الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ) أَيِ الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي بَقَائِكُمْ وَكُلِّ أَحْوَالِكُمْ. الزَّمَخْشَرِيُّ:" فَإِنْ قُلْتَ لِمَ عَرَّفَ الْفُقَرَاءَ؟ قُلْتُ: قَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ يُرِيَهُمْ أَنَّهُمْ لِشِدَّةِ افْتِقَارِهِمْ إِلَيْهِ هُمْ جِنْسُ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَتِ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ مُفْتَقِرِينَ إِلَيْهِ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْفَقْرَ مِمَّا يَتْبَعُ الضَّعْفَ، وَكُلَّمَا كَانَ الْفَقِيرُ أَضْعَفَ كَانَ أَفْقَرَ، وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالضَّعْفِ فِي قَوْلِهِ:" وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً" «1»
[النساء: 28]، وقال:" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ"«2»
[الروم: 54] وَلَوْ نَكَّرَ لَكَانَ الْمَعْنَى: أَنْتُمْ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ. فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قُوبِلَ" الْفُقَراءُ" بِ"- الْغَنِيُّ" فَمَا فَائِدَةُ" الْحَمِيدُ"؟ قُلْتُ: لَمَّا أَثْبَتَ فَقْرَهُمْ إِلَيْهِ وَغِنَاهُ عَنْهُمْ، وَلَيْسَ كُلُّ غَنِيٍّ نَافِعًا بِغِنَاهُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْغَنِيُّ جَوَادًا مُنْعِمًا، وَإِذَا جَادَ وَأَنْعَمَ حَمِدَهُ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِمْ وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْحَمْدَ- ذَكَرَ" الْحَمِيدُ" لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ الْغَنِيُّ النَّافِعُ بِغِنَاهُ خَلْقَهُ، الْجَوَادُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِمْ، الْمُسْتَحِقُّ بِإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهُ". وَتَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ أَجْوَدُ الْوُجُوهِ عِنْدَ الْخَلِيلِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْأُولَى وَحْدَهَا وَتَخْفِيفُهُمَا وَتَحْقِيقُهُمَا جَمِيعًا." وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" تَكُونُ" هُوَ" زَائِدَةً، فَلَا يَكُونُ لَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ، وَتَكُونُ مُبْتَدَأَةً فيكون موضعها رفعا.
[سورة فاطر (35): الآيات 16 الى 17]
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) فِيهِ حَذْفٌ، الْمَعْنَى إِنْ يَشَأْ [أَنْ «3»
] يُذْهِبْكُمْ يُذْهِبْكُمْ، أَيْ يُفْنِيكُمْ. (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أَيْ أَطْوَعِ مِنْكُمْ وَأَزْكَى. (وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) أَيْ مُمْتَنِعٍ عَسِيرٍ مُتَعَذَّرٍ. وقد مضى هذا في (إبراهيم)«4» .
[سورة فاطر (35): آية 18]
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
(1). راجع ج 5 ص (168)
(2)
. راجع ج 46 من هذا الجزء.
(3)
. زيادة عن النحاس.
(4)
. راجع ج 9 ص 354
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ «1»
، وَهُوَ مَقْطُوعٌ مِمَّا قَبْلَهُ. والأصل" تؤزر" حُذِفَتِ الْوَاوُ اتِّبَاعًا لِيَزِرُ." وازِرَةٌ" نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ نَفْسٌ وَازِرَةٌ. وَكَذَا (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها) قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ نَفْسٌ مُثْقَلَةٌ أَوْ دَابَّةٌ. قَالَ: وَهَذَا يَقَعُ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِنْسَانًا إِلَى حِمْلِهَا وَهُوَ ذُنُوبُهَا. وَالْحِمْلُ مَا كَانَ عَلَى الظَّهْرِ، وَالْحَمْلُ حَمْلُ الْمَرْأَةِ وَحَمْلُ النَّخْلَةِ، حَكَاهُمَا الْكِسَائِيُّ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ. وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ أَنَّ حَمْلَ النَّخْلَةِ يُفْتَحُ وَيُكْسَرُ. (لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى) التَّقْدِيرُ عَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ: وَلَوْ كَانَ الْإِنْسَانُ الْمَدْعُوُّ ذَا قُرْبَى. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَلَوْ كَانَ ذُو قُرْبَى. وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَمِثْلُهُ" وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ"«2»
[البقرة: 280] فَتَكُونُ" كانَ" بِمَعْنَى وَقَعَ، أَوْ يَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا، أَيْ وَإِنْ كَانَ فِيمَنْ تُطَالِبُونَ ذُو عُسْرَةٍ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: النَّاسُ مَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ إِنْ خَيْرٌ فَخَيْرٌ، عَلَى هَذَا. وَخَيْرًا فَخَيْرٌ، عَلَى الْأَوَّلِ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ يَرَى الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أَكُنْ قَدْ أَسْدَيْتُ إِلَيْكَ يَدًا، أَلَمْ أَكُنْ قَدْ أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ فَيَقُولُ بَلَى. فَيَقُولُ: انْفَعْنِي، فَلَا يَزَالُ الْمُسْلِمُ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى يَنْقُصَ، مِنْ عَذَابِهِ. وَأَنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِي إِلَى أَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: أَلَمْ أَكُنْ بِكَ بَارًّا، وَعَلَيْكَ مُشْفِقًا، وَإِلَيْكَ مُحْسِنًا، وَأَنْتَ تَرَى مَا أَنَا فِيهِ، فَهَبْ لِي حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِكَ، أَوِ احْمِلْ عَنِّي سَيِّئَةً، فَيَقُولُ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتَنِي يَسِيرٌ، وَلَكِنِّي أَخَافُ مِثْلَ مَا تَخَافُ. وَأَنَّ الْأَبَ لَيَقُولُ لِابْنِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْوًا مِنْ هَذَا. وَأَنَّ الرَّجُلَ لَيَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: أَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ الْعِشْرَةَ لَكِ، فَاحْمِلِي عَنِّي خَطِيئَةً لَعَلِّي أَنْجُو، فَتَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ لَيَسِيرٌ وَلَكِنِّي أَخَافُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ. ثُمَّ تَلَا عِكْرِمَةُ:" وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى ". وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَلْقَى وَلَدَهَا فَتَقُولُ: يَا وَلَدِي، أَلَمْ يَكُنْ بَطْنِي لَكَ وِعَاءً، أَلَمْ يَكُنْ ثَدْيِي لَكَ سِقَاءٌ، أَلَمْ يَكُنْ حِجْرِي لَكَ وِطَاءً، يَقُولُ: بَلَى يَا أُمَّاهُ، فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ، قَدْ أَثْقَلَتْنِي ذُنُوبِي فَاحْمِلْ عَنِّي مِنْهَا ذَنْبًا وَاحِدًا، فَيَقُولُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أُمَّاهُ، فَإِنِّي بِذَنْبِي عَنْكِ مَشْغُولٌ.
(1). راجع ج 7 ص 157.
(2)
. راجع ج 3 ص 371.