المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 28 الى 29] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٤

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة الروم]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الروم (30): آية 8]

- ‌[سورة الروم (30): آية 9]

- ‌[سورة الروم (30): آية 10]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة الروم (30): آية 16]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الروم (30): آية 19]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة الروم (30): آية 27]

- ‌[سورة الروم (30): آية 28]

- ‌[سورة الروم (30): آية 29]

- ‌[سورة الروم (30): آية 30]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة الروم (30): آية 33]

- ‌[سورة الروم (30): آية 34]

- ‌[سورة الروم (30): آية 35]

- ‌[سورة الروم (30): آية 36]

- ‌[سورة الروم (30): آية 37]

- ‌[سورة الروم (30): آية 38]

- ‌[سورة الروم (30): آية 39]

- ‌[سورة الروم (30): آية 40]

- ‌[سورة الروم (30): آية 41]

- ‌[سورة الروم (30): آية 42]

- ‌[سورة الروم (30): آية 43]

- ‌[سورة الروم (30): آية 44]

- ‌[سورة الروم (30): آية 45]

- ‌[سورة الروم (30): آية 46]

- ‌[سورة الروم (30): آية 47]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة الروم (30): آية 50]

- ‌[سورة الروم (30): آية 51]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الروم (30): آية 54]

- ‌[سورة الروم (30): آية 55]

- ‌[سورة الروم (30): آية 56]

- ‌[سورة الروم (30): آية 57]

- ‌[سورة الروم (30): الآيات 58 الى 60]

- ‌[تفسير سورة لقمان]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 6]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 7]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 12]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 13]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 16]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 17]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 18]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 19]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 22]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 27]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 28]

- ‌[سورة لقمان (31): الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 31]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 32]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 33]

- ‌[سورة لقمان (31): آية 34]

- ‌[تفسير سورة السجدة]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة السجده (32): آية 3]

- ‌[سورة السجده (32): آية 4]

- ‌[سورة السجده (32): آية 5]

- ‌[سورة السجده (32): آية 6]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة السجده (32): آية 10]

- ‌[سورة السجده (32): آية 11]

- ‌[سورة السجده (32): آية 12]

- ‌[سورة السجده (32): آية 13]

- ‌[سورة السجده (32): آية 14]

- ‌[سورة السجده (32): آية 15]

- ‌[سورة السجده (32): آية 16]

- ‌[سورة السجده (32): آية 17]

- ‌[سورة السجده (32): آية 18]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة السجده (32): آية 21]

- ‌[سورة السجده (32): آية 22]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 23 الى 25]

- ‌[سورة السجده (32): آية 26]

- ‌[سورة السجده (32): آية 27]

- ‌[سورة السجده (32): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة السجده (32): آية 30]

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آيَةً 1]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 4]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 5]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 7]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 8]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 9]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 10]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 11]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 12]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 13]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 14]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 15]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 16]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 17]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 18]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 19]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 20]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 21]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 22]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 25]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 32]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 33]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 35]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 36]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 37]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 38 الى 39]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 41]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 42]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 43]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 44]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 49]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 50]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 51]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 53]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 54]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 55]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 56]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 57]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 58]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 59]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 63]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 66 الى 67]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33): آية 69]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 72 الى 73]

- ‌[سورة سبإ]

- ‌[سورة سبإ (34): آيَةً 1]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 2]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 5]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 6]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 7]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 8]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 9]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 10]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 11]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 12]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 13]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 14]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 15]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 16]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 17]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 18]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 19]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 20]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 21]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 22]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 23]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 24]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 25]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 26]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 27]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 34 الى 38]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 39]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 42]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 43]

- ‌[سورة سبإ (34): الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 46]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 47]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 48]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 49]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 50]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 51]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 52]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 53]

- ‌[سورة سبإ (34): آية 54]

- ‌[سورة فاطر]

- ‌[سورة فاطر (35): آيَةً 1]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 2]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 3]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 4]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 5]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 8]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 9]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 10]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 11]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 12]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 13]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 14]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 15]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 18]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 23]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 24]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 31]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 38]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 39]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 40]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 41]

- ‌[سورة فاطر (35): الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 44]

- ‌[سورة فاطر (35): آية 45]

الفصل: ‌[سورة الأحزاب (33): الآيات 28 الى 29]

مِنَ الْحُصُونِ وَالْقُرَى قَدِيرٌ، قَالَهُ النَّقَّاشُ. وَقِيلَ:(وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) مِمَّا وَعَدَكُمُوهُ (قَدِيراً) لَا تُرَدُّ قُدْرَتُهُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَجْزُ تَعَالَى. وَيُقَالُ: تَأْسِرُونَ وَتَأْسُرُونَ (بِكَسْرِ السِّينِ وضمها) حكاه الفراء.

