِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَا يَكُونُ خِلَافًا لِلْأَذَى الَّذِي قِيلَ فِي جِهَةِ الرسول وجهة المؤمنين. ثم وعد عز وجل بِأَنَّهُ يُجَازِي عَلَى الْقَوْلِ السَّدَادِ بِإِصْلَاحِ الْأَعْمَالِ وغفران الذنوب، وحسبك بذلك درجة ورفعة منزلة. (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أَيْ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ (فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً).

[سورة الأحزاب (33): الآيات 72 الى 73]

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73)

لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا بَيَّنَ، أَمَرَ بِالْتِزَامِ أَوَامِرِهِ. وَالْأَمَانَةُ تَعُمُّ جَمِيعَ وَظَائِفِ الدِّينِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ «1» بْنِ جَوْهَرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِآدَمَ يَا آدَمُ إِنِّي عَرَضْتُ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَلَمْ تُطِقْهَا فَهَلْ أَنْتَ حَامِلُهَا بِمَا فِيهَا فَقَالَ

(1). في ش وك: (محمد بن زيد) ولم نقف على تصويبه.

ص: 253

وَمَا فِيهَا يَا رَبِّ قَالَ إِنْ حَمَلْتَهَا أُجِرْتَ وَإِنْ ضَيَّعْتَهَا عُذِّبْتَ فَاحْتَمَلَهَا بِمَا فِيهَا فَلَمْ يَلْبَثْ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْأُولَى إِلَى الْعَصْرِ حَتَّى أَخْرَجَهُ الشَّيْطَانُ مِنْهَا (. فَالْأَمَانَةُ هِيَ الْفَرَائِضُ الَّتِي ائْتَمَنَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعِبَادَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَفَاصِيلِ بَعْضِهَا عَلَى أَقْوَالٍ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ فِي أَمَانَاتِ الْأَمْوَالِ كَالْوَدَائِعِ وَغَيْرِهَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا فِي كُلِّ الْفَرَائِضِ، وَأَشَدُّهَا أَمَانَةً الْمَالُ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مِنَ الْأَمَانَةِ أَنِ ائْتُمِنَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى فَرْجِهَا. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: غُسْلُ الْجَنَابَةِ أَمَانَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يأمن ابن آدم على شي مِنْ دِينِهِ غَيْرَهَا. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ (الْأَمَانَةُ الصَّلَاةُ) إِنْ شِئْتَ قُلْتَ قَدْ صَلَّيْتُ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ لَمْ أُصَلِّ. وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْإِنْسَانِ فَرْجَهُ وَقَالَ هَذِهِ أَمَانَةٌ اسْتَوْدَعْتُكَهَا، فَلَا تَلْبَسُهَا «1» إِلَّا بِحَقٍّ. فَإِنْ حَفِظْتَهَا حَفِظْتُكَ فَالْفَرْجُ أَمَانَةٌ، وَالْأُذُنُ أَمَانَةٌ، وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ، وَاللِّسَانُ أَمَانَةٌ، وَالْبَطْنُ أَمَانَةٌ، وَالْيَدُ أَمَانَةٌ، وَالرِّجْلُ أَمَانَةٌ، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ ائْتِمَانُ آدَمَ ابْنَهُ قَابِيلَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ، وَخِيَانَتُهُ إِيَّاهُ فِي قَتْلِ أَخِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ:(يَا آدَمُ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْضِ) قَالَ: (اللَّهُمَّ لَا) قَالَ: (فَإِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّةَ فَأْتِهِ، فَقَالَ لِلسَّمَاءِ: احْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ؟ فَأَبَتْ، وَقَالَ لِلْأَرْضِ: احْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ فَأَبَتْ، وَقَالَ لِلْجِبَالِ كَذَلِكَ فَأَبَتْ. فَقَالَ لِقَابِيلَ: احْفَظْ وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ، فَقَالَ نَعَمْ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ فَتَجِدُ وَلَدَكَ كَمَا يَسُرُّكَ. فَرَجَعَ فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تبارك وتعالى:" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها". الْآيَةَ. وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْأَمَانَةَ عُرِضَتْ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، قَالَتْ: وَمَا فِيهَا؟ قِيلَ لَهَا: إِنْ أَحْسَنْتِ جُوزِيتِ وَإِنْ أَسَأْتِ عُوقِبْتِ. فَقَالَتْ لَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمُ عَرَضَهَا عَلَيْهِ، قال: وما هي؟ قال: إن حسنت أجرتك وإن

(1). كذا وردت هذه الجملة في نسخ الأصل. والذي في نوادر الأصول: (فلا تبسل منها شيئا إلا بحقها) والابسال هنا التضييع وهو رواية الدر المنثور قال: (فلا تضيعها إلا في حقها). يقال: أبسلت فلانا إذا أسلمته للهلكة.

