الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُونَهَا
…
جَرَى فَوْقَهَا وَاسْتَشْعَرَتْ لَوْنُ مُذْهَبِ «1»
وَرَوَى سِيبَوَيْهِ:" لَوْنَ مُذْهَبِ" بِالنَّصْبِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الْهَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَاسْتَشْعَرَتْهُ، فِيمَنْ رَفَعَ لَوْنًا. وَالذَّاكِرُ قِيلَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ وَغُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَفِي الْمَضَاجِعِ وَعِنْدَ الِانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعِهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْأَحْكَامِ، فَأَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ «2». وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَكُونُ ذَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى كَثِيرًا حَتَّى يَذْكُرَهُ قَائِمًا وَجَالِسًا وَمُضْطَجِعًا. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: مَنْ أَيْقَظَ أَهْلَهُ بِاللَّيْلِ وَصَلَّيَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا والذاكرات.
[سورة الأحزاب (33): آية 36]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: رَوَى قَتَادَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَكَانَتْ بِنْتَ عَمَّتِهِ، فَظَنَّتْ أَنَّ الْخِطْبَةَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ يُرِيدُهَا لِزَيْدٍ، كَرِهَتْ وَأَبَتْ وَامْتَنَعَتْ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. فَأَذْعَنَتْ زَيْنَبُ حِينَئِذٍ وَتَزَوَّجَتْهُ. فِي رِوَايَةٍ: فَامْتَنَعَتْ وَامْتَنَعَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ لِنَسَبِهَا مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنَّ زَيْدًا كَانَ بِالْأَمْسِ عَبْدًا، إِلَى أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهَا: مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، فَزَوَّجَهَا مِنْ زَيْدٍ. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَزَوَّجَهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ هِيَ وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول
(1). الكمت: جمع أكمت وهي حمرة تضرب إلى السواد. والمدماة: شديدة الحمرة مثل الدم. والمتون: جمع متن وهو الظهر. واستشعرت: جعلت شعارها. والمذهب: المموه بالذهب. والبيت لطفيل الغنوي (عن سيبويه والعيني). [ ..... ]
(2)
. راجع ج 1 ص 331 وج 4 ص 82 و310.
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجَنَا غَيْرَهُ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَأَجَابَا إِلَى تَزْوِيجِ زَيْدٍ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرٍ أَنْ يَعْصِيَاهُ. الثَّانِيَةُ: لَفْظَةُ" مَا كَانَ، وَمَا يَنْبَغِي" وَنَحْوِهِمَا، مَعْنَاهَا الْحَظْرُ وَالْمَنْعُ. فَتَجِيءُ لِحَظْرِ الشَّيْءِ وَالْحُكْمِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَرُبَّمَا كَانَ امْتِنَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَقْلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها"«1» [النمل: 60]. وَرُبَّمَا كَانَ الْعِلْمُ بِامْتِنَاعِهِ شَرْعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ"«2» ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)«3» [الشورى: 51]. وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْمَنْدُوبَاتِ، كَمَا تَقُولُ: مَا كَانَ لَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تَتْرُكَ النَّوَافِلَ، وَنَحْوَ هَذَا. الثَّالِثَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ بَلْ نَصٌّ فِي أَنَّ الْكَفَاءَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَحْسَابِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَدْيَانِ، خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْمُغِيرَةِ وَسَحْنُونٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَالِيَ تَزَوَّجَتْ فِي قُرَيْشٍ، تَزَوَّجَ زَيْدٌ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ. وَتَزَوَّجَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرٍ. وَزَوَّجَ أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا مِنْ فَاطِمَةَ «4» بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ. وَتَزَوَّجَ بِلَالٌ أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ «5» مَوْضِعٍ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ:" أَنْ يَكُونَ" بِالْيَاءِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُؤَنَّثِ وَبَيْنَ فِعْلِهِ. الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ مُؤَنَّثٌ [فَتَأْنِيثُ] فِعْلِهِ حَسَنٌ. وَالتَّذْكِيرُ عَلَى أَنَّ الْخِيَرَةَ بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ، فَالْخِيَرَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاخْتِيَارِ. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ" الْخِيرَةَ" بِإِسْكَانِ الْيَاءِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ"«6» [الأحزاب: 6]. ثم توعد تعالى وأخبر أن من يعصى الله ورسوله فقد ضل.
(1). راجع ج 13 ص 221.
(2)
. راجع ج 4 ص 121.
(3)
. راجع ج 16 ص 53.
(4)
. في الأصول وابن العربي: (هند) والتصويب عن كتب الصحابة.
(5)
. راجع ج 3 ص 69 وج 13 ص 278.
(6)
. راجع ص 121 من هذا الجزء.