[سورة الأحزاب (33): الآيات 28 الى 29]

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)

فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ إِيذَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ قَدْ تَأَذَّى بِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ. قِيلَ: سَأَلْنَهُ شَيْئًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: زِيَادَةً فِي النَّفَقَةِ. وَقِيلَ: آذَيْنَهُ بِغَيْرَةِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: أُمِرَ صلى الله عليه وسلم بِتِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِنَّ وَتَخْيِيرِهِنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ مَنْ مَلَكَ زَوْجَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْيِيرُهَا. أُمِرَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَيَّرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلَكًا وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مِسْكِينًا، فَشَاوَرَ جِبْرِيلَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْمَسْكَنَةِ فَاخْتَارَهَا، فَلَمَّا اخْتَارَهَا وَهِيَ أَعْلَى الْمَنْزِلَتَيْنِ، أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُخَيِّرَ زَوْجَاتِهِ، فَرُبَّمَا كَانَ فِيهِنَّ مَنْ يَكْرَهُ الْمُقَامَ مَعَهُ عَلَى الشِّدَّةِ تَنْزِيهًا لَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ السَّبَبَ الَّذِي أُوجِبَ التَّخْيِيرُ لِأَجْلِهِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِهِ سَأَلَتْهُ أَنْ يَصُوغَ لَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَصَاغَ لَهَا حَلْقَةً مِنْ فِضَّةٍ وَطَلَاهَا بِالذَّهَبِ- وَقِيلَ بِالزَّعْفَرَانِ- فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَهَبٍ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ فَخَيَّرَهُنَّ، فَقُلْنَ اخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ اخْتَارَتِ الْفِرَاقَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ- وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ

ص: 162

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا. قَالَ:- فَقَالَ وَاللَّهِ لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:" هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ) فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ!! فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ. ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ"- حَتَّى بَلَغَ-" لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً". قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ) قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ. قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ! بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَلَّا تُخْبِرَ أَمْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ. قَالَ: (لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا (. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ:) يَا عَائِشَةُ، إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ) قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا- حَتَّى بَلَغَ-" لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً" فَقُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَفَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مثل مَا فَعَلَتْ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْعُلَمَاءَ: وَأَمَّا أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ أَنْ تُشَاوِرَ أَبَوَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا، وَكَانَ يَخَافُ أَنْ يَحْمِلَهَا فَرْطُ الشَّبَابِ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ، وَيَعْلَمَ مِنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهُمَا لَا يُشِيرَانِ عَلَيْهَا بِفِرَاقِهِ.

ص: 163

الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لِأَزْواجِكَ) كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجٌ، مِنْهُنَّ مَنْ دَخَلَ بِهَا، وَمِنْهُنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَمِنْهُنَّ مَنْ خَطَبَهَا فَلَمْ يُتِمَّ نِكَاحَهُ مَعَهَا. فَأَوَّلُهُنَّ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ. وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ «1» وَاسْمُهُ زُرَارَةُ بْنُ النَّبَّاشِ الْأَسَدِيُّ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عَتِيقِ بْنِ عَائِذٍ، وَلَدَتْ مِنْهُ غُلَامًا اسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ. وَوَلَدَتْ مِنْ أَبِي هَالَةَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَعَاشَ إِلَى زَمَنِ الطَّاعُونِ فَمَاتَ فِيهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الَّذِي عَاشَ إِلَى زَمَنِ الطَّاعُونِ هِنْدُ بْنُ هِنْدٍ، وَسُمِعَتْ نَادِبَتُهُ تقول حين مات: وا هند بن هنداه، وا ربيب رَسُولِ