ص: 254

أَسَأْتَ عَذَّبْتُكَ. قَالَ: فَقَدْ تَحَمَّلْتُهَا يَا رَبِّ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَمَا كَانَ بَيْنَ أَنْ تَحَمَّلَهَا إِلَى أَنْ أُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ" قَالَ: الْأَمَانَةُ الْفَرَائِضُ، عَرَضَهَا اللَّهُ عز وجل عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، إِنْ أَدَّوْهَا أَثَابَهُمْ، وَإِنْ ضَيَّعُوهَا عَذَّبَهُمْ. فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَأَشْفَقُوا مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِدِينِ اللَّهِ عز وجل أَلَّا يَقُومُوا بِهِ. ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَمَ فَقَبِلَهَا بِمَا فِيهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ: لَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ صلى الله عليه وسلم الْوَفَاةُ أُمِرَ أَنْ يَعْرِضَ الْأَمَانَةَ عَلَى الْخَلْقِ، فَعَرَضَهَا فَلَمْ يَقْبَلْهَا إِلَّا بَنُوهُ. وَقِيلَ: هَذِهِ الْأَمَانَةُ هِيَ مَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْخَلْقِ، مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ أَنْ يُظْهِرُوهَا فَأَظْهَرُوهَا، إِلَّا الْإِنْسَانَ فَإِنَّهُ كتمها وجحدها، قال بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَمَعْنَى" عَرَضْنَا" أَظْهَرْنَا، كَمَا تَقُولُ: عَرَضْتُ الْجَارِيَةَ عَلَى الْبَيْعِ. وَالْمَعْنَى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ وَتَضْيِيعَهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ" فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها" أي أن يحملن وزرها، كما قال عز وجل:" وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ"«1» [العنكبوت: 13]." وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ" قَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ." إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً" لِنَفْسِهِ" جَهُولًا" بِرَبِّهِ. فَيَكُونُ على هذا الجواب مجازا، مثل:" وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ"«2» [يوسف: 82]. وَفِيهِ جَوَابٌ آخَرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةَ أَنَّهُ عَرَضَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ الْأَمَانَةَ وَتَضْيِيعَهَا وَهِيَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، أَيْ أَظْهَرَ لَهُنَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْنَ وِزْرَهَا، وَأَشْفَقَتْ وَقَالَتْ: لَا أَبْتَغِي ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا، وَكُلٌّ يَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ لَا نُطِيقُهُ، وَنَحْنُ لَكَ سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ فيما أمرن به وسخرن له، قاله الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمَادَ لَا يَفْهَمُ وَلَا يُجِيبُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ. وَهَذَا الْعَرْضُ عَرْضُ تَخْيِيرٍ لَا إِلْزَامٍ. وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِنْسَانِ إِلْزَامٌ. وَقَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: الْعَرْضُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ضَرْبُ مَثَلٍ، أَيْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى كِبَرِ أَجْرَامِهَا، لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَجُوزُ تكليفها لثقل عليها

(1). راجع ج 13 ص 330 فما بعد.

(2)

. راجع ج 9 ص 245 فما بعد.

ص: 255

تَقَلُّدُ الشَّرَائِعِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، أَيْ أَنَّ التَّكْلِيفَ أَمْرٌ حَقُّهُ أَنْ تَعْجِزَ عَنْهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، وَقَدْ كُلِّفَهُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ ظَلُومٌ جَهُولٌ لَوْ عَقَلَ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ:" لَوْ أَنْزَلْنا هذَا «1» الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ"[الحشر: 21]- ثم قال:-" وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ"[الحشر: 21]. قَالَ الْقَفَّالُ: فَإِذَا تَقَرَّرَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى يَضْرِبُ الْأَمْثَالَ، وَوَرَدَ عَلَيْنَا مِنَ الْخَبَرِ مَا لَا يَخْرُجُ إِلَّا عَلَى ضَرْبِ الْمَثَلِ، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْآيَةَ مِنَ الْمَجَازِ، أَيْ إِنَّا إِذَا قَايَسْنَا ثِقَلَ الْأَمَانَةِ بِقُوَّةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، رَأَيْنَا أَنَّهَا لَا تُطِيقُهَا، وَأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ لَأَبَتْ وَأَشْفَقَتْ، فَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ." إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ" الْآيَةَ. وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: عَرَضْتُ الْحِمْلَ عَلَى الْبَعِيرِ فَأَبَاهُ، وَأَنْتَ تُرِيدُ قَايَسْتُ، قُوَّتَهُ بِثِقَلِ الْحِمْلِ، فَرَأَيْتُ أَنَّهَا تَقْصُرُ عَنْهُ. وَقِيلَ:" عَرَضْنَا" بمعنى عارضنا الامامة بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَضَعُفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنِ الْأَمَانَةِ، وَرَجَحَتِ الْأَمَانَةُ بِثِقَلِهَا عَلَيْهَا. وَقِيلَ: إِنَّ عَرْضَ الْأَمَانَةِ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ آدَمَ عليه السلام. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، وَسَلَّطَهُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدًا أَمَرَهُ فِيهِ وَنَهَاهُ وَحَرَّمَ وَأَحَلَّ، فَقَبِلَهُ وَلَمْ يَزَلْ عَامِلًا بِهِ. فَلَمَّا أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعْلِمَهُ مَنْ يَسْتَخْلِفُ بَعْدَهُ، وَيُقَلِّدُهُ مِنَ الْأَمَانَةِ مَا تَقَلَّدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْرِضَ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاوَاتِ بِالشَّرْطِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ إِنْ أَطَاعَ وَمِنَ الْعِقَابِ إِنْ عَصَى، فَأَبَيْنَ أَنْ يَقْبَلْنَهُ شَفَقًا «2» مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِضَ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ وَالْجِبَالِ كُلِّهَا فَأَبَيَاهُ. ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِضَ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ فَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يَهَبْ مِنْهُ مَا تَهَيَّبَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ." إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً" لِنَفْسِهِ" جَهُولًا" بِعَاقِبَةِ مَا تَقَلَّدَ لِرَبِّهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: عَجِبْتُ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهَذِهِ الْقِصَّةِ! فَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْآثَارِ وَجَدْنَاهَا بِخِلَافِ مَا قَالَ، وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى ظَاهِرِهِ وَجَدْنَاهُ بِخِلَافِ مَا قَالَ، وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى بَاطِنِهِ وَجَدْنَاهُ بَعِيدًا مِمَّا قَالَ! وَذَلِكَ أَنَّهُ رَدَّدَ ذِكْرَ الْأَمَانَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا الْأَمَانَةُ، إِلَّا أَنَّهُ يُومِئُ فِي مَقَالَتِهِ إِلَى أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى

(1). راجع ج 18 ص 44.

(2)

. الشفق والإشفاق: الخوف.

ص: 256

جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ، وَعَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ عَهْدًا فِيهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَحِلُّهُ وَحَرَامُهُ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِضَ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، فَمَا تَصْنَعُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ؟ وَمَا التَّسْلِيطُ «1» عَلَى الْأَنْعَامِ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ! وَكَيْفَ إِذَا عَرَضَهُ عَلَى وَلَدِهِ فَقَبِلَهُ فِي أَعْنَاقِ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَفِي مُبْتَدَأِ الْخَبَرِ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّهُ عَرَضَ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ حَتَّى ظَهَرَ الْإِبَاءُ مِنْهُمْ، ثم ذكر أن الإنسان حصلها، أَيْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ حُمِّلَ ذَلِكَ، فَسَمَّاهُ" ظَلُوماً" أَيْ لِنَفْسِهِ،" جَهُولًا" بِمَا فِيهَا. وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي هِيَ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ، فَحَدَّثَنِي أَبِي رحمه الله قَالَ حَدَّثَنَا الْفَيْضُ بْنُ الْفَضْلِ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَمَانَةَ مَثَّلَهَا صَخْرَةً، ثُمَّ وَضَعَهَا حَيْثُ شَاءَ ثُمَّ دَعَا لَهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ لِيَحْمِلْنَهَا، وَقَالَ لَهُنَّ: إِنَّ هَذِهِ" الْأَمانَةَ"، وَلَهَا ثَوَابٌ وَعَلَيْهَا عِقَابٌ، قَالُوا: يَا رَبِّ، لَا طَاقَةَ لَنَا بِهَا، وَأَقْبَلَ الْإِنْسَانُ مِنْ قَبْلِ أن يدعي فقال للسموات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ: مَا وُقُوفُكُمْ؟ قَالُوا: دَعَانَا رَبُّنَا أن نحمل هذه فأشفقن مِنْهَا وَلَمْ نُطِقْهَا، قَالَ: فَحَرَّكَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَحْمِلَهَا لَحَمَلْتُهَا، فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا إِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَزْدَادَ لَازْدَدْتُ، قَالُوا: دُونَكَ! فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا حَقْوَيْهِ «2» ، ثُمَّ وَضَعَهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَزْدَادَ لَازْدَدْتُ، قَالُوا: دُونَكَ، فَحَمَلَهَا حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَضَعَهَا، قَالُوا: مَكَانَكَ! إِنَّ هَذِهِ" الْأَمانَةَ" وَلَهَا ثَوَابٌ وَعَلَيْهَا عِقَابٌ وأمرنا ربنا أن نحملها فأشفقن مِنْهَا، وَحَمَلْتَهَا أَنْتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُدْعَى لَهَا، فَهِيَ فِي عُنُقِكَ وَفِي أَعْنَاقِ ذُرِّيَّتِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ كُنْتَ ظَلُومًا جَهُولًا. وَذَكَرَ أَخْبَارًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَقَدَّمَ أَكْثَرُهَا." وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ" أَيِ الْتَزَمَ الْقِيَامَ بِحَقِّهَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ ظَلُومٌ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لِلْأَمَانَةِ، جَهُولٌ بِقَدْرِ مَا دَخَلَ فِيهِ. وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: جَهُولٌ بِرَبِّهِ. قَالَ: وَمَعْنَى" حَمَلَهَا" خَانَ فِيهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْآيَةُ فِي الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ وَالْعُصَاةِ عَلَى قَدْرِهِمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وأصحابه

(1). في ا: (وما تسليطه).

(2)

. الحقو (بفتح الحاء وكسرها): الخاصرة. [ ..... ]

ص: 257