اللَّهِ. وَلَمْ يَتَزَوَّجْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَدِيجَةَ غَيْرَهَا حَتَّى مَاتَتْ. وَكَانَتْ يَوْمَ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنْتَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنَ النُّبُوَّةِ سَبْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ: عَشْرٌ. أَوْ كَانَ لَهَا حِينَ تُوُفِّيَتْ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ آمَنَتْ بِهِ. وَجَمِيعُ أَوْلَادِهِ مِنْهَا غَيْرَ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ فَخَرَجْنَا بِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا حَتَّى دَفَنَّاهَا بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُفْرَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ سُنَّةُ الْجِنَازَةِ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا. وَمِنْهُنَّ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيَّةُ، أَسْلَمَتْ قَدِيمًا وَبَايَعَتْ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ لَهُ السَّكْرَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَسْلَمَ أَيْضًا، وَهَاجَرَا جَمِيعًا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا قَدِمَا مَكَّةَ مَاتَ زَوْجُهَا. وَقِيلَ: مَاتَ بِالْحَبَشَةِ، فَلَمَّا حَلَّتْ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَبِرَتْ أَرَادَ طَلَاقَهَا فَسَأَلَتْهُ أَلَّا يَفْعَلَ وَأَنْ يَدَعَهَا فِي نِسَائِهِ، وَجَعَلَتْ لَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحِ فَأَمْسَكَهَا، وَتُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّالَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ. وَمِنْهُنَّ: عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَانَتْ مُسَمَّاةٌ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسُلُّهَا مِنْ جُبَيْرٍ سَلًّا رَفِيقًا، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ، وقيل بثلاث سنين، وبنى بها بالمدينة

(1). في كتب الصحابة أقوال فيمن كان قبل.

ص: 164

وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ، وَمَاتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ بنت ثمان عَشْرَةَ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا، وَمَاتَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ. وَمِنْهُنَّ: حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْقُرَشِيَّةُ الْعَدَوِيَّةُ، تَزَوَّجَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُرَاجِعَ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ) فَرَاجَعَهَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَتُوُفِّيَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّينَ سَنَةً .. وَقِيلَ: مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَمِنْهُنَّ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّةُ وَاسْمُ أَبِي أُمَيَّةَ سُهَيْلٌ تَزَوَّجَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم في لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، زَوَّجَهَا مِنْهُ ابْنُهَا سَلَمَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَانَ عُمْرُ ابْنِهَا صَغِيرًا، وَتُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَصَلَّى عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ. وَقِيلَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَقُبِرَتْ بِالْبَقِيعِ وَهِيَ ابْنَةُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. وَمِنْهُنَّ، أُمُّ حَبِيبَةَ، وَاسْمُهَا رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ. بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضميري إِلَى النَّجَاشِيِّ، لِيَخْطُبَ عَلَيْهِ أُمَّ حَبِيبَةَ فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَصْدَقَ النَّجَاشِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ. وَمِنْهُنَّ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ، وَكَانَ اسْمُ أَبِيهَا بُرَّةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَدِّلِ اسْمَ أَبِي فَإِنَّ الْبُرَّةَ حَقِيرَةٌ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُؤْمِنًا سَمَّيْنَاهُ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ وَلَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُهُ جَحْشًا وَالْجَحْشُ مِنَ الْبُرَّةِ) ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الدارقطني. تزوجها

ص: 165

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ. وَمِنْهُنَّ: زَيْنَبُ بنت خذيمة بْنِ الْحَارِثِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ عَمْرِو بن عبد مناف بن هلال ابن عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْهِلَالِيَّةُ، كَانَتْ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ أُمَّ الْمَسَاكِينِ، لِإِطْعَامِهَا إِيَّاهُمْ. تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ وَاحِدٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَتُوُفِّيَتْ فِي حَيَاتِهِ فِي آخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ. وَمِنْهُنَّ: جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّةُ الْمُصْطَلِقِيَّةُ، أَصَابَهَا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَكَاتَبَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَتَهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ، وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُوَيْرِيَةَ، وَتُوُفِّيَتْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسِينَ وَهِيَ ابْنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ. وَمِنْهُنَّ: صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ الْهَارُونِيَّةُ، سَبَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ وَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَأَسْلَمَتْ وَأَعْتَقَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، وماتت في سنة خمسين. وَقِيلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ. وَمِنْهُنَّ: رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، سَبَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَمَاتَتْ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَدَفَنَهَا بِالْبَقِيعِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَتْ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ: وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ يُعْتِقْهَا. قُلْتُ: وَلِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي عِدَادِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 166

وَمِنْهُنَّ: مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَرِفَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَهِيَ آخِرُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي بَنَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

بِهَا، وَدُفِنَتْ هُنَالِكَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ. وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَقِيلَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ. فَهَؤُلَاءِ الْمَشْهُورَاتُ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُنَّ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ، رضي الله عنهن. فَأَمَّا من تزجهن وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ فَمِنْهُنَّ: الْكِلَابِيَّةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهَا، فَقِيلَ فَاطِمَةُ. وَقِيلَ عَمْرَةُ. وَقِيلَ الْعَالِيَةُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ الْكِلَابِيَّةَ فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا، وَكَانَتْ تَقُولُ: أَنَا الشَّقِيَّةُ. تَزَوَّجَهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتِّينَ. وَمِنْهُنَّ: أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْجَوْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيَّةُ، وَهِيَ الْجَوْنِيَّةُ. قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا دَعَاهَا فَقَالَتْ: تَعَالَ أَنْتَ، فَطَلَّقَهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَوْنِيَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ:(هَبِي لِي نَفْسَكِ) فَقَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ! فَأَهْوَى بِيَدِهِ لِيَضَعَهَا عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ! فَقَالَ: (قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ) ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: (يَا أَبَا أُسَيْدٍ، اكْسُهَا رَازِقِيَّيْنِ «1» وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا). وَمِنْهُنَّ: قُتَيْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، أُخْتُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، زوجها إياه الأشعث، ثم أنصرف إلى حضر موت، فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ فَبَلَغَهُ وَفَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فردها إلى بلاده، فارتد

(1). قوله (رازقيين) بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم. في رواية (رازقيتين) والرازقية: ثياب من كان بيض طوال.

ص: 167

وَارْتَدَّتْ مَعَهُ. ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَجْدًا شَدِيدًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّهَا وَاللَّهِ مَا هِيَ مِنْ أَزْوَاجِهِ، مَا خَيَّرَهَا وَلَا حَجَّبَهَا. وَلَقَدْ بَرَّأَهَا «1» اللَّهُ مِنْهُ بِالِارْتِدَادِ. وَكَانَ عُرْوَةُ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا. وَمِنْهُنَّ: أُمُّ شَرِيكٍ الْأَزْدِيَّةُ، وَاسْمُهَا غُزَيَّةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ حَكِيمٍ «2» ، وكانت قبله عند أبي بكر ابن أَبِي سَلْمَى، فَطَلَّقَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا. وَقِيلَ: إِنَّ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ. ومنهن: خولة بنت الهذيل بْنِ هُبَيْرَةَ، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ. وَمِنْهُنَّ: شَرَافُ بِنْتُ خَلِيفَةَ، أُخْتُ دِحْيَةَ، تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. وَمِنْهُنَّ لَيْلَى بِنْتُ الْخَطِيمِ، أُخْتُ قَيْسٍ، تَزَوَّجَهَا وَكَانَتْ غَيُورًا فَاسْتَقَالَتْهُ فَأَقَالَهَا. وَمِنْهُنَّ: عَمْرَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيَّةُ، تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّعْبِيُّ: تَزَوَّجَ امرأة من كندة فجئ بِهَا بَعْدَ مَا مَاتَ. وَمِنْهُنَّ: ابْنَةُ جُنْدُبَ بْنِ ضَمْرَةَ الْجُنْدَعِيَّةُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وُجُودَ ذَلِكَ. وَمِنْهُنَّ: الْغِفَارِيَّةُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ غِفَارٍ، فَأَمَرَهَا فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا فَرَأَى بَيَاضًا فَقَالَ:(الْحَقِي بِأَهْلِكِ) وَيُقَالُ: إِنَّمَا رَأَى الْبَيَاضَ بِالْكِلَابِيَّةِ. فَهَؤُلَاءِ اللَّاتِي، عَقَدَ عَلَيْهِنَّ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ، صلى الله عليه وسلم. فَأَمَّا مَنْ خَطَبَهُنَّ فَلَمْ يَتِمَّ نِكَاحُهُ مَعَهُنَّ، وَمَنْ وَهَبَتْ لَهُ نَفْسَهَا: فَمِنْهُنَّ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ. خَطَبَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي مرأة مصبية «3» واعتذرت إليه فعذرها.

(1). كذا في الأصول وأسد الغابة، وعبارته:(وقد برأها الله بالردة) والذي في شرح المواهب: ( .. وارتدت مع أخيها فبرئت من الله ورسوله .. إلخ).

(2)

. في المواهب: (جابر بن عوف).

(3)

. أي ذات صبيان.

ص: 168

وَمِنْهُنَّ: ضُبَاعَةُ بِنْتُ عَامِرٍ. وَمِنْهُنَّ: صَفِيَّةُ بِنْتُ بَشَامَةَ بْنِ نَضْلَةَ، خَطَبَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَصَابَهَا سِبَاءٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:(إِنَّ شِئْتِ أَنَا وَإِنْ شِئْتِ زَوْجُكِ)؟ قَالَتْ: زَوْجِي. فَأَرْسَلَهَا، فَلَعَنَتْهَا بَنُو تَمِيمٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَمِنْهُنَّ: أُمُّ شَرِيكٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. وَمِنْهُنَّ: لَيْلَى بِنْتُ الْخَطِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. وَمِنْهُنَّ: خَوْلَةُ بنت حكم بْنِ أُمَيَّةَ، وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْجَأَهَا، فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ. وَمِنْهُنَّ: جَمْرَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ الْمُرِّيِّ، خَطَبَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُوهَا: إِنَّ بِهَا سُوءًا وَلَمْ يَكُنْ بِهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا أَبُوهَا وَقَدْ بَرِصَتْ، وَهِيَ أُمُّ شَبِيبِ بْنِ الْبَرْصَاءِ الشَّاعِرِ. وَمِنْهُنَّ: سَوْدَةُ الْقُرَشِيَّةُ، خَطَبَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مُصْبِيَةً. فَقَالَتْ: أَخَافَ أَنْ يَضْغُوَ «1» صِبْيَتِي عِنْدَ رَأْسِكَ. فَحَمِدَهَا وَدَعَا لَهَا. وَمِنْهُنَّ: امْرَأَةٌ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: خَطَبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: أَسْتَأْمِرُ أَبِي. فَلَقِيَتْ أَبَاهَا فَأَذِنَ لَهَا، فَلَقِيَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(قَدِ الْتَحَفْنَا لِحَافًا غَيْرَكِ). فَهَؤُلَاءِ جَمِيعُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ لَهُ مِنَ السَّرَارِي سُرِّيَّتَانِ: مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ، وَرَيْحَانَةُ، فِي قَوْلِ قَتَادَةَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ لَهُ أَرْبَعٌ: مَارِيَةُ، وَرَيْحَانَةُ، وَأُخْرَى جَمِيلَةٌ أَصَابَهَا فِي السَّبْيِ، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش.

(1). أي يصيحوا ويضجوا.

ص: 169

الثالثة- قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها)" إِنْ" شَرْطٌ، وَجَوَابُهُ" فَتَعالَيْنَ"، فَعَلَّقَ التَّخْيِيرَ عَلَى شَرْطٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَيْنِ عَلَى شَرْطٍ صَحِيحَانِ، فَيُنْفَذَانِ وَيَمْضِيَانِ، خِلَافًا لِلْجُهَّالِ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِنْ دَخَلَتِ الدَّارَ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ الشَّرْعِيَّ هُوَ الْمُنَجَّزُ فِي الْحَالِ لا غير. الرابعة- قوله تعالى:(فَتَعالَيْنَ) هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَهُوَ فِعْلُ جَمَاعَةِ النساء، من قولك تعالى، وهو دعاء إلى الإقبال إليه يقال: تعال بِمَعْنَى أَقْبِلْ، وُضِعَ لِمَنْ لَهُ جَلَالَةٌ وَرِفْعَةٌ، ثُمَّ صَارَ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِكُلِّ دَاعٍ إِلَى الْإِقْبَالِ، وَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّ الدَّاعِيَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أُمَتِّعْكُنَّ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ في المتعة في (البقرة) «1». وقرى" أُمَتِّعُكُنَّ" بِضَمِّ الْعَيْنِ. وَكَذَا (وَأُسَرِّحْكُنَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَالسَّرَاحُ الْجَمِيلُ: هُوَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا لِلسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ ضِرَارٍ وَلَا مَنْعِ وَاجِبٍ لَهَا. الْخَامِسَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَخْيِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ على قو لين: الْأَوَّلُ- أَنَّهُ خَيَّرَهُنَّ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَاخْتَرْنَ الْبَقَاءَ، قَالَتْهُ عَائِشَةُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ وربيعة. ومنهن مَنْ قَالَ: إِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا فَيُفَارِقُهُنَّ، وَبَيْنَ الْآخِرَةِ فَيُمْسِكُهُنَّ، لِتَكُونَ لَهُنَّ الْمَنْزِلَةُ الْعُلْيَا كَمَا كَانَتْ لِزَوْجِهِنَّ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُنَّ فِي الطَّلَاقِ، ذَكَرَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَمِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُخَيِّرْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ إِلَّا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قُلْتُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَمَّا سُئِلَتْ عَنِ الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَكَانَ طَلَاقًا! فِي رِوَايَةٍ: فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدُّهُ طَلَاقًا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا التَّخْيِيرُ الْمَأْمُورُ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالطَّلَاقِ، لِذَلِكَ قَالَ: (يَا عَائِشَةُ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ ألا تعجلي فيه حتى تستأمري

(1). راجع ج 3 ص 200 فما بعد.

ص: 170

أَبَوَيْكِ) الْحَدِيثَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الِاسْتِئْمَارَ فِي اخْتِيَارِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا عَلَى الْآخِرَةِ. فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْفُرْقَةِ، أَوِ النكاح. والله أعلم. السادسة- اختلف الْعُلَمَاءُ فِي الْمُخَيَّرَةِ إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ وَأَئِمَّةُ الْفَتْوَى: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ، لَا وَاحِدَةَ وَلَا أَكْثَرَ، هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ. وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَمَسْرُوقٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ شِهَابٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ أَيْضًا: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَاللَّيْثِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالنَّقَّاشُ عَنْ مَالِكٍ. وَتَعَلَّقُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ: اخْتَارِي، كِنَايَةٌ عَنْ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا أَضَافَهُ إِلَيْهَا وَقَعَتْ طَلْقَةً، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدُّهُ عَلَيْنَا طَلَاقًا. أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ يدل عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنًى ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُطَلِّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ: بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسهَا أَنَّهَا ثَلَاثٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. السَّابِعَةُ- ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ وَالتَّخْيِيرَ سَوَاءٌ، وَالْقَضَاءَ مَا قَضَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: وَقَدِ اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ

ص: 171

الْفُقَهَاءِ. وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وذلك أن التمليك عند مالك هو قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ مَلَّكْتُكِ، أَيْ قَدْ مَلَّكْتُكِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِي مِنَ الطَّلَاقِ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يُمَلِّكَهَا بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ وَادَّعَى ذَلِكَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَ مَعَ يَمِينِهِ إِذَا نَاكَرَهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: لَهُ الْمُنَاكَرَةُ فِي التَّمْلِيكِ وَفِي التَّخْيِيرِ سَوَاءٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ. وَرَوَى ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ. عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَ الْمُخَيَّرَةَ فِي الثَّلَاثِ، وَتَكُونَ طَلْقَةً بَائِنَةً كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو الْجَهْمِ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهُوَ الطَّلَاقُ كُلُّهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ زَوْجُهَا فَلَا نُكْرَةَ لَهُ. وَإِنِ اخْتَارَتْ وَاحِدَةً فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ الْبَتَاتُ، إِمَّا أَخَذَتْهُ وَإِمَّا تَرَكَتْهُ، لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْيِيرِ التَّسْرِيحُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةِ التَّخْيِيرِ:" فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا"«1» فَمَعْنَى التَّسْرِيحِ الْبَتَاتُ، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى:" الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ"[البقرة: 229]. وَالتَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ هُوَ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهُ: اخْتَارِينِي أَوِ اخْتَارِي نَفْسَكِ يَقْتَضِي أَلَّا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَا يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا، إِذْ قَدْ جَعَلَ إِلَيْهَا أَنْ تُخْرِجَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْهَا أَوْ تُقِيمَ مَعَهُ إِذَا اخْتَارَتْهُ، فَإِذَا اخْتَارَتِ الْبَعْضَ مِنَ الطَّلَاقِ لم تعمل بمقتضى اللفظ، وكانت به بمنزل مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرَهُمَا. وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا فَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ إِذَا زَادَتْ عَلَى وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهَا تبين في الحال. الثامنة- اختلفت الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ مَتَى يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ، فَقَالَ مَرَّةً: لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقِيَامِ أَوِ الِاشْتِغَالِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ. فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا حَتَّى افْتَرَقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا بَطَلَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ إِلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ مَرَّةً: لَهَا الْخِيَارُ أَبَدًا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا تَرَكَتْ، وَذَلِكَ يُعْلَمُ بِأَنْ تمكنه من نفسها بوطي أَوْ مُبَاشَرَةٍ، فَعَلَى هَذَا إِنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا ولم تختر شيئا

كان له رفعها إلى الْحَاكِمِ لِتُوقِعَ أَوْ تُسْقِطَ، فَإِنْ أَبَتْ أَسْقَطَ

(1). راجع ج 3 ص 125

ص: